لقد أنكرتُ الهجوم على برحي نيويورك فور وقوعه، متصورا ما سيترتب عليه من
عواقب وخيمة على المسلمين،.
الحدث أسبابه - آثاره - استغلاله - أخطاره - علاجه
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/23.htm
وقد أنكر ما أنكرتُه بعضُ الشباب، وطال الحوار بيني وبينه.
وقال لي أحد العلماء: إن الله تعالى قد قدر وهو العليم الحكيم، فلعل في ذلك
خيرا.
فقلت له: نحن لا نتحدث عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ولكنا نتحدث عما
يظهر لنا، من أحداث وأسباب ونتائج وما نعلمه من شرع الله، ومن سننه في
الحياة... والذي يظهر لنا أن ذلك غير جائز شرعا.
وفي الرابط الآتي بيان لما دار من الحوار...
حوار حول الحدث
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/5.htm
ثم حدث ما حدث من آثار محزنة، لا تخفى على أحد من العدوان الأمريكي على كل
الشعوب الإسلامية، ولا زال...
وأعقب ذلك تفجيرات في بلدان المسلمين الذين أزهقت أرواح كثير منهم ...ووجهتُ
إلى المفجرين هذا النداء:
نداء إلى شبابنا المسلم وحكومات شعوبنا الإسلامية
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/83.htm
ونشرت ما صرح به الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان:
موقف الدكتور زيدان من أحداث التفجيرات في أرض الحرمين
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/85.htm
ثم وقعت حوادث تفجيرات قطارات مدريد يوم الخميس 20/1/1424هـ 11-3-2003 الذي
راح ضحيته أكثر من 200 قتيل و1500 جريح.
ورأيت لبعض ذوي العواطف التي لا يقيدها الفقه، في بعض منتديات الإنترنت نفس
العبارة السابقة: "إن الله تعالى قد قدر وهو العليم الحكيم، فلعل في ذلك
خيرا!"
قلت: وأي خير في قتل هؤلاء الناس الذين استقلوا تلك القطارات، من جميع
الأديان والأعراق، من مشارق الأرض ومغاربها، رجالا ونساء شيوخا وأطفالا،
أصحاء ومرضى، كل منهم ذاهب إلى وجهته التي يخدم فيها الناس، أو يسعى لقضاء
حاجته؟ محرمة دماؤهم، واجبة سلامتهم وأمنهم؟!
إنا لا ندري إلى الآن من الذي قام بتلك الأعمال الوحشية، ولكنا نعلم أنها لا
تصدر إلا من جاهل يجهل أنه جاهل، أو عالم بأن فعله ذلك محرم في جميع الأديان
والقوانين وعند كل عاقل سليم الفطرة، فهو إذن مجرم ظالم.
تشويه لدين الله وصد عن سبيل الله!
وإذا ثبت أن الذين قاموا بهذا العمل من المسلمين، فإنهم قد أساءوا إلى دين
الله وزادوه تشويها لدى الشعوب الغربية التي ضلل عقولهَا كثيرٌ من زعمائها
السياسيين، ورجالِ دينها المتعصبين، وإعلاميها المزيِّفين، وألهب عواطفَها
تجارُ حروبها المعتدون...
فإذا رأوا أرواح أبنائهم تُزهَق، ودماءهم تسفك، وأجسادهم في وسائل مواصلاتهم
تمزق ، لا يأمنون على أنفسهم إذا ناموا أو صحوا، ثم يتبين لهم أن الذين
يقتلونهم ويخيفونهم هم من المنتسبين إلى الإسلام، فكيف ستكون مواقفهم من
الإسلام وأهله؟
إن ذلك سيدعم آراء أعداء المسلمين من زعماء الغرب وأعوانهم من الذين يدعون أن
الإسلام يدعو إلى العنف والشدة والقتل، وأن المسلمين قوم متوحشون يكرهون
الناس على الدخول في دينهم بقوة السلاح...
