لا بد أن قول للمسلمين في جنوب أفريقيا شيئا.
لقد أمضيت ثلاثة وثلاثين يوما في جنوب أفريقيا ، من يوم الإثنين 1/3/1420 ـ
4/4/1420هـ ـ 14/6/ 1999- 17/7/1999م زرت فيها أربع مناطق ، وهي : جوهانسبرج
، وكيب تاون ودربن وبريتوريا .
زرت في المناطق الثلاث الأولى عواصمها وكثيرا من ضواحيها ، ولم أزر في
بريتوريا –وهي العاصمة الإدارية – إلا السفارة السعودية .
زرت مساجد ومؤسسات ومراكز ومدارس إسلامية ، وبعض الجامعات ، واجتمعت بأئمة
المساجد وعلماء المسلمين وزعمائهم وأساتذتهم ودعاتهم واجتمعت ببعض المسلمين
الجدد ، وقابلت بعض المستشرقين ، وحاورتهم جميعا عن تاريخ الإسلام والمسلمين
في هذا البلد ، وعن أحوال المسلمين الدينية والاجتماعية والاقتصادية
والسياسية وغيرها .
وسجلت في دفتري كل ما تمكنت من تسجيله من تلك المعلومات .
هذا مع العلم أنني كثيرا ما أكرر السؤال الواحد على كثير ممن قابلتهم ، حرصا
مني على الاستقصاء والاطمئنان ، وقد تتفق إجاباتهم وقد تختلف ، وأنا أسجل
إجابة كل واحد كما هي ، وقد أعلق على بعضها بما أرى ، وقد أرجح إجابة على
أخرى لسبب بدا لي .
وعندما استقلت بي الطائرة في سماء جنوب أفريقيا ، وألقيت نظرة وداع على أرضها
، سألت نفسي هذا السؤال : ما ذا أقول
لمسلمي جنوب أفريقيا ؟
وقلت لنفسي : لا بد من الإجابة على هذا السؤال الآن لأمرين :
الأمر الأول :
أن حواراتي ولقاءاتي ومشاهداتي وملحوظاتي لا زالت غضة طرية ، والإجابة الآن
ستكون أكمل وأسهل من الإجابة غدا ، لكثرة المشاغل وطروء النسيان .
الأمر الثاني :
أن خير البر عاجله ، والحرص على النافع مشروع ، وتأخير عمل اليوم إلى الغد
ممنوع .
القول الأول :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
ووداعا أيها المسلمون في جنوب أفريقيا ، إلى أن يكتب الله لنا أو لبعضنا
اللقاء في أي زمان أو مكان ، وأرجو أن يجمعنا الله تعالى بكم جميعا في دار
كرامته .
القول الثاني :
لقد وفقكم الله لغرس دينه في هذا
البلد منذ أكثر من ثلاثمائة سنة ، على غير رغبة من أعداء هذا الدين الذين
جاءوا بأجدادكم- من الملايو والهند - عبيدا وخدما منفيين معتقلين مسجونين
مهانين ، لا قيمة لهم إلا عند مولاهم الذي أراد لهم ان ينشروا دينه الحق
ويوطنوه في بلد بعيد ناء عن بلدانهم .
وقد بذل العلماء من أجدادكم جهودا مضنية في سبيل المحافظة على تمسك ذريتهم
بدينهم ، إضافة إلى دعوة غيرهم ، حتى أصبح الإسلام منتشرا في غالب البلد ،
وأصبحت المعاقل العلمية والمساجد والمراكز الإسلامية المتنوعة منتشرة في كل
مكان حل به المسلمون.
وقد حافظ بعضهم – الهنود – على الدم النَّسَبيِ ، كما حافظوا على الدين
الإسلامي .
ولقد أصبحت لفظتا الحلال والحرام في المطاعم والفنادق والطائرات والبواخر
وغيرها معروفة في مناطق جنوب أفريقيا كلها ، بل إن المطاعم والأسواق الكبيرة
تعلق لروادها لافتات كتب عليها ( حلال HALAL ) ولا يسمح لتلك المطاعم بتعليق
تلك اللافتات إلا بإذن من مجلس القضاء الإسلامي في كيب تاون أو أي مؤسسة
إسلامية معترف بها لدى الدولة .
وهذا يدل على أن الإسلام قد غرس في هذا البلد غرسا قويا .
القول الثالث :
لقد أراد الأوربيون العنصريون أن
يحولوا بين دعوة الإسلام ووصولها إلى غير المسلمين من سكان جنوب أفريقيا ،
فعزلوا كل فئة عن الأخرى (1) وكان لذلك العزل جانبان :
الجانب الأول :
إيجابي وهو المحافظة على ذرا ري المسلمين من اختلاطهم بغيرهم من الفئات غير
الإسلامية ، كما حصل للمسلمين الأفغان في أستراليا ، وكما حصل لبعض المسلمين
في بلدان أخرى كأمريكا الجنوبية .
