دل التاريخ القديم والحديث أن الدول القوية المعتدية المحتلة لبلدان أخرى، لا
تغادر البلدان المعتدَى عليها، إلا إذا وجدت مقاومة قوية من أهلها تُنْزِل
بالمعتدي المحتل من الخسائر والأضرار ما يزلزل الأرض من تحت أقدامه، ويجعله
في حالة خوف مقلق ورعب دائم، لا ينعم بأمن ولا يحظى باستقرار.
والمقاومة التي تحقق تلك الخسائر هي تلك التي يبذل فيها أهل البلدان المحتلة
أنفسهم بشجاعة وإقدام، وأموالهم بكرم وسخاء.
وهذه المقاومة حق مشروع لكل أهل بلد احتله المعتدي ظلما وعدوانا، سواء كان
أهلُ ذلك البلد مسلمين، كما هو الحال في فلسطين والعراق وأفغانستان، أو غير
مسلمين، لأن الظلم والعدوان محرمان بلا فرق بين صاحب دين وآخر.
فقد نهى الله عن العدوان، ولو كان المعتَدِي مسلما، والمعتدَى عليه غير مسلم،
فقال تعالى: ((وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا
يحب المعتدين)) [البقرة: (192)]
ونهى تعالى المسلمين عن أن يحملهم بغضهم لأعدائهم غير المسلمين الذين لا
يتورعون عن ظلمهم للمسلمين، على العدوان عليهم، وأمرهم بالعدل معهم.
فقال تعالى: ((ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن
الله شديد العقاب)) [المائدة (2)]
وإن رد عدوان المعتدين وطردهم من البلد المعتدى عليه، لفرض في الإسلام وفي
غيره من الأديان، بل وفي القوانين البشرية الدولية...
وقد ثبت في القانون الدولي أن الجيش الأمريكي محتل للعراق، كما صدر بذلك قرار
مجلس الأمن الدولي.
ومعلومة هي أهداف المحتل من احتلاله للعراق، ونشير إليها باختصار شديد:
الهدف الأول
- وهو الأساس -:
الدعم العسكري المباشر لليهود، لتمكينهم من السيطرة على الأرض المباركة
"فلسطين" والقضاء على الشعب الفلسطيني وإذلاله بل طرده من أرضه في آخر الأمر،
مع الاستمرار في الخداع والتضليل اليهودي الصهيوني الصليبي _ لمن لدغوا مرار
من جحر واحد هو جحر الحية اليهودية - بإقامة دولة فلسطينية
وتمكين اليهود من السيطرة العسكرية والاقتصادية والسياسية على المنطقة
العربية كلها من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا.
وما إعلان حرية التجارة والاقتصاد إلا أحد السباب التي ستمكن اليهود من
الاستحواذ على العقارات الخطيرة في المدن العراقية، والتي ستصبح مرافق وشركات
يهودية تجعل الاقتصاد والتجارة العراقيين تحت رحمتها، كما تفعل في كثير من
البلدان، ومنها دول آسيا الوسطى وغيرها.
وإجبار الدول العربية على الاعتراف بالدولة اليهودية، بشروطها التي تلزمهم
التنازل عن كل ما كانوا يطالبون به من حقوق ليست ذات بال للشعب الفلسطيني.
ثم إعلان حكومات الشعوب الإسلامية، الاعتراف الكامل بهذه الدولة، بناء على أن
أهل الحق الأصليين "السلطة الفلسطينية" وزعماء الدول العربية قد اعترفوا
بذلك.
وبذلك يصبح اغتصاب اليهود للشعب الفلسطيني، أمرا مشروعا تدعمه دول العالم
كله، بما فيها الدول العربية...وتحقيق المطامع اليهودية التوراتية في إقامة
دولة
"إسرائيل الكبرى"
من النيل إلى الفرات...
ويتبع ذلك القضاء على قادة الشعب الفلسطيني المجاهدين، بحجة أنهم إرهابيون،
شاذون عن الإجماع الدولي الظالم الذي تقوده الإدارة الأمريكية الطاغية...
الهدف الثاني:
إقامة قواعد عسكرية دائمة في أرض الرافدين لتكون ذراعا ثابتة تهدد أي دولة في
المنطقة تخرج عن طاعة مستعمر القرن الحادي والعشرين وذلك بحجة المحافظة على
الاستقرار والأمن في العراق...
الهدف الثالث:
الهيمنة الكاملة على منابع النفط في منطقة الخليج كلها، وشرعية الوصاية
عليها، بحجة حماية المنطقة من الاضطرابات التي تؤثر على أمن العالم الاقتصادي
والتجاري، وبذلك تتحكم في جميع الدول الصناعية التي سوف لا تحصل على حاجتها
من النفط إلا عن طريق تحكم المستعمر "المحتل" الجديد.
