في يوم
14/1/1423هـ 28/2003م صدر بيان القمة
العربية في بيروت.
وفي يوم
15/5/1423هـ 29/3/2003م) هاجم اليهود بقواتهم المصلين في الأقصى، وعاصمة
السلطة المحلية "رام الله" وغيرها من المدن.
وحاصرت الرئيس، حتى أصبحت تحجزه داخل غرفتين من قصر الرئاسة كما قيل، وسمعه
الناس وهو يشكو ويستغيث لنفسه ولمن معه، دون سامع أو مجيب.
وقطعت عنه الاتصال بالعالم، وحرمته من الماء والكهرباء والطعام والدواء،
ودخلت كل منزل من منازل العاصمة.
وقتلت من أرادت من المدنيين والعسكريين، وانتشرت الجثث في الغرف والشوارع
وأمام المنازل وفي الأسواق، وأسرت من اشتهت، وأظهرت للعالم كله أمام
الفضائيات أنواع الإهانات للفلسطينيين بكل فئاتهم.
ومنعت الفرق الطبية من إسعاف الجرحى والمرضى، ومن نقل القتلى، بل دخلت
المستشفيات لتأخذ من تريد ممن هو مطلوب لها، ولو كان مريضا أو جريحا.
وجمعت الرجال من الشبان وغيرهم من المنازل والمدارس .... وفي الأماكن العامة
وكبلتهم وزجت بمن تريد منهم في مصفحاتها ونقلتهم إلى حيث مصيرهم المجهول أو
المعلوم...
وفرضت على الناس البقاء في منازلهم، ومن تحرك منهم عثر الناس على جثته قتيلا
برصاص الجيش، هدموا المنازل والأسواق العامة ونهبوا كل شيء في البيوت
والأسواق.
ونفدت المؤن والمياه والأدوية، وأصبح الناس يتضورون جوعا، ويئنون مرضا، لا
يوجد من يسقيهم ماء، ولا يطعمهم خبزا.
في هذا الوقت، أخذت أشير مسرعا
بالناقل "ريموت كنترول" إلى الفضائيات العربية،
لأرى ما إذا كان ما كان منها فقد حياءه قد خجل واستحيى، فاهتم بالحدث لينقله
إلى الأمة ويحثها على دعم إخوانها في فلسطين بأي نوع من أنواع الدعم، ولو
بالحث على الصبر. فلم أجد منها إلا ثلاثا تنقل الأحداث بصورة شبه دائمة.
أما غيرها من فضائيات عواصم الفتوحات الإسلامية، وقلاع أمراء الجهاد الذين
سلموا لأبنائهم الأرض الإسلامية ، من نواكشوط إلى مسقط (ولم أهتم بالعواصم
الإسلامية الأخرى لأن في عواصم الدول العربية قدوة لغيرها)
فقد وجدت
غالبها ترقص النساء العاريات، وتحيي ليالي الغرام بالمغنيات اللاتي تجاوب
معهن جماهير الرجال والنساء الذين امتلأت بهم القاعات، يصفقون ويرقصون أمام
الأضواء المسلطة عليهم من هنا وهناك.
ووجدت فضائيات أخرى
قد اكتظت ملاعبها الرياضية بجماهير الشعوب، التي تحزبت تحت أعلام دولها
ونواديها، كل حزب يشجع جنوده على تسديد رميته إلى حصن عدوه ليتم له الفتح
والنصر المبين!
ثم انتقلت إلى أخرى،
فإذا خيام مضارب البادية قد امتلأت بشعرائها العظام الذين تتجاوب أصواتهم
الحزينة وتتناغم مع صوت الربابة الباكية، على فراق الحبيبات اللاتي انتقلنا
من دمن مهدمة من دمنة مهدمة كانت حية عامرة، تغطيهن هوادجهن المعدة على
الرواحل، إلى أرض نائية عن الحبيب المكلوم.
ثم يممت وجهي شطر التي تليها،
فإذا هي تهتم بآثارها القومية، وبأصنام زعمائها الذين فقدتهم في غابر
الأزمان، وكلاهما الآثار والزعماء، يحكيان مجد البلد التليد، ويجلبان
السائحين الذين يصبون الدولارات في خزائن بنوكهم المركزية!
