بسم الله الرحمن الرحيم

أيهما أخطر؟!


كان العراق يرزح تحت نظام حكم استبدادي "دكتاتوري" يتربع على قمته شخص واحد، يأمر وينهى ويسجن ويعتقل ويقتل، ويتصرف في شئون الشعب الداخلية والخارجية السلمية والحربية، لم تنج من عدوانه طائفة دون أخرى، بل لم ينج منه أعوانه وبعض أقاربه وأسرته.

هذا الاستبداد وهذه الدكتاتورية كانت دكتاتورية فرد واحد في كل أنحاء العراق وفي خارجه، لم يكن يجرؤ على الوقوف أمام جبروته أحد من أعوانه سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، ومعلوم ما ترتب على استبداده من آثار خطيرة على شعبه وعلى الشعوب المجاورة، ولكن استبداده "دكتاتوريته" كانت سهل الفهم سهلة الإزالة للقادرين عليها.

وكانت الإدارة الأمريكية في حرب الخليج الثانية قادرة على تلك الإزالة بعد انتصارها على القوات العراقية في حرب الخليج الثانية، لأن المستبد مني بخسائر فادحة وهزيمة منكرة، وكانت القوات التي سميت بـ(قوات التحالف) لا زالت مسيطرة على المنطقة وكانت قادرة على دخول العاصمة بغداد والقضاء على المستبد "الدكتاتور"ولكنها لم تفعل ذلك، بل تركته في مكانه يتصرف كما يشاء في شعبه ويهدد بتصريحاته جيرانه.
وبدلا من القضاء عليه في حينه، خططت لإضعاف الشعب المظلوم وحرمانه من أقل ما يجب له من حقوق الإنسان، من الغذاء والدواء والتعليم والأمن بصفة عامة، لمدة عشر سنوات.
وهي في تلك الفترة تحيك المؤامرة ـ ليس على الشعب العراقي وحده ـ وإنما على شعوب المنطقة كلها، واضعة تحقيق أهدافها في هذه الشعوب، العراق أنموذجا ومثالا يحتذى بعد نجاح خطتها فيه لما تريد تطبيقه في بقية الشعوب العربية.
واتخذت لشرعية عملها في العراق وسائل ودعاوى كاذبة، وأعظمها دعوى أن نظام العراق يملك أسلحة دمار شامل يهدد بها جيرانه ـ ومعلوم أن المراد بجيرانه هنا عام قصد به الخاص وهي الدولة اليهودية التي كانت ترتعد فرائصها من الجيش العراقي الذي يعد أقوى جيش في المنطقة ـ

واستبدت القيادة الصليبية الأمريكية بالأمر، وداست على تقرير "لجنة تقصي الحقائق" التي صرحت بأنها لم تجد في العراق أسلحة دمار شامل، كما داست على قرارات هيئة الأمم المتحدة ـ وبخاصة معارضة بعض الدول الكبرى في مجلس الأمن للغزو الأمريكي للعراق ـ
وأخذت تجمع عملاءها من العراقيين الذين تربى كثير منهم في مقر المخابرات الأمريكية "C.I.A " وبعض قادة الطوائف الحاقدة على غيرها في العراق وفي المنطقة العربية المجاورة، مع ما يغلب على ظننا أنها تواطأت معها بعض الدول المجاورة للعراق الطامعة في تحويله إلى دولة طائفية تتفق مع مبادئ تلك الدولة وأهدافها.
وهدف القيادة الأمريكية من ذلك كله، إيجاد حكم مستبد "دكتاتوري" جماعي معقد يدمر العراق ويجزئه تجزئة يصعب معها توحيده كما تصعب إزالة الاستبداد الجماعي المعقد.
إن هذا الاستبداد الجماعي المعقد في العراق يتكون من عناصر من المخططين اليهود والقادة الصليبيين من الأمريكان، ومن بعض الدول المجاورة وطوائفها ذات المراجع المحركة لها في داخل العراق وخارجه، ومن بعض الأحزاب العراقية ـ في الشمال ـ المتعاونة مع الجميع لمآرب خططت ولا زالت تخطط لتحقيقها.

وهذا الاستبداد الجماعي المعقد ينصب على طائفة معينة هي أهل السنة الذين وجدت أمريكا منهم الصمود والمقاومة الجهادية التي أقضت مضجعها في أفغانستان وفي فلسطين ضد الحليف المدلل "اليهود" وفي العراق الذي ظنوا أنهم بعد دخوله بسهولة وإسقاط صنم المستبد "الدكتاتور" السابق قد حققوا هدفهم وهو احتلال العراق والعبث به كما يريدون.

ومن أهم مظاهر هذا الاستبداد الجماعي المعقد اصطفاف القوات الأمريكية وألوية ما سمي بالجيش العراقي في جحافل موحدة لقتل أهل السنة في محافظاتهم ومدنهم وقراهم ومنازلهم، وبخاصة في المناسبات التي يرغب الفريقان المعتديان تحقيقها في غياب أهل السنة وتحييدهم عن أي مشاركة إيجابية في الشأن السياسي العراقي، كما حصل في الانتخابات السابقة التي جرت في وقت تحترق فيه الفلوجة وغيرها من مناطق أهل السنة، وكما هو الحال الآن في الاستفتاء على الدستور تحت أزيز الطائرات وصواريخ الدبابات على الرمادي وغيرها.

إنهما استبدادان: أحدهما فردي سهل الفهم وسهل الإزالة وهو النظام العراق السابق، واستبداد جماعي معقد هو الاستبداد اليهودي الصليبي الطائفي الحزبي في العراق، فأي الاستبدادين أخطر عند أولي الألباب؟!
 

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