الجانب الثاني :
سلبي ، وهو أن اختلاط المسلمين بغيرهم قد يكون له أثره الفعال في دخولهم في
الإسلام – وبخاصة الأفارقة السود –إذا تحلى المسلمون بالقدوة الحسنة ، وقاموا
بالدعوة إلى الإسلام – كل في حدود قدرته - كما حصل ذلك في كثير من البلدان ،
في أفريقيا وفي جنوب شرق آسيا ، حيث أصبح غالب سكان تلك البلدان مسلمين ، مثل
إندونيسيا وماليزيا وبروناي ، وكذلك بعض بلدان أفريقيا ، مثل نيجيريا
والسنغال وغيرها …
القول الرابع :
من النصيحة الصريحة لكم أن أقول لكم :
لقد قصرتم تقصيرا شديدا في دعوة من اختلطوا بكم من السود إلى الإسلام ، فقد
كان يوجد بينكم الخدم : رجالا ونساء ، صغارا وكبارا ، ولم يكن غالبكم – بل
أكاد أقول : كلكم – حسب إجابات كثير من علمائكم وزعمائكم الذين قابلتهم
يهتمون بدعوة أولئكم الخدم إلى الإسلام ، وقد بقوا مع أجدادكم ومع آبائكم
ومعكم مددا طويلة من الزمن ، وكان في إمكانكم في تلك المدد الطويلة أن
تنقذوهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام ، إذا وجدوا فيكم القدوة الحسنة
والاهتمام بدعوتهم ، لا سيما أن فطرهم أقرب إلى فطرة الإسلام وعاداتهم أقرب
إلى عاداتكم (2) من عادات المسيحيين الذين نصروهم على
مرأى ومسمع منكم ، وكان الإسلام سينتشر بين أسر خدمكم وجيرانهم وأصدقائهم إذا
دخلوا في الإسلام .
وإني لأخشى عليكم أن تكونوا تركتم ثلاث قواعد مهمة من قواعد الدعوة الإسلامية
، دلت عليها سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسيرة أصحابه ، ومن تبعهم من
دعاة الحق وعلماء الإسلام :
القاعدة الأولى :
دعوة المواقع التي لا عذر لأي واحد منكم في تركها ، وهي أن يقوم كل مسلم
بالدعوة إلى الله بالقول أو بالفعل ( القدوة الحسنة ) في موقعه الذي هو فيه ،
إن لم يقدر على الانتقال إلى غيره .
وفي قصة يوسف ما يرشد إلى هذا المعنى ، فقد دعا إلى الله وهو في سجنه ، عندما
قال : يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار …
القاعدة الثانية :
وجوب البيان لمن يحتاجه في وقت حاجته وعدم جواز تأخير ذلك ، وتأخير ذلك من
غير عذر هو كتمان لما أنزل الله ، ومعلوم عقاب الله لمن كتم بيان ما أنزل ،
وهو مخالفة لتكليف الله رسوله صلى الله عليه وسلم القيام بالبلاغ المبين ،
وقد انتقل تكليف الله رسوله بذلك –بعد وفاته – إلى تكليف أمته في كل جيل من
أجيالها ، والنصوص الدالة على هذه القاعدة من القرآن والسنة والسيرة النبوية
كثيرة معلومة لدى طلبة العلم .
القاعدة الثالثة :
وجوب نشر الإسلام نشرا سريعا إلى كل من يمكن الداعيةَ الوصولُ إليه قَرُب أم
بَعُد ، إما مباشرة وإما بأي وسيلة أخرى ، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه
وسلم ، حيث دعا كل من استطاع الوصول إليه إما بنفسه ، وإما عن طريق رسله
ورسائله ، وربى أصحابه على ذلك وقاموا به بعده .
ولا زال الأفارقة السود إلى الآن يختلطون بكم خدما في المنازل وسائقين
وعاملين في المكاتب والشركات ، فهل من تلاف لهذا التقصير ممن قصر فيما سلف من
عمره ؟
القول الخامس :
لقد فتح الله الباب الآن على مصراعيه
لاختلاطكم بغيركم من أهل الأديان الأخرى من الفئات الثلاث : السود والملونين
(3) والبيض ، وفي ذلك فرصة سانحة لاجتهادكم في الدعوة إلى
الله وتبليغ دينه إلى جميع سكان جنوب أفريقيا وما جاورها ، والدعوة إلى الله
ليست من نوافل الطاعات ، بل هي فريضة لازمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى
يوم الدين ، كل من هذه الأمة بحسب طاقته وموقعه : العالم يدعو ويبين ما لا
يقدر على بيانه غيره ، وإذا كتم أصبح في صف من لعنهم الله من علماء بني
إسرائيل ، والغني ينفق من ماله على أي وسيلة يُتَوصل بها إلى الدعوة ، وهكذا
الإعلامي …
ولا بد أن تكون الدعوة التي تقام بها حجة الله على عباد الله بينة واضحة لا
لبس فيها ولا خفاء : إنما على رسولنا البلاغ المبين ويمكن لغير العلماء
أن يبينوا للناس ما هو ظاهر من أمور الدين كأركان الإيمان وأركان الإسلام ،
وفرائض العين ، وأمهات المحرمات .
القول السادس :
إن قيامكم بالدعوة إلى الله – حسب
طاقتكم – وتعاونكم على ذلك ، سيكثر الله به أنصاركم ويقوي به صفكم ، ويرفع به
راية الإسلام وتكون لكم به العزة والغلب .
وإن قعودكم عن الدعوة إلى الله وتكاسلكم عن ذلك يزيدكم على قلتكم قلة ، ويزيد
من كثرة أهل الأديان الأخرى التي قد لا يدوم تسامحها معكم ، وفي ذلك ضعفكم
وضعف دينكم ، ومن ضعف دينه خف وزنه وهان على الناس وذل ، لأن سنة الله اقتضت
أن يتسابق أهل الحق بحقهم وأهل الباطل بباطلهم إلى عقول الناس ، ومن كان أكثر
سبقا بما عنده كان أكثر أنصارا ، فاستبقوا الخيرات لتكسبوا نصر الله في
الدنيا وثوابه في الآخرة .
