هذا العنوان ليس المقصود به رجال الجهاد والمقاومة المدافعين للأعداء الذين
اعتدوا على أنفسهم وأوطانهم بدون حق إلا أن يقولوا ربنا الله، لأنهم ليس
عندهم فراغ لفتح الوسائل التي تستجلب غضب الله وسخطه، مثل غالب الفضائيات
التي لا هم لها إلا صرف الناس عن طاعة الله في كل الأوقات ولا سيما أوقات
الفضيلة التي خصها الله تعالى بدعوة عباده إلى الإكثار من ذكره وطاعته،
ووعدهم على ذلك بمضاعفة حسناتهم فيها.
هذه الفضائيات التي تبدأ بفتنتها للمسلمين من وقت تناولهم حبات تمر الإفطار
مباشرة حتى يؤذن المؤذنون في المساجد لصلاة الفجر، تريد بذلك إحباط العمل
الصالح الذي قدموه في صيامهم لربهم في النهار وصرفهم عن مواصلة الطاعة لله
في ليالي رمضان المباركة.
وهي في لك كله ما بين إشغالهم باللهو واللعب والإضحاك، وما بين الدعوة إلى
وسائل الفحش والمنكر بالتمثيليات والمسلسلات المتضمنة للفسق والفجور بين
شباب وشابات من عُرْيٍ فاضح ومغازلات مجرمة، وفي ذلك ما فيه مما لا يُرضي
الله ورسوله والصالحين من المؤمنين الذين هجروا مضاجعهم ولازموا بيوت الله
منيبين إليه بالصلوات والدعوات والخشوع والتضرع والإخلاص، وإنما يرضي مردة
الشياطين من الإنس والجن الذين يتلذون بالصد عن سبيل الله.
أقول لمن يصدهم هؤلاء المردة عن ذكر الله وطاعته إلى محادته ومعصيته:
ارجعوا إلى ربكم واصرفوا قلوبكم وجميع جوارحكم عن مخططات هؤلاء الفسقة
الصادين عن سبيل الله وأغلقوا شاشات فضائياتكم التي تلهيكم عن مصالحكم،
وتُوقِعُكم في مساخط ربكم ومفاسدكم، وتذكروا ما أنزل الله بأمتكم المسلمة
من تسليط أعدائه وأعدائكم عليها، فسفكوا الدماء وقتلوا الأنفس وخربوا
الديار، وافتحوا في وقت قصير من اليوم والليلة شاشة ما تنقله بعض الفضائيات
عما أنزله الأعداء بإخوانكم في العراق وفي فلسطين وفي أفغانستان، وأيقظوا
قلوبكم النائمة، وبصائركم العمياء، وعقولكم الميتة، وتذكروا أن ما حل
بإخوانكم هناك قد يحل بكم، فالأمر جد وليس بالهزل.
وارفعوا أيديكم إلى السماء وألحوا على ربكم بالدعاء على المعتدين المحتلين
الذين استعملوا كل ما منحهم الله من نعمة من بركات السماء وخيرات الأرض،
وما مكنهم فيه من قوة، في معاصي الله والاعتداء على الضعفاء من خلقه، ادعوا
الله أن يرفع بلاءه عن عباده المؤمنين المظلومين وينزل بأسه بأعدائهم
الظالمين المعتدين ويريهم ويري جميع خلقه من الإنس والجن عجائب قدرته،
ويخرجهم من أرض المسلمين صاغرين مقهورين، وادعوا كذلك على من شايعهم
وأعانهم على غزوهم وعدوانهم من العملاء المنافقين والمتربصين الطامعين.
ادعوا عليهم بقلوب صادقة مخلصة، وقولوا كما قال نبي الله موسى عليه السلام
وهو يناشد ربه ويدعو على عدوه الطاغي فرعون: ((وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا
إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى
أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا
الْعَذَابَ الأَلِيمَ)) لعلكم تتلقون مثل إجابة الله تعالى لموسى فتفوزوا
بذلك الفوز العظيم ((قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا
وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [يونس (88) 89)]
اهجروا وسائل الغضب وأهلها فإنهم لا يريدون لكم إلا غضب الله وسخطه، وبعدكم
عن رحمته ورضوانه، فهم كمن قال الله تعالى فيهم: ((إِنَّ الَّذِينَ
يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ
لا تَعْلَمُونَ)) [النور (19)]
الله يريد لكم التوبة ليتوب عليكم ويغفر لكم، ولو كانت ذنوبكم مثل الجبال،
ولكن الشياطين المنافقين الذين يريدون تحقيق أهداف اليهود، يريدون لكم غير
ما يريد الله: ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً))
[النساء(27)]
أطلقوا صواريخكم على أعدائكم في جميع أوقاتكم: إنه الدعاء الذي لم نعد نملك
غيره، وهو أشد على أعدائنا من صواريخه، فقد يستجيب الله لطفل صغير
نُعَلِّمه دعاء يدعو به على الأعداء وهو لا يعرف معناه، ولكنه إذا رأى دماء
الأطفال في العراق وفي فلسطين وفي غيرها تملأ الشوارع والمنازل، وقلنا له:
ادع بهذا الدعاء لينصر الله من بقي من إخوان هؤلاء الأطفال على من اعتدى
عليهم، العدو الذي يمكن أن تكون أيها الطفل هدفا له بعدهم، فإنه سيدعو وهو
مخلص في دعائه أكثر من إخلاصنا، لشدة غيظه على المعتدين الذين سفكوا دماء
أمثاله..