الهدف الرابع:
تغيير زعامات الدول العربية وتغيير خرائط المنطقة الجغرافية والسياسية،
تحقيقا لما سجله الرئيس الأسبق
"نيكسون"
في كتابه
"الفرصة السانحة"
من وجوب
"إعادة ترتيب العالم"
بعد أن سقوط الاتحاد السوفييتي
"العدو الأحمر"
ومنطقة الخليج هي من "المناطق
الحيوية"
لأمريكا كما قال نيكسون في نفس الكتاب المذكور، ويكرر ذلك طاغية أمريكا
اليوم، حيث يصرح بأن أمريكا لا يمكن أن تخرج من العراق إلا بعد أن تحقق
أهدافها.
الهدف الخامس:
الهجوم المادي والمعنوي المباشرَيْنِ على الإسلام
"العدو الأخضر"
في عقر داره حيث نزل وحيه وانطلقت دعوته، وإكراه أهله على التخلي عن عقيدتهم
في شمول دينهم لمنهج حياتهم كلها، فلا يكون عقيدة وشريعة وسلوكا، بل يتساوى
مع الديانة النصرانية المحرفة، فيكون صلة بين العبد وربه.
http://www.islamonline.net/arabic/politics/2001/10/article27.shtml
فلا يتدخل في سياسة، ولا تجارة ولا اقتصاد، ولا حرب، ولا تعليم، ولا إعلام،
ولا حفظ ضرورات حياة الأمة من دين أو نفس أو نسل أو عقل أو مال، لأن الإدارة
الأمريكية قد أعلنت على كل ما يحفظ تلك الضرورات من حيث العلم بها في مناهج
التعليم، أو في تطبيق الشريعة الإسلامية...
ولهذا كان من أهم أهدافهم
"تغيير مناهج التعليم"
في البلدان الإسلامية، تغييرا جذريا يجعل أجيال الأمة الإسلامية بعد فترة
قصيرة من الزمن، تجهل دينها وأولياءها وأعداءها وجغرافيتها، جاهلة بمصدر
عزتها، أدوات لتنفيذ أهداف المُسْتَعْمِر
"المحتل"
الجديد في القرن الحادي والعشرين...
الهدف السادس:
فرض نظام سياسي على الدول العربية، بل وجميع الشعوب الإسلامية، باسم
الديمقراطية، التي تحقق لأمريكا أهدافها، وهي تريد نوعا
مُنْتَقًى
من
"الديمقراطية"
يمكن عملاءها المحاربين لعقيدة الأمة وشريعتها من التربع على كراسي الحكم،
واستبعاد قادة الشعوب الحقيقيين ، وهم الذين يدعون على تطبيق الإسلام، من
الوصول على الحكم ولو عن طريق الديمقراطية المزعومة...
وتحاول الإدارة الأمريكية مع حربها السافرة للإسلام "العدو الأخضر" أن تطمئن
المسلمين بأن الإسلام لا يتنافى مع الديمقراطية المنتقاة...
الهدف السابع:
اتخاذ الأمريكان كافة الأسباب المؤدية إلى تنازع الشعب العراقي واقتتال سكانه
فيما بينهم، متخذين من الاقتتال الأفغاني أنموذجهم في ذلك، ويعمدون في لتحقيق
هذا الهدف على الوسائل الآتية:
الوسيلة الأولى:
انسحاب القوة الأمريكية من داخل المدن إلى مواقع تنشئ بها قواعد لها في
الأماكن الحيوية للأمريكان، مثل منابع النفط وأماكن تصديره، والمطارات
والمعابر الرئيسة بين المدن، ومعابر الحدود المهمة.
وقد بدأت القوات المحتلة في تدريب عدد من الشرطة العراقية، لتسند الشئون
الأمنية إليهم، في شوارع المدن والمؤسسات الواقعة بها التي لا يضر الأمريكان
استهدافها، ليكون العراقيين هم هدف تفجيرات المقاومة العراقية، فتحل أجساد
العراقيين محل أجساد العدو المحتل، لاستقبال الأسلحة الفتاكة...
http://www.al-rawdah.net/r.php?show=home&menu=&sub0=allbooks&sub1=a5_hadath&p=8
الوسيلة الثانية:
تدريب قوات أمن تسميها أمريكا بـ(الجيش
العراقي"
ليتولى الحراسة في الأماكن الخطيرة على الحدود العراقية، التي يخشى الأمريكان
هجوم المقاومة عليهم فيها، فيكون العراقيون وقود المعارك في داخل المدن
وخارجها، ويخف بذلك قتل المعتدي المحتل...
