(68)
وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم
يقتضي الإيمان بالرسول صلى الله عليه
وسلم، وجوب اتباعه وطاعته في أمره ونهيه، فذلك ثمرة الإيمان الصادق، ومظهر صلاح
الفرد والأسرة والأمة، والحجة القاطعة على محبته صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى
محبته ولم يتبعه فهو كاذب في دعواه.
ومحبته فرض على كل مسلم، بل إن اتباعه دليل على محبة الله تعالى، ومحبة الله
ورسوله مقدمة على محبة النفس والمال والأهل والولد، كما قال تعالى: {قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}. [آل عمران: 31]
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده
والناس أجمعين). [متفق عليه، وهو في اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان
(ص: 9) من حديث أنس رضي الله عنه. ]
ومن أغرب الأمور وأمقتها عند الله أن يوصَى بعضُ من يتصدى لتعليم جهلة المسلمين
دينَ الله بحثهم على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يعملوا بما جاءهم به
من عند ربه، فيقول: لا ينبغي أن يبدأ بذلك ولا يطرق ذلك كثيرا، حتى تثبت
العقيدة في نفوسهم لئلا يكون ذلك سببا في الغلو فيه! وكأن هذا الجاهل-الذي يدعي
العلم ويتصدى لتعليم الجهال دين الله-أشد حرصا على حماية جناب التوحيد-من الله
ورسوله! أي عقيدة يعني من جفا هذا النبي الكريم، وخالف الوحيين؟ أليست محبة
الرسول صلى الله عليه وسلم من صميم الإيمان؟! {إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى
القلوب التي في الصدور}]
واتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام في ما جاءوا به من عند ربهم هو مقصود رسا
لاتهم، وبه يتحقق اهتداء الأمم وصلاحها وسعادتها، وفي عصيانهم وسلوك غير سبيلهم
الضلال والفساد والشقاء.
فمن زعم أنه يؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ويحبه-وما أكثر من يدعي محبته-وهو
يعصيه ويشاقه ويرفض اتباعه والعمل بما جاء به من عند ربه، فهو كاذب في زعمه،
وهو عاص غير مطيع، ضال غير مهتد، فاسد مفسد، غير صالح ولا مصلح، متبع سبل
الشيطان لا صراط الرحمن، قال تعالى-بعد أن أهبط آدم وحواء وعدوهما ومغويهما،
إبليس من الجنة: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون} البقرة: 38-39.
وقال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}. النساء: 64.
وقال تعالى: {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا
من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون}. يس: 20-21.
وقال تعالى: {كذب قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم
رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون}. الشعراء: 105-108. وكان ذلك هو قول كل الرسل
الذين جاءوا بعد نوح لقومهم.
وقال تعالى: {ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان}. البقرة: 208.
وقد جعل الله معيار صدق من ادعى الإيمان به وادعى محبته ومحبة دينه ومحبة رسوله
صلى الله عليه وسلم، اتباع ما جاء به هذا الرسول من عند ربه، فقال تعالى: {قل
إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}. آل عمران: 31.
و شبه سبحانه من اتبع ما جاء به رسوله في الاهتداء والصلاح بالبصير، وشبه من لا
يتبعه في الضلال والفساد بالأعمى، فقال تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله
ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى
والبصير أفلا تتفكرون}. الأنعام: 5.
(69)
أثر الإيمان بالرسول في صلاح الأمة
الإسلام هو دين الحق، والقرآن والسنة
هما الهدى، وهما-بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم-سبيل هداية البشر إلى هذا
الدين، والذي جاء بهما من عند الله هو هذا الرسول الكريم، فلا مصدر لدين الحق
إلا القرآن والسنة، وبدين الحق ومصدره يكون الصلاح، وبغيرهما-مما يخالفهما-
يكون الفساد، لأن الكتاب والسنة من وحي الله، و كل مصدر يخالفهما فهو من وحي
الشيطان.
فالرسول صلى الله عليه وسلم هو وحده الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه
وهداه، فاتباعه فرض، وهو سبب صلاح الأمة، وجميع السبل المخالفة لسبيله يجب
اطراحها وتركها والبعد عنها وإن أسخط ذلك كل الناس، لأن سلوك تلك السبل وإرضاء
أهلها به يسخط الله ويكون سببا في شقاء الأمة وفسادها.
قال تعالى: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ولن ترضى
عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت
أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير}. البقرة:
119-120.
وقال تعالى: {أ لم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من
قبلك وبالآخرة هم يوقنون ألئك على هدى من ربهم وألئك هم المفلحون}. البقرة:
1-5. فرتب سبحانه فلاح هذه الأمة على الإيمان بما جاء به الرسول والاهتداء به
والعمل بمقتضاه، ويترتب على اتباع الأمة لهدي رسولها صلى الله عليه وسلم، أن
تكون في زمرة دعاة الهدى والصلاح، كما قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك
مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا}. النساء: 69.
ويترتب على اتباع الرسول، صلى الله عليه وسلم اجتماع كلمة الأمة ووحدتها
وسلامتها من التنازع والفشل، لاعتصامها بحبل الله، وردها ما اختلفت فيه إلى
الله ورسوله، قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة
الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا
حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}. آل
عمران:103.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر
ذلك خير وأحسن تأويلا}. النساء: 59.
وباتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يحبب الله إلى الأمة إيمانها بربها ورسولها
ويزينه في قلوبها، ويجعلها أمة صلاح وفلاح وهدى ورشاد، ويكره إليها الكفر
والفسوق والعصيان كما قال تعالى: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير
من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر
والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم}
الحجرات: 7-8.
ولقد أجمل الله تعالى وصف أتباع محمد صلى الله عليه وسلم معه في آية واحدة بما
يظهر عزتهم وعلو قدرهم على من سواهم، وتعاونهم وتراحمهم فيما بينهم، وقوة
تماسكهم، والغاية التي يسعون إلى تحقيقها في حياتهم وعبادتهم وأعمالهم الصالحة
كلها التي أصلح الله بها شأنهم في الدنيا والآخرة، وهذه الأمور تكاد تكون
مفقودة اليوم في حياة غالب هذه الأمة.
وسبب وجودها في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سار على دربهم إنما هو
اتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وسبب فقدها أو فقد أكثرها في هذه الأمة
اليوم إنما هو عدم اتباعها له، قال تعالى: {محمد رسول الله والذين آمنوا معه
أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا
سيما هم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع
أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد
الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}. الفتح: 29.