وهكذا عجائز المسلمين وشيوخهم ونساؤهم، حثوهم على الإلحاح على الله أن ينزل
بعدوهم بأسه وأن يريهم فيه عجائب قدرته، وأن يخرجهم من بلاد المسلمين
ذليلين صاغرين مقهورين فالله أشد منهم قوة، لأنه يقول للشيء كن فيكون.
وإني أحث جميع إخواني المسلمين الذين يؤمون المساجد في هذه الليالي
المباركة من شهر الصيام، أن يلحوا على الله في الدعاء على أعداء الله وكل
من يعينهم ويظاهرهم على عدوانهم، أكثروا من الدعاء عليهم في سجودكم وفي
تشهدكم، في حال إفطاركم وأسحاركم
ادعوا عليهم وأنتم تمشون وأنتم تتهيئون للنوم وفي كل الأحوال، فإننا إذا
دعونا صادقين في دعائنا مخلصين لله الدعاء لا بد أن يستجيب لنا وقد وعدنا
بلك، فقال:
((وَقَالَ رَبُّكُمْ اده عليه وسلم – كما ْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ)) [غافر(60)]
وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أن دعوة المظلوم
– وكلنا مظلوم من هؤلاء المعتدين - ليس بينها وبين الله حجاب، كما رواه
صاحبا الصحيحين من حديث ابن عباس.
ولا يمكن أن يخلف الله وعده، لأن وعده صدق، وهو على كل شيء قدير، ولا يخلف
الوعد إلا الكاذب أو العاجز، أو من اتصف بهما معا، تعالى الله عن ذلك علوا
كبريا، فإذا لم يستجب فالعيب فينا نحن إما بعدم اليقين أو بمجاهرته تعالى
بالمعصية.
والعجيب أنك تسمع كثيرا من المسلمين يشكون من بعض أئمة المساجد عدم دعائهم
على الكفار المعتدين، وكان الدعاء لا يقبل إلا من هؤلاء الأئمة، أو انه لا
يستجيب إلا لهم، يا قوم ! قد يعلم الله صدق داع في المسجد أو البيت أو
الشارع غير أئمة المساجد، فيستجيب دعاءه، فلم ننتظر الدعاء فقط من الأئمة،
هل قيد الله استجابته للدعاء بهم عندما قال: ((ادعوني أستجب لكم))؟!
أما أنتم أيها المظلومون المدافعون عن أنفسكم وقد خذلتكم الدنبا، فرددوا ما
كان أولياء الله من أنبيائه وأتباعهم يرددونه وهم يقاتلون أعداءه:
((وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا
وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ
ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (148) [آل عمران]
ونحن نردد معكم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقاتل أعداءه، كما في
صحيح مسلم:
"استقبل نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم القبلة ثم مَدََّ يديه فجعل
يهتفُ بربه يقول: "اللَّهُمَّ أنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ
آتِ ما وَعَدْتَنِي، ..... فما زال يهتف بربه مادّاً يديه مستقبل القبلة،
حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر. فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه. ثم
التزمه من ورائه. وقال: يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك. فإنه سينجز لك ما
وعدك. فأنزل الله عز وجل: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من
الملائكة مردفين} [8 / الأنفال /9].
وإننا لننتظر في قادة اليهود والصليبيين المعتدين ما ذكر الله تعالى من سوء
عاقبتهم:
((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً
ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)
[الأنفال]
فلا نيأس ولا نقنط بل نوقن بأن العاقبة للإسلام وأهله، وإن ابتلاهم الله
بسبب بعدهم عن طاعته.
((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا
قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) [آل عمران]