الوسيلة الثالثة:
السعي الجاد لتمكين مجموعة قليلة من العملاء يختارونهم من كافة الطوائف
والأحزاب والعشائر، بأساليبهم المخادعة التي قد تكون باسم الديمقراطية
والانتخابات، ليحكموا البلاد حكما صوريا يحقق للأمريكان أهدافهم...
الهدف الرابع:
تدخل الإدارة الأمريكية في مواد الدستور العراقي، بحيث يضمن لها وللدولة
اليهودية، التدخل مستقبلا في شئونه الداخلية، والخارجية، بحجة حماية دول
الجوار
[والمقصود من دول الجوار الأساسي هي دولة اليهود]
من أي عدوان يشابه عدوان النظام العراقي السابق...
وتحقيق هذا الهدف سيضمن للإدارة الأمريكية أربعة أمور:
الأمر الأول:
تحجيم الجيش العراق كما وكيفا.
الأمر الثاني:
تحديد السلاح الذي سيملكه.
الأمر الثالث:
الحد من توجيه شرع الله للشعب العراقي المسلم، في حياته الاجتماعية والسلوكية
والتشريعية، ليتفق ذلك مع دعواهم أن لإسلام لا يعارض الديمقراطية.
الأمر الرابع:
التدخل في دساتير دول المنطقة، بحيث تكون مماثلة لدستور العراق.
فاجتثوا هذه الشجرة وذلك الورم الخبيث يا أهل العراق!
وإن هذه الأهداف وتلك الوسائل التي تريد تحققها الإدارة الأمريكية واليهودية
في العراق، ثم في المنطقة كلها بعد ذلك، لجديرة باجتماع كلمتكم يا أهل العراق
على اتخاذ كافة الأسباب التي تحقق لكم هدفين رئيسين:
الهدف الأول:
اجتثاث هذه الشجرة
"الاحتلال الأمريكي"
واستئصال ذلك الورم الخبيث "السيطرة اليهودية" وإزالة كل أثر لهما في أرضكم
الطاهرة، بالوسائل المتاحة الممكنة...
واحرصوا على غرس الشجرة التي أراد الله لكم غرسها وحمايتها والاستظلال بظلها
الوارف الذي يحقق لكم السعادة في الدارين، ويحقق الله لكم رضاه عنكم:
﴿أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ
طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي
أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ
كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ
قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ
وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ
رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا
يَشَاءُ﴾ (27) [إبراهيم]
ولكم مندوحة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(الحرب خدعة)
وكما أن العدو يخادعكم وهو ظالم لكم، فأنتم أجدر بخداعه وأنتم مظلومون...
وأعني بخداع العدو اتفاقكم على القيام بأدوار تتفقون عليها ويصدق بعضكم بعضا
في تنفيذها...تؤدي في النهاية إلى جعله يُهزَم ويجر أذيال هزيمته موليا دبره
مكرَها إلى بلاده.
فلا بأس أن يجاريه بعضكم مجاراة ظاهرية لطمأنته وإظهار موافقته، ولكن مع
اتخاذ كل سبب متاح مشروع لمكيدته وإقلاقه، بالتعاون مع إخوانكم الذين يقومون
بمقاومته وإنزال الرعب في قلوب جيشه وقواته، فإن المستعمر "المحتل" لا يمكن
أن يغادر البلد المعتدى عليه إلا بنار تمزق أجساد جنوده وتجعل أسرهم وأهل
بلدهم يستقبلون المئات من نعوشهم التي تنقلها إليهم الطائرات إليهم كل يوم...
الهدف الثاني:
تخييب آمال العدو والاعتصام بحبل الله!
إن أهم ما يأمل العدو تحقيقه هو تنازعكم المؤدي إلى فشلكم، وجعل بعضكم يوجه
صواريخه ورصاصه على صدور بعض، فخيبوا آمال عدوكم واحذروا من خداعه، فالمؤمن
ليس بـ"الخَِب ولا الخب يخدعه"
و "الخب بالفتح والكسر الرجل الخَدَّاع"
فلا يقتلنَّ بعضُكم بعضا، فكلكم مسلمون ودم المسلم على المسلم حرام، وقد قال
تعالى معظما حرمة دم المسلم: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ [النساء (93)]
ولقد استهان كثير من المسلمين، بالعدوان على القتل العمد للنفس المحرمة،
فحققوا بذلك أهداف أعدائهم في أنفسهم، فلا حول ولا قوة غلا بالله العلي
العظيم.