احتلوا بلداننا، دنسوا مقدساتنا، حاولوا تشكيكنا في قرآننا وألفوا قرآنا
جديدا، ليقولوا لنا: أنتم تقولون: إن القرآن معجز لا يأتي أحد بمثله فهانحن
أتينا بقرآن غيره وفيه سور وليست سورة واحدة، غمزوا نبينا ولمزوه بأوصاف
سيئة كثيرة، حتى قال اليهود: محمد مات وخلف بنات، لم يبقوا شيئا مقدسا
عندنا إلا نالوا منه.
فعلوا كل ذلك وغيره ووجدونا نصيح يوما أو يومين، ثم نهدأ ونسكت فعرفوا بأن
إيماننا إنما هو مجرد عواطف لا يثير فينا غيرة تجعلنا ندافع عن ضرورات
حياتنا بموقف جاد يجبرهم على الكف عن إهاناتنا وإذلالنا والسخرية بما يجب
أن يكون أحب إلينا من أنفسنا.
بل وجدونا بعد الحماس العاطفي نعانقهم ونصافحهم ونظهر لهم ما يطمئنهم على
محبتنا لهم والتقرب إليهم، ولا نكترث بإساءاتهم المتكررة.
ونحن نملك من الوسائل السلمية ما لو اتخذنا بعضا منها بصفة جادة مستمرة حتى
نخضعهم بها لأرسلوا قادتهم إلينا يعتذرون لنا ويكفوا عن إساءاتهم لإلهنا
ونبينا وقرآننا ورسولنا:
من ذلك الاحتجاجات المتواصلة في أجهزة إعلامنا، وسحب سفرائنا و مقاطعتنا
الاقتصادية لما يصدرونه إلى بلداننا، وفي أي بلد نوجد فيه، ولكن لا يليق
بنا أن نرفع شعارات لا حقيقة لها في الواقع، ولا أن نعمل بشعاراتنا يومين
أو ثلاثة، ثم ننام قبل أن نسمع من الدول التي تمت الإساءات لنبينا صلى الله
عليه وسلم فيها اعتذارا صريحا لا لف فيه ولا دوران.
وإن أقل ما نستطيع تهديدهم به هو المقاطعة لاقتصادهم ولكل ما نتبادله معه
من مصالح تعود علينا أو عليهم.
وإنني أذكر أتباع رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
بأمور:
الأمر الأول: أن الطعن فيه صلى الله عليه
وسلم، هو طعن في ذات الله تعالى الذي اختاره واصطفاه، فبعثه إلى كافة الناس
في جميع الأمكنة والأزمنة، إلى يوم قيام الساعة، ولا يقبل الله بعد بعثته
صلى الله عليه وسلم دينا غير دين الإسلام.
وطعن كذلك في دين الإسلام الذي أكمله الله لنا قبل وفاته صلى الله عليه
وسلم، وهو طعن في كتاب الله القرآن الكريم الذي لولا حفظ الله له ليكون
مرجعنا في مسيرة حياة أجيالنا إلى أن تقوم الساعة، فإذا لم نقف الموقف الذي
ندافع به عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، فقد فرطنا في كل ما سبق.
الأمر الثاني: أن ندرك ما لاقاه صلى الله
عليه وسلم من العنت والمشقة في سلمه وحربه، لينقل لنا هذا الدين، ليسعدنا
برضا الله عنا، وينقذنا من سخطه وعذابه.
الأمر الثالث: أن نذكر ما أوجبه الله له من
النصر والتوقير والأدب معه صلى الله عليه وسلم، ولهذا قرن الله تعالى حق
هذا النبي الكريم، بحقه في كتابه وفي شعائر عبادته، فقال تعالى:
((إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً
وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ
وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) إِنَّ الَّذِينَ
يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ
أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
(10)) [الفتح] فقد ذكر بعض المفسرين أن ضميري الغائبين المفردين في
قوله تعالى: (وتعزروه وتوقروه) فقد قرن الله بين الإيمان به الإيمان
برسوله، خص رسوله على هذا التفسير بالتعزير – وهو النصر – والتوقير، ثم خص
نفسه بالتسبيح.