القول السابع :
إن الواجب عليكم جميعا أن تتعاونوا
على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، وأن تجتهدوا في اتخاذ
كل سبب يؤدي إلى اجتماع كلمتكم على الحق ، وترك كل سبب يؤدي إلى فرقتكم
وتصدعكم ، وإن الواجب عليكم أن يسعكم ما وسع سلفكم في العصور المفضلة ، وعلى
رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن تبعهم بإحسان وأئمة الهدى من
علماء الحديث والتفسير والفقه الذين كانوا يختلفون في المسائل الاجتهادية ،
ولكن ذلك الاختلاف لم يكن يفسد الود بينهم ومعرفة كل واحد فضل مخالفه ، بل
كانوا متحابين متعاونين على البر والتقوى .
ومن الأمور التي يجب عليكم أن تسعوا في الاجتماع عليها والسعي في إزالة
الفرقة بينكم فيها ، بعض الشعائر العامة ، مثل بداية الصيام ويومي العيدين ،
وإن ما سمعته من خلاف بينكم في هاتين المسألتين من تفرق في مدينة واحدة لأمر
محزن لا يليق بالمسلمين أن يحصل بينهم ، لما في ذلك من الفرقة ومن تنفير غير
المسلمين من إقبال على هذا الدين .
وإنني على يقين أنكم لو اجتمع علماؤكم اجتماعا يقصدون من ورائه أن يرضوا ربهم
دون تعصب ، لدراسة ذلك لهداهم الله لما اختلفوا فيه من الحق .
القول الثامن :
إن الواجب عليكم أن توجدوا العدد
الكافي بالتعليم والتدريب لمن يقوم بفرض الكفاية في العبادات ، من طلبة العلم
الذين يفقهون فروض العين فقها مفصلا ، ليسقطوا عن المسلمين – وبخاصة العلماء
- فرض الكفاية في هذا الأمر ، بحيث يقومون بتعليم المسلمين هذه الفروض ،
ويكون عددهم كافيا لتعليم كل المسلمين في جنوب أفريقيا ، وتعلمون أيها
العلماء أن المراد بفرض الكفاية هو أن يوجد العدد الكافي للقيام به ، وليس
المراد مجرد وجود فرد أو أفراد لا يكفي عددهم المسلمين .
وهكذا يجب على المسلمين أن يوجدوا العدد الكافي في إمامة مساجد المسلمين ،
والعدد الكافي من المدرسين ، والعدد الكافي من المفتين ، والعدد الكافي من
القضاة . هذا فيما يتعلق بشئون الدين .
واضرب مثلا يوضح معنى العدد الكافي : لو أنا احتجنا إلى ألف إمام لألف مسجد ،
فأوجدنا خمسمائة فقط ونحن قادرون على إيجاد العدد الباقي فنحن آثمون حتى
نوجده ، وهكذا بقية الأمور …
ويجب كذلك أن توجدوا من يقوم بفرض الكفاية في الأمور العادية ، مثل الأطباء ،
والمهندسين ، والتجار والخبازين والزراع ، وهذه أمرها أسهل لأن بعضها قد
يتوافر في غير المسلمين
وهذا يقتضي منكم أيها المسلمون التخطيط والدراسة ، في شئون التعليم والدعوة
والإفتاء والقضاء والإمامة ، بل والسياسة والاقتصاد والإعلام وغيرها ، بحيث
يُخَصَّص لكل جانب من تلك الجوانب عدد يبدأ في إعداد القائمين به دراسة
وتدريبا حتى يكمل العدد المطلوب في الأوقات المناسبة .
القول التاسع :
إن الدعوة إلى الإسلام تحتاج إلى
فريقين من الدعاة ، لكل فريق وظيفته ومجاله :
الفريق الأول :
يُختار من نجباء الطلاب الذين يظهر عندهم استعداد للجد في طلب العلم والتفقه
في الدين في كل العلوم الإسلامية والعربية ، ويهتم – مع تعليمهم – بتزكيتهم
وتربيتهم تربية إيمانية وعبادية وأخلاقية ، وتخليته من كل صفة تخالف الإسلام
، وتحليته بكل صفة من صفات كمال الداعية المسلم ، ليكون بذلك قدوة حسنة لمن
يعلمهم ويدعوهم إلى الله .
وهذا الفريق يحتاج في إعداده وبنائه إلى وقت طويل ومتابعة دقيقة ، ولعل هذا
ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم في العهد المكي ،
وإعداد هذا الفريق يمكن أن نسميه ( البناء البطيء ) .
وهذا الفريق هو الذي يتحمل عبء إعداد الأعداد الكثيرة بالتعليم والتدريب لمن
يقومون بنشر الإسلام نشرا سريعا بين الناس ، وهم الذين يمكن أن يكونوا رؤساء
مراكز كبيرة للدعوة ، ومديري مدارس إسلامية ، وأئمة وخطباء للجوامع الكبيرة ،
ويعقدوا حلقات العلم ، ودورات التدريب للدعاة الذين ينتشرون في مناطق السود
لدعوتهم وتعليم أبنائهم .
الفريق الثاني :
إعداد من يُلِمُّ بمبادئ الإسلام – وبخاصة
فروض العين ومكارم الأخلاق – من عقيدة وعبادة وحسن خلق ، ليتولوا القيام
بتعليم أبناء المسلمين مبادئ الإسلام ، ويعلموا المسلمين فروض العين ، ويدعوا
غير المسلمين في مناطقهم ، فهم الذين يقومون بنشر الإسلام نشرا سريعا .
وهذا النشر السريع أثر للبناء البطيء ، ويمكن أن يديروا بعض مراكز الدعوة
الصغيرة وكتاتيب تعليم القرآن ومبادئ الإسلام ، ويؤموا المصلين في المساجد
الصغيرة .
