الإسلام دين رحمة وهداية
أطلق أعداء الإسلام عليه في الغرب مصطلح "العدو
الأخضر" في مقابل "العدو
الأحمر" وهو "الشيوعية" التي كان
الاتحاد السوفييتي يحملها – نيابة عن الدول الشيوعية التي تدور في فلكه –
ويحميها ويدافع عنها، ويرد عنها هجمات الغرب الرأسمالي، وبخاصة الولايات
المتحدة الأمريكية...
http://www.islamonline.net/Arabic/daawa/2002/09/article04.shtml
والإسلام إنما جاء هدى و رحمة للعالمين من يوم نزوله إلى أن تقوم الساعة، وهو
ليس عدوا لمن استظل تحت رايته أو سالمه وسالم أهله، بل عدوُّ الناس وعدو تقسه
هو الذي يعاديه ويعادي أهله...
الإسلام دين هداية
فقد جاء الإسلام ليهدي الضالين ليتمكنوا بحججه وبيناته من التفريق بين الحق
والباطل، كما قال تعالى:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...﴾
[البقرة (185)]
وقال تعالى:
﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾
[الإسراء (9)]
وهو امتداد للهدى الذي منحه الله تعالى للبشرية من يوم خلق أصلها آدم عليه
السلام، وجعله معيارا يفرق به بين المهتدين والضالين، كما قال تعالى:
﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
[البقرة(39)]
فمن طلب الهدى في هذا الدين وجَده، ومن أبى فَقَدَه، والناس في ذلك يشبهون
المرضى الذين يصف لهم أطباؤهم أدوية أمراضهم، فمن استعمل الدواء شفي بإذن
الله، ومن أبى فقد رضي لنفسه بالبقاء في مرضه...
ولهذا خص الله تعالى الهدى في غير ما آية بالمؤمنين المتقين لربهم، لأن هؤلاء
هم المنتفعون به، فاستحقوا ذلك التخصيص...
كما قال تعالى:
﴿ذلك الكتاب هدى للمتقين﴾
[البقرة (2)]
وقال تعالى:
﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ
بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
[القرة (97)]
رحمة شاملة لكل البشر
والإسلام كذلك رحمة لكل من رغب في رحمة الله من الناس، كما قال تعالى واصفا
رسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾
[الأنبياء(107)]
فمن طلب رحمة الله في هذا الدين وجدها، ومن أباها ورفضها فقدها، ولهذا خص
تعالى رحمته في غير ما آية بمن آمن به وأطاعه، كما قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
[الأعراف (52)]
وعلى هذا الأساس تُنال رحمةُ الله في الآخرة لمن طلبها في الدنيا بطاعة الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم.
كما يتبين لك في حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل
أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) قالوا: يا رسول الله ومن يأبى! قال: (من
أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) [صحيح البخاري، برقم (6851)]
ورحمة الإسلام ليست خاصة بالآخرة فقط، وإن كانت رحمة الآخرة هي الأعلى
والأغلى والأبقى.
ولكن رحمة الدنيا تسبق رحمة الآخرة، فلا رحمة في الآخرة لمن لم ينل رحمة الله
الدينية في الدنيا، ورحمة الله في الدنيا إنما ينالها حقا من اتصل بخالقه
إيمانا وعبادة وسلوكا، وطبق شرع الله في حياته، فقام بحق الله وحق نفسه وحق
خلقه، على ضوء ما شرع الله في كتابه وسنة رسوله...
وسيأتي بيان شيء من ذلك في سياق أسباب استعصاء الإسلام....
رحمة الله في الآخرة خاصة بالمؤمنين من كل الأمم
وأما رحمته في الآخرة، فهي خاصة بالمؤمنين من عباده، ممن آمنوا برسله ولم
يفرقوا بين أحد منهم، وخاتمهم رسول الله إلى العالمين محمد صلى الله عليه
وسلم، الذي لا ينال رحمة الله إلا من آمن به واتبع صراطه المستقيم.
