إن أول واجب على المسلمين، أن يصححوا تصورهم في الأهداف الأمريكية، من تحريك
جيوشها البرية والبحرية والجوية، والعمل الجاد على حشد التأييد الدولي، الخارج
عن أروقة هيئة الأمم المتحدة، أو الضغط على تلك الهيئة، لتمنحها المظلة
الظالمة-التي يسمونها بـ(الشرعية الدولية) وضغطها الشديد على الدول العربية
(جامعة الدول العربية!) والدول الإسلامية (منظمة المؤتمر الإسلامي!) إضافة إلى
الدول الأوربية وأستراليا واليابان والفليبين.
وتلح أمريكا على روسيا والصين، لينضما إلى سياستها العسكرية والأمنية، وهما
دولتان معارضتان للسياسة الأمريكية التي تريد الهيمنة الاستبدادية على العالم،
ولكن لكل من الدولتين مصالح في محاربة ما يسمى بالإرهاب، فروسيا ترى الشيشانيين
الذين يدافعون عن أرضهم إرهابيين، وقد دمرت بلادهم وقتلت سكانها وشردتهم ولا
تزال تصعد ذلك على سمع الدنيا وبصرها، والصين ترى أن المسلمين في تركستان
الشرقية إرهابيون، وهي تقتل أعدادا كثيرة منهم كل يوم، وقد ملأت بهم السجون
والمعتقلات، وسامتهم سوء العذاب، ولا يعلم عنهم كثير من المسلمين، لأن وسائل
الإسلام العربية لا تهتم بهم، ولا تنقل ما يعانونه من مشقات ومحن.
ومعنى هذا كله أن أمريكا تريد أن تظهر أن العالم كله يؤيدها، ونحن وإن كنا نذكر
غير المسلمين في العالم كله أن يتجنبوا الظلم والعدوان على المسلمين، لأن الظلم
سيعود عليهم بالدمار، والله تعالى سيأخذهم بظلمهم، وإن أمهلهم فترة من الزمن،
كما قال الله تعالى: )وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم
شديد( والرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم
يفلته)
أقول: نحن وإن ذكرنا غير المسلمين بذلك مع علمنا بأن تذكيرنا لهم لا ينفع في
الغالب، فإنا نوجه تذكيرنا للمسلمين بواجبهم الإسلامي في هذه القضية الخطيرة
التي سيكون لها ما وراءها من الأخطار.
وليس تذكيرنا لهم مبنيا على أفكار شخصية من قبلنا، وإنما هو تذكير بشرع الله
الذي يجب عليهم أن يلتزموا به، ولهم على التزامهم ثوابهم عند الله، وعليهم إذا
لم يلتزموا به عقابهم عند الله عاجلا وآجلا.
وسألخص ما أراه واجبا على المسلمين في
كل أقطار الأرض، في مواجهة الغزو والهيمنة الصليبية واليهودية الصهيونية،
لأفغانستان وغيرها من بلدان المسلمين:
فمن أهم الواجبات أن يحقق المسلمون
بينهم أصلين لا يفترقان، وهما:
الإيمان والأخوة،
كما قال تعالى: ((إنما المؤمنون إخوة)) [الحجرات: 10] ويجب عليهم اتخاذ الأسباب
اللازمة لما يترتب على هذين الأصلين، من الولاء والمناصرة وعدم خذلان المعتدى
عليه وإسلامه لأعدائه، والبراءة من أعداء الله المعتدين وجهادهم دفعا لعدوانهم.
