هذا هو منطق الطغاة والفراعنة، في جميع العصور، منطق هؤلاء الطغاة الفراعنة،
مبني على القوة المادية التي يملكونها، ولا يملكها غيرهم، مبني على الكبرياء
والجبروت، منطقهم مبني على ظنهم أنهم مستقلون بالأمر من دون الله، فلهم أن
يأمروا الناس وينهوهم، ويكرهوهم على الطاعة المطلقة لهم، لأنهم أرباب ومن عداهم
عبيد.
هؤلاء الطغاة الفراعنة، يبتليهم الله بالمال والبساتين والأنهار والعيون،
والسيطرة على البحار، ويبتليهم بكثرة الجنود، والمتخصصين في كل ما يحتاجون
إليه: من أرباب اقتصاد، ورجال إعلام، ومهندسي إعمار، وزبانية تعذيب، وسيافي
قتل، و مُدَرَّبي تنكيل بالمظلومين، بقسوة لا توجد في صم الصخور.
إنهم لا يخفون كبرياءهم، ولا يخجلون من الإعلان عن سحق المستضعفين وتدميرهم.
وقد أبدى القرآن الكريم وأعاد في وصف أنموذج للفراعنة والطغاة، وهو (فرعون مصر)
الجبار، وجنده ووزراؤه.
فقد ادعى الألوهية والربوبية، وأنكر أن يكون لقومه إله سواه، كما قال الإله
الحق تعالى عنه:)فكذب وعصى. ثم أدبر يسعى. فحشر فنادى. فقال أنا ربكم الأعلى(
[النازعات: 21-24]
وقال عنه: )يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري( [القصص: 38]
وقال تعالى عن تبجح عاد قو م هود عليه السلام: )فأما عاد فاستكبروا في الأرض
بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة
وكانوا بآياتنا يجحدون( [فصلت: 15]
ولا يشترط في هذه الدعوى-أي ادعاء
الربوبية والألوهية- أن يصرح الطاغية بـ(القال) فالحال –أحيانا-أقوى من (القال)
ولعل حال أمريكا الذي تمارسه مع العالم يوضح هذا المعنى أوضح بيان في هذا
العصر.
أليس حال أمريكا وتصرفها- سياسيا، واقتصاديا، وإعلاميا، وعسكريا، في كل أقطار
الأرض، برا وبحرا وجوا، ومحاولة إكراهها العالم على السمع والطاعة لها- أليس
ذلك يدل على أنها وضعت نفسها موضع الإله الذي لاحق لغيره أن يأمر وينهى كل
الناس بما يريد ولا حق لغيره من المخلوقين في ذلك؟
لا، بل إن الله ليأمر الناس بالإيمان به، وينهاهم عن الشرك به، ولا يأذن لأحد
أن يكره أحدا على الإيمان به: )لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي( ولكن
أمريكا تكره الدول في العالم على اتباع سياستها، ولم خرج عن ذلك، سلطت عليه
المقاطعة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فإذا لم تنجح في إخضاع الدولة بذلك،
جيشت جيوشها لغزوها، وأنزلت بها أشد العذاب، ودمرت كل مرافقها.
أليست تقف وحدها مؤيدة لظلم الضعفاء فيما يسمى بـ(مجلس الأمن)؟
أليست تعمل ما تشاء، ولو وقفت دول العالم ضد عملها؟
ومن عادة الطغاة أن يتخذوا كل سبب يؤدي إلى تنازع الناس، ليتمكنوا من السيطرة
عليهم، ويستفردوا بظلم من يريدون الاعتداء عليه، فلا يجد من ينصره، كما قال
تعالى عن فرعون نفسه: ) إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة
منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين( [القصص: 4]
وهاهي أمريكا اليوم (فرعون العصر) تفرق بين الشعوب وحكامها، وبين الأحزاب في كل
بلد، وتفرق بين الدول المتجاورة والمتباعدة، من أجل أن تهيمن عليها جميعا،
وتستضعف من تشاء منها، تحقيقا لهيمنتها وتثبيتا لظلمها.