قال تعالى:
﴿قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ
شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ
فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ
عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ
الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا
النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157)﴾
[الأعراف]
قال الألوسي رحمه الله:
﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾
"أي شأنها أنها واسعة تبلغ كل شيء، ما من مسلم ولا كافر، ولا مطيع ولا عاص،
إلا وهو متقلب في الدنيا بنعمتي" [روح المعاني (9/76)]
وقال السعدي رحمه الله:
﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾
من العالم العلوي والسفلي، والبر والفاجر المؤمن والكافر، فلا مخلوق إلا قد
وصلت إليه رحمة الله وغمره فضله وإحسانه.
ولكن الرحمة الخاصة المقتضية لسعادة الدنيا والآخرة ليست لكل أحد، ولهذا قال
عنها:
﴿فسأكتبها للذين يتقون﴾
المعاصي صغارها وكبارها،
﴿ويؤتون الزكاة﴾
الواجبة مستحقيها،
﴿والذين هم بآياتنا يؤمنون﴾
[تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان تفسير (1/ص305)]
المسلمون رحماء مجاهدون.
المسلمون هم أهل الإسلام وحاملوه، وهم دعاته وحاموه، وهم أمة إجابة رسوله
ومتبعوه، فرض الله عليهم دعوة الناس إلى دينهم كما فرض ذلك على نبيهم:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾
[يوسف (108)]
وكلفهم الله بيانَ ما أنزل على رسوله كما كلفه، وحذرهم من التقصير في هذه
الوظيفة كما حذره، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم:
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ
النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾
[المائدة (67)]
وقال لهذه الأمة:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ
يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ
تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)﴾
[البقرة]
وكما أن نبيهم جاء بالهدى والرحمة للعالمين:
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
[التوبة (128)]
فلهم فيه قدوة حسنة وهدي كريم:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ
يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾
[ الأحزاب(21)]
شمول رحمة المسلمين
ورحمة المسلمين لا تحتص بهم فقط، بل هي شاملة لهم ولغيرهم من المخلوقات في
الدنيا.
فقد أمر صلى الله عليه وسلم أمته برحمة كل من أوجده الله تعالى على هذه
الأرض، من إنسان وحيوان.
كما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قَال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء...)
[سنن الترمذي (4/323) رقم (1924) وقال: "هذا حديث حسن صحيح"]
والظاهر أن (مَن) الموصولة في قوله: (ارحموا من في الأرض) شاملة للإنسان
مسلما أو كافرا، وللحيوان كذلك، وعلى هذا حمله العلماء.
قال الحافظ رحمه الله: "قال بن بطال: فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع
الخلق، فيدخل المؤمن والكافر، والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في
الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب..."
[فتح الباري (10/440)]
وقد وردت أدلة أخرى يدل عمومها على أن هذا الشمول مقصود، فقد وصف الله تعالى
المؤمنين بالتراحم بينهم، كما قال تعالى:
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾
[الفتح (29)]
والكفار الذي يكون المؤمنين أشداء عليهم، هم المحاربون لهم المعتدون عليهم،
الذين يقاتلونهم ويخرجونهم من ديارهم، أو يدعمونهم على ذلك ويظاهرونهم، كما
هو حال اليهود في فلسطين، وحال قادة أمريكا في مظاهرتهم، وحال هؤلاء في
عدوانهم على البلدان الإسلامية.
قال تعالى:
﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ
اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ
دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ
يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)﴾
[الممتحنة]
ونفى الله تعالى رحمته عمن لم يرحم الناس، كما في حديث جرير بن عبد الله رضي
الله عنه، قَال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم الله من لا يرحم
الناس) [صحيح البخاري (6/2686) رقم (6941) و صحيح مسلم (4/1809) رقم (2319)]
وهو نفي عام يدخل فيه كل الناس، والنفي هنا للوعيد والتحذير والتنفير من
الغلظة والشدة والعدوان على الناس، ولا يلزم منه حرمان من فقد الرحمة الواجبة
من رحمة الله له في الدنيا، بمنحه الرزق والصحة والقوة المادية والذرية
وغيرها، سواء كان من المسلمين أو غيرهم، ابتلاء له وامتحانا، لأن رحمة الله
في الدنيا تعم جميع خلقه.