وهذا الفريق هو الذي يتولى إعدادَه الفريقُ الأول : يعلمه ويدربه ويشرف عليه
ويوجهه ويتابعه .
وإذا وجد هذان الفريقان وجودا كافيا نجحت الدعوة الإسلامية نجاحا رأسيا
بالفريق الأول ، ونجاحا أفقيا بالفريق الثاني ، وانتشرت انتشارا واسعا مضبوطا
بضوابط شرعية لا تفريط فيها ولا إفراط .
القول العاشر :
إن الواجب على الأغنياء والتجار
القادرين أن يبذلوا من أموالهم ما يُمَكِّن الفريقين المذكورين سابقا – فريق
البناء البطيء وفريق الانتشار السريع - من القيام بواجبهم ، من إقامة مراكز
ومدارس ومساجد ومرافق اجتماعية وصحية ، في كل موقع بما يناسبه .
ويجب أن يكون الاهتمام شاملا لكل الفئات والمناطق ، وعدم استئثار فئة معينة
بمساعدة المتبرعين والمحسنين وحرمان الفئات الأخرى من ذلك ، لأن استئثار جهة
معينة دون غيرها يحدث آثارا سيئة :
الأثر الأول :
شعور الفئات المحرومة بعدم الاهتمام بها ، وهذا ما صرح به بعض المسلمين السود
، فقالوا : إن المسلمين الهنود لا يهتمون بنا وأنهم يعاملوننا باحتقار
وازدراء كما كان البيض يعاملوننا (4) ، ومما يدل على عدم
اهتمامهم بنا أنهم يقيمون لأنفسهم المساجد الكبيرة والمراكز الخيرية
والاجتماعية ، والمدارس الصغيرة والكبيرة ، ونحن في أمس الحاجة إلى مدارس
لأبنائنا ومساجد نصلي فيها ومدرسين وأئمة ، ولا نجدهم يهتمون بنا ، وكأننا
لسنا مسلمين .
الأثر الثاني :
نمو حقد السود عليكم – وبخاصة المسلمين منهم – بسبب شعورهم بإهمالكم لهم ،
وتركهم للمنصرين الذين أدخلوهم في النصرانية ولا زالوا يتابعونهم ويربون
أبناءهم ، فيزداد بذلك أنصارهم ويكثر أعداؤكم .
مصارحة وتحذير .
وهنا يجب أن أصارح إخواني المسلمين في جنوب أفريقيا ، وبخاصة الهنود منهم ،
بأنهم إذا لم يُحَسِّنوا علاقتهم بالأفارقة السود فإنه يخشى عليهم – أي
الهنود وغيرهم من المسلمين - أن يكون من أثر نمو ذلك الحقد عند السود ، حصول
انتقام يصل إلى طرد المسلمين من بلادهم بعد أن يستولوا على ممتلكاتهم
وينتهكوا أعراضهم ، ومعلوم أنهم هم الأغلبية وأهل البلاد الأصليين .
ويجب أن يعلم المسلمون أمرين مهمين :
الأمر الأول :
أنهم إذا لم يخافوا على أنفسهم مما ذكر الآن ، فيجب أن يخافوا على ذريتهم من
بركان الانتقام مستقبلا .
الأمر الثاني :
أن المسلمين في جنوب أفريقيا ليس لهم دولة تستطيع أن تحميهم ، مع انهم أكثر
من البيض ، أما البيض فإن لهم دولا ستحميهم وتتدخل لنصرتهم ، وهي الدول
الغربية عن بكرة أبيها .
ويجب أن يعتبروا بما يحصل للمسلمين في بلدان أخرى ، كالفليبين والبوسنة
والهرسك وكوسوفا ، بل بعض بلدان أفريقيا المجاورة .
وتحسين علاقة المسلمين بالأفارقة له
سبيلان :
السبيل الأولى :
الاختلاط بمن أسلم منهم ومساعدتهم بتعليم أبنائهم وبناء مدارس ومساجد لهم في
مناطقهم ، وتدريب من يمكن تدريبه منهم على أساليب الدعوة ، وتدريب أئمة منهم
لمساجدهم ، وإشعارهم بأنهم إخوة لنا بالمعاملة الحسنة …
السبيل الثانية :
الاهتمام بدعوة غير المسلمين بالوسائل
المناسبة .
القول الحادي عشر :
إن من أهم الواجبات عليكم أيها
المسلمون في جنوب أفريقيا أن يجتمع علماؤكم وأعيانكم وذوو الرأي فيكم ، من
مفكرين وأساتذة ووجهاء ومتخصصين في أي مجال من مجالات الحياة ، لتدارس كافة
شئونكم في هذا البلد : الدينية ، والاجتماعية – وبخاصة الأسرية - والتعليمية
، والاقتصادية والسياسية ، والإعلامية ، والتعاون على وضع خطط مرحلية تتحقق
بها مصالحكم في حياتكم الدنيوية والأخروية ، حتى تسيروا على خطى مرسومة ثابتة
منظمة ، وليست عشوائية ، حتى لا تفاجئكم الأحداث على غرة ، لأن الأحوال سريعة
التغير في هذا العصر ، صديقك اليوم قد يكون عدوك غدا ، والعالَم في سباق
محموم منظم لتحقيق مصالحه ، وإن أضر بها غيره .