وهاهي تجند أحزابا في الدول ضد أحزاب، وأحزابا ضد دول، ودولا ضد أحزاب، ولا هدف
لها في ذلك كله إلا إيجاد الصراع الذي تضعف به خصومها، دولا كانت أم أحزابا.
ويكفي أن أذكر مثالا واحدا من أمثلة كثيرة تدل على تناقض أمريكا واتباع هواها
في تصرفاتها: إنها تزعم أنها تحمي الأكراد في شمال العراق من عدوان النظام
العراقي، ولكنها تتفرج على الجيوش التركية التي تدخل الأراضي العراقية لضرب
خصومها من الأكراد، فتقتل وتعتقل وتدمر ما تشاء، دون أن تنكر ذلك ولو بالكلمة؟
ومن عادة الفراعنة الطغاة أن يقربوا منهم كبار القوم وأعيانهم، من ذوي المال
والقوة، والاختصاصات التي تقوي ملكهم، ليسحقوا بهم الأعداء:
كالوزراء المنفذين: )فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى
إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين([القصص: 38]
والجنود المطيعين: ) إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين( [القصص: 8]
والأغنياء المترفين الذين يغتر بهم الجاهلين: )إن قارون كان من قوم موسى فبغى
عليهم وءاتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له
قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين( [القصص: 76] )وقارون وفرعون وهامان ولقد
جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين( [العنكبوت: 39]
ومن عادة الفراعنة الطغاة، عندما يزهق الحق باطلهم، وتدحض الحجة أكاذيبهم: أن
يحشدوا جماهير الناس، للاستعانة بمن يضلل عقولهم، ويقلب الحقائق عليهم، حتى
يعينوهم على باطلهم ضد خصومهم.
قال تعالى عن فرعون: )قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من
أرضكم فماذا تأمرون. قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك بكل سحار
عليم. فجمع السحرة لميقات يوم معلوم. وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع
السحرة إن كانوا هم الغالبين. ...( [الشعراء: 34-40]
والذين يستعين بهم الفراعنة في هذا التضليل، قد يكونون سحرة كما حصل في عهد
فرعون المعروف، وقد يكونون إعلاميين، وقد يكونون شعراء ومفكرين....
وفي تضليل الإعلام الأمريكي اليوم ما يفوق تضليل السحرة لجماهير فرعون.
ومن عادة الفراعنة الطغاة، أن يَعِدوا أعوانهم وأتباعهم بوافر المال، وعالي
المناصب، ورفيع الحظوة بالقربى، تشجيعا لهم على الطاعة لهم والوقوف ضد أعدائهم،
كما قال تعالى عن فرعون وسحرته:)فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن
كنا نحن الغالبين. قال نعم وإنكم إذن لمن المقربين.( [الشعراء: 41-42]
ويدخل في ذلك الأباطرة الذين يغترون بقوة إمبراطورياتهم، كما يحصل اليوم من
الدولة الصليبية الصهيونية الجديدة (أمريكا) كما يدخل في المتعاونين معها رؤساء
الحكومات الموالين لها الذين تَعِدهم الإمبراطورية بالمال أو إسقاط الديون
عنها، أو جعلهم من المقربين إليها ودعم حكمهم واستمراره.
ونحن نعلم أن ذلك ليس بيد أمريكا، ولا قدرة لها على تحقيق وعدها، لا لأصدقائها،
ولا لنفسها: )قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء،
وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير( [آل عمران: 26]
فرعون في الماضي كان فرعونا لبلد واحد، هو مصر، أما فرعون هذا العصر (أمريكا)
فهي فرعون الأرض كلها، وهي التي تدعي ذلك قولا وفعلا، وتهدد أي دولة لا تطيع
أوامرها بالويل والثبور.