وقد دلت الآيات القرآنية الكثيرة على وجوب موالاة المؤمنين، ومعاداة أعدائهم
الذين يعتدون عليهم، وأن من تولاهم فهو منهم في ظلمهم، كما قاتل تعالى: ((ياأيها
الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم
منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) [المائدة: 51]
وحصر سبحانه وتعالى موالاة المؤمنين له ولرسوله، ولمن آمن به، فقال تعالى: ((
إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون))[ المائدة: 55]
بل إنه تعالى نهى المؤمنين أن يوالوا أقرب المقربين إليهم نسبا، عندما يفضلون
الكفر بالله على الإيمان به، وأن من تولى أقاربه بالمناصرة لهم أو إظهار محبته
لدينهم، فهو منهم، فقال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم
وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم
الظالمون)) [التوبة: 23]
ومع نهيه سبحانه عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، بين أن من فعل ذلك
فقد أقام على نفسه الحجة التي يستحق بها من الله العقاب في الدنيا والآخرة،
فقال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين
أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا)) [النساء: 144]
ومن أعظم موالاة الكفار من اليهود والنصارى، اتخاذهم بطانة دون المؤمنين، أي
اصطفاؤهم أصدقاء وائتمانهم على أسرار المؤمنين، وقبول مشورتهم التي لا هدف لها
في الغالب إلا الإضرار بالمسلمين، كما قال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا لا
تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من
أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)) [آل عمران:
118]
وهل يشك مؤمن سليم العقل نير البصيرة، في إرادة اليهود والنصارى الذين يدعون
الدول الإسلامية الآن إلى التحالف معهم ضد المسلمين في أفغانستان وغيرها، أنهم
يريدون لنا الخبال أي الفساد والضر؟
والمسلمون الصادقون هم الذين يجمعون بين وحدتهم المبنية على توحيدهم لربهم
وتقواهم له، كما قال تعالى: ((وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم
فاتقون))[المؤمنون: 52]
وقال تعالى: ((إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)) [الأنبياء: 92]
ومن أدلة صدقهم مناصرة بعضهم بعضا بالجهاد بالنفس والمال والرأي والتحريض، كل
فيما يقدر عليه، فإذا فقدوا ذلك تبين أن إيمانهم ضعيف، وأنهم غير صادقين فيه،
كما قال تعالى: ((إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا
وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون)) [الحجرات: 15]
وقال تعالى ((فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن
يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا)) [النساء: 84]
وقد أنكر الله تعالى على المؤمنين عدم مناصرتهم لإخوانهم المظلومين الذين يعتدي
عليهم أعداؤهم، فقال تعالى: ((وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من
الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها
واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا)) [النساء: 75]
وقال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله
اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في
الآخرة إلا قليل)) [التوبة: 38]
وهاهم إخواننا في فلسطين يستصرخون إخوانهم المسلمين منذ خمسين سنة، لينصروهم
على أعدائهم من اليهود والنصارى، فلم يجدوا نصيرا، غير الله ثم حجارتهم.
وهاهم إخواننا في أفغانستان يستصرخون إخوانهم المسلمين في كل مكان، يطلبون منهم
المناصرة والتأييد بالجهاد في صفوفهم ضد المعتدين، ويهيبون بحكام الشعوب
الإسلامية أن يقفوا بجانبهم، فلم يجدوا من غالب حكومات الشعوب الإسلامية، غير
التصريحات التي تخذلهم وتعين عدوهم عليهم بالتحالف الظالم، مع الصليبية
المعاصرة التي تحركها اليهودية الصهيونية.
ومن أهم الواجبات على المؤمنين أن يتعاونوا فيما بينهم على البر والتقوى، ولا
يتعاونوا بينهم على الإثم والعدوان، كما أمرهم الله تعالى بذلك فقال:
((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن
الله شديد العقاب)) [المائدة: 2]
فكيف بهم إذا تعاونوا مع الكفار على المسلمين بالإثم والعدوان، كما هو الحال في
التعاون مع أمريكا ودول الغرب على إخوانهم المسلمين في أفغانستان وغيرها من
الشعوب الإسلامية؟!
ومن واجبات المؤمنين، أن يتوكلوا على الله ويخشونه وحده، ولا يخشون أحدا سواه،
وأن الناس مهما اجتمعوا لحربهم، لا بد أن ينصرهم الله عليهم، إذا صدق إيمانهم،
وأعدوا العدة المستطاعة لهم، وإن كان عددهم قليلا، وعدد عدوهم كثيرا. وقد دل
على ذلك كتاب الله وحوادث التاريخ، لمن ألقى السمع وهو شهيد.
فقد بعث كفار قريش رجلا -بعد غزوة أحد التي ابلي فيها المؤمنون، بسبب معصية
بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم- يخوف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
من جمع كبير قد جمعوه لمحاربة المسلمين، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا وتوكلا على
الله، كما حكى الله عنهم ذلك في قوله: ((الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا
لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)) [آل عمران: 173]
وقال تعالى: ((إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم
مؤمنين)) [آل عمران: 175]
وقد أخبر الله –وخبره صد لا يتخلف-أنه هو وحده الذي يمنح المؤمنين نصره، وهو
وحده الذي ينزل بهم الهزيمة والخذلان، فقال تعالى: ((إن ينصركم الله فلا غالب
لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون)) [آل
عمران: ]
وما حصل للمسلمين من النصر على عدوهم مع قوته وكثرة عدده، وع قلة المسلمين
وضعفهم-في غزوات بدر والأحزاب، من أعظم الأدلة الواقعية على ذلك، كما قال
تعالى: ((ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون)) [آل
عمران: 123]
وذلك وعد من الله لرسله ولكل المؤمنين الصادقين في كل زمان: ((إنا لننصر رسلنا
والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)) [غافر: 51]
وتلك سنة إلهية ماضية يوقن بها عباد الله المؤمنون الصادقون: ((قال الذين يظنون
أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين))
[البقرة: 249]
فواجب المسلمين نصر إخوانهم المسلمين، ولا يجوز لهم مناصرة المعتدين، وبخاصة
اليهود والنصارى.
ونصر الله لعباده المؤمنين –وإن ابتلاهم الله ومحصهم-محقق بوعد لا يخلفه الله.
وللحديث صلة