وإن من أهم الأمور التي يجب التنبه لها هو الوعي السياسي ومعرفة المصالح
الكبرى والصغرى والاتفاق على تقديم الأولى إن لم يمكن الجمع بينهما ، ومعرفة
والمفاسد الكبرى والصغرى والاتفاق على ترك الأولى إذا لم يمكن ترك المفسدتين
جميعا .
ومن هذا الباب تكوين حزب إسلامي يضع له أهدافا ووسائل يحقق بها مصالح
المسلمين أو ما استطاع منها ، ويدفع عنهم المفاسد أو ما استطاع منها ، ومن
ذلك الدخول في الانتخابات وعقد حلف مع أي حزب يُرى أنه أقرب إلى التعاون مع
المسلمين في تحقيق مصالحهم والتخفيف من المفاسد الواقعة عليهم أو يخشى من
وقوعها مستقبلا .
أما من يدعي أنه لا يجوز للمسلمين أن يكونوا حزبا إسلاميا يقوم بتلك المهمات
، في بلد يمنح جميع سكانه الحرية الكاملة في تكوين أحزابهم وخوض غمار السياسة
والدخول في الانتخابات والحصول على حقائب في الوزارات ، فيجب اطراح دعواه
وعدم اعتبارها ، لأن الأخذ بهذا الرأي يعطي جميع الفئات في الدولة – اليهود
والنصارى والشيوعيين والوثنيين - الفرصة السانحة لمزاولة نشاطها السياسي الذي
تحقق به مصالحها ، ولو كانت في تلك المصالح إضرار بالمسلمين ، ويجعل المسلمين
دراويش أذلاء ، لا سبيل لهم إلى الدفاع عن مصالحهم ، ولا يقول بهذا إلا جاهل
مغفل ، أو خبيث ماكر .
والذين يدعون أنه لا يجوز تحالف حزب المسلمين مع حزب قوي آخر ، يحقق التحالف
معه أكبر قدر من مصالحهم ويدفع عنهم أكبر قدر من المفاسد ، لا يفقه سيرة
الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ولا في المدينة :
ففي مكة حضر صلى الله عليه وسلم حلف الفضول في الجاهلية لما فيه من تحقيق
العدل ورفع الظلم ، وقال عن أمثال هذا الحلف : ( ولو دعيت به في الإسلام
لأجبت ) وبهذا يصير حضور أي حلف يحقق مصالح راجحة للمسلمين لا تتحقق إلا به
مشروعا ومعدا من سيرته صلى الله عليه وسلم .
وفي المدينة كتب الوثيقة المشهورة التي نظمت العلاقة بين المسلمين وبين
اليهود والمشركين ، وبقي صلى الله عليه وسلم على الوفاء بمضمون تلك الوثيقة
حتى بدأ بنقضها اليهود .
وكان بينه وبين قريش اتفاق الحديبية على هدنة مدتها عشر سنوات ، وبقي على ذلك
الاتفاق حتى اعتدت قريش على قبيلة خزاعة الذين تحالفوا معه صلى الله عليه
وسلم ، وعندئذ غزا قريشا وفتح مكة ، فهذه الأمور كلها تدل على أنه يجب على
المسلمين أن يتخذوا الوسائل التي تحقق مصالحهم ، ولكل حالة ما يناسبها ، ولكل
مقام مقال .
القول الثاني عشر :
إن مما يسر المسلم كثرة الشباب
والشابات الذين يحفظون القرآن الكريم حفظا كاملا ، ويقرءونه قراءة مجودة
متقنة ، و يوجد كثير من الطلاب والطالبات في طريقهم إلى إكمال حفظه ، وهذا من
فضل الله تعالى على هذه الأمة ، وهو من آثار حفظ الله لكتابه الكريم : إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
ولكن المؤسف أن غالب أولئك الحفظة لا يفهمون شيئا من معانيه ، وفي هذا خسارة
عظيمة ، لأن هؤلاء الشباب لو فهموا معاني القرآن الكريم لانتفعوا بها في
نفوسهم ونفعوا بها غيرهم من المسلمين وغير المسلمين .
لهذا يجب على العلماء أن يضعوا منهجا لتفسير القرآن تفسيرا مختصرا يبين غريبه
ومعاني آياته إجمالا وبعض أحكام تلك الآيات وآدابها ، ولا ينبغي أن يكون حافظ
كتاب الله جاهلا بالضروري من معانيه . (5)
والأولى- مع ذلك - أن تؤسس معاهد خاصة لحفظة القرآن الكريم ، ويوضع لتلك
المعاهد مناهج للقرآن وعلومه وتفسيره وفقهه ، وتؤلف على ضوء ذلك المنهج كتب
خاصة ، أو يستعان بالمناهج والكتب المقررة في الكليات والمعاهد الخاصة
بالقرآن الكريم والدراسات الإسلامية ، ومنها كلية القرآن والدراسات الإسلامية
في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وكلية القرآن في صنعاء وكلية القرآن
في السودان…
القول الثالث عشر :
إن الواجب على علماء المسلمين أن
يعيدوا النظر في بعض الفتاوى القديمة التي بنيت على اجتهادات ، وليس فيها
نصوص صحيحة صريحة لا تحتمل إلا معنى واحدا ، وأن يجتهدوا في تلك الفتاوى أو
في غيرها من نوازل العصر ، ويصدروا فيها ما يحقق المصلحة للمسلمين ، دون
اتباع تفريط مُضَيِّع ولا إفراط مُضَيِّق ، فالفتاوى تقدر زمانا ومكانا وحالة
وشخصا ، كما هو معروف ، والجمود على فتاوى اجتهادية صدرت لأشخاص في أزمنة
وأمكنة بعيدة الشبه بأشخاص وأزمنة وأمكنة أخرى غير مناسب ، وقد جدت أمور
تحتاج إلى اجتهاد أو قياس يجب العناية بها لتتحقق بها مصالح المسلمين بدون
مخالفة لما صح نصه وتوحد معناه .
