(90)
الإيمان بالقدر
تمهيد
لا أريد الدخول في مباحث القدر العويصة، ولعل في المبحثين الذين ذكرتهما هنا
-وهما: الإيمان بالقدر داعي سعي وعمل، وليس داعي اتكال وكسل . وبيان فساد
الاحتجاج به على رضا الله بالمعاصي- كفاية لطالب الحق.
ومن أراد التوسع في مباحثه فليرجع إلى الكتب التي ألفت فيها خاصة مثل كتاب شفاء
العليل في القضاء والقدر والتعليل، وهو يقع في مجلد.
وللإيمان بقدر الله مراتب أربعة، وهي العلم، والكتابة، و المشيئة الكونية
القدرية والخَلْق، وقد فصل القول في هذه المراتب ابن القيم رحمه الله في كتابه:
"شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" [صفحة: 63-109] نشر دار
التراث/القاهرة]
النصوص الدالة على الإيمان بالقدر
وهو أحد أركان الإيمان الستة التي من
أنكرها أو أنكر بعضها كفر، وقد وردت بإثبات هذا الركن-كغيره من الأركان الأخرى
-نصوص كثيرة، في الكتاب والسنة، وأجمع على وجوب الإيمان به سلف الأمة، من
الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وقد دلت نصوص القرآن والسنة الكثيرة على هذه مراتبه الأربع المذكورة.
فالنصوص الدالة على كمال علمه وإحاطته بكل شيء، لا تحصى كثرة، من ذلك قوله
تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من
يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال: إني أعلم ما لا تعلمون}.
البقرة: 30.
وقوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. البقرة: 216.
وقوله تعالى: {ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم}. النور: 35.
وقال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما
تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب
مبين}. الأنعام: 59.
ومن النصوص كذلك على المرتبة الثانية، وهي كتابته تعالى الأشياء في الأزل، قوله
تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها
إن ذلك على الله يسير}. الحديد: 22.
وقوله تعالى: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في
كتاب مبين}. يس: 12.
وقوله تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر}. القمر: 52. وفسر بعض السلف الزبر
باللوح المحفوظ، الذي قال الله تعالى فيه: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}.
البروج: 21-22.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين
النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك و يكذبه). [اللؤلؤ
والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (صفحة: 720) المطبعة العصرية/الكويت]
وفي حديث عمران بن حصين، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
(... كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل
شيء....). [البخاري، بشرح فتح الباري: (6/286)]
قال ابن القيم، رحمه الله: (وأجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث،
أن كل كائن إلى يوم القيامة فهو مكتوب في أم الكتاب.....). [شفاء العليل:
(صفحة: 89)]
ومن النصوص الدالة على المرتبة الثالثة من مراتب الإيمان بالقدر، وهي مشيئته
تعالى، قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}. [الرعد: 39]
وقوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء
ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم}. [إبراهيم: 4]
وقول الله تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن
تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} [آل عمران:
26].
وقوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله العالمين} [التكوير: 29].
ومن النصوص الدالة على المرتبة الرابعة، وهي خلقه كل شيء وإيجاده وتكوينه، قوله
تعالى: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فاعبدوه} [الأنعام: 102].
وقوله تعالى: {أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 95/96].
وقوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [يس: 82].
وكل شيء في الكون من أعيان وصفات وحركات وسكنات، يدل على أن الله تعالى هو
خالقه ومقدره ومدبره، لا إله إلا هو.
فله تعالى قدرته التامة على كل شيء كما قال : {تبارك الذي بيده الملك وهو على
كل شيء قدير}. الملك: 1.
وقال: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير}. البقرة:
20.
وقد عد الرسول صلى الله عليه وسلم القدر، من أصول الإيمان التي سأله عنها جبريل
فقال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) [مسلم (1/37)]
(91)
الحذر من شبه أهل البدع في القدر :
ومعنى الإيمان بالقدر أن يعتقد المؤمن
أن الله تعالى علم كل ما هو كائن، قبل أن يكون، وكتبه كذلك، وهو الذي يوجده على
ما هو عليه، بحسب مقتضى علمه، وأنه لا قدرة لأحد أن يخرج عن مشيئة الله وقدره،
وهذا هو مقتضى النصوص مثل قوله تعالى: {إن الله على كل شيء قدير}، وقول الرسول
صلى الله عليه وسلم: (وتؤمن بالقدر خيره وشره).