أليس في ذلك تشويه للإسلام وتنفير للناس منه؟ أليس ذلك من الصد عن سبيل الله؟
خسارةُ يَقَظَةٍ وحرمانٌ من تأييد!
لقد انتشرت الدعوة الإسلامية في البلدان الغربية، وشيدت فيها المساجد
والمدارس والمعاهد والجامعات والمراكز الإسلامية، واتجه كثير من الغربيين
لدراسة الإسلام، وهدى الله بعضهم من جميع الفئات للدخول فيه...
واعترفت بعض الدول الأوربية بالإسلام كاعترافهم بالمسيحية واليهودية، وأصبح
هو الدين الثاني في تلك الدول...
وبدأ كثير من الشعوب الغربية يستيقظون من نوم وينتبهون من غفلة، لما يقوم به
قادتهم من العدوان على البلدان الإسلامية، فقامت المظاهرات في جميع البلدان
الغربية ضد ذلك العدوان السافر على أفغانستان والعراق، وضد عدوان اليهود على
أبناء فلسطين...
بل لقد أظهر الاستفتاء في الفترة الأخيرة أن غالب الشعوب الأوربية ترى أن
أخطر دولة إرهابية تسبب القلق العالمي، هي الدولة اليهودية، وهذه هي المرة
الأولى في التاريخ الأوربي، مما أزعج هذه الدولة الطارئة المحتلة، وجعلها
تصرخ وتحتج لدى الدول الأوربية مما تسميه بمعاداة "السامية"
ورأينا كيف قامت تلك الشعوب بالمظاهرات العارمة عند غزو العراق، من اليابان
وأستراليا، إلى أمريكا وكندا، كما رأيناها اليوم بعد مضي عام على غزو العراق،
والمتظاهرون يرفعون اللافتات التي تندد بالعدوان وبقادة العدوان...
ألسنا نخسر بتلك الأعمال العدوانية التي تحدث ضد هذه الشعوب تلك اليقظة
السياسية التي يفضحون بسببها تصرفات زعمائهم، وذلك التأييد الذي بدأ يظهر
لقضايانا ضد المعتدين من زعمائهم؟
إن الشعوب الغربية تستطيع أن تقف ضد ظلم حكامها للمسلمين وعدوانها على
بلدانهم، إذا اتضح لهم ذلك، فهم الذين يدفعون الضرائب، وهم الذين ينتخبون
الحكام...
والتفجيرات التي يقوم بها بعض أبناء المسلمين في بلدانهم، تجعلهم يتراجعون عن
تلك اليقظة وذلك التأييد، بل إن ذلك ليورثهم مزيدا من الحقد على المسلمين،
وتأييدا أشد لزعمائهم على عدوانهم على البلدان الإسلامية.
والأشد من ذلك أنه يهيجهم على عداوة الأقليات من المسلمين في البلدان
الغربية، فيؤذونهم في أنفسهم وأموالهم ومساجدهم ومراكزهم، وقد يطردونهم من
بلدانهم، التي انتشر الإسلام فيها، وبدأ يستوطن فيها...
وبناء على ذلك، فإنا نهيب بأبنائنا الشباب – إن كانوا هم الذين قاموا بتلك
التفجيرات – أن يتقوا الله في دينهم وفي أمتهم وفي دماء الناس الذين حرم الله
الاعتداء عليهم...
بلدان محتلة تنتظر التحرير
ولو كانت هذه الهجمات القاتلة وجهت للأعداء الذين يحتلون أي أرض من
أراضي المسلمين، وبخاصة المحتل اليهودي الذي يحتل الأرض المباركة ويقتل أهلها
ويخرجهم من ديارهم أو يهدمها على رؤوسهم، ويغتال المجاهدين وقادتهم، ومنهم
المجاهد المربي الكبير الشيخ احمد ياسين رحمه الله ورفع منزلته مع إخوانه
الشهداء، لو كانت هذه الهجمات هناك في الأرض الباركة، لكانت هي الجهاد الشرعي
الذي يكتب الله لمن قام به ممن قال الله تعالى فيهم:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي
التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ
اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة(111)]
وجوب التفقه في الدين
كما نهيب بهذا الشباب، أن يتفقه في دين الله، ويعلم حكم الله تعالى في
تصرفاته من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن التفقه في الدين لا
يكون إلا على أيدي أهل العلم الذين أفنوا أعمارهم في هذا السبيل، فلكل علم
رجاله الذين أخذوه عمن سبقهم في هذا المجال.