هذه هي أمريكا (فرعون العصر) تحاول أن تضرب بسوط ظلمها العالم كله، ولسان حالها
يقول، كما قال فرعون مصر:(أنا ربكم الأعلى)
وهاهو رئيسها قد صرح بأن حربه التي يعد لها العدة، لضرب أفغانستان هي حرب مقدسة
(صليبية) كما أذاعت ذلك –نقلا عنه-الفضائيات والإذاعات، ومعنى ذلك أنها هجوم
على العالم الإسلامي: للهيمنة عليه، كما هيمن الصليبيون القدامى على البلدان
الإسلامية.
http://www.alfjr.com/showthread.php?s=&threadid=8132
ولا غرابة في حقد النصارى واليهود على المسلمين، وإعداد العدة للهجوم عليهم
والسيطرة على بلدانهم، لأن الله تعالى قد سجل عليهم ذلك في كتابه، وتاريخهم في
الماضي والحاضر شاهد على عداوتهم وعدوانهم على المسلمين، كما قال تعالى: )ولن
ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم( [البقرة: 120]
ولكن الطامة الكبرى على المسلمين، أن يسهل للصليبيين المعاصرين، السيطرة على
بلدانهم، وغزوها، بعض زعماء المسلمين أنفسهم، بدباباتهم وأسلحتهم التي كان
الأولى بها أن توجه إلى صدور اليهود الذين اغتصبوا قلب العالم الإسلامي، وقتلوا
الفلسطينيين، ودنسوا بيت المقدس أرض الإسراء والمعراج، ودمروا منازلهم، وأفسدوا
كل مرافقهم.
وحجة هؤلاء الزعماء، خوفهم من سطوة دولة كبرى لا طاقة لهم بها، اقتداء بمن قال
الله تعالى عنهم: ) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن
تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في
أنفسهم نادمين [المائة: 52]
هذا هو فرعون العصر، وتلك هي صفتها، وألئك هم المتعاونون معها، وهي الآن تعد
العدة لغزو بعض البلدان الإسلامية عسكريا، إخضاع بلدان أخرى لتنفيذ مخططاتها
فيها وفي غيرها، ومن أهم ما تريد تحقيقه الصد عن سبيل الله، وملاحقة الدعاة إلى
الله والجماعات الإسلامية، وبخاصة تلك التي تدافع عن أرضها وعرضها ومقدساتها،
ألد أعداء الإسلام والمسلمين: (اليهود) فما واجب المسلمين نحو هذا الغزو
الصليبي الجديد الذي يدار بعقول يهودية وأموال وخبرات يهودية، من أجل القضاء
على كل ما يهدد بقاءهم واستقرارهم في الأرض التي اغتصبوها...وقد حققوا الكثير
من ذلك في حربي الخليج الأولى والثانية، اللتين قضت فيها على القوة العراقية
التي كانت تخيف الدولة اليهودية، وأدخلت المنطقة كلها تحت هيمنتها، ودمرت
اقتصادها، وزادت دولها فرقة على فرقة وحقدا على حقد.
ومن أهم ما يريدون تحقيقه الآن:
السيطرة الكاملة على جنوب شرق آسيا التي تجاور الصين وآسيا الوسطى، لتكون
أمريكا مع الهند، في الشرق، ومع اليهود في الغرب طوقا في عنق البلدان
الإسلامية.
وبذلك يمكنها أن تقضي على القوة الباكستانية، بضرب المؤسسة النووية التي
يستصرخهم اليهود لحمايتهم منها، وكأنها لم تُعَدَّ إلا لضربهم، متناسين الدولة
النووية العدوة المجاورة للباكستان.
فما واجب المسلمين حيال الغزو النصراني، الصليبي اليهودي الصهيوني لبلدان
المسلمين، وتغيير خريطتها تغييرا يمكن الغازين من السيطرة عليها وإذلالها؟
في الحلقة القادمة الإجابة على السؤال، إن شاء الله.