وقد مضى على هذا الإيمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وافتدى بهم في
ذلك التابعون لهم بإحسان، وهو الحق الذي لا يجوز خلافه، لأنه مقتضى النصوص
القرآنية، والسنة الصحيحة.
فالإيمان بالقدر على ما ورد به القرآن والسنة، هو الواجب، وفيه السلامة من سلوك
أهل البدع، وأول البدع ظهورا، كانت بدعة القائلين: إن الأمر أنف، أي إن الله
تعالى وتقدس عما يقولون، لا يعلم الأشياء، إلا بعد وقوعها، وقد قال فيهم عبد
الله بن عمر، رضي الله عنهما: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم
برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه ما
قبل الله منه، حتى يؤمن بالقدر." ثم ذكر حديث أبيه عمر، في قصة سؤال جبريل
الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكان الإيمان والإسلام. راجع شرح النووي على مسلم
(1/156)]
القدر سر الله في خلقه:
ويجب أن يعلم أن ما يقدره الله، هو من
الغيب الذي لا يعلمه قبل وقوعه إلا هو، سبحانه، إلا ما أطلع عليه هو أحدا من
خلقه، كإعلامه الْمَلَك برزق المخلوق وأجله، وكونه شقيا أو سعيدا، وهو لا يزال
في رحم أمه، وكإخباره بعض رسله ببعض المغيبات، كما قال تعالى: {عالم الغيب فلا
يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول..}. الجن: 26-7.
فلا علم للعبد بما قدره الله تعالى، من صحة ومرض، وفقر وغنى، وعز وذل، وشقاوة
وسعادة، إلا بعد وجود ما يقدره تعالى.
(92)
وضوح
النجدين
منح الله الإنسان ما يفرق به بين الحق
والباطل، فمنحه العقل الذي يقيس به الخير والشر، ويزن به النافع من الضار، في
كثير من شئون حياته، وهذا يكون فيما اتفق عقلاء بني آدم على مدحه من جلب
المنافع ودفع المضار، كالصدق والعدل وأداء الأمانات، وترك الظلم، وغير ذلك مما
يرون أن مصالحهم لا تتم إلا به، وإن اختلفوا في التفاصيل [ولبس المراد به
التحسين والتقبيح على الوجه المتنازع فيه، بل ما اتفق عليه المسلمون وغيرهم، في
الجملة، لا في التفصيل].
ولعلمه تعالى أن هذا العقل له قدرات محدودة في مجالات معينة، إذا تجاوزها تاه
واختلت أحكامه، منح الله خلقه، ما يهدي تلك العقول إلى ما ينفعهم ويضرهم، فأنزل
عليهم كتبه وبعث إليهم رسله.
فقد منح الله العبد ما يفرق به بين ما ينفعه وما يضره في حياته، وخلق له قدرة
على فعل ما ينفعه وترك ما يضره، وأمره سبحانه بفعل ما يحبه ويرضاه-وهو الذي
ينفعه في دنياه وآخرته-من الأعمال الصالحة، ووعده عليها بالإثابة، ونهاه عما
يسخطه تعالى ويأباه-وهو ما يضره في دنياه وآخرته-من الأعمال الفاسدة، وتوعده
عليها بالعقاب، ووعده تعالى أن يعينه-إذا استعان به-على فعل الخير وترك الشر.
وعلم الإنسان بأنه قادر على السعي في جلب ما ينفعه، ودفع أو رفع ما يضره من
البدهيات التي لا ينكرها إلا مكابر، ولذا ترى الناس يكدحون ويجتهدون في جلب
أرزاقهم وصحة أبدانهم، وترى الساعي في جلب رزقه وصحة بدنه يصل إلى مقصده في
الغالب، كما ترى القاعد عن طلب الرزق وصحة البدن، يناله من الضنك والفقر والمرض
والأوجاع بمقدار قعوده وإهماله.
