ابتعد غالب قادة الشعوب عن تطبيق شريعتنا، وذهبوا
يستغيثون بمبادئ غربية وشرقية، وجربوا كل مذهب
ومبدأ سلبيين على شعوبنا، الشيوعية والإلحاد
والدكتاتورية الشرقية، والرأسمالية والإباحية [التي سموها الحرية] والقومية
الغربية معاملين شعوبهم معاملة التجارب الطبية على الفئران والقرود
والخنازير، فقتلوا تلك الشعوب وحطموا معنوياتها، وأبعدوا كثيرا من أبنائها
عن حقيقة دينها الحنيف، وحلوا ما كان بينها من روابط العقيدة والأخوة
والاجتماع.
فأصبح كل شعب مكون من عدة قرى ومدن، ينظر إلى جاره المماثل له نظرة أجنبي
لأجنبي، فتنافرت النفوس، وتحاقدت القلوب، وحمل الأخ سلاحه ضد أخيه، ورأى
أعداء الإسلام هذه الشعوب وما تملكه من خيرات، شبيهة بجواهر ثمينة يرمقها
السارق لا حرز لها ولا حامي.
بل وجدوا من أبنائها من اقتدى برئيس المنافقين، الذي والى المشركين واليهود
في حب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام فأخذوا يترسمون خطاه في حرب
الشعوب الإسلامية، ينادون الصليبيين واليهود: أن هلموا إلى قصعتنا الشهية
فانهبوها، وهلموا إلى مقدساتنا فدنسوها، وهلموا إلى ديننا فاستأصلوه!
فأصبحت الشعوب الإسلامية، بقيادة زعمائها من جاكرتا إلى نواكشوط تتحكم فيها
شرذمة تجمعت من آفاق الأرض تجمعا لم تنله في أحقاب التاريخ في قلب الأرض
المباركة لهذه الأمة، هذه.
هذا حصل ويحصل، ونحن ندعو الله تعالى أن يعيد هؤلاء القادة إلى رشدهم
ويجمعوا كلمتهم على الحق، ويعطوا الخطر اليهودي والصليبي حقه من مقاومته
والدفاع عن دينهم وشعوبهم، بل وعن أنفسهم إذا أرادوا البقاء.
ولكن بقي عندنا أمل في أن لا يتمكن هذا التنازع وهذا التفرق إلى علماء
الأمة الإسلامية وجماعاتهم ومفكريهم وأحزابهم، لأنهم يجب أن يكونوا قدوة
لشعوبهم وشبابهم في جمع الكلمة واتحادها على الحق، متبعين النص من القرآن
والسنة فيما اختلفوا فيه إن وجد، وإلا الاجتهاد والشورى بقواعدها وضوابطها
فيما لا نص فيه، أو فيه نص يحتاج إلى اجتهاد في كيفية التطبيق.
وأن يحجزهم ذلك عن التنازع المؤدي إلى الفشل، والظهر أمام أتباعهم بمظهر
التمزق وعدم الاعتصام بحبل الله تعالى، وهو في نفس الوقت مغر لأعدائهم من
المحتلين والمغتصبين وأذنابهم الذين ظاهروهم ودعوهم إلى احتلال بلاد
المسلمين.
ويسرنا كثيرا أن نرى علماءنا في العراق المسلم، مجتمعي الكلمة، متعاونين
على تحقيق مصالح بلادهم، ويحزننا كثيرا أن نرى بينهم تفرقا واختلافا، مع
تعاون ومظاهرة أعدائهم في الداخل والخارج عليهم.
ولقد اطلعت على خبر يحكي فتوى عدد منهم تقول:
[64 إماما عراقيا مع الانضمام لقوات الأمن
http://www.islamonline.net/Arabic/news/2005-04/02/article01.shtml]
وخبر آخر في نفس الموقع، يقول:
[هيئة العلماء تتبرأ من فتوى أم القرى
http://www.islam-online.net/Arabic/news/2005-04/02/article11.shtml]
وساءني ذلك كثيرا وساء كل مهتم بشئون المسلمين، ولا سيما ما يجري من أعداء
الإسلام في العراق.
أيها العلماء في العراق، ألا تقدرون في هذه الفترة العصيبة، أن تفرزوا من
الأطراف المختلفة، من تتوسمون فيهم التقى والعلم والورع أن يجتمعوا
وتفوضوهم في الاجتهاد فيما أنتم فيه مختلفون وتزودهم بما عندكم من حجج
ليتدارسوها، ويصلوا إلى نتيجة فيها تجمع كلمتكم، وتوحدكم بدلا من الفتاوى
المتناقضة التي زادت قلوبنا جروحا على الجروح النازفة بسبب ما نراه من
العدوان عليكم.
إذا كنا قد سئمنا من تنازع واختلافات زعماء الشعوب الإسلامية، فهل يليق
بعلمائنا الذين هم قدوتنا أن يسيروا في نفس الطريق المحزن:
نحن لا نقول: إن الاختلاف لا يجوز أن يحصل بنيكم يا علماءنا فيما يحتاج إلى
اجتهاد، ونعرف أن غالب الأمور السياسية والعسكرية ونحوهما هي من القضايا
الاجتهادية القابلة للاختلاف، ولكن الذي لا يقبل الاختلاف انفراد كل فئة من
الفئات المختلفة برأيها بدون تنسيق بينها وبين الفئة الأخرى اختلافا يجعل
المختلفين يهدرون جلب مصالحهم ودفع مضارهم أمام عدوهم المشترك، وهذا مالا
يرضاه الله تعالى من عباده المؤمنين، وبخاصة العلماء الذين تتبعهم الأمة:
وماذا عسانا أنقول لربنا إذا سألنا: ماذا فعلتم في تطبيق أمري ونهيي لكم
عندما قرأتم قوله تعالى:
((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا
تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ
أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ
مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ
هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) [آل عمران]
ألا تخافون على أنفسكم من أن تؤتى أمتكم من قبل تنازعكم المؤدي إلى الفشل:
((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ)) [الأنفال(46)]
إنكم أحق من يتذكر هذه الآيات وما جاء في معناها من الأحاديث الثابتة، مثل
قوله صل الله عليه وسلم في حديث
مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: قالَ قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة
والصدقة قالوا بلى قال صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة)
[سنن الترمذي (4/663) وقال: "قال أبو عيسى هذا حديث صحيح ويروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق
الدين)
وفي حديث ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية فقال يا أيها الناس إني قمت فيكم
كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال أوصيكم بأصحابي ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم... إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم
بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد من
أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة...[سنن الترمذي (4/465) وقال:"قال أبو
عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد رواه بن المبارك عن محمد بن
سوقة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم"]
وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
–عندما بعثه ومعاذا إلى اليمن -قال لهما: ( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا
وتطاوعا ولا تختلفا) [صحيح البخاري (3/1104)]
إن أحباءكم يدعون لكم ليلا ونهارا، ويرجون أن يجمع الله كلمتكم على الحق
وأن ينصركم على عدوكم فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم.