أرجو أن يكون القارئ قد اطلع على الحلقة
الثانية
وعرف معنى الإسلام والمسلمين اللَّذَيْنِ تنفي أمريكا أن يكونا هدفا لحملتها
الصليبية الصهيونية الإرهابية، فالإسلام الذي ستهادنه أمريكا مضطرة: هو "
الإسلام الذي يقوم به الفرد بينه وبين ربه...."
والمسلمون الذين ستوافق أمريكا على
بقائهم على دينهم دون عدوان سافر عليهم، هم: "المسلمون الذين لا يبنون حياتهم
وقوانينهم ونظمهم وتصرفاتههم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصناعية
والإعلامية والعسكرية، وعلاقاتهم الدولية، على أساس الطاعة المطلقة لله وتطبيق
شريعته كاملة في الأرض..."
فليكن المسلمون على علم وبصيرة بالإسلام
الذي تدعي أمريكا أنها لا تحاربه ولا تحارب أهله، بل قد تثني عليه وتمدحه وتثني
على أهله وتمدحهم.
ويجب على المسلمين ألا تخدعهم وسائل الإعلام الأمريكية خصوصا والغربية عموما،
وبيانات زعمائهم ومثقفيهم.
ويجب كذلك ألا يغتر المسلمون بغالب
وسائل إعلام كثير من بلدانهم التي تسلك نفس مسلك وسائل الإعلام الغربية وتتبعها
حذو القذة بالقذة.
فإن عاقبة الاغترار بذلك وخيمة، لما فيه
من فساد الأفكار وتضليل العقول، وما يترتب عليهما من التفريط في ضرورات الحياة،
وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال، التي سيعتدي عليها أعداء الإسلام، دون
أن يشعر المُضَلَّلُون بضياعها، إلا بعد فوات الأوان.
إن اعتداء الظلمة على هذه الضرورات، مع
علم المسلمين بخطر الاعتداء، وعجزهم عن الدفاع عنها، أهون بكثير من الاعتداء
عليها دون الشعور بخطر الاعتداء، لأن الذي يشعر بالخطر، يمكنه أن يفكر في درئه،
ويتخذ الأسباب التي تمكنه من ذلك الدرء، بخلاف من لا يشعر بالخطر، فإنه يدهمه
عدوه ويسلب منه أعز ما يملكه، وهو عن ذلك غافل.
فحقيقة الإسلام الذي تعترف به أمريكا،
هو الإسلام التركي الذي أرسى أسسه الطاغوت اليهودي "أتاتورك"
وهو الإسلام الذي تثني عليه أمريكا وتصفه بالإسلام المتحضر، الذي تنحاز دوله
إلى الدول الغربية، وماعدا هذا الإسلام، فهو أصولي رجعي.
فقد قال الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية: "نكسون" في كتابه "الفرصة
السانحة" (ص: 28):
" العالم الإسلامي متقلب وغير مستقر، ولكنه من الأهمية بمكان، إن قوى التقدم
والرجعية والأصولية ، تتصارع فيه، لكي تحظى بتأييد الشعوب، التي يبلغ تعدادها
850 مليون نسمة.
هل سيتبع العالم الإسلامي نموذج تركيا، في انحيازها نحو الغرب والتحضر؟ أم
سيتبع نموذج العراق؟ أم سيتبع نموذج إيران؟"
ثم بين أن أمريكا ودول الغرب سيكون لها شأن في تحديد خيار الشعوب المسلمة لأحد
النماذج الثلاثة، فقال:
"إن الإجابة على هذه الأسئلة، ستكون لها ردود فعل خطيرة في العالم، وسوف تلعب
السياستان الأمريكية والغربية مع المسلمين، دورا رئيسيا في تحديد الخيار الذي
تختاره الشعوب المسلمة"
وهاهي أمريكا ودول الغرب تحدد
لأفغانستان الإسلام الذي يجب أن تتبعه، وهي في طريقها لتحديده في بقية الشعوب
الإسلامية.
ويجب التنبيه على أن هناك دولة أخرى
صديقة للولايات المتحدة، تعتبر نموذجا آخر في تطبيق الإسلام، لم يذكرها نصا
الرئيس "نكسون" وكانت أولى بالذكر من العراق، لأن العراق دولة علمانية، وعدم
ذكرها يدل على عدم رضاه عنها، وقد دلت القرائن على عدم الرضا هذا، فوسائل
الإعلام الأمريكية وكثير من المسؤولين تشن حملاتها المسعورة عليها.
ما الوسائل القهرية التي ستتخذها أمريكا
لحملتها الإرهابية على الإسلام؟
إن أمريكا تظن أنها بما آتاها الله من
قوة مادية، قادرة على أن تسيطر على الكون كله سيطرة كاملة، وأن كل من فقد رضاها
عنه بسبب عقوقه لها، ومروقه عن طاعتها وعدم التزامه بمنهجها - سواء كان فردا أو
جماعة أو حزبا أو دولة – يعتبر إرهابيا تجب مطاردته والقضاء عليه، حتى يسمع
لأمريكا ويطيع.
ولدى أمريكا كثير من الوسائل التي
ستتخذها –بل قد اتخذتها – ومنها ما يأتي:
الوسيلة الأولى: الإغراء بالمال:
إغراء الزعماء والدول والأحزاب
والجماعات والمثقفين والإعلاميين والأدباء، وكل من يمكنهم استمالته بالمال،
لينفذ لهم ما يحقق لهم أهدافهم، كل في تخصصه ومحيطه.
والإغراء بالمال لإبطال الحق ونصر الباطل سنة طاغوتية قديمة، يطمع فيها
الطامعون الذين يخدمون زعماء الباطل ضد أهل الحق، وقد برزت هذه السنة السيئة في
تصرفات فرعون عندما أراد أن يظهر لجماهيره أن ما جاء به موسى باطل وليس بحق،
وأن هدف موسى هو السيطرة على الحكم وإخراج أهل البلد من بلدهم، والاستئثار
بخيراتها.
قال تعالى: (قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم(109)يريد أن يخرجكم من
أرضكم فماذا تأمرون(110)قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين(111)يأتوك
بكل ساحر عليم(112)وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن
الغالبين(113)قال نعم وإنكم لمن المقربين(114) [الأعراف]
وفي حملة أمريكا الظالمة التي بدأت بالشعب الأفغاني المسلم المحطم، سقط كثير من
زعماء القبائل وقادة الجيش، ورؤساء الأحزاب، في بيع ذممهم وغدروا بإخوان لهم من
أهل بلدهم، وممن وقفوا في صفوفهم من الشعوب الإسلامية الأخرى من العرب وغيرهم.
بل إن بعض زعماء الدول المجاورة استجابوا لتنفيذ أوامر أمريكا، فتنازلوا عن
سيادتهم على أرضهم ومكنوا الدولة المعتدية من استعمالها في حربهم ضد الدولة
المسلمة المجاورة، من أجل نيل حفنة من الدولارات.
وقد استسلم ضعاف الإيمان اليوم لهذا الإغراء، ومكنوا أمريكا من تحقيق مآربها في
حملتها الظالمة الإرهابية.
وقد عقدت دولة أوزبكستان معاهدة استراتيجية مع الولايات المتحد الأمريكية بسرعة
هائلة، بعد أن مكنتها من استعمال أرضها لضرب الشعب الأفغاني المسلم.
الوسيلة الثانية: الإغراء بالزعامات
والتمكين:
والإغراء بالزعامات والتمكين من الحكم
والعلو الكاذب في الأرض –كذلك -سنة شيطانية قديمة، كان قدوة أهلها الأول
الشيطان الذي أغوى آدم وزوجه حواء عليهما السلام، بأكل الشجرة التي نهاهما
ربهما عنها، كما قال تعالى عن ذلك: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على
شجرة الخلد وملك لا يبلى) [طه: 120]
والإغراء بالملك-ابتداء أو استمرارا-من أعظم شهوات النفس التي تسوق صاحبها، ما
لم يحمه الله، إلى امتطاء صهوتها استجابة لإغواء الشيطان ومحاربة الحق وأهله.
وأمريكا اليوم تغري زعماء دول العالم بالتمكين لهم، إذاما استجابوا لتنفيذ
مطالبها، وتهددهم بحرمانهم من ذلك، إذا لم يسمعوا لها ويطيعوا، وتغري عشاق
الكراسي بإحلالهم محل المارقين عن طاعتها.
والمسلم البعيد عن الإيمان الصادق بربه الذي هو وحده يعطي ويمنع، معرض للوقوع
في الفخ الأمريكي الذي يضعه في صف من يحاد الله ورسوله، غير مدرك للعواقب
الوخيمة التي سينالها من المنتقم الجبار، الذي قال في محكم كتابه: (قل اللهم
مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء
بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) [آل عمران: 26]
الوسيلة الثالثة: الضغط السياسي
والدبلوماسيي:
ومن الضغط السياسي: السعي في إيجاد
الفرقة و التنازع بين الشعوب والحكام، وبين فئات الشعب، من أحزاب وجماعات
ومؤسسات، بحيث تقوم بتقوية بعض الأحزاب أو القبائل، أو بعض فرق الجيش المعارضة
للزعيم أو لحزب آخر، لا ترضى عنه أمريكا، بحيث تمدهم بالمال والوسائل التي
تمكنهم من إحداث اضطرابات تهز بها البلد، حتى تُسقِط من لا يستسلم لسيطرتها،
ولا يعلن خضوعه لما تمليه عليه. ومن أهم الوسائل التي تمد بها تلك الأحزاب أو
القبائل وفرق الجيش: المال ووسائل الإعلام والسلاح.
ومعلوم ضلوع أمريكا في هذه الوسيلة التي استعملتها في كثير من بلدان ما يسمى
بالعالم الثالث، أو الدول النامية، من إندونيسيا شرقا إلى بعض البلدان العربية
وأمريكا اللاتينية في زمن الحرب الباردة، وهي تستعملها في كثير من البلدان
الإسلامية، اقتداء بفرعون الذي قال الله تعالى عنه: (إن فرعون علا في الأرض
وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من
المفسدين) [القصص:4] ومربيتها الأولى "بريطانيا" التي اتخذت في استعمارها
للشعوب قاعدة: "فَرِّقْ تَسُدْ"
الوسيلة الرابعة: اتخاذ الوسائل التي
تحدث النزاع بين الدول المتجاورة، لأي
سبب من الأسباب، مما يمكن أمريكا من التدخل وفرض ما تريد مما يحقق أهدافها، كما
فعلت في حربي الخليج الأولى والثانية.
الوسيلة الخامسة: الضغط الاقتصادي
وله صور كثيرة:
منها: تجميد الأموال المودعة في البنوك
الأمريكية، كما فعلت مع إيران، وغيرها.
ومنها: حظر صادرات الدول غير المرضي عنها إلى أمريكا وحلفائها الغربيين وغيرهم.
ومنها: حظر الصادرات والواردات الضرورية عن الدولة غير المرضي عنها، وقد تتخذ
هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن غطاء لأعمالها، كالحالة في العراق التي لا يخفى
أمرها والضرر الذي أنزلته بالشعب العراقي على أحد.
ومنها: منع المساعدات المالية التي يقدمها كل من البنك الدولي وصندوق النقد
الدولي.
وكل المقاطعات الاقتصادية المجحفة هي من هذا النوع.
التهديد بالاغتيالات وتنفيذها:
وهذه مهنة أصيلة حقيرة لا تتورع عنها
أمريكا، وذراعها الرئيس لتنفيذ هذه المهنة الشائنة، وكالة الاستخبارات الشهيرة:
" C.IA " وعملاؤها منتشرون في العالم كله، وقد نفذت كثيرا من هذه العمليات زمن
الحرب الباردة في دول كثيرة في العالم، على مستويات متنوعة، وهي اليوم باسم
محاربة الإرهاب والقضاء عليه، تعد العدة لهذه الاغتيالات، ورصدت لها ميزانية
خاصة:
http://www.aljazeera.net/news/ameri.../12/12-17-1.htm
العدوان العسكري:
والعدوان السكري أصبح السمة البارزة
لهذه الدولة المعتدية الظالمة، وله مظاهر عدة:
المظهر الأول:
إمداد الدول المتحالفة معها بالسلاح ضد الشعوب المظلومة المعتدى عليها، كما هو
حال اليهود في فلسطين، فاليهود يدمرون بيوت الفلسطينيين، ومزارعهم ومساجدهم
ومدارسهم، وكل مرافقهم، بالسلاح الأمريكي، ويقتلون ويغتالون ويجرحون الشعب
الفلسطيني، بالسلاح الأمريكي.
وقل مثل ذلك في الفيليبين، ضد المسلمين في الجنوب، وفي تركيا ضد الأكراد....
