لقد ابتليتم بالقوة المادية: المال الوفير، والقوة العسكرية وغيرهما،
واستعملتم كل ذلك في غير موضعه، ونشرتم بذلك الظلم في الأرض، لأن الله
تعالى سلبكم الحكمة، وهي كما يقول علماء لغتنا: وضع الأمور في موضعها،
وأنتم وضعتم كل ما ابتلاكم الله به من تلك القوة، في غير موضعه ولا زلتم
مصرين على عدوانكم و ظلمكم.
نعم غزوتم العراق و أسقطتم نظامه السابق في فترة قصيرة، لتفوقكم المادي
وبخاصة العسكري، ولظلم النظام السابق، ولخيانة من ظاهروكم على شعبهم ولا
زالوا يظاهرونكم، ونشرتم الفوضى والرعب والخوف في مدن العراق وقرراه، كل
ذلك لتحققوا أهدافكم التي خططتم لها بهذا العدوان الآثم على هذا الشعب
المظلوم! فهل ستحققون أهدافكم؟!
نعم عرف العالم كله، أنكم أهل قوة مادية ليست بالهينة، وعرف العالم أنكم
مغرورون بتلك القوة، غرورا دفعكم إلى العدوان على عباده، عرف العالم ذلك
كله، فهل تقر أعينكم بهذه المعرفة واعتراف العالم بأنكم أقوياء معتدون أو
أنكم لا ترتاحون إلا إذا حققتم أهدافكم في حربكم وعدوانكم؟
نحن نعرف أهدافكم التي ركبتم رءوسكم وأقدمتم على عدوانكم من أجل تحقيقها:
إنكم تريدون تحطيم الشعب العراقي بإلغاء جيشه المدرب القوي بكل فئاته الذي
ارتعدت منه فرائص سادتكم اليهود المحتلين للشعب العربي المسلم (فلسطين).
وتريدون السيطرة على العالم كله بقوتكم المادية العسكرية وخاصة في كل من
العراق وأفغانستان، تهددون به إضافة إلى أحرار الشعبين المذكورين الدول
المجاورة لهما: الصين وحكومات الشعوب الإسلامية التي كانت رازحة لمدة سبعين
سنة تحت الاحتلال الشيوعي، وجمهورية باكستان الإسلامية، والشعب الإيراني،
والشعب العربي في سوريا، ولبنان والأردن، وجميع دول الخليج، والشعب التركي
الذي يئن من نيركم الثقيل!
وتريدون لذلك تثبيت قواعدكم العسكرية في كل من العراق وأفغانستان والشعب
العربي المسلم في الخليج، لتستمر سيطرتكم وعدوانكم على هذه البلدان عند
تحتاجون إلى ذلك. وتريدون استنزاف بترول المنطقة ونهب خيراتها لإفقار أهلها
شعوبها وزيادة ضعفها والسيطرة بتلك الطاقة على العالم كله، العالم الذي
تعلمون أنه في حاجة ماسة إلى هذه الطاقة التي منحها الله أهل المنطقة،
تريدون السيطرة بهذه الطاقة على العالم الذي يحتاج إليها في مشارق الأرض
ومغاربها.
وتريدون تمكين اليهود في المنطقة وتقوية فئة قليلة شاذة طارئة على المنطقة
على الشعوب العربية من نواكشوط غربا إلى عمان شرقا، بل على الأمة الإسلامية
كلها من السنغال ونيجيريا غربا إلى جاكرتا شرقا، تريدون أن تمكنوا هذه
الفئة القليلة العدد الطارئة على هذا الشعب المسلم، ليسيطروا على أكثر من
مليار مسلم وعلى هذه البلدان الشاسعة كلها، ببرها ونهرها وبحرها وممراتها
الجوية وغيرها، تريدون تمكين اليهود اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، لأنهم
ذراعكم الذي تريدون لهم أن يكونوا وكلاءكم في بلدان المسلمين.
