من جريدة الشرق الأوسط الصفحة الأولى. الأربعاء 10 ربيع الأول. 1423هـ 22
مايو 2002م
منح تقرير الإرهاب الأمريكي السلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات حسن السيرة
والسلوك في مكافحة الإرهاب!
((من ناحية ثانية أفاد التقرير بأن السلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر
عرفات"يكافحان الإرهاب"الذي يستهدف إسرائيل، وأضاف أن "الأجهزة الأمنية التي
تأتمر بأوامر السلطة الفلسطينية أحبطت اعتداءات عدة كانت تستهدف إسرائيليين،
وعثرت أيضا على مخابئ، وضبطت أسلحة ومتفجرات" ولاحظ التقرير أن عرفات استجاب
لنداءات بوش باتخاذ تدابير فعالة دائمة ضد الإرهاب))
نأخذ من هذا النص الذي منح السلطة
الفلسطينية ورئيسها هذه الشهادة، الأمور الظاهرة الآتية:
الأمر الأول:
أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية قسمان:
قسم يأتمر بأوامر السلطة، وقسم قد لا يأتمر بأوامرها، وشهادة السلوك هذه لا
يستحقها القسم الثاني، بل قضت الحملة اليهودية على كثير من هذا القسم، ونفي
بعضهم إلى دول أوربية، ضمن ( 12) شخصا رحلوا من كنيسة المهد إلى جزيرة قبرص.
الأمر الثاني:
أن السلطة ورئيسها "يكافحان الإرهاب" ومعروف أن الإرهاب هو الجهاد في سبيل
الله ضد العدو اليهودي ومستوطناته المحتلة للأرض المباركة.
الأمر الثالث:
أن عرفات نفذ نداءات –أي أوامر بوش- باتخاذ تدابير فعالة ودائمة ضد الإرهاب.
لاحظ كلمتي "فعالة" و "دائمة"
هذه الشهادة منحتها أمريكا لرئيس الشرطة الفلسطينية وسلطته التي تأتمر
بأوامره، بعد أيام قلائل من الإفراج عنه وعن أجهزته الأمنية، وبعد أن قتلت
واعتقلت من تشاء من المقاومين للعدوان والاحتلال، من الإسلاميين وغيرهم من
فصائل المقاومة، وبتواطؤ من الأجهزة الأمنية "التي تأتمر بأوامر السلطة"
والمثل البارز في هذا التواطؤ مدير ما يسمى بـ(الأمن الوقائي) في الضفة
الغربية "جبريل الرجوب" الذي سلم لليهود رجال المقاومة الموجودين في سجونه.
وعسى ألا يعمل عمله منافسه مدير ما يسمى بـ(الأمن الوقائي) في غزة " محمد
دحلان"
فهل كان حصار الرئيس وسلطته وأجهزة أمنه مجرد تمثيل، قصد منه اختيار
المجاهدين ومن يقف بجانبهم، للقتل والتدمير والاعتقال والتشريد، وإظهار أن
الرئيس وسلطته أبطال مكافحون، يشاركون المقاومين بطولتهم، كما كانت تصور ذلك
وسائل الإعلام؟ وهم اليوم أحرار طلقاء، ورجال المقاومة- من كل الفصائل، ومنهم
بعض رجال الأمن- الذين لا زالوا على قيد الحياة، في السجون والمعتقلات وتحت
التعذيب وفي المنافي!
لعل هذه الشهادة تجيب على هذا السؤال، ولعل التصريحات التي بدأت تطلقها
السلطة في إدانة العمليات الاستشهادية، ووصفها بالإرهابية، بل وأوامرها التي
أذيعت أمس في الفضائيات... ونشرت في الصحف بأنها لا تجيز للمقاومين
الفلسطينيين أن يقوموا بعملياتهم ضد المدنيين اليهود، ولو اعتدى اليهود على
المدنيين الفلسطينيين.
أقول: لعل شهادة حسن السيرة والسلوك وتلك التصريحات، والأوامر، تجيب على هذا
السؤال.
هذا مع العلم أن بوش قد ألغى هذه
الشهادة في اليوم الثاني من صدورها... حيث أعلن عدم رضاه عن الرئيس
الفلسطيني، لأنه لم يتخذ الإجراءات اللازمة كاملة في محاربة الإرهاب.
وهناك اتفاق في التصريحات الأمريكية
واليهودية، مع تصريحات السلطة الفلسطينية – التي يؤيدها الزعماء العرب - على
وجوب إصلاح السلطة، واعتراف من الجهات الثلاث على ضرورة هذا الإصلاح، فهل
يوجد اتفاق على جوهر هذا المصطلح بين الأطراف الثلاثة؟
و المدة التي حددها ياسر عرفات لهذا الإصلاح، هي ستة أشهر.
فهل المقصود من تحديد هذه المدة، تصفية قادة الحركة الجهادية، والمقاومة
الوطنية في الأرض الفلسطينية، بالاغتيال والاعتقال والإبعاد، وتصفيتهم كذلك
في خارج فلسطين في الدول المجاورة: سوريا ولبنان والأردن، بل وفي غيرها من
البلدان، لتتم انتخابات يقال عنها: إنها حرة و يفوز فيها الموالون للسلطة
فقط؟
وهم الذي يتولون الاتفاق النهائي مع اليهود على مصير الأرض المباركة، وعلى
شكل ما يسمى بالدولة الفلسطينية، وعلى مصير الفلسطينيين المشتتين في الخارج،
لتوطينهم في غير أرضهم.