القول الرابع عشر :
إن الانفتاح الجديد الذي أعقب الحكم
العنصري ، وما نتج عنه من اختلاط فئات السكان الأربع في البلد ، هو بالنسبة
لكم سيف ذو حدين :
فقد يكون فيه مصلحة لكم ولدينكم إذا شمرتم عن ساعد الجد في تربية أسركم
وأبنائكم تربية إسلامية قوية ، يتقوى بها إيمانهم ، وتتأصل بها عبادتهم ،
وتتحسن بها أخلاقهم ، ويتفقهون بها في دينهم . وإذا قويت همتكم في تعليم
المسلمين من الأفارقة السود أمور دينهم ، وأعنتموهم على دعوة أبناء جنسهم ،
واجتهدتم في التخطيط لدعوة غير المسلمين من كل الفئات – وبخاصة السود الذين
هم أقرب إلى الاستجابة من غيرهم .
وقد يكون في هذا الاختلاط مفاسد عظيمة عليكم أيها المسلمون وعلى أسركم
وأبنائكم ، إذا قصرتم في التربية الإسلامية المقنعة ، لا تربية العادة التي
لم تبن على إيمان وطاعة واختيار ، فإن العادة قد تنسخها عادة أخرى ، وطاعة
الإكراه سراب كذاب .
وإذا كان قد سهل عليكم المحافظة (6) على أنسابكم وبقاء
أولادكم معكم ، يستجيب كثير منهم لأوامركم في العبادة والأخلاق والزواج
والعادات… فإن تلك السهولة اليوم قد تنقلب إلى صعوبة ، إذا لم تسارعوا في
اتخاذ السبل الناجحة في بقائهم على الطاعة .
فأبناؤكم يختلطون بشابات من غير بناتكم في المدارس والجامعات والشركات
والأسواق وغيرها ، وبناتكم يختلطن بشبان من غير أبنائكم ، وقد سمعت أن بعض
أبنائكم قد ظهرت عندهم الرغبة في الزواج من غير بناتكم ، وقد يحصل مثل ذلك من
البنات ، وهذا يقتضي مع التربية ، إيجاد بدائل وخيارات مشروعة مضبوطة ( إذا
جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إن لم تفعلوا يكن في الأرض فساد عريض )
حتى لا يحصل منهم تمرد وخروج على الأوامر الأسرية والتقاليد السابقة لطريق
مشروع أو غير مشروع ، بسبب الكبت والإكراه ، لأن قوانين البلد تحميهم وتمنحهم
الاختيار والحرية فيما يريدون وما لا يريدون .
وأخشى – إن لم ترتبوا أموركم – أن يصبح أولادكم وبناتكم بعد مضي عشر سنوات أو
خمس عشرة سنة متزوجين ممن لا ترضون ولا قدرة لكم في منع ذلك ، فاقدروا للوقت
قدره والتمسوا الأبواب والمخارج المشروعة اليوم قبل الغد ، سدا للأبواب
والمخارج غير المشروعة .
القول الخامس عشر :
إن الواجب عليكم أن تكونوا أمة وسطا
كما أراد الله ، بلا تفريط ولا إفراط ، فالتفريط في حقوق الله وحقوق عباده
يوقع في التميع والانفلات ، وعاقبته وخيمة ، والغلو والإفراط في الأمور يوقع
في الحرج والمشقة ، ويشوه صورة الإسلام ، وينفر أبناء المسلمين الذين لم
يفقهوا الدين وغير المسلمين من هذا الدين .
وأخص هنا بعض الجمعيات التي تظهر الغيرة على الإسلام والمسلمين ، وترى من
المنكرات ما يدمر المسلمين وغيرهم ، كعصابات الإجرام والمخدرات المنتشرة في
البلد ، ورغبتها في إزالة تلك المنكرات بأي وسيلة من الوسائل ، ومنها القوة ،
اعتمادا على النصوص الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وظنها أن
التغيير باليد واجب ما دام داخلا تحت القدرة ، مهما ترتب على ذلك التغيير من
آثار ، وسبب هذا الظن عدم فقه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي
تبين فيه النصوص شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن تلك الشروط ما
يأتي :
الشرط الأول :
أن يعلم الآمر الناهي أن ما يأمر به معروف ، وما ينهى عنه منكر .
الشرط الثاني :
أن يكون حكيما ينبني على أمره ونهيه ما تقتضيه الحكمة ، لا ما تقتضيه الفوضى
.
الشرط الثالث :
ألا يترتب على الأمر بالمعروف فوات معروف هو أعظم منه ، و ألا يترتب على
النهي عن المنكر وقوع منكر هو أعظم منه .
وقد وجدت بعض المتحمسين للإسلام يجهلون هذه الأمور ، ولذلك يقدمون على الأمر
والنهي غير آبهين بالنتائج غير المحمودة .
وكان الأولى بهم أن يداوموا على تنبيه الدولة على مخاطر تلك المنكرات ، ولو
طال الوقت ، لأن الدولة تستطيع أن تخفف من المنكر في حدود طاقتها إذا شاءت ،
وإذا لم تشأ ذلك أصبح من يغير بيده من عامة الناس يقف وجها لوجه ضد الدولة
فيحمل نفسه ما لا يطيق .