ومن الأدلة على شمول رحمة لخلق أن جعل من يقوم على اليتامى، بالإنفاق
والكفالة الشاملة التي يحتاجون إليها، شركاء لرسوله صلى الله عليه وسلم في
الجنة، كما في حديث سهل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (أنا وكافل
اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى)
وفرج بينهما شيئا. [صحيح البخاري (5/2032)]
وبين في حديث أبي هريرة أنه يستوي في هذه المنزلة من كفل يتيما من أقاربه أو
من غيرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كافل اليتيم - له أو لغيره-
أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار مالك بالسبابة والوسطى) [صحيح مسلم (4/2287)]
وهو يشمل كذلك يتامى المسلمين وغيرهم، كما تدل عليه صيغة العموم، لأن "أل" في
اليتيم للجنس...
وأنزل صلى الله عليه وسلم، من اهتم بالمحتاجين، وبخاصة الأرامل والمساكين،
منزلة المجاهدين في سبيل الله، والمجتهدين في التقرب إلى الله بما يرضيه من
فرائض العبادات ونوافلها ليلا ونهارا، كما روى أبو هريرة قال قَال النبي صلى
الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله أو
القائم الليل الصائم النهار) [صحيح البخاري (5/2047) وصحيح مسلم صحيح مسلم
4/2286)]
وهذا السعي شامل لكل المحتاجين من المسلمين وغير المسلمين، وشامل كذلك لكل ما
يحقق مصالحهم من طعام وشراب وكساء ومسكن وتطبيب ودفع ضر أو ظلم عنهم...
الرحمة بالحيوان
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته بعض القصص المتعلقة بالرفق والرحمة
بالحيوان، حضا لهم على تطبيق ذلك السلوك السوي الذي يحقق رحمة الله العامة
بكل مخلوقاته في الدنيا.
ومن أمثلة ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: (بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج
فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي،
فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقِيَ، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له. قالوا:
يا رسول الله! وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: (في كل كبد رطبة أجر) [صحيح
البخاري (2/833) رقم (2234) وصحيح مسلم (4/ص1761) رقم (2244)]
وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أن الله غفر لامرأة بغي لسقيها كلبا اشتد عطشه
كما في حديث أبي هريرة: (أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر، قد
أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها) [صحيح مسلم (4/1761) رقم
(2245)]
وإذا كان الله تعالى يغفر بعض كبائر الذنوب المسلم برحمة الحيوان والرفق به،
فإنه تعالى يعذب من نُزِعت الرحمة من قلبه، فيعذب الحيوان، كما في حديث ابن
عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
(دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)
[صحيح البخاري (3/1205) رقم (3140) وهو في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة
(4/2110) رقم (2619]
وفي الجهاد رحمة
الأصل أن يقوم المسلمين بدعوة غيرهم إلى هذا الدين، ليتمتعوا برحمة الله في
منهج حياتهم في الدنيا، ولينالوا رضاه ورحمته في الآخرة، تحقيقا لقول الله
تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾
وأساس دعوتهم اللين والحكمة والموعظة الحسنة، كما أمر الله تعالى بذلك نبيهم،
وأمره أمر لهم، فقال تعالى:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾
[النحل(125)]
ولشدة حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إيصال رحمة الله إلى عباده، رغب
المجاهدين في سبيل الله في دعوة الناس إلى هذا الدين، ورَبْطِ دعوتهم برجاء
ثواب الله الجزيل على هداية خلقه، كما في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله
عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه، عندما أرسله إلى يهود
خيبر:
(انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب
عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون
لك حمر النعم) [صحيح البخاري (4/1542) و صحيح مسلم (4/1872)
ومع أن المسلمين هداة رحماء، فهم يجاهدون في سبيل الله، من اعتدى عليهم وعلى
دينهم، لا يخافون فيه لومة لائم، يحفظون بجهادهم ضرورات حياة البشر، من الدين
والنفس والنسل والعقل والمال، وما يحوطها من الحاجيات والتكميليات، ويحمونها
من عدوان المعتدين وظلم الظالمين...
فهم إما يجاهدون دفعا لعدوان المعتدين على المسلمين، وإما لإزالة من وقف أمام دعوة الله في أرض الله، لدعوة الناس إلى
عبادة الله، لتقوم بذلك الحجة على خلق الله...
