الواجب الثاني: واجب العلماء
سبق الكلام عن واجب القادة الأفغان وشعبهم في الحرب اليهودية الصهيونية،
والصليبية الغربية المعاصرة.
وفي هذه الحلقة أوجه الخطاب إلى علماء المسلمين في كل أنحاء الأرض، ويدخل في
ذلك المؤسسات العلمية الإسلامية، كالجامعات و المجمعات الفقهية، ومؤسسات وكل
مؤسسة مؤهلة للفتوى في العالم.
تعلمون أيها العلماء الأفاضل، أن الإسلام دين عالمي، وهو خاتم الأديان، وأنه
قادر على الإجابة عن حكم أي نازلة تنزل بالناس، وأن من النوازل العظيمة التي
حصلت هذه الأيام الحدث الأمريكي المعروف.
وتعلمون ما أوجبه الله على العلماء من بيان الحق، وما رتب عليه من الثواب، ومن
كتمان الحق وما رتب عليه من العقاب، ويكفي أن نذكر بدليلين اثنين:
أحدهما من القرآن الكريم، وهو قول الله تعالى: ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من
البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم
اللاعنون(159)إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب
الرحيم(160) [البقرة]
والدليل الثاني من الحديث الشريف، وهو حدبث أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار
يوم القيامة) [أبو داود: 3658] وهو من أحاديث المستدرك على الصحيحين.
وقد أجاب غالب العلماء بعدم موافقتهم على الهجمات التي تمت لضرب برجي نيويورك،
لأسباب ذكرت مع فتوى كل عالم أو مؤسسة إسلامية، وبناء على ذلك لا نريد الخوض في
هذا الأمر.
وإنما نريد تذكيرهم بالأسئلة التي تتردد على ألسنة عامة المسلمين في الشعوب
الإسلامية، وقد سمعنا الكثير منهم يوجهون أسئلتهم إلى بعض المشاركين في برامج
الفضائيات، وكثير منهم ليس عندهم من العلم الشرعي ما يؤهلهم للإجابة عن تلك
الأسئلة.
ومن أهم الأسئلة السؤال عن (الإرهاب) هل هو غير مشروع في الإسلام مطلقا؟ وهل
إرهاب أعدائنا لنا مشروع، وإرهابنا له غير مشروع؟
وسأقتصر في هذه الحلقة على القسم الأول المتعلق بالإرهاب، ثم أكمل القسم الثاني
المتعلق به، في الحلقة الثانية...
الإرهاب
=====
[نشر في مجلة (المجتمع) الكويتية، عدد (1196) صفحة 4-5، بتاريخ 28 من ذي
القعدة-4 من ذي الحجة، عام 1416هـ]
المصطلحات تحمل معاني محددة ممن صدرت عنه، والواجب فهمها وتفسيرها على مراد من
صدرت عنه ، ولا يجوز لغيره أن ينسب إليه معنى آخر لم يرده صاحب ذلك المصطلح من
مصطلحه، وإذا أراد ذلك الغير أن يعبر عن معنى غير ذلك المعنى ليكون مصطلحا خاصا
له فليفعل ولا مشاحة في الاصطلاح، ولكن يجب أن ينسبه إلى نفسه وليس إلى صاحب
المصطلح الأول.
مثال: الصلاة في الإسلام لها معناها الخاص الذي فصلته أبواب (صفة الصلاة) في
كتب الحديث والفقه، والصلاة عند اليهود أو النصارى لها عندهم معنى خاص، فإذا
أراد المتحدث في حديثه أو الكاتب في كتابته أو المترجم في ترجمته، أن يبين
للناس معنى الصلاة في الإسلام، وهو يخاطب غير المسلم، كاليهودي
والنصراني-مثلا-فعليه أن يوضح ذلك، حتى لا يفهم السامع أو القارئ أن المراد
الصلاة التي هو يفهمها، والعكس أيضا صحيح، وهكذا يقال عن الصوم والحج والإيمان
والمعروف والمنكر وغيرها.
ومن المصطلحات التي يكثر ذكرها هذه الأيام مصطلح (الإرهاب) الذي يكاد يجمع على
محاربته وذمه سكان الكوكب الأرضي، بما فيهم المسلمون، ومعنى هذا أن الإرهاب عند
محاربيه غير مشروع، بل هو جريمة مهما كان الهدف منه ومن أي جهة صدر، وأجمعت على
ذلك أجهزة الإعلام الأجنبية والعربية، وعقدت لمكافحته المؤتمرات على مستويات
متنوعة، واتفقت كل تلك المؤتمرات على محاربته، هكذا بدون تفصيل.
ولقد أفزعني إطباق علماء الإسلام الغيورين على دين الله، والكتاب المسلمين
المثقفين من صحفيين وغيرهم-فيما اطلعت عليه من كتاباتهم في موضوع الإرهاب-على
عدم مشروعية الإرهاب في الإسلام دون أن يبينوا للناس حكم الإرهاب في القرآن
والسنة والسِّيَر ، أي متى يكون الإرهاب مشروعا، ومتى يكون محظورا؟.
وأصبحوا-فقط-يدافعون عن الإسلام بأنه لا إرهاب فيه، وأن الإرهاب كما يوجد من
بعض المسلمين يوجد من غيرهم، ويتكلمون على إرهاب الدول في الشرق وفي الغرب،
وإذا أرادوا أن يسَوِّغوا دفاع المسلمين عن أنفسهم عندما يُعتَدَى عليهم قالوا:
إن الدفاع المشروع ليس بإرهاب !
وقد اغتنم أعداء الإسلام استسلام العلماء والدول والكتاب والصحفيين في البلدان
الإسلامية للإقرار بأن الإرهاب كله شر، وأخذوا منهم جميعا-قاصدين أو غير
قاصدين-شهادة بأن الإسلام لا إرهاب فيه، ومع ذلك لم يكف أعداء الإسلام عن رمي
الإسلام بما ينفيه عنه أهله، وأصبحت أجهزة الإعلام في كل بلدان المسلمين تردد
في دفاعها عن الإسلام أنه لا إرهاب فيه !.
وإن المصطلحات الإسلامية لا يجوز التفريط فيها ونفي ما ثبت منها في كتاب الله
أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إثبات ما نفياه، لما في ذلك من تضليل أجيال
الأمة وتجهيلها وجعلها تعتقد غير ما جاء في دينها.
ولست هنا في مقام كتابة بحث لأدلل على ما أريد الحديث عنه، وإنما أريد أن أنبه
العلماء على خطر عدم التَّنَبُّه للمصطلحات التي تنفى عن الإسلام أو تُثْبَت
فيه، لأن الأمة تثق فيهم فإذا نفوا شيئا أو أثبتوه أصبح أمرا مسلما عندها، وقد
يترتب عليه من الأخطار ما يصعب تلافيه، لذلك يجب على العلماء التصدي لكل مصطلح
يحدث ويرجعوا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبينوا موقف الإسلام
من ذلك المصطلح نفيا أو إثباتا، وماذا يعني بالضبط حتى لا يختلط بغيره، وحتى
يبقى معناه ثابتا عند المسلمين.
ولهذا فإني أريد أن أقدم إلى علمائنا الأفاضل في العالم الإسلامي-بدون
تخصيص-الأسئلة الآتية:
((((تنبيه مهم: أرجو من كل قادر على إيصال هذه الأسئلة إلى العلماء في جميع
البلدان أن يجتهدوا في إيصالها إليهم، لأن كثيرا منهم لا يرتادون
المنتديات.))))