وتريدون القضاء على هذا الدين الذي قد أخرنا ربنا في كتابه المحفوظ منذ
أكثر من أربعمائة عام، أنكم لا ترضون عن أهله إلا بزحزحة أهله وإخراجهم منه
ليكونوا كما أنتم بعيدين عن الله وعن منهجه ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ
هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ
الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا
نَصِيرٍ)) [البقرة (120)] ومن هنا كانت حملاتكم على هذا الدين في كل
البلدان الإسلامية، ابتداء بشن الحرب على مناهج التعليم، ومرورا بمحاولة
تزييف معانيه ثم تشويهه في مناهج المدارس في بلدانكم وفي وسائل الإعلام
والمراكز البحوث والجامعات، ظنا منكم أنكم تستطيعون القضاء على الإسلام بكل
الوسائل المتاحة لكم، وهيهات ثم هيهات أن تنالوا منه ما ترومون! ولقد
حاربتم الجمعيات الخيرية التي كانت تحفر للظمآن الآبار، وتبني للمريض
المستشفيات، وتشيد للعباد المساجد، تستر أجسادهم من الحر والبرد، وتبني
لأبنائهم المدارس والمعاهد، ليخلو الجو للجمعيات التنصيرية التي تحاول أن
تحرج الناس من النور إلى الظلمات! ثم انتهاء بضغطكم على أي دولة تفكر في
تطبيق الشريعة الإسلامية وأحكامها خشية من أن تظهر محاسن الإسلام عملا
للناس فيعرفون أنه حق.
وتريدون من وراء عكس ما تعلنونه نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان
والإعمار في البلدان التي شننتم عليه الحرب وعثتم فيها فسادا، والحق إنكم
لم تهدوا إليها إلا دكتاتورية مضاعفة واستعباد أهلها وقتلهم وخراب ديارهم
وأماكن عبادتها، وجعل أعزة أهلها أذلة ظلما وعدوانا. تلك هي أهدافكم التي
تريدون تحقيقها بعدوانكم على بلدان المسلمين وغيرها في كل من أفغانستان
والعراق وغيرها. ونود أن نقول لكم: إنكم مهما أنفقتم من مال، ومهما حشدتم
من قوة وجيش سوف تبوؤون بالفشل والهزيمة طال الوقت أم قصر، فالأحرار لا
يرضون بالاستعباد والله لا يرضى بالعدوان، وقد سبقتكم أمم قوية تبجحوا
وقالوا: ((فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ
الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا
يَجْحَدُونَ)) [فصلت (15)]
وستكون أموالكم التي تنفقونها للعدوان على الشعوب حسرة ووبالا عليكم بإذن
الله: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً
ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ))
[الأنفال (36)] لقد سبقت لعدوانكم على دروس وعبر كان يجب أن تتعظوا بها
وتعلموا أن الشعوب لا يمكن أن تستمر مستعبدة للأجانب المعتدين، بل لا بد أن
يخرجوهم صاغرين، ولكنكم لم تتعظوا ولم تعتبروا، شأن من أعمى الله بصائرهم
مثل الخفافيش التي لا تسرح وتمرح إلا في الظلام الدامس، ومثل العميان الذين
ينكرون ضوء الشمس البارزة في كبد السماء، ومثل الصم الذين لا يسمعون دعاء
ولا نداء: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ
يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى
الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) [الحج
(46)]
خفافيش أعماها النهار بضوئه،،،،،،،،، ووافقها قطع من الليل مظلم
لقد فضحكم الله وأظهر حقيقتكم للأممم، فقد كانت عندكم شعارات ترفعونها تغري
من يجهل حقيقتكم، كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فها أنتم اليوم
تدوسون الديمقراطية وتنتهكون حقوق الإنسان وتستعيدون الناس، فظهرتم على
حقيقتكم وحوشا ضارية أفتك من وحوش الغاب في غابها، فأصبحتم مكروهين في
العالم، ولا يمكن أن يصبح وجهكم الكالح جميلا عن طريق وسائل إعلامكم، ولا
بإنفاق أموالكم فالقبيح يبقى قبيحا لا تزينه المساحيق والأخضاب، والجميل
يبقى جميلا، ولو فقد أنواع الحلي والحلل، وإنكم إذا كنتم قد أسقطتم النظام
العراقي السابق الذي جرأتموه أنتم على ما صنع بشعبه وبالدول المجاورة له،
فإن العراق باق وسينبذكم اليوم أو غدا أنتم وعملاءكم الذين تحاولون تمكينهم
لينفذوا لكم ما ترومون!
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/79.htm