والذي يريد السيادة والملك يسعى في سبيل ذلك بتعاطي الأسباب المناسبة لهذا
الغرض، والذي يريد رضا الله و ثواب الآخرة ونعيمها يتعاطى الأسباب الموصلة له
إلى ذلك، وهكذا، بل إنك لترى الكفيف الذي فقد بصره، يتعلم كيف يقرأ، وينجح في
قصده، وترى الأصم الذي فقد سمعه يتعلم كيف يفهم ما يريده غيره بالإشارة، وترى
الناس رائحين غادين في قضاء حوائجهم، بناء على معرفتهم الفطرية بأن الأسباب
تترتب عليها مسبباتها غالبا، وهذه المعرفة يشترك فيها البشر كلهم، مسلمهم وكافر
هم، فهي بديهة فطرية لا ينازع فيها عاقل.
ويهدي الله لنوره من يشاء
ولكن المؤمن إضافة إلى ذلك يعلم أن الله القادر على كل شيء، قد أمره بالسعي في
عمل ما يرضيه تعالى، من الإيمان الصادق والعلم النافع والعمل الصالح، ونهاه عما
يسخطه تعالى ويأباه من الكفر والفسوق والعصيان، وكلاهما-الأمر والنهي-يحقق له
المصالح ويدفع عنه المضار في الدنيا والآخرة، ويعلم أن الله تعالى لا يمكن أن
يأمره وينهاه إلا بما هو قادر على فعله وتركه، لأن رحمة الله وحكمته تقتضيان أن
لا يكلف عبده بما لا يطيق ولا يقدر، فالقدرة مناط التكليف {لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها}. البقرة: 286.
فإذا أمر الله عبده المؤمن بطاعة أو نهاه عن معصية، علم العبد المأمور أن الله
يحب له الصلاح، ويكره له الفساد، فيجتهد في فعل ما أمره الله به، طلبا لرضاه،
وفي ترك ما نهاه عنه اتقاء لسخطه، ويستعين بربه الذي أمره ونهاه على فعل الطاعة
وترك المعصية، لعلمه أنه تعالى على كل شيء قدير، والله يعينه إذا علم صدق نيته،
ولذا شرع الله للمسلم أن يقول في كل صلاة: {إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا
الصراط المستقيم}.
ويعلم المؤمن أن الله تعالى استخلف الإنسان في الأرض لعمارتها ماديا ومعنويا،
على مقتضى هداه، فكما يعمر المسجد بالبناء والذكر والصلاة وغيرها طاعة لله، فهو
كذلك يعمر المصانع والقلاع والحصون، ويصنع السلاح لرد العدوان وحماية الدعوة
وتحرير الناس من عبودية العباد إلى عبادة الله رب العباد، ويشق الطرق ويحوك
الملابس ويفلح الأرض لينفع نفسه وغيره من الناس، يفعل كل ذلك وهو يعلم أن الله
القادر على كل شيء هو الذي أمره بما فعل، وأن تمكين الله له في هذه الأرض يقتضي
القيام بأمر الله، كما قال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة
وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}. الحج: 41.
وأن الله القادر على كل شيء هو الذي قال له: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}. آل عمران: 31-32
ولولا أن الله تعالى القادر على كل شيء، عالم أن عبده الذي أمره بعمارة الأرض
وأمره بطاعته وطاعة رسوله، صلى الله عليه وسلم، قادر على فعل ما أمره به، لما
كلفه ذلك.
(93)
لا
تترك الأسباب لتخلف بعض المسببات
الأصل أن يترتب المسبب على وجود السبب،
فالأكل سبب في إذهاب الجوع، وشرب الماء سبب في إذهاب العطش، وفلاحة الأرض، وبذر
الحب سبب في إنبات الزرع، والغطاء المناسب سبب في إذهاب البرد، والنار سبب في
الإحراق، والجد في طلب العلم-أي علم كان-سبب في الوصول إليه، وتناول الدواء سبب
في إذهاب المرض والإيمان والعمل الصالح سببان في نيل رضا الله ودخول الجنة،
ومثل ذلك جميع الأسباب ا لمناسبة لمسبباتها، وهي لا تحصي في حياة الأفراد
والأمم من يوم وجدت الخلائق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وكون الإنسان قد يعمل السبب ليتوصل به إلى المسبب، ثم لا يتحقق له ذلك في بعض
الأحيان، لا يسوغ له أن ييأس ويترك السبب، بل عليه أن يعيد الكرة مرات فقد يكون
في السبب الذي عمله تقصير، فإذا عمل السبب كاملا وجد المسبب، وقد توجد أسباب
أخرى في الوقت الذي عمل فيه السبب معارضة لذلك السبب، فإذا عمله في وقت آخر،
ترتب عليه مسببه.
