بدأ اليهود باحتلال بعض أراضي فلسطين قبل أكثر من نصف قرن، بعون من دول غربية
جاثمة على قلب العالم الإسلامي، بفرق مدربة قليلة في وسط الدول العربية
التي كان أغلبها تحت الاحتلال الأجنبي، وكانت ضعيفة في اقتصادها وفي
سياستها وفي جيشها وفي سلاحها، بحيث هزَمَتْ جيوشَها مجتمعةً فرقُ اليهود
القليلة آنذاك، إضافة إلى أن الدول الغربية المحتلة وبخاصة بريطانيا التي
كانت تفرض سيادتها على الدول الإسلامية وبخاصة العربية منها، وكانت تسهل
لليهود الهجرة إلى فلسطين وتمدهم بما يحتاجون، تحقيقا لوعد بلفور الماكر
الذي أطلقه سنة 1917
وأحست الشعوب الإسلامية بالخطر اليهودي، فحاول شبابهم بتوجيه من بعض دعاة
الإسلام ومفكريه الوقوف ضد اليهود بما عندهم من الإمكانات المحدودة، ولكن
إيمانهم القوي وبسالتهم الجهادية وتوكلهم على الله قوت عزائمهم وكان العدد
القليل الضعيف التسليح منهم يهزم العدد الكبير القوي العُدَّة من اليهود.
فصدرت الأوامر من أعداء الإسلام والمسلمين إلى السلطات العربية الفاقدة
للسيادة على شعوبها باعتقال المجاهدين والزج بهم في السجون، فنفذت ذلك،
فخلا الجو لليهود الذي تتابعت هجراتهم من الدول الغربية وغيرها، فسحقوا
البلد سحقا قتلا لبعض السكان وتهجيرا لآخرين.
وحاول علماء المسلمين ومفكروهم جمع الأمة وقادتها وتعاونهم على تحرير الأرض
من الأعداء، فعقدوا المؤتمرات دون جدوى، لأنهم لم يكونوا مستعدين لمخالفة
المحتلين الأجانب، ولم يكن عندهم من التوكل على الله ما يجعلهم يواجهون
المعتدين.
فقاد بعض علماء الإسلام فرق الجهاد محاولين طرد اليهود المغتصبين، ولكن
القوتين لم تكونا متكافئتين لا من حيث العَدَد ولا من حيث العُدَد، فنال
الشهادة من نالها منهم، واضطر غيرهم إلى الانسحاب من المعركة.
وبذلك خلا الجو لليهود الذين أطبق حكام الدول الغربية ومؤسساتها على دعمهم
بالمال والرجال والسلاح، إضافة إلى كثرة الهجرات اليهودية من العالم كله،
بما فيه الدول العربية.
وصدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وكان اليهود يتمنون تنفيذ ذلك
القرار، مؤقتا ليعدوا عدة المستقبل ليقيموا الدولة اليهودية "الكبرى من
الفرات إلى النيل" ورفض العرب ذلك.
وفي سنة 1948 أعلن اليهود دولتهم من جانب واحد دولتهم على الأرض التي أصبحت
تحت سيطرتهم، فأصبحت أمرا واقعا لاعتراف الدول الغربية الرأسمالية والدولة
الشرقية الشيوعية، فقويت بذلك شوكتهم ماديا ومعنويا.
واستمر اليهود في عدوانهم على الفلسطينيين، بل تجاوزوا ذلك إلى العدوان على
دول الجوار: مصر والأردن وسوريا ولبنان.
وفي سنة أنشئت 9741 أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية على أمل أن تدعمها
الدول العربية التي منيت بالفشل والهزائم، ولكن العرب كعادتهم، لا يجتمعون
على هدف يحقق لهم مصالحهم، مع كثرة القرارات في الجامعة العربية التي شحنت
بالمشاريع المتنوعة التي لو نفذ 25% منها، ومنها "اتفاقية الدفاع العربي
المشترك" لما بقيت الدولة اليهودية التي تهز لهم العصا ومن ورائها البيت
الأبيض الظالم، فدفنوا تلك الملفات، وتصارعوا فيما بينهم بدلا من أن
يجتمعوا على عدوهم.