المظهر الثاني:
الكيل بمكيالين في إمداد الدول بالسلاح، فهي
تمد الدولة الحليفة لها بأحدث أنواع السلاح الهجومي، والمثال على ذلك الدولة
اليهودية، بخلاف الدول العربية الصديقة، بل الحليفة في واقع الأمر، فأمريكا لا
تمدها إلا بالأسلحة التي لا تمكنها من دفع العدوان اليهودي في أوقات الحرب، مع
شروط قاسية ظالمة في استعمال ذلك السلاح.
المظهر الثالث:
إلغاء صفقات الأسلحة المتفق عليها بين أمريكا والدول الأخرى، إذا عارضت تلك
الدول أي مشروع أمريكي ضد مصالحها، كما حصل مع الباكستان، في الطائرات التي تمت
الصفقة على شرائها من أمريكا.
المظهر الخامس:
الهجوم المباشر على الدول المغضوب عليها، كم حصل مع اليابان في الحرب العالمية
الثانية، ومع غيرها، وكما حصل لفيتنام، ولليبيا، والسودان، وكما حصل ولا زال
يحصل مع العراق، وكما يحصل اليوم مع الشعب الأفغاني، والاستعداد للاعتداء على
غيره من الدول بعد الانتهاء من حملتها عليه.
المظهر السادس:
تحطيم سلاح الدول المغضوب عليها، كما فعل اليهود بالمفاعل النووي العراقي،
بتأييد أمريكا.
والتخطيط جار الآن باتفاق بين أمريكا واليهود والهند للقضاء على السلاح النووي
الباكستاني، ولعل ذلك قد بدأ بالهجوم على البرلمان الهندي، وما تلاه من
التحرشات والتهديدات الهندية.
فأمريكا واليهود يدر بون فرقا من جيشيهما للقيام بهذه المهمة:
فخ هندي لسلاح باكستان النووي.
(((وحدة من الجيش الأمريكي وبعض جنود حدة 262 اليهودية معروفة بـSAYARETMATKEL
تتدربان لهجوم محتمل على باكستان لسرقة ترسانة الأسلحة النووية
http://www.islam-online.net/Arabic/...Article50.shtml)))
هذا مع ما قدم رئيس الجمهورية الباكستانية من خدمة لأمريكا في بلاده، للاعتداء
على الشعب الأفغاني المسلم، وما قام به من القمع ضد شعبه وقادة الأحزاب فيه،
إرضاء للدولة الظالمة المعتدية، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم:
(من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط
الله سخط الله عليه واسخط عليه الناس).
وما خفي أخطر مما ظهر!
تقسيم الشعوب
ومن الأمور الخطيرة التي تريد أمريكا
القيام بها، إعادة ترتيب دول العالم وحكامه، ترتيبا يحقق لها ما تصبو إليه من
السيطرة، هي وربيبتها الدولة اليهودية الطارئة في قلب الأمة الإسلامية.
ومن أبرز البلدان التي يخشى تقسيمها: العراق، الذي قد قسمته أمريكا عمليا، إلى
أكراد في الشمال، وسنة في الوسط، وشيعة في الجنوب، هذا الشعب الذي لا يفتأ
اليهود يكررون خوفهم منه، ولم يكن غزو النظام العراقي إلا بترتيب مسبق من
أمريكا واليهود، من أجل القضاء على قوته التي كانت ترهب اليهود.
ثم إن دول الخليج معرضة لإحداث الفتن والقلاقل، ومرشحة لإراحة اليهود من الشعب
الفلسطيني، وإسكانه في هذه الدول التي يقول اليهود والأمريكان معا، إنها قليلة
السكان، ويجب أن تستوعب الفلسطينيين، وهي مقالة شبيهة بما كانوا يقولونه عن
فلسطين: "أرش بلا شعب، لشعب بلا أرض!"
كذلك تقسيم السودان إلى شمال وجنوب وإكراه الحكومات في الشمال على القبول بذلك.
وأخيرا: إن أمريكا عازمة على تغييرات خطيرة تسمى"ترتيب العالم" وللشعوب العربية
نصيبها الأوفر، وقد قال "نكسون" في كتابه: "الفرصة السانحة" صفحة: 22 "فلدينا
فرصة تاريخية لكي نعيد ترتيب العالم"
وما الحملة الإرهابية الأمريكية إلا تنفيذ لهذا الترتيب واغتنام لهذه
الفرصة....!
وللحديث صلة إن شاء الله.