وقد يكون ذلك راجعا إلى تقدير الله في الأزل بأن لا يترتب المسبب على السبب،
فإذا اتخذ المرء سببا آخر لمسبب آخر وُجِد المسببُ، لأن الله قدر في الأزل أن
يترتب المسبب على السبب.
هذه المسببات التي قد تتخلف بتقدير من الله-الذي لا يعلمه المكلف، بل هو غيب
عنه-لا تسوغ للمكلف أن يترك الأسباب، لأنه مأمور بفعلها، وليس مأمورا أن يطلع
على قدر الله الغائب عنه، ليعمل وفقه.
(94)
مواقف
الناس من الأسباب
وقد لخص ابن قيم الجوزية، رحمه الله
مواقف الناس من الأسباب تلخيصا مفيدا، فقال: {والناس في الأسباب والقوى
والطبائع ثلاثة أقسام:
منهم من بالغ في نفيها وإنكارها، فأضحك العقلاء على عقله، وزعم أنه بذلك ينصر
الشرع، فجنى على العقل والشرع، وسلط خصمه عليه.
ومنهم من ربط العالم العلوي والسفلي بها، بدون ارتباطها بمشيئة فاعل مختار،
ومدبر لها يصرفها كيف أراد، فيسلب قوة هذا ويقيم لقوة هذا قوة تعارضه، ويكف قوة
هذا عن التأثير مع بقائها، ويتصرف فيها كما يشاء ويختار. وهذان طرفان جائران عن
الصواب.
ومنهم من أثبتها خلقا وأمرا، وقدرا وشرعا، وأنزلها بالمحل الذي أنزلها الله به،
من كونها تحت تدبيره ومشيئته، وهي طوع المشيئة والإرادة، ومحل جريان حكمها
عليها، فيقوي سبحانه بعضها ببعض ويبطل-إن شاء-بعضها ببعض، ويسلب بعضها قوته
وسببيته، ويعريها منها، ويمنعه من موجبها مع بقائها عليه، ليعلم خلقه أنه
الفعال لما يريد، وأنه لا مستقل بالفعل والتأثير غير مشيئته، وأن التعلق بالسبب
دونه كالتعلق ببيت العنكبوت، مع كونه سببا.} [إغاثة اللهفان: (1/243)]
هكذا يجب أن يفقه المؤمن الأسباب ومسبباتها، وأنها كلها تابعة لمشيئة الله الذي
يقول للشيء كن فيكون، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو مكلف بفعل السبب،
فيفعله طاعة لله، لعلمه أن ما أمره الله به له فيه مصلحة في دينه ودنياه.
ولهذا سعى عباد الله المؤمنون، من الأنبياء والمرسلين، وأتباعهم من الصديقين
والشهداء والصالحين، سعيا حثيثا في عمل ما يحبه الله ويرضاه، مع إيمانهم الصادق
ويقينهم الكامل بأن الله على كل شيء قدير، ونشروا في الأرض الصلاح، وحاربوا
الشر والفساد، واستعانوا بربهم على أعدائهم، فنصرهم الله عليهم، ولكنهم كانوا
يعلمون أن سعيهم ذلك إنما هو سبب مأمور به اقتضت حكمة الله أن يوصل ذلك السبب
إلى النتائج المترتبة عليه، إلا أن تلك النتائج ليست حتمية الوقوع، بحيث يستقل
السبب في إيجادها عن الله، بل لابد في وجودها وترتبها على السبب من كون الله
تعالى قدر ذلك وشاءه، فإذا شاء الله خلاف ذلك فإن السبب لا يستقل بوجود
النتيجة، كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم، عليه السلام.
|