ولهذا كثرت الضغوط على المنظمة من الدول الغربية بدعم من الدول العربية
ترتب عليها اجتماع مدريد العلني، واتفاقية "أوسلو السرية" التي تمت بعدها
زفة السلطة إلى بيت الطاعة، حيث أصبحت محاصرة حصارا جعلها تحت رحمة اليهود،
في جميع حالاتها، التي لا يحتاج العالم إلى الكلام عنها بالتفصيل، لأن
الصحافة بكل أجهزتها قد كفتنا الحديث عنها.
ولهذا اضطرت السلطة إلى التنازل إثر التنازل لدولة اليهود، وكلما تحقق
للعدو تنازل، شرع في اتخاذ وسائل ضغوط جديدة للحصول على تنازل جديد، دون أن
يتنازل هو عن أي أمر ذي بال.
واشتغلت السلطة بفتات الغنائم التي يقدمها من يسمون بالمانحين، استئثارا
بها من دون الشعب فاستشرى فيها الفساد الإداري والمالي الذي كانت تنكره
غاية الإنكار، قبل الانتخابات الأخيرة.
ولهذا آثر الشعب بأصواته الحركة المجاهدة التي كانت تقف كالجبال الشم
لمقاومة المحتل، وتقدم خدمات للشعب لم تقدمه السلطة المسئولة عنه، وهنا فقط
اعترف قادة السلطة القديمة تحت وطأة الفشل الذريع بذلك الفساد وأعلنت أنها
ستتجه للإصلاح لتنجح في انتخابات قادمة!
والتقت تصريحات قادتها ضد حماس مع تصريحات قادة اليهود وأعوانهم من صهاينة
نصارى أمريكا والدول الغربية، ودعمتها تصريحات زعماء بعض الدول العربية،
خلاصتها جميعها: تنازل حماس عن برنامجها الذي انتخبها الشعب على أساسه،
والالتزام ببرنامج السلطة الذي أسقطها الشعب بسببه، تحقيقا للديمقراطية
الأمريكية التي تريد تطبيقها في المنطقة
وإن على العالم الإسلامي أن يعلم أن فرصة الخيار الصحيح قد أتت بدون ترتيب
بشري، بل بترتيب رباني، جعل حماسا تقعد على كرسي قيادة قطار الأرض
المباركة، وأن برنامجها في حقيقة الأمر هو الذي سيحطم كبرياء اليهود
ويقلقهم ويجعلهم على المدى البعيد يخضعون للمفاوضات الجادة التي أجهدت
السلطة القديمة ووراءها كافة الدول العربية للحصول عليها من اليهود دون
جدوى، لأن حركة حماس ستكون في إحدى يديها ورقة "السياسة" وفي اليد الأخرى
ورقة "المقاومة الجهادية" التي لا يلقي اليهود بالا لغيرها، هذه الفرصة يجب
أن يغتنمها قادة الشعوب الإسلامية، وبالأخص العربية منها، فيقدموا الدعم
الكافي لهذه الحكومة التي ستعدل مسار من الصلف اليهودي الذي ظل أكثر من نصف
قرن يهزأ بالعرب ويخادعهم وفي طليعتهم قادة السلطة الفلسطينية القديمة،
ويجعل اليهود يفاوضون وهم يعلمون أنه لا خيار لهم سوى المفاوضات الصادقة،
التي لم يكونوا يرضون بها، فكم قدمتم أيها القادة العرب من مبادرات داسها
اليهود بأرجلهم، وردوا عليها بالطائرات المقاتلة والدبابات والصواريخ.
فاغتنموا أيها الزعماء العرب هذه الفرصة التي قد تكون الخطوة الأولى
لرفعتكم وخضوع عدوكم، وثقوا تماما ألا سبيل لكم إلى إخضاع اليهود
لمبادراتكم، وإن كانت خفيفة الوزن، إلا بوجود سلطة ذات مبادئ تقوم عليها
سياستها الحكيمة ومقاومتها العظيمة، ونرجو أن تكون حماس مؤهلة لذلك، وإذا
خذلتم هذه السلطة، وخذلانها خذلان للشعب الفلسطيني بأكمله، فستندمون عندما
لا ينفع الندم، وستذكرون ما أقول لكم!