قال الله تعالى في اليهود:
((لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ
وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً
وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)) [الحشر
(14)]
إن الذي يتابع نشاط اليهود الديني والسياسي، يجد أن ما ذكره الله تعالى
عنهم في هذه الآية من البأس، وهو شدة نكاية اليهود بعضهم لبعض وشدة
الكراهية من بعضهم لبعض، واضح فيهم، فالمتدينون منهم يرون أن إقامة دولة
يهودية في فلسطين غير شرعية، بل هي تخالف العقيدة اليهودية، لأن إقامة دولة
يهودية يترتب عليها "ازدواج الولاء والمواطنة المزدوجة لليهود" ولهذا وقفوا
ولا يزالون يقفون ضد، الحركة الصهيونية التي ترى أن اليهودية يجب أن تكون
صهيونية قومية دينية في آن واحد، كما وضح ذلك رئيس الوزراء الصهيوني
المتعصب "نتنياهو" في كتابه: "بلدة تحت الشمس".
أما الصهيونيون الذين خططوا لإقامة دولة في الأرض المباركة، ونفذوا ما
خططوا له، بعون من إخوانهم النصارى المتصهينين، وعجز من العرب والمسلمين في
نصر إخوانهم في فلسطين، فالخلاف بينهم شديد على كراسي الحكم ونهب أكبر قدر
ممكن من المال لأشخاصهم بكل طريق من الطرق المشروعة في قوانينهم وغير
المشروعة، وذلك واضح في اتهام بعضهم لبعض، وما تقوم به الشرطة من اتهام أو
استدعاء بعض قادتهم للتحقيق معهم كما حصل مع المجرمَ نتنياهو بعد انتهاء
رئاسته للوزارة اليهودية، وكما أشارت أصابع الاتهام لزميله المجرم الذي
عاقبه الله في الدنيا قبل الآخرة، شارون الذي وجهت التهمة لابنه الذي ذكروا
عنه أنه تسلم رشوة مالية كبيرة لينجح بها أباه في الانتخابات، وغير ذلك مما
تنشره صحفهم ووسائل إعلامهم، ومعلوم أن من أهداف اليهود جلب الأموال
والاستيلاء عليها بدون تقيد بأخلاق أو قانون، ما استطاعوا إلى الاحتيال
إليه سبيلا.
والسبيل الناجح عندهم إلى تحقيق ذلك الهدف، هو الوصول إلى كراسي الحكم باسم
الانتخابات الديمقراطية التي يوجه فيها قادة كل حزب إلى الحزب المنافس
وقادته الاتهامات السيئة.
ومعلومة هي الانقسامات الشديدة بين أحزاب الدولة اليهودية التي وصل الأمر
بهم إلى اتخاذ الاغتيال وسيلة من وسائل الكراهية والبغضاء فيما بينهم:
((تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى))
قد يقول قائل: إن هذا الخلاف والنزاع ليس خاصا باليهود، بل هو بين المسلمين
أشد، بدليل كثرة الاغتيالات والانقلابات التي حصلت ولا زالت تحصل بينهم.
وهو إيراد صحيح، والسبب في ذلك هو بعد هؤلاء المنتسبين للإسلام عنه، بل حرب
غالبهم له ولدعاته، واتبعاهم لمنهج غيرهم من غير المسلمين: يهود ونصارى،
فالأصل في المسلمين هو اجتماع كلمتهم على الحق، والبعد عن أسباب التفرق
ومنها التحزب للتنافس على الزعامات وحطام الدنيا، كما قال الله تعالى:
((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى
شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) [آل عمران (103)]
وأمر الله تعالى المسلمين عندما تنازعوا في الأنفال يوم بدر، بتقواه بعد أن
أبان لهم أنه هو الذي يتولى شأن الأنفال وأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو
الذي يصرفها بينهم، فقال تعال:
((يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [الأنفال (1)]
وقال تعالى: ((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ)) [الأنفال (46)]
وأمر الله المؤمنين أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، بدلا من التحزب
الذي يترتب عليه من التفرق والتنازع الفشل الذي يكون فرصة لعدوان عدوهم
عليهم وانتصاره عليهم، أكد تعالى نهيه لهم عن اتباع أعدائهم في اختلافهم
وتصدع صفوفهم، بعد أن بين الله لهم شرعه الذي ينالون بتطبيقه الفوز في
الدنيا والنجاة من عذابه العظيم الذي استحقه أعداؤهم، فقال تعالى:
((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ
الْمُفْلِحُونَ)) (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [ آل عمران (105)]
وقد تعرضت لهذه المسألة في مواضع أخرى من كتبي وأبحاثي، فلا أطيل الكلام
فيها.
اجتماع اليهود على حربنا:
ومع هذا البأس الشديد والتفرق الذي حكاه الله عن اليهود، وهو واقع بينهم في
كل زمان ومكان، فإنهم مجمعون على حرب الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان،
لأن اليهود متدينين كانوا أو صهاينة مجمعون على حرب دين الإسلام وعداوتهم
له ولأهله وحقدهم على المسلمين متأصل في نفوسهم جميعا، وقد بدؤوه في عهد
الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عقد بينه و بينهم صلحا ومعاهدة، عند أول
قدومه إلى المدينة مهاجرا إلى ربه ليقيم دينه آمنا من بأس قريش وحربهم له،
فنقضت قبائلهم الصلح والمعاهدة قبيلة بعد قبيلة، وائتمروا على قتله
بالاغتيال والحرب ثم بالسم.
وما نشاهده اليوم من مواقف اليهود وأعوانهم من إخوانهم الكفرة والمنافقين
في الواقع، لا يدع مجالا للشك في اجتماعهم ضد الإسلام والمسلمين، مهما
احتدم النزاع بينهم وتباينت آراؤهم لتباين مصالحهم المادية، ولسنا في حاجة
إلى سوق الشواهد على ما نقول، فما تبثه وسائل الإعلام المتنوعة في كل لحظة
من الزمن كاف في هذا الأمر.
ولكننا في حاجة أن نذكر أمتنا بما وصلنا إليه من الذل والهوان، بسبب تفرقنا
وعدم اجتماعنا على مصالحنا المعنوية والمادية، أمام عدونا الذي أجمع على
حربنا، هو وبعض من والاه من أبناء هذه الأمة في العصر الحاضر مقتديا بسلوك
من سبقهم من إخوانهم المنافقين (( الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ
لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ
أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً
وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ...)) [الحشر (11)] ظنا منهم أن تلك
الموالاة الآثمة ستحول بينهم وبين ما يخافون من المكروهات التي قد تصيبهم
إذا لم يوالوا الأعداء:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ
نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا
فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)) [المائدة]
ونحن على ثقة أن النصر في نهاية الأمر سيكون حليف المجاهدين للمعتدين
اليهود ون ظاهرهم في الداخل أو الخارج، لأن جهادهم وقد مردوا على حرب الله
ورسوله والعدوان على المظلومين، نصر لدين الله، والله تعالى وعد من نصره
بنصره، وإن طال الزمن، قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) [محمد (7)]
وقال تعالى:
((وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ))
[المائدة (64)]
وحينما ينصر الله أولياءه على أعدائه سيندم من والى غيرهم، ولات ساعة مندم!