الديمقراطية العليا هي التي تصاغ في تل أبيب والبيت البيض، ولا يمكن تطبيقها
في بلاد المسلمين إلا بأمرين:
الأمر الأول: أن الاعتراف الكامل بالدولة
اليهودية، بناء على شروطها التي تريحها في المنطقة وتجعل لها الهيمنة
الكاملة في المنطقة، فأي دولة في المنطقة العربية لا تحقق هذا الشرط، لا
تعتبر ديمقراطية في شريعة اليهود والصليبيين.
الشرط الثاني: أن أي سلطة في أي دولة يوجد
فيها معارضون لهذا الاعتراف يجب عليها أن تكبتهم بالقوة، وبخاصة السلطة
الفلسطينية التي لا زالت تتردد عن نزع سلاح حماس المجاهدة التي لم يعد – في
الغالب – من يقلق اليهود غيرها في الأرض المباركة، وبخاصة أن الشعب
الفلسطيني يركض ركضا لتأييدها، بعد ان أزكمه قيح أوسلو وأساطينها.
لهذا لا يمكن تحقيق الديمقراطية التي يطالب بها اليهود ويدعمها الصليبيون
في البيت الأبيض بكل الوسائل إلا بنزع السلطة الفلسطينية سلاح حماس
المجاهدة، واليهود ومؤيدوهم يعلمون أن نزع هذا السلاح لا يمكن أن يتم إلا
بقتال مدمر يتم بين السلطة وحماس، وإذا تم تحقق الهدف من الديمقراطية، لأن
الفلسطينيين حينئذ يصلون إلى الحضيض في الضعف، فيملي عليهم الأعداء ما
يريدون من الشروط التي تجعلهم إدارات بلديات متفرقة في الدولة اليهودية،
ولا يسع الدول العربية إلا الاستلام لما يستسلم له الفلسطينيون، لأنهم هم
أهل الحق وقد رضوا بما أعطوا.
هذا ما يريده اليهود ومَن صهينوه معه من الصليبيين، أسوة بما حاكوه من قبل
في كثير من البلدان الإسلامية وبخاصة أفغانستان التي تسلطوا على المجاهدين
فيها بعد انتصارهم على الاتحاد السوفييتي واستعانوا بمن طاوعهم من دول
المنطقة على ذلك بالإغراءات الخطيرة مادية ومعنوية موهومة، ولسنا نسوغ ذلك
للمجاهدين وقد أنكرنا عليهم في حينه اتصالا مباشرا وكتابة، حتى اقتتلوا
فيما بينهم وأسال بعضهم دماء بعض في قمم جبالهم وشعابها.
و هيئوا الجو بإشارة خضراء لدول مجاورة أخرى لهجوم طالبان على المجاهدين
جميعا عندما أنهكتهم الحرب، فاكتسح الطلاب البلاد وبدءوا يطبقون الإسلام
بحسب فهمهم، وكانت أمريكا تظن أن هؤلاء الطلبة "دراويش" سيكونون لها كالبيض
تحت الدجاجة تفقسهم وتربيهم على سمعها وبصرها ولكن القوم استعصوا عليها.
فارتدت عليهم بحجة الإرهاب وقلة الخبرة السياسية واستخدام الدين لأمور
سياسية، وأجبرت حاكم باكستان على التخلي عنهم بل محاربتهم في صفها.
وكانت تعلم أنه لو أتيحت الديمقراطية التي تدعو إليها وتدعمها في أفغانستان
لكان المجاهدون والعلماء ومؤيدوهم فائزين فيها، وبخاصة أن مغازلات بدأت بين
طالبان وبعض المجاهدين المعارضين لهم فاستبقت الباب وقطعت عليهم الطريق.
وهكذا فعلت ولا زالت تفعل في الجنوب الفليبيني، وهكذا فعلت في أريتريا
فناصرت هي واليهود الزعيم النصراني على الشعب المسلم في أريتريا، وضغطوا
على الحكومات السودانية بالتخلي عن المجاهدين الذين كانت لهم بعض المخيمات
في بلادهم عندما أحسوا أن المجاهدين يحاولون إعداد أنفسهم للدفاع عن شعبهم.
وهم اليوم – اليهود ومن صهينوهم من الصليبيين – قد مكنوا الطائفة التي
زفتهم من فنادق الغرب ومن إيران من الحكم في العراق، وضربت بهم وبجيشها أهل
السنة في العراق، وتحاول إظهار ما قامت به بمظهر الشرعية الديمقراطية
والدستور.
وأحيانا تصرح تصريحات عسكرية وسياسية تنقد فيها تلك الطائفة ومن يقف وراءها
من دول المنطقة المجاورة، وهي تصريحات من ذر الرماد في العيون، ويجب على
المسلمين وبخاصة أهل السنة أن يحذروا من السياسة الأمريكية اليهودية،
فالأصل فيها خداعنا، والمسلم ليس بالخب ولا يخدعه الخب، فتحت الرماد نار
تلتهب!
ولا يبعد أبدا أن تكون أمريكا قد خططت لحرب أهلية في العراق بعد خروج بعض
قواتها، لتضمن أن قوة العراق التي تخافها على اليهود قد ولت، وأن غال ما
تريد تحقيقه من في العراق ستنفذه السلطة التي جاءت عن طريق الديمقراطية
العليا بعدها.
ولا يبعد أن تكون قد خططت لفترة زمنية مستقبلة للعودة إلى المنطقة للعراق
أو غيره، قد خططت في العشرين سنة الماضية لحربي الخليج، وقد ألهبت النار في
سوريا ولبنان...
إذًا لا بد أيها السلطة الفلسطينية إذا أردت دعم أمريكا الموهوم، أن تنزعي
سلاح المقاومة الجهادية قبل أن تكتسح الانتخابات التشريعية في فلسطين،
ونزعه سلاحها يحق الديمقراطية العليا، وهو الاقتتال الذي لا ديمقراطية عند
القيادة الأمريكية واليهودية إلا به، فاقتتلوا تنجحوا وتنالوا منهما كل
تقدير واحترام.
فهل يعي الفلسطينيون معنى الديمقراطية العليا، التي تعتبر ديمقراطية الشعوب
الحرة بجانبها ديمقراطية سفلى؟!
http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=a5_pal&p=7