بسم الله الرحمن الرحيم

ما يمكث في الأرض وما يذهب جفاءً!


﴿أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (17)﴾ [الرعد]

ضرب الله تعالى في هذه الآية مثلين، للحق والباطل:
المثل الأول: ماء الغيث الذي ينزله الله من السماء، فيتجمع نازلا من رءوس الجبال والمرتفعات في الأودية والشعاب، ثم يجري في تلك الوديان إلى مسافات طويلة، ويحمل في مجراه كثيرا من الخبث والقاذورات التي تطفوا على سطحه منتفخة مزبدة، فيمر [السيل] فتأخذ كل أرض يمر بها يمنة ويسرة نصيبها منه فيمكث فيها، فتحيى بعد موتها، وتنبت الزرع والعشب الكثير، ويستقي الناس وماشيتهم، وأما الخبث المنتفخ فيتفرق ويتمزق، ولا يبقى منه شيء.

فالحق وهو ما جاء به الوحي وشرع الله به للناس الشرع، مثل الماء الذي يمكث في الأرض، يحي الله به القلوب، ويعز الله به من عمل به، ويجعل أهله قدوة للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويجاهدون في سبيل الله من اعتدى على ضرورات حياة الناس، فيدفعون عدوان المعتدي وينصرون المظلوم على ظالمه، وهم الذين وصفهم الله تعالى بالصدق، لثباتهم وعدم تذبذبهم:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)﴾ [الحجرات]
والباطل الذي يحارب أهلُه اللهَ تعالى ورسله وأتباعهم ممن نصروا الحق وجاهدوا في سبيل الله، هو كذلك الزبد الذي يحمله السيل، يظهر منتفخا منتفشا، ثم يذهب ممزقا، فلا يبقى منه شيء.

المثل الثاني:
المعدن الثمين الذي يستخرج من الأرض، كالذهب والفضة ونحوهما من الجواهر، ثم توقد عليه النار ليخلص من الشوائب المختلطة به، فيطفو الخبث والشوائب، لتلقى متفرقة ممزقة، وتذهب فلا يبقى لها أثر، ويبقى المعدن الخالص صافيا يتلألأ، ينتفع به الناس في التجارة والبيع والشراء والزينة وغير ذلك...

فالحق في هذين المثلين، كالماء والمعدن الصافيين النافعين الباقيين، والباطل فيهما كزبد السيل الرابي وزبد المعدن، وهما "الجفاء" الذي يذهب فلا يبقى له أثر...

والمقصود بالحق هنا: الموقف الجهادي المشروع في الإسلام وموقف المقاومة في القوانين الدولية، من المغتصب لأي بلد من بلدان العالم.
ويتلخص هذا الموقف في أن لأهل البلد المغتَصب، مقاومةَ المعتدِي المغتصِب بأي وسيلة مشروعة يترتب عليها جلاء المغتصبين وخروجهم من البلد، ليسترد استقلاله وحريته.

ولا تخلو المقاومة من اتخاذ ثلاث وسائل:
الوسيلة الأولى: الحوار والتفاوض مع المعتدي المغتصب، فإذا نفعت هذه الوسيلة اكتفي بها، لما فيها من تحقيق الهدف بالطريقة السلمية التي تحفظ بها ضرورات حياة المظلومين المعتدى عليهم، ويلزم منها سلامة النفوس الظالمين المعتدين، والإسلام يفضل اتخاذ أيسر الوسائل وأعظمها نفعا، أو أخفها شرا...

الوسيلة الثانية مركبة:
وهي تجمع بين وسيلة الحوار السياسي والتفاوض السلمي، وبين الجهاد المسلح المستطاع، إذا لم يجد الحوار السياسي وحده في تحقيق الهدف، وإذا ترجح للمظلومين المعتدى عليهم أن الجمع بين هذين الأمرين أجدى نفعا من انفصال أحدهما عن الآخر.
ويحدد كيفية الجمع بين الأمرين أهل الحل والعقد، قادة البلد المحتل من ساسة وأعيان وذوي كفاءات متخصصة، فقد يخصصون للحوار والتفاوض الطائفة المؤهلة لذلك، ويخصصون للجهاد والمقاومة الطائفة المؤهلة للجهاد التي دربت على الفروسية واستعمال الأسلحة المتنوعة المتاحة، وعلى أساليب القتال الممكنة المناسبة، من الكر والفر العمليات الفدائية الاستشهادية، بحيث تدعم كل طائفة من الطائفتين الطائفة الأخرى، حتى يتحقق لهما الهدف، وهو جلاء العدو واستقلال البلد وتحرر أهله...
ويمكن إدراج الوسيلتين السابقتين، الحوار المستقل، والحوار مع المقاومة المسلحة في قوله تعالى:
﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)﴾ [الأنفال]

الوسيلة الثالثة: تمحض الجهاد والمقاومة المسلحة، عندما لا تجدي الوسيلتان السابقتان وتترجح وسيلة الجهاد المستقل، والمقاومة المسلحة التي يطلق عليها في الفقه الإسلامي: "الجهاد في سبيل الله" هي فرض عين على جميع أهل البلد المحتل، كل في ما يقدر عليه، من مال وسلاح وغذاء وكساء ودواء وتطبيب، وحض على البذل والتضحية، ومن مباشرة القتال، وهذا النوع من الجهاد يسمى بـ(جهاد الدف) ولا يخالف فيه مسلم ولا عاقل في الأرض.
وقد دلت عليه الآيات والأحاديث والواقع العملي في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان:
قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) ﴾ [البقرة]
﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)﴾ [التوبة]
﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)﴾ [الممتحنة]

ما الوسيلة المجدية مع اليهود في الأرض المباركة؟!
فأي واحدة من الوسائل الثلاث السابقة يتحقق بها هدف الفلسطينيين في أرضهم المباركة "فلسطين"؟!
لقد مضى على تخطيط اليهود ودعم الدول الصليبية والشيوعية لاحتلال الأرض المباركة أكثر من مئة عام، ومضى على الاعتراف الدولي بالاحتلال اليهودي الظالم [56 عاما].
ولقد بذل رجال الجهاد في سبيل الله، من الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية والإسلامية، أموالهم وأنفسهم في سبيل الله، دفاعا عن بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وكان لجهادهم أثره الفعال في إرهاب أعداء الله المعتدين، برغم قلة العَدَد والعُدَد، إزاء قوة العدو الذي ظاهرته قوى الاحتلال الإنجليزي وغيرها.
ومما يؤسف له أن بعض زعماء العرب نفذوا أوامر السادة الغربيين، فخذلوا المجاهدين، بل جمعوهم من ساحات المعارك مع اليهود، واعتقلوهم وجردوهم من سلاحهم وزجوا بهم في السجون، ثم ساموهم سوء العذاب بعد ذلك في السجون والمعتقلات، وقتلوا كثيرا منهم، فأثلجوا بذلك صدور الأعداء من الصليبيين والشيوعيين، وأتاحوا لليهود فرصة الهدوء والاستقرار، وطرد أهل البلاد وتشريدهم وقتلهم أمام أعين و سمعهم...
ومكنوهم بذلك من تقوية اقتصادهم وصنع سلاحهم النووي الذي أصبحوا يهددون به الأمة الإسلامية كلها، كما هيئوا لهم بذلك فتح باب الهجرة اليهودية من كل أنحاء العالم، ليحلوهم محل أهل البلد الشرعيين...
ولقد هزمت أمام هذا العدو الجيوش العربية التي دخلت المعركة، بدون عقيدة عسكرية من قبل غالب زعمائها الذين، لم يمدوها بما تحتاج إليه من عدة وعتاد...
ورَكِن غالبُ زعماء العرب إلى ما دعاهم إليه أنصار اليهود من الدول الغربية، وبخاصة المسيحيين المتصهينيين من طائفة البروتستانت، الذين تصدرهم غالب الزعماء الإداريين في البيت الأبيض، الذين قدموا للعرب عشرات المبادرات والمصطلحات الخادعة التي كان زعماء العرب يلهثون إلى كل مبادرة ومصطلح، ثم يتبين لهم أنها لم تكن إلا خداع يجرون به إلى التنازل تلو التنازل، لما يحقق الأهداف اليهودية...
فقد كان زعماء العرب يكررون ما سمي باللآت الثلاث: لا صلح، ولا مفاوضات ولا اعتراف بـ(إسرائيل)...
ثم تنازلوا عن ذلك كله، ففاوضوا سرا وجهرا، وأصبحوا يلحون في المطالبة بالصلح مع اليهود، واعترفت دول عربية رسميا بالدولة اليهودية، واعترفت أخرى بها باسم مكاتب اقتصادية... وفاوضها قسم ثالث في الخفاء، وصرحوا جميعا على مستوى القمم بالاستعداد الكامل للاعتراف بالدولة اليهودية...
والدولة اليهودية تشترط على كل دولة عربية منفردة، شروطا للتنازل عن كثير من ثوابتها، ومن أهمها:
إزالة ما في مناهجها من آيات وأحاديث ونصوص تاريخية وجغرافية وبرامج إعلامية وفنية، تتعارض مع ثوابت اليهود التي يغرسونها في عقول أطفالهم وطلابهم من الروضة إلى الدراسات العليا، وتتهم العرب بأنهم عنصريون، لأنهم لا يزالون يتمسكون باسم الجامعة العربية، التي يجب أن تسمى بـ(جامعة الشرق الأوسط) لتكون الدولة اليهودية العضو المهيمن فيها بدعم من الدولة الصليبية الأمريكية، والمملكة المتحدة...
وفي نفس الوقت تعلن الدولة اليهودية، عزمها على إعلان الدولة اليهودية، غير مكتفية بـ(دولة إسرائيل) التي تدل على نفس المعنى، ودعمتها في ذلك الإدارة الأمريكية، وهدف اليهود من هذا العزم، طرد من يسمون بـ(عرب 48) لأنهم إذا أعلنت الدولة اليهودية، لم يعد لهم حق في الجنسية (الإسرائيلية) التي اضطروا لحملها بعد احتلال أرضهم... نعم العرب عنصريون لعدم تنازلهم عن عروبتهم والترحيب بالعضو السراطاني في جامعتهم، واليهود الذين يعزمون على إعلان الدولة اليهودية التي تطرد العرب من مساكنهم، ليست عنصرية!!!!
ومن أهم شروطهم: الاتفاقات الأمنية: التي تضمن أمن اليهود في الأرض المباركة، والقضاء على المجاهدين الذين تهدم بيوتهم، ويغتال قادتهم، ويقتل شيوخهم ونساؤهم وأطفالهم، وتدمر كل مرافقهم المعيشية من مزارع وكهرباء ومدارس ومصانع، وبنوك ومدارس...

ومن أهم شروطهم أن الدولة الفلسطينية، إذا تحققت في يوم من الأيام، فهي دولة شرطة، لا حدود لها مع غير الدولة اليهودية، ولا علاقات خارجية مستقلة، ولا معابر مستقلة للخروج والدخول منها، بدون سيطرة يهودية، ولا أجواء مستقلة لموصلات الطيران، بدون سيطرة يهودية.
ولا حق لهم في جعل عاصمتهم القدس، بل لا حق لهم في المسجد الأقصى، إلا في ما علا الأرض من مبانيه، أما ما دون ذلك، مما تسافل من أرضه فهو ملك للدولة اليهودية وقد بدأت بالحفريات فيها بحجة البحث عن الهيكل المزعوم الذي يريدون إعادة بنائه على أنقاض الأقصى...
ومن أهم شروطهم الاحتفاظ بالأماكن المهمة من الناحية العسكرية، وهي الجبال والمرتفعات في منطقة من مناطق فلسطين، حذرا من سيطرة الفلسطينيين عليها واستغلالها للهجوم على المدن والقرى اليهودية المسماة بـ(المستوطنات) بما قد يملكون من سلاح، وقد شرح ذلك رئيس وزرائهم الأسبق "نتنياهو" في كتابه "بلدة تحت الشمس"
يضاف إلى هذه المواقف اليهودية وغيرها، أن اليهود لم يثبتوا على أي عهد أو اتفاق عقدوه مع الفلسطينيين أو غيرهم من الدول العربية في الشأن الفلسطيني وغيره، ابتداء من مؤتمر مدريد، وانتهاء إلى اتفاقية أوسلو وما تبعها من مؤتمرات ولقاءات...
ومع هذا كله لا زالت السلطة الفلسطينية التي لم تظفر في جميع اتفاقاتها ومفاوضاتها مع اليهود، إلا بالفشل و الإذلال وبالمزيد من العدوان على الشعب الفلسطيني، كما نشاهد ذلك في الفضائيات كل لحظة من اللحظات، لا زالت هذه السلطة تصر على أن الحل السلمي هو الخيار الاستراتيجي...
ويتعاون رجال من ساستها ومخابراتها وشرطتها، مع بعض المخابرات العربية والأمريكية والبريطانية وغيرها، للقضاء على الحركة الجهادية التي ملأت قلوب اليهود رعبا لم يكن يخطر على بال قادتهم قبل قيام هذه الحركة التي تسمى بالانتفاضة، وكبدت العدو خسائر فادحة في المال والسلاح والاقتصاد والنفوس، وحولت الهجرة اليهودية من العالم الخارجي إلى الأرض المباركة، إلى هجرة من الأرض المباركة إلى العالم الخارجي...
وإن فرائص قادة اليهود من الساسة والجيش والمخابرات، لترتعد من شيخ مقعد لا ينتقل من مكان إلى آخر إلا على كرسي متحرك، ومن طفل أو فتاة قد يفاجئ كل منهما مجموعة من الجيش اليهودي، بتفجير نفسه بينهم، فتتطاير بذلك أشلاؤهم في كل مكان.
إن فرائص اليهود لترتعد من هؤلاء، ولا تأبه بغيرهم من الطامعين في الحل السلمي البعيد المنال، لأنهم يعرفون أن غالب الطائفة التي جعلت الحل السلمي هدفا استراتيجيا لها، مستعدة لكثير من التنازلات التي لم يزل اليهود يحظون به منها...
وما محاولة بعض قادة اليهود الانسحاب من قطاع غزة من جانب واحد، إلا دليل على الرعب الشديد الذي أصابهم من ضربات المجاهدين برغم الفارق الشديد بين ما يملكه هؤلاء المجاهدون من السلاح الضئيل، وبين الترسانة التي يملكها اليهود والتي لا تخفى على أحد...
وهاهم اليهود يستغيثون ويستنجدون ببعض المخابرات العربية، لتتعاون مع المخابرات الفلسطينية، للقيام بحمايتهم من ملاحقة المجاهدين بضرباتهم المرعبة لهم، وللحول بين المجاهدين وسيطرتهم على القطاع، لما لهم من شعبية لا يقف أمامها إلا القمع الأمني...
ولهذا يشترط اليهود والأمريكان تعيين أشخاص بأعيانهم في القيادة الأمنية الفلسطينية، قد نالوا ما يمكنهم من قمع المجاهدين من تدريب في بعض الدول العربية وبعض الدول الغربية...
كما يشترطون تعيين سياسيين معينين في السلطة الفلسطينية، يكونون أكثر استجابة لتنفيذ الشروط اليهودية...
ونحن على يقين أن كل ما تحققه السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية من أهداف اليهود وشروطهم، سوف لا يحقق للفلسطينيين سلاما ولا يمنحهم دولة، ولا تترتب عليه إزالة مستوطنات، بل إذا أزالوا مستوطنة صغيرة، سيبنون بدلها مستوطنات أخرى أكبر، وسوف لا يحول ذلك كله بين اليهود والاستمرار في العدوان على الشعب الفلسطيني...

فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً
لقد جربت وسيلة الحوار المباشر أو بالواسطة، وما ترتب عليه من اتفاقات شفوية أو مكتوبة، بين السياسيين والعسكريين في السلطة الفلسطينية، واليهود هذا الزمن الطويل، فلم تجد نفعا للشعب الفلسطيني، بل عادت عليه بالضرر والدمار.
ولو أن هذه السلطة ضمت جهودها الضائعة، مع جهود المجاهدين، وجمعوا بين الحوار السياسي إذا ترجحت جدواه، وبين المقاومة العسكرية التي أثبتت جدواها، لكان لذلك أثره في إرغام العدو على الاستجابة لما يقي الشعب الفلسطيني من عدوانه الطاغي...
ولكن السلطة الفلسطينية تمادت في التنازلات لليهود، كما تمادت في الضغوط الظالمة على المجاهدين، فبادرتهم بالاعتقال والسجن، بل بإطلاق النار عليهم أحيانا.
وإذا كان هذا هو حال الوسيلة، وهي الحوار الأمني الذي أجبر اليهود هذه السلطة على الاستمرار فيه، فهي وسيلة فاشلة باطلة داخلة في قول الباري عز وجل: ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾
وإذا كانت وسيلة الجهاد قد أثبتت جدواها، مع ضعف رجالها المادي، وقلة المال والسلاح، وقلة الناصر من البشر، وكثرة المناوئ منهم، فإنها الوسيلة التي يجب الحرص عليها واستمرارها، وهي الوسيلة النافعة الباقية التي لا يمكن استرداد الحق الذي اغتصبه اليهود إلا بها، وهي داخلة في قول الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾
ولهذا نقول للمجاهدين في الأرض المباركة الذين تدبر لهم بعض أجهزة الاستخبارات الفلسطينية والعربية واليهودية والأمريكية، المكايد للقضاء عليهم:
ثقوا في نصر الله لكم مهما عظم الابتلاء، وتيقنوا أن العاقبة ستكون لكم بإذن الله، وأن موقفكم هو الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض، وأن مواقف غيركم من المهزومين والمستسلمين للعدو، هي الزبد والجفاء الذي يذهب ممزقا لا بقاء له، مهما انتفش وطغى:
﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)﴾ [المائدة]

ونحن على ثقة ويقين أن جموع الغثاء والجُفاء الزائلة لا تخيفكم كما لم تخف قبلكم قدوتكم من أهل هذا الطريق العظيم:
﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾ [آل عمران]

ونحن على ثقة ويقين أن العاقبة ستكون لكم لا لغيركم ممن يحارب الجهاد والمجاهدين:
﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41)﴾ [الحج]

كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل

الصفحة الرئيسة    |    صفحة الشيخ