ومن تتبع تاريخ جهاد المسلمين المنضبط بقواعد شرع الله تَبَين له أنه عام
شامل لكل نشاط يحقق للمسلمين وللعالم ما فيه صلاحهم وسعادتهم، وأن القتال
إنما هو جزء ضئيل من الجهاد الوارد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم، وقد بينت أنواع الجهاد وشموله في كتابي "الجهاد في سبيل - الله حقيقته
وغايته"
ومعلوم كذلك أن الجهاد في سبيل الله لم يشرع لإكراه الناس على ترك دينهم
والدخول في الإسلام، وإنما شرع لردعدوان المعتدين، وتحطيم سدود القهر
والاستبداد التي تحول بين الناس وبين التمتع بالحرية التي منحهم الله تعالى،
فيدخلون في الإسلام بعد إقامة الحجة عليهم بأنه الحق مختارين راضين غير
مكرهين، أو يبقون على دينهم الذي اعتقدوه، كما صرح الله تعالى بذلك في كتابه،
وجرى على ذلك عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم، وسيبقى كذلك
إلى يوم الدين، ما تمسك المسلمون بهذا الدين:
﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
[البقرة (256)]
ولكن يجب على من رغب في البقاء على دينه، أن يلتزم بنظام الأمة العام الذي
يأمنون فيه على ضرورات حياتهم وما يكملها.
الرائد لا يكذب أهله.
هذه دعوى نعلنها للناس في مشارق الأرض ومغاربها، بأن هذا الدين، ليس عدوا
لأحد من البشر، وإنما هو رحمة للعالمين، ونحن نؤمن بذلك إيمانا صادقا لا
يشوبه شك، لثلاثة أمور:
الأمر الأول:
اعتقادنا الجازم بأن القرآن حق، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، وأن
الإسلام هو الدين الحق الذي يعتبر كل ما يخالفه من الأديان والمبادئ باطل
وليس بحق...
الأمر الثاني:
دلالة الواقع التاريخي في العصور التي طبق فيها الإسلام على صحة ما نقول.
فقد سعد الناس الذين حظيت بلدانهم بدخول المسلمين فيها بما، لم يكونوا يحلمون
بع من العدل والرحمة والحضارة، في ظل الإمبراطوريات اليونانية والفارسية
والرومانية.
والشاهد على ذلك أن غالب تلك الشعوب أصبحت تدين بالإسلام، بالدعوة المجردة من
السلاح في أغلب المعمورة، ولم يستعمل المسلمون السلاح إلا عندما وقف الطغاة
المستبدون ضد حرية الدعوة وضد سماع شعوبهم الحق سواء آمنوا به أم لا؟
والدليل على ذلك قلة الشعوب التي فتحها المسلمون عنوة، وكثرة الشعوب التي
دخلت في الإسلام عن طريق التجار والدعاة المخلصين... في بلدان آسيا وأفريقيا
وغيرها...
الأمر الثالث:
المقارنة النظرية بين ما تضمنه القرآن والسنة والسيرة النبوية، وأبواب
التشريع الإسلامي في كتب الفقه وغيرها، عن حقوق الإنسان، رجلا وامرأة، صغيرا
وكبيرا، فردا وأسرة، ومجتمعا، حاكما ومحكوما، وبين ما تضمنته القوانين
الدولية المعاصرة في ذلك...
إن المنصف الذي يقارن بين ما تضمنه الإسلام وبين ما تضمنته تلك القوانين،
يتجرد من التعصب والهوى، سيجد في تشريع الإسلام كل ما تضمنته تلك القوانين من
إيجابيات في أعلى صورها والمزيد الذي لم تتعرض له، مع تجنبه التشريع الإسلامي
من السلبيات التي احتوت عليها تلك القوانين.
ونحن ندعو الشعوب غير الإسلامية وبخاصة المفكرين منهم والمثقفين القادرين على
دراسة حقيقة الإسلام، وبخاصة الغربية منها، أن تجتهد في دراسة المبادئ
الإسلامية في القرآن والسنة، وفي كتب الفقه الإسلامي، ويُعمِلوا عقولهم
متجردين من دعايات من نصبوا أنفسهم أعداء للإسلام والمسلمين، من بعض الساسة
والإعلاميين وبعض رجال الكنيسة المتعصبين مع الصهاينة، ليطلعوا بأنفسهم على
عظمة الإسلام الذي لو حمله أي شعب من شعوب الأرض، في الغرب أو الشرق، لقاد بع
العالم إلى مراقي التقدم والحضارة النافعة السليمة من آفات الظلم والفساد
الذي انتشر في الأرض اليوم بسبب البعد عن منهج الله.