ومعلوم أن التفقه في الدين له قواعد وأصول ومفاتيح، لا يجوز لمن فقدها أن
يدعي العلم، بله الاجتهاد الذي قل أهله حتى في غالب المتخصصين في علوم
الإسلام...
فلا بد أن يعود الشباب المسلم إلى العلماء، إما لطلب العلم على أيديهم،
ليكونوا على بصيرة من أمرهم وعلم بأحكام الله في تصرفاتهم، وإما لسؤالهم وطلب
فتاواهم في أحكام الله التي تحتاج إلى استنباط من أهل الاستنباط، كما قال
تعالى:
﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ
الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي
الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ
قَلِيلاً﴾ [النساء (83)
تحريم الفتوى والقول على الله بلا علم
وقد حرم سبحانه وتعالى القول عليه بلا علم، كما حرم إتيان الفواحش،
والشرك به، كما قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ
بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾
[الأعراف (33)]
وقد كان كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفرون من الفتاوى وهم لها
أهل خوفا من عواقب الخطأ فيها، فكان أحدهم إذا استفتاه مستفت، أحاله إلى غيره
طلبا للسلامة...
ونحن نجد اليوم صغارا من طلبة العلم الذين يأخذون نتفا ممزقة من النصوص التي
لا يفقهون حقيقة معناها، ثم يتصدرون للفتوى ويقولون: هذا حلال وهذا حرام،
ويبنون على فتاواهم تصرفات حمقاء ينسبونها إلى الإسلام...
هل جماهير العلماء على خطأ وهؤلاء على صواب؟
ومن عجب أن نرى هذا الشباب الصغيرة أسنانهم، القليل علمهم، الضئيلة
تجاربهم، يصرون على الاستمرار فيما يقومون به من التفجيرات التي يحصدون فيها
أرواح مسلمين في البلدان الإسلامية، وأرواح مسلمين وغير مسلمين في البلدان
غير الإسلامية.
أقول: من عجب أن نرى من هذا الشباب ذلك الإصرار، مخالفين في ذلك فتاوى
العلماء الصادرة في كل البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، يصدرونها أفرادا
وجماعات، تحرم فتاواهم تلك الأعمال، ويستدلون على تحريمها بالكتاب والسنة
وبأقوال أهل العلم من السلف...
وهؤلاء العلماء يعلنون بغضهم للمعتدين على البلدان الإسلامية من الأمريكان
وغيرهم، أشد البغض، ولكنهم يراعون في فتاواهم أحكاما شرعية، واجتهادات موثقة،
كما يراعون المصالح والمفاسد ويوازنون بينها، ويصدرون فتاواهم على ضوء ذلك...
فهل يكون عامة أولئك العلماء على خطأ وهؤلاء الشباب على صواب؟
إننا لنهيب بالشباب المسلم الذي يقوم بتلك الأعمال أن يراجعوا أنفسهم
ويُقَوِّموا مواقفهم، ويراقبوا الله تعالى في دينهم وفي أمتهم، ويقارنوا بين
ما قد يظنونه من مصالح مترتبة على تصرفاتهم، وبين ما ترتب عليها فعلا من
مفاسد على العالم الإسلامي كله، ثم يلتزموا العدل والإنصاف ويبنوا مواقفهم
على هذه المقارنة، والله سائلهم عما يعتقدون وما يعملون.
لا أريد أن أكرر ما سبق أن بينته هنا وفي موضوعات أخرى، ولعل في هذا الرابط
يفيد...
http://www.saaid.net/Doat/ahdal/83.htm
(اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب
والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه
من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)