9/10/1425هـ - 21/11/2004م
غدا سيعقد مؤتمر شرم الشيخ، الذي حشدت له أمريكا منظمات دولية، وعربية
وإسلامية، ودولا عظمى ذات وزن سياسي واقتصادي، ودولا إقليمية عربية وغير
عربية، تحيط بالشعب العراقي الذي احتلته الولايات المتحدة الأمريكية لتحقق
باحتلاله أهدافها العدوانية للسيطرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والعسكرية، على أخطر منطقة في العالم، وهي البلدان العربية وما جاورها،
ولتتقوى بذلك وتتخذه وسيلة للسيطرة على العالم كله...
هدف أمريكا من عقد هذا المؤتمر تسويغ استمرار احتلالها وتصرفاتها الظالمة
في ضرورات حياة هذا الشعب، الذي دمرته وأشعلت فيه نار الفتنة، واعتدت على
أهله رجالا ونساء، شيوخا وأطفالا، وأهانت علماءه من المتخصصين في كل العلوم
الشرعية والطبية والهندسية والفيزيائية والكيماوية، وشلت قدرته العسكرية،
واغتالت كثيرا منهم أو غيبتهم عن بلادهم بخطفهم من بيوتهم وشوارعهم، لتقضي
على أعظم ثروة ملكها الشعب العراقي المسلم...
هدف أمريكا تسويغ استمرار سيطرتها على العراق، والفوز بشرعية تنصيب حكومة
دائمة بدلا من حكومة مؤقتة، تنتزع تلك الشرعية من المؤتمرين في شرم الشيخ،
بدعم إجراء الانتخابات في الوقت الذي يدمر فيه جنودها المدن العراقية
ويعيثون فيها فسادا، ويبيدون أهلها إبادة جماعية، وبالمشاركة في ما تسميه
بإعمار العراق، الذي
ثم تتخذ نتيجة تلك الانتخابات المصنوعة في البيت الأبيض وفي مقر الحاكم
الفعلي العراق (السفير الأمريكي) وتفصل تفصيلا أمريكيا تفرز مجلسا يسمى بـ(المجلس
الوطني) يوقع على دستور دائم ألفاظه عربية منمقة، ومحتواه يخدم المحتل
ويحرم أحرار العراق المعارضين للاحتلال حقوقهم، حتى بعد خروج قواته الظاهري
– إن خرجت – ولو بعد زمن طويل، ثم ما ينبثق عن ذلك الدستور من قوانين يصوغ
مسوداتها خبراء أمريكان ويهود في مكتب السفير الأمريكي، ويصحح أغلاطها
الإملائية والنحوية موظفون في مكتب مجلس الوزراء العراقي، تحقق لأمريكا كل
ما تصبوا إليه من نهب خيرات العراق، وتدبير شئونه الداخلية والخارجية،
السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والتعليمية والإعلامية، تنفذ
لها ذلك كله حكومة صورية ينسب إليها إصدار تلك القوانين والتوقيع عليها...
أمريكا تريد من مؤتمر شرم الشيخ الإقرار بشرعية انتخابات غير شرعية، يترتب
عليها دستور غير شرعي، تنبثق عنه حكومة غير شرعية، تصدر قوانين غير شرعية،
تهيمن بذلك كله على معارضي احتلالها الأحرار الذين لم يرضوا بأن يكونوا
عملاء يسمعون له ويطيعون.
ولهذا أصرت أمريكا على عدم حضور من يعارض احتلالها من العراقيين هذا
المؤتمر، وهم المظلومون الذين دمرت مدنهم وقرارهم في أقدس الشهور وأفضل
الأيام وأكرم الليالي، وهم في مساجدهم يجأرون إلى الله بالدعاء في رمضان،
ولا زال المحتل يدمر ويقتل ويذل أعزة القوم وزعماءهم، و خذلتهم غالب حكومات
الشعوب الإسلامية القريبة منها والبعيدة، فلم تصدر منهم بيانات استنكار
واحتجاج تدين الظلم والعدوان الأمريكي.
وهذا يعني أن مؤتمر شرم الشيخ سيصدر حكمه على الخصم وهو غائب، وسيكون
المحتل هو القاضي، وهو الشاهد، وهو المدعي، وهو المحامي، وعلى المدعى عليه
المظلوم أن يستقبل الحكم العادل عن العدل بالتسليم قهرا واضطرارا، ولا بأس
أن يردد هذا المظلوم مثلا كانت تردده قبيلة يمنية ظلمتها قبيلة أخرى مجاورة
تسمى "قبيلة أسلم" : ((المدعي من أسلم، والشاهد من أسلم، والقاضي من اسلم،
فكيف أسلم؟!))