واعتبر الله بيعة المسلمين لرسوله بيعة له تعالى في قوله:
(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا
يُبَايِعُونَ اللَّهَ)
وأوجب الله تعالى الأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم في خفض الأصوات عنده
كما يحصل من بعضهم عند بعض، وحرم رفعه وجعل ذلك محبطا أعمال من فعله، وأنكر
على الأعراب مناداته من خارج حجراته، كما قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ
كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا
تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى
تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
الحجرات
قال القرطبي في تفسير هذه الآيات – بعد أن ذكر أمثلة في الحديث في سبب نزول
الآية -:
"قال القاضي أبو بكر بن العربي: حرمة النبي صلى الله
عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال
كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه، وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته
عليه، ولا يعرض عنه، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به.
وقد نبه الله سبحانه على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله
تعالى: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا"
[الأعراف: 204]. وكلامه صلى الله عليه وسلم من الوحي، وله من الحكمة مثل ما
للقرآن، إلا معاني مستثناة، بيانها في كتب الفقه.
ليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأن ذلك
كفر والمخاطبون مؤمنون. وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جَرْسِه
غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر الكبراء، فيتكلف الغض منه ورده إلى حد
يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزير والتوقير."
وقال تعالى في امتنانه عليه بإكرامه له:
((وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)) [الشرح (4)]
ولهذا شرع ذكره صلى الله عليه وسلم مع ربه في الأذان وفي التشهد، وفي
الدعاء للموتى.
الأمر الرابع: نفى الرسول صلى الله عليه وسلم
نفيا مؤكدا بالقسم بربه، الإيمان الشرعي الصادق عمن لم يكن أحب من أقرب
المقربين إليه من أهله، كالوالد والولد، فضلا عن غير أقاربه من الناس.
روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فوالذي
نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده) وفي رواية
أنس: (والناس أجمعين). والحديث في صحيح مسلم.
بل ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخذ بيد عمر بن
الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من
نفسك)
فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر)
ففي هذا الحديث: وجوب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى المؤمن من
نفسه.
وهنا يجب على المسلمين أفرادا وجماعات وأحزابا، ودولا، أن يسألوا أنفسهم:
هل معاملة من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهان به وسخرمنه، في
العلاقات السياسية والاجتماعية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية، ومع
إصراره على موقفه ممن هو أحب إلى أنفسنا، هل هم مؤمنون إيمانا صادقا.
ونسأل من لا يقاطع اقتصاد الدول التي حصلت فيها إهانة
رسولنا صلى الله عليه وسلم
والاستهزاء به، أي الأمرين أحب إليك يا مسلم رسولك أم جوال؟ بل أيهما أحب
إليك نبيك أم قطعة قماش تستريها؟
إن المسلم لا يليق به أن يتعامل مع من استهان برسوله صلى الله عليه وسلم في
بيع أو شراء، وبخاصة إذا كانت السلع التي يحتاجها موجودة في السوق من دول
أخرى، إن المسلم ولو كان غير ملتزم بدبنه كما ينبغي ولو كان يتعاطى شرب
الخمر المحرم عليه، والذي يجب عليه الإقلاع عنه فورا، فإذا أصر على ارتكاب
هذا المحرم، فلا يليق به أن يشتريه ممن أهان رسوله صلى الله عليه وسلم،
أسواق غير تلك الدول مندوحة.
وإن من الأسئلة التي يجب أن نوجهها لمن يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم،
سواء كان فردا أو جماعة أو دولة:
ما ذا ستفعل لو وجهت الإهانات إلى والدك أو ولدك أو علم بلادك أو دولتك
ونظامها؟
وهل ولدك ووالدك وعلم بلادك ونظامها ونفسك أحب إليك من نبيك، فتنتصر لها
ولا تنتصر لرسول الله حبيبه؟
نحن لا نطلب من كل تلك الفئات أن تقاتل الدول التي حصل فيها الاستهزاء
برسولنا، ولا بخطف رعاياهم وقتلهم في بلداننا، وإنما نطلب فقط أن نغيظهم
بما يؤثر فيهم وهو العلاقات بأنواعها، لا بالكلام فقط؟
إن كلامنا عندهم لا يساوي صفرا على اليسار، ما داموا يحصلون على مصالحهم
المادية منا.
يا مسلمون! كل عدوان على ديننا واستهزاء بربنا أو قرآننا أو رسولنا صلى
الله عليه وسلم، يمر بدون وقفة صادقة في الدفاع عن ذلك سيجرئ أعداءنا
علينا، فاختاروا لأنفسكم إرضاء أعداء نبيكم، أو إرضاء ربكم، وأنتم إليه
راجعون، فينبئكم بما عملتم.