العقبات التي تعترض الدعوة في أوربا
وأقسامها.
وبعد هذا أعود لأسرد العقبات التي
تعترض انتشار الإسلام وتقلل من تأثير الدعوة إليه في الغرب، وهذه العقبات
قسمان:
القسم الأول: يعود إلى المسلمين
أنفسهم.
وألخصه في النقاط الخمس الآتية:
النقطة الأولى:
القدوة السيئة التي يراها الأوربي في كثير من المسلمين في البلدان الأوربية
نفسها، حيث إن الجاليات يغلب عليها الجهل بالإسلام غير ملتزم كثير من أفرادها
وأسرها بآدابه، بل بعضهم لا يقر بمبادئه ولا يؤدي شيئا منها، إضافة إلى صفات
سيئة يتصفون بها ينفر منها الأوربي، مثل خلف الوعد والكذب والغش.
وكذلك ما يرون وما يسمعون من القدوة السيئة في المسلمين في بلدانهم التي هي
معدن الإسلام ومنبعه، وعدم وجود نموذج صحيح يؤكد لهم في عالم الواقع ما يدعيه
المسلمون من المبادئ السامية في الإسلام: الإيمانية والعبا دية والاجتماعية
والسياسية والإدارية وغيرها.
ولقد قال لي أحد المسلمين الجدد: إننا نأسف عندما نرى الرجل يأتي من البلدان
الإسلامية، وهو يمسك السبحة بيمينه وكأس الخمر بشماله أمام فندق هلتن
النقطة الثانية:
ندرة الدعاة المؤهلين: علما وعملا وقدرة على التأثير، ومعرفة أحوال العصر
وأحوال الناس وعاداتهم وإجادة لغتهم، والصبر على ما قد يلاقيه من صعاب،
والتجرد لله تعالى في دعوته.
النقطة الثالثة:
قلة الكتب الإسلامية المؤلفة بلغة القوم في كل بلد، أو المترجمة إلى لغاتهم،
مع سلامة المعنى وحسن الصياغة وجودة الأسلوب، وبخاصة ترجمة معاني القرآن
الكريم التي أول ما يسأل الباحث عن حقيقة الإسلام عنها.
وأكثر الترجمات التي توجد في أيدي الناس ترجمات بعض المستشرقين، من اليهود
والنصارى، أو ترجمات بعض الطوائف المنحرفة المنتسبة إلى الإسلام زورا
وبهتانا، كالقاديانية.
النقطة الرابعة:
قلة الإمكانات المادية، وبخاصة المال الذي يعين بعض الدعاة المؤهلين على
القيام بالدعوة، لتنقلاتهم، أو طبع كتب ونشرها، أو طبع نشرات وتوزيعها، أو
استئجار مكان مناسب لإقامة ندوات أو محاضرات عامة، يدعى إليها الأوربيون
وغيرهم مسلمين أو غير مسلمين....
النقطة الخامسة:
كثرة التنازع بين المسلمين في أوروبا، امتدادا لخلافاتهم الموجودة في
بلدانهم، حيث يرى الأوربيون الصراع يحتدم بين المسلمين في مساجدهم ومدارسهم
ومراكزهم، إلى درجة تقتضي تدخل أجهزة الأمن الأوربية بينهم، لفصل النزاع الذي
إذا بحثت في أسبابه وجدتها في الغالب التنافس في الزعامات والأمور المادية،
وليست من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين، وإن زعم كل فريق حرصه على تلك
المصلحة، هذا مع أن هؤلاء المسلمين يقيمون بين الأوربيين الذين تتنافس
أحزابهم على الزعامات بالطرق السلمية المسماة بالديمقراطية: الانتخابات
التشريعية والانتخابات الرئاسية....
هذه أهم العقبات فيما بدا لي، وهنك عقبات أخرى قد يدخل كثير منها في بعض
النقاط السابقة.
القسم الثاني: يعود إلى لأوربيين.
وألخصها في النقاط الثلاث الآتية:
النقطة الأولى:
نفور الأوربيين من الدين من حيث هو، قياسا
على الدين النصراني الكنسي الذي أراحوا أنفسهم من هيمنته التي حالت بينهم
وبين التقