إن الذي يصاب بداء قاتل، يجب أن يُسَرَّ به ويفرح، وإذا لم يسره ذلك فعليه أن
ييأس من الحياة ويكف عن البحث عن العلاج، بل ينبغي أن يبحث عما يزيد الداء
شدة واستفحالا، وذلك هو ما تقره وتثبته العقول النيرة!
رحم الله المتنبي الذي بالغ –كما جرت عادة الشعراء - في الخمرة التي اعترف
بأنها داء يفسد العقول، فجعلها دواء شافيا، وقال لمنادمه:
دَعْ عَنْكَ لَوْمِي فَإِنَّ اللَّومَ إِغْرَاُء،،،،،،وَدَاوِنِي بِالَّتِي
كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ
لقد أصبح كثير من رجال السياسة الذين يدبرون الأمة
الإسلامية، وبخاصة بعض العرب منهم، يشعرون بأنهم لا حياة لهم إلا بالأمراض
القاتلة، ولم يكتفوا بذلك حتى دعوا الأمة بإلحاح أن تحرص على بقاء السرطان
في جسمها، ولا تحاول البحث عن الشفاء منه، لأنها لو فعلت ذلك، هلكت.
فلا يرجون أمنا في أوطانهم ولا استقرارا فيها، إلا بحماية الصليبيين الذي
احتلوا أرضنا، وخربوا عمراننا وقتلوا أخواننا، وانتهكوا أعراضنا ودنسوا
مقدساتنا، وجعلوا أنفسهم سادة علينا في ديارنا.
http://www.asharqalawsat.com/view/news/2004,05,16,234199.html
وهم يعلمون أن أمريكا غير مستعدة للخروج من المنطقة، لأنها قد خططت
لاحتلالها المباشر مع اليهود من فترة طويلة، وإذا أحست بالخطر على جنودها
في بلد من البلدان العربية، نقلتهم إلى بلد آخر، ليبقوا مسيطرين على كل
البلدان العربية، وبخاصة دول الخليج.
أقول: إن هؤلاء الذين يصرحون بأن بقاء الأمريكان في المنطقة هو الذي يضمن
لهم الأمن والاستقرار، وأنه لا ينبغي لأهل المنطقة مطالبة الأمريكان
بمغادرتها، يعلمون أن أمريكا سوف لا تخرج سواء طلب منها البقاء أو الخروج.
وأمريكا اليوم تعيد انتشار جنودها من مناطق أخرى بعيدة عن البلدان العربية،
لتحل في الخليج بالذات، كما هو الحال في نقل بعض جنودها من كوريا إلى
العراق...
والذين يطالبون ببقاء أمريكا في المنطقة مع علمهم بأنها باقية على كل حال،
إنما يؤكدون ولاءهم الذي يريدون أن يفوقوا به غيرهم من الدول العربية
الأخرى...
ونحن نقول: إن الإنسان الضعيف مادة، القوي عقيدة، قد لا يستطيع محاربة عدوه
الذي يغتصب أرضه، وينتهك عرضه، ويدوس مقدساته، ويسلبه سيادته، ويعتدي على
ضرورات حياته، ويكون مغلوب المظهر، ولكنه عزيز النفس، ثابت الجأش، حر القلب
ولو كبلت يداه، وقيدت رجلاه، يفكر في الخلاص من أسر عدوه، ويسعى سعيا جادا
في اتخاذ الأسباب التي يقلب بها موازين الحياة العارضة، حتى يصبح حرا سيدا
عزيزا، فتكون العاقبة الحميدة رفيقه، والذلة والمهانة قرينة من ظلمه وقهر
أمته...
وكم من حدث سجله التاريخ على هذه القاعدة شاهدا، تحررت فيه شعوب من عبودية
المعتدين، وانقلب فيه المستَعبَد قاهرا وسيدا، وأصبح المستبد الظالم
العنيد، ذليلا مهينا طريدا!
بخلاف من طأطأ رأسه لغير ربه، واستَعبد عدوُّه قلبَه، وذهبت غيرته على
ضرورات حياته، فإنه قد يكون لمن دونه من أبناء قومه آمرا وناهيا، وهو عن
تحرير نفسه من قهر عدوه عازفا لاهيا!
﴿يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾
[المائدة (52)]
ورحم الله ابن تيمية الذي قال في هذا المعنى:
(فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد
البدن، فإن من استُعبِد بدنه واستُرِق، لا يبالي إذا كان قلبه مستريحا من
ذلك مطمئنا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص، وأما إذا كان القلب-الذي هو
الملك-رقيقا مستعبدا لغير الله، فهذا هو الذل والأسر المحض.. فالحرية حرية
القلب، والعبودية عبودية القلب.....-إلى أن قال-: وكذلك طالب الرئاسة
والعلو في الأرض، قلبه رقيق لمن يعينه عليها، ولو كان في الظاهر مقدمهم
والمطاع فيهم ... فهو في الظاهر رئيس مطاع، وفي الحقيقة عبد مطيع لهم..)
[مجموع الفتاوى: (10/186-189)]
وليعلم الذين يعتزون بالغزاة المحتلين أن العزة الحقيقية، لله وحده، وأن
العزة المستعارة من غير الله، عزة وهمية قصيرة الأجل:
﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ
لِلَّهِ جَمِيعاً﴾ [ النساء (139)]
وأن القوة الحقيقية لا يملكها إلا القوي بذاته القادر على كل شيء، وفي
التاريخ عبر لذوي الألباب:
﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا
مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي
خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا
يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت (15)]
ولنعتبر بالطامعين في العزة الوهمية من أبناء الشعب العراقي الذين كانوا
يظنون أن أمريكا ستحققها لهم، بعد إسقاط الحكم المستبد في بلادهم، فهاهم
اليوم يذوقون هوانا أشد من هوانهم السابق في أنفسهم وأسرهم ونسائهم، وها هي
أمريكا تضرب بعض العراقيين ببعض في مناطق العراق كلها: ﴿وَتِلْكَ
الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ
الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت (43)]
وهاهم الفلسطينيون يتعرضون لأشد أنواع العدوان في الأرض المباركة بعد
الاحتلال العراقي، وهو يدمغ من يزعمون أن أهل المنطقة، سينعمون بالأمن
والاستقرار بوجود المحتل الأمريكي!
بل إن جميع الدول العربية، ليس أمامها عند المحتل الأمريكي إلا أحد خيارين:
الطاعة الكاملة لأوامرها الظالمة وهذا ما ينادي به المهزومون نفسيا، أو
الوقوع تحت طائلة العقاب الوحشي الذي لازم كل إدارة أمريكية بروتستنتية
صهيونية، من يوم قضوا على الهنود الحمر في بلادهم، إلى أن احتلوا العراق
المسلم...
والمخرج الحقيقي لهذه الأمة، هو التوكل على الله:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ
شَيْءٍ قَدْراً (3)﴾ [الطلاق]
واجتماع كلمتها على الحق وبذلك تحقيق حرية شعوبها من المحتل:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً
وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
وترك التنازع المؤدي بهم إلى الفشل:
﴿َأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
[الأنفال (46)]
وإعداد العدة التي أمر الله بها عباده المؤمنين، ليرهبوا بها من اعتدى
عليهم أو فكر في الاعتداء:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ
دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ
شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾
[الأنفال (60)]