الأمر الرابع:
المقارنة بين أحوال الأفراد والأسر والشعوب الإسلامية المعاصرة، مع ما هو
معلوم من عدم تطبيقها الكامل للإسلام، ومع ما يعانيه كثير منها من فقر وظلم
وشظف عيش، وبين أحوال الأفراد والأسر والمجتمعات غير الإسلامية، مع ما هي فيه
من غنى ورخاء وحضارة مادية عظيمة، لمعرفة أي الفئتين أكثر سكنا وطمأنينة في
الحياة.
إننا ندعو الغني غير المسلم الذي حاز في دنياه كل ما تشتهيه نفسه، أن يقارن
بين نفسه وبين كثير من ذوي الفقر المدقع من المسلمين.
وندعو المرأة غير المسلمة التي تيسرت لها غالب سبل الراحة المادية، أن تقارن
بين نفسها وبين المرأة المسلمة التي تعيش في وضع يقول عنه الغربيون: إنه وضع
بؤس وشقاء...
وندعو الأسرة غير المسلمة المتحضرة ماديا القليلة العدد الكثيرة الرفاه، أن
تقارن بين نفسها وبين الأسرة المسلمة، الكثيرة العدد، القليلة الأرزاق....
وندعو المجتمعات غير المسلمة، أن تقارن بين نفسها، وهي تملك المال الوفير،
والرزق الكثير ووسائل العيش المادي المريح، وبين المجتمعات الإسلامية التي لا
تملك كل ذلك...
ثم ليوازن أولئك الأفراد، وتلك الأسر، وألئك المجتمعات، بين راحتهم النفسية
واطمئنانهم المعنوي، وما يحصل بينهم من تعاون وتعاطف، وتراحم وتكاتف، وبين ما
يحوزه غالب الأفراد والأسر والمجتمعات المسلمة، ولو لم يطبقوا الإسلام كاملا،
في ذلك كله...
وإنا لنتمنى أن تتاح الفرص لغير المسلمين، أفرادا وأسرا، أن يزوروا الأسر
الإسلامية في البلدان الإسلامية وفي غيرها، ليطلعوا على ما يطبق من الإسلام
وأثره على حياة المسلمين، وليعرفوا أن كثيرا من زعمائهم وأجهزة إعلامهم
ومثقفيهم، شوهوا صورة الإسلام والمسلمين في عقولهم ونفروهم منه، وأن الأولى
بهم أن لا يقلدوا أعداء الإسلام تقليدا أعمى، فيعينوا قادتهم من السياسيين
والعسكريين والإعلاميين والمتصهينين، على حربه وهو جدير بالدفاع عنه
وبمسالمته...
لقد حرمكم قادتكم بتشويههم حقائق الإسلام والتجني عليه، من رحمته وعدله
وأخُوَّته، والنجاة من سلبيات الحضارة المادية التي ذقتم منها القلق والأسى،
ولو أنها بنيت على أساس الإسلام لكان لكم شأن آخر، ربما تصبحون بفضل
استجابتكم للإسلام قادة العالم بحق، تنشرون فيه وفي أوطانكم الأمن والسلام،
بدلا من نشر قادتكم الظلم والعدوان.
لقد خدعكم قادتكم وخانوكم وكذَبُوكم، و الأصل أنه
"لا يَكْذِبَ الرائدُ أهلَه!"
ادرسوا الإسلام يا أهل الغرب من مصادره، وإذا رأيتم بعض أهله لا يطبقونه في
حياتهم، بل يتعاونون مع زعمائكم على حربه، فانظروا للمنهج ولمن يطبقه وحكموا
عقولكم لا عواطفكم وأهواءكم، فالعبرة بالمنهج لا بمن يخالفه من أهله...
الجزء الثاني
استعصاء الإسلام
تابع
الموضوع على ملف وورد