وكان الأجدر بهم أن يقوموا بتوعية الناس – مسلمين وغير مسلمين – وتحذيرهم من
هذه المنكرات ، وأن يتعاونوا مع المؤسسات الإسلامية من المدارس والمساجد
وغيرها على تربية أبناء المسلمين ، ومنهم بعض أبناء من يتعاطى المنكرات .
القول السادس عشر :
إن الواجب عليكم جميعا : علماء وأئمة
مساجد وزعماء مؤسسات ومدارس وأغنياء ، اغتنام الفرصة السانحة لكم في التمسك
بدينكم ونشر الدعوة بين المسلمين لتطبيقه والعمل به ، وغير المسلمين بدعوتهم
إلى الدخول فيه ، فعندكم الآن حرية كاملة في ذلك قد لا توجد في كثير من بلدان
المسلمين ، ولا يحول بينكم وبين نشر هذا الدين إلا أحد أمرين :
الأمر الأول :
العجز عن الكمال في الدعوة إلا الله ، وأنتم لستم مكلفين إلا في حدود طاقتكم
ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ولكن الذي لا تقدرون عليه الآن يجب أن تسعوا
للوصول إليه في الوقت الممكن .
الأمر الثاني :
الكسل والقعود عن القيام بما تقدرون عليه ، سواء كان من العلماء بالبيان
المفصل ، أو غيرهم ببيان ما علموا من فروض العين ، أو من الأغنياء بالبذل
والعون المادي ، والقعود عن الدعوة مع هذه الفرصة السانحة والحرية المتاحة
أمر لا يحبه الله ورسوله ولا المؤمنون الصادقون .
وقد استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم يربه من العجز والكسل .
ويجب أن تذكروا أن هذه الفرصة وهذه الحرية اللتين تتمتعون بهما الآن في
الدعوة والتربية والتعليم ، قد حرم منهما بعض دعاة الإسلام في أوطانهم
الإسلامية بسبب التضييق عليهم ممن يحاربون الإسلام ويخافون من تطبيقه على
الوجه الأكمل الذي أراده الله ، لشعورهم بأنهم ليس عندهم كفاءة لقيادة شعوبهم
إذا طبقوا هذا الدين ، ويخشى عليكم أن تفقدوا هذه الحرية بعد فترة فتصبحوا
على ما فرطتم نادمين .
ويجب أن تعلموا أنه يخشى عليكم إذا لم تبذلوا جهدكم في نشر الدعوة إلى الله
من أمرين :
الأمر الأول :
انزواؤكم وقلتكم وذوبان أبنائكم في المجتمعات
الكثير غير المسلمة ، وكفى بذلك عقابا .
الأمر الثاني :
تحملكم أوزار من احتاج إلى البلاغ المبين من
جهلة المسلمين أو من غير المسلمين الذين تجاورونهم وتساكنونهم ، إذا لم
تبلغوهم الإسلام لإنقاذهم من الكفر والشرك وإخراجهم من الظلمات إلى النور ،
لأن حجة الله لم تقم عليهم ، ولا يوجد من يقيمها عليهم غيركم .
القول السابع عشر
إنه يجب على العلماء أن يبينوا
للمسلمين خطر معتقد من يدعي الإسلام والإسلام منه براء ، مثل الفرقة
القاديانية التي أجمع علماء الإسلام أنها ليست من فرق المسلمين ، كما يجب
تحذيرهم من الشركيات التي تصدر من بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام ، كفرقة
البرلويين الذين يجيزون الاستغاثة بغير الله ويدعون الموتى من دون الله ،
ويغلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم غلوا يخالف كتاب الله ويغضب الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كزعمهم بأنه ليس ببشر وتكفيرهم من أطلق عليه ذلك
، مع تصريح كتاب الله بذلك .
وكذلك يجب تحذير عامة المسلمين من عقائد الرافضة ، وبخاصة تكفيرهم لغالب
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لولا أن هيأهم الله لحمل هذا الدين
والذب عنه وعن رسوله ، ونقلهم إلى الأمة الإسلامية القرآن الكريم نقلا
متواترا ، ونقلهم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم المتواترة والآحاد ، وعنهم
نقلتهما الأجيال المسلمة ، وبذلك حفظ الله دينه ، لولا ذلك لما كان لنا كتاب
ولا سنة محفوظين ، وإذا كان غالبهم كفارا كما تزعم الروافض ، فالقرآن غير
متواتر ، وبذلك يسقط القول بأن القرآن ثابت ثبوتا قطعيا ، وهكذا تسقط السنة
التي نقلها كفار كما يزعم الروافض .
ولقد اغتر كثير من شباب أهل السنة بالروافض في هذا العصر ، بسبب نجاحهم
السياسي ضد الطاغية ( شاه إيران ) وترتب على ذلك الاغترار إيمان بعض الشباب
بعقائدهم ، لذلك يجب على علماء الإسلام أن يجتهدوا في التحذير من عقائدهم ،
حتى لا تنتشر فيستعصي بعد ذلك اجتثاثها من قلوب المسلمين الذين يتأثرون بها .
القول الثامن عشر :
إن الواجب على العلماء والمؤسسات
الإسلامية ، وبخاصة المدارس ، سواء كانت خاصة بتدريس المواد الإسلامية فقط ،
أو جامعة بين المواد الإسلامية والمواد الحكومية ، أن يهتموا بتدريس اللغة
العربية باللغة العربية ، وليس بلغات أخرى ، فإن اللغة العربية هي لغة القرآن
ولغة السنة ولغة السيرة ولغة الإسلام ، ولغة العلوم الإسلامية والعربية
والتاريخ الإسلامي كله ، فهي اللغة الأصلية لجميع المسلمين ، ولا تصح كثير من
العبادات إلا باللغة العربية ، وهي اللغة الوحيدة التي لا يفهم القرآن والسنة
والسيرة وكثير من علوم الإسلام فهما صحيحا سليما إلا بها .
ووجود من يتقن اللغة الغربية ويفهم بها حقيقة الإسلام من مصادره ويفقه
المسلمين تفقيها صحيحا هو فرض كفاية يأثم كل قادر من المسلمين على إيجاده
بفقده أو نقصه .
ولا ينبغي أن تخلو مدرسة أو مسجد أو مركز إسلامي من عدد كاف يتقن اللغة
العربية ، وقد اشترط كثير من علماء الإسلام في المجتهد أن يكون عالما متقنا
للغة العربية .
وترجمة معاني القرآن الكريم بأي لغة لا يمكن أن تؤدي معاني القرآن الكريم
أداء سليما أبدا ، مهما أتقن المترجم اللغتين : العربية واللغة المترجم إليها
.
وإني أضرب مثلا لمن يتفقه في الدين باللغة العربية ، وبخاصة التفقه في معاني
القرآن ، ومن يحاول أن يتفقه في الدين عن طريق الترجمة برجلين مسافرين انقطع
عنهما الماء واشتد بهما العطش ، وبينما هما كذلك إذ رأيا عينا تنبع من صخرة
على قمة جبل نبعا صافيا ، فقال أحدهما لصاحبه : لنصعد إلى هذا النبع الصافي
لنستقي منه ، فقال له صاحبه : النبع بعيد ويمكننا أن نشرب من الماء في أسفل
الجبل ، فقال الأول : أما أنا فسأصعد لأشرب من نفس النبع ، فشرب الذي صعد ماء
صافيا عذبا ، وشرب صاحبه من الماء الذي وصل إلى أسفل الجبل ، وقد مر بالأتربة
والحشرات وسبحت فيه الكلاب والوحوش والقرود ، ذاك هو الذي فهم الإسلام باللغة
العربية ، وهذا هو الذي كان فهمه الإسلام عن طريق الترجمة .
فهل يرضى من عنده القدرة على تعلم اللغة العربية وفهم دينه بها أن يكون كشارب
الماء القذر ؟!
لذلك عليكم أيها العلماء الاجتهاد في تدريس اللغة العربية باللغة العربية ،
وتدريس الكتب العربية باللغة العربية ، وإن كان في ذلك صعوبة في أول الأمر ،
فإن المغنم على قدر المغرم .
واجب المؤسسات الإسلامية في البلدان
الإسلامية .
وقول أخير أوجهه إلى المؤسسات
الإسلامية في البلدان الإسلامية ، كالجامعات الإسلامية ومراكز الدعوة ،
ووزارات الشئون الإسلامية ، وبنك التنمية الإسلامي وغيرها أن يهتموا بإخوانهم
المسلمين في جنوب أفريقيا ويعينوهم على التمسك بدينهم ودعوة غيرهم عليه ، ومن
ذلك ما يأتي :
1-التوسع
في المنح الدراسية لطلابهم من جميع المناطق ، وليس من منطقة دون أخرى ،
ليعودوا إلى بلادهم دعاة ومعلمين .
2-
بعث مدرسين من علماء اللغة العربية ليبقوا
عندهم مددا كافية لتعليم أبنائهم اللغة العربية تعليما متقنا حتى يتمكنوا من
نشر هذه اللغة في جميع مدارسهم ومؤسساتهم .
3-
بعث مدرسين متخصصين في العلوم الإسلامية ،
كالتفسير وعلومه والحديث وعلومه والفقه وأصوله ، ولكن يجب أن يكون هؤلاء
المدرسين من ذوي الحكمة والأخلاق الفاضلة والصبر ، حتى لا يصطدموا بعلماء
البلد ، فيحرم الناس من الفائدة التي بعثوا من أجلها .
4-
ينبغي مساعدة الدعاة إلى الله الذين يهتمون
بدعوة السود بالمال وبناء المدارس والمساجد ليتمكنوا من أداء واجبهم بالوسائل
الممكنة .
5-
ينبغي إقامة دورات لمن أسلم من السود ممن
عندهم استعداد للدعوة لمدة كافية ، حتى يفهموا ما يدعون إليه ، ويزودوا
بالإمكانات التي تساعدهم على مهمتهم ، ويمكن أن يشترك في هذه الدورات بعض
الأساتذة من البلدان العربية عن طريق القائمين بالدعوة في جنوب أفريقيا .
وسبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
============
(1) لم يكن هذا هو
هدفهم الوحيد من العزل ، ولكنه أحد أهدافهم .
(2) كثير من الأفارقة يختنون أبناءهم ولا يعتبرون الشاب
مكتمل الرجولة بدون ختان ، كما ذكر ذلك ( مانديلا ) في كتابه ( طريقي إلى
الحرية ) في طبعته العربية .
(3) الملونون هم ذرية التناسل المختلط من شعوب متنوعة ،
كالبيض يتزوجون بملايويات
(4) وقد صرح بذلك بعض علماء الهنود ، ومنهم الأخ محمد خليل
غاردي كما مضى ، والأخ خالد يعقوب كما أثبت خطابه الذي بعث به في آخر الكتاب
الذي فصلت فيه هذه الرحلة .
(5) صدر تفسير ميسر من مجمع الملك فهد في المدينة المنورة
، و يمكن تقريره وترجمته ، ولكنه غير كاف.
(6) أعني هنا الهنود خاصة ، لأنهم هم الذين لم يتزاوجوا مع
غيرهم في الغالب .