وذهبت إلى أخرى،
فسرني فيها منظر يخالف كل ما مضى من مناظر: علماء في ندوات دينية، وفتاوى
شرعية، فظننت أن الأمة قد وجدت ضالتها هنا، ولكني فوجئت بصوت قوي ينطلق من
فلسطين يتصل بالمشايخ غاضبا محتجا، يقول [ولا أحفظ نص كلامه بل أعبر عما
فهمته منه ومن غبره من عامة الناس]:
أيها العلماء ترفعوا عن هذه الفتاوى
والندوات! اتركوا الكلام عن الربا
والحيض والوضوء هذه الأيام، فقد عرف المسلمون ذلك في كل مكان!
التفتوا إلى الدماء التي تسفك، والأعراض التي تنتهك، والجرحى الذين تنزف
دماءهم فلا يجدون الإسعاف، والبيوت التي تدمر، والمعدات الجائعة، والأفواه
الجافة من العطش، والأطفال الذين يموتون لفقد الحليب... والمرضى الذين يموتون
لفقد الدواء... أين أنتم هل أنتم أحياء؟
وانتقلت إلى أخرى،
فإذا الصحفيون يلقون أسئلتهم على ذوي شأن كبار من الساسة العرب: ماذا فعلتم
وماذا ستفعلون لإنقاذ السلطة الفلسطينية، وبخاصة ياسر عرفات الذي أهانه
اليهود، وقد يقتلونه أو يأسرونه في أي لحظة من اللحظات؟
فكانت أجوبتهم تتلخص فيما يأتي:
لقد أصدرنا بيانات استنكار.
لقد اتصلنا بالرئيس الأمريكي ووعدنا بأن ياسر عرفات لا يمس بسوء.
لقد اتصلنا بالوزير الإسرائيلي (فلان) وطلبنا منه الكف عن حصار الرئيس، ولكنه
أخبرنا بأن المطلوب من ياسر عرفات أن يوقع على تعهد معين...
نحن حذرنا إسرائيل بأنها إذا استمرت في حصارها سنتخذ إجراءات مهمة.
ربما نطلب من السفير الإسرائيلي العودة إلى بلاده، مع بقاء العاملين في
السفارة.
نفكر في محاولة اجتماع وزراء الخارجية العرب!!!!!!
نعم! الكلام كثير... والمؤتمرات
كثيرة: مؤتمرات قمة عربية.... في عمان
عاصمة الأردن... في بيروت عاصمة بيروت... مؤتمرات وزراء الخارجية العرب هنا
وهناك.
مؤتمرات قمة إسلامية:
في طهران عاصمة إيران.... في الدوحة عاصمة قطر... مؤتمرات وزراء خارجية منظمة
المؤتمر الإسلامي: في قطر ... واليوم في "كولالامبور"!
إننا لنفرح عندما نسمع أن العرب سيعقدون مؤتمرا، على أي مستوى، طمعا في أن
تكون الأحداث قد غيرت المواقف، كما نفرح بأن مؤتمرا إسلاميا سيعقد في يوم كذا
في مكان كذا.
ولكن غالبها مع الأسف كلام ينطبق عليها المثل القائل: (أسمع جعجعة ولا أرى
طحينا!)
ومن هنا نتمنى ونقول:
يا ليت العرب والمسلمين في قممهم، أو فيما دونها أن يخصصوا الأموال التي تنفق
في تنقلاتهم واحتفالاتهم وإقاماتهم، للمجاهدين في فلسطين الذين يدافعون عن
أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وبيوتهم ومقدساتهم، فإن ذلك أكثر نفعا وأجدى
تدبيرا.
إن الكلام يا قومنا والمؤتمرات
العالية الدانية... والبيانات والاستنكار والتحذير والكلام كله، لا ينفع ولا
يسمن ولا يغني من إذلال وإهانات.
إن الذي ينفع ويجدي هو ثلاثة
أمور:
الأمر الأول:
الإيمان الصادق بهذا الدين، والتوكل القوي على رب العالمين.
الأمر الثاني:
إعداد العدة واتخاذ القوة التي أمر الله بها...
الأمر الثالث:
اجتماع كلمتكم على الحق... والتعاون الكامل والثقة الصادقة من بعضكم في بعض.
أما مادام الكلام هنا والهراوة
هناك فلا ننتظر من الله نصرا، ولا من أنفسنا تدبيرا نافعا.