ونحن لا نطمع من زعماء القبيلة الأمريكية في المؤتمر أن يعدلوا في قضائهم
على القبائل العراقية المظلومة، بل الأصل أن يستمروا في تصعيد ظلمهم الذي
لم يفتأ ملازما لهم منذ استأصلوا سكان أمريكا الأصليين، وعاثوا فسادا في كل
أنحاء العالم، ولا زالوا حيث لا يعيشون إلا الحروب والسلاح واستغلال خيرات
شعوب العالم، وهم يستعينون على ظلمهم بالضغط على الدول الأخرى التي يضغطون
عليها بالترغيب والترهيب عن طريق المصالح المادية التي يمنحونها أو
يمنعونها.
أما ممثلو الحكومة العراقية المؤقتة في المؤتمر، فلهم في هذا المؤتمر فرصة
ثمينة، لأنهم مستعجلون على الانتخابات التي تجرى تحت أزيز الطائرات وقذائف
الصواريخ و قتل المعارضين، والمؤتمر إنما يعقد لدعمهم ماديا ومعنويا،
ليقطفوا ثمرة نشاطهم مع المحتل قبل الاحتلال وبعده، حتى يستأثروا بكراسي
الحكم ليقصوا عن طريقها معارضيهم ومعارضي الاحتلال لخروجهم على القانون
والنظام!
ولهذا نذكر المشاركين في المؤتمر من ممثلي المنظمات الإسلامية والعربية
والدولية، والدول الكبرى، والدول المجاورة للعراق، بأن عليهم مسئولية عظيمة
أما الله تعالى و أمام شعوب العالم في ما يوقعون عليه من قرارات لا تراعي
حقوق المعارضين الذين يراد تهميشهم في الشعب العراقي، فسيسجل عليهم التاريخ
كل سطر وكل كلمة تسطر في تلك القرارات، وسيعاقبهم الله وسيسقطون في عيون
شعوبهم، إذا دعموا ظلم الأقوياء على الضعفاء... وأقل ما يجب عليهم أن
يقولوا: لا للظلم، ويمتنعوا عن دعمه.
ونذكر المشاركين من ممثلي الدول المجاورة وبخاصة الدول الخليجية بما يجب
عليهم من مراعاة حق الجوار، فهؤلاء المظلومون من الشعب العراقي هم إخوانهم
وأبناء عشيرتهم، وقد أمرهم دينهم بنصر المظلوم ونهاهم عن خذلانه، وفي
القرآن الكريم والسنة النبوية وأحاديث آيات تنذر الظالمين وناصريهم بعواقب
وخيمة في الدنيا والآخرة:
((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ
أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ
عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ
مَشْهُودٌ (103)) [هود]
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم
يفلته، قال ثم قرأ الآية السابقة [صحيح البخاري (4/1726)]
وقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يقول: "الضعيف أمير الركب" ونحن
نعلم أن قائد ركب مؤتمر شرم الشيخ ليس هو الضعيف، بل هو القوي الذي يقول
كما قال سلفه في غابر الزمان: ((فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي
الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ
قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)) [فصلت]
وإذا غاب عنكم ما أوجبه عليكم دينكم، فاذكروا نخوة أجدادكم العرب الذين
كانوا يعقدون الأحلاف لنصرة المظلوم على ظالمه في أيام جاهليتهم، وإذا كان
وضعكم لا يتيح لكم نصرهم بالفعل فانصروهم بالقول والامتناع عن دعم الظالم
عليهم، وذلك هو الدرجة الثانية في إنكار المنكر، وسجلوا ما يمكن أن تنالوا
به ثقة شعوبكم فيكم...
سيقول بعض الناس بعد قراءة هذا الموضوع: ما هذه الأحلام السعيدة التي
راودتك في يقظتك، وما هذه الآمال العراض التي دفعتك إلى ضياع وقتك، وأنت
تعلم أنها صرخة في واد، ونفخة في رماد:
لقد أسمعت لو ناديت حيا،،،،،،،،،،ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت،،،،،،، ولكن أنت تنفخ في رماد
وأقول: إنه تسجيل موقف تتمناه جميع الشعوب الإسلامية، ومنها الشعوب
العربية، ثم أقول كما قال السابقون: ((مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) [الأعراف 164]
و علي أن أسعى وليـــ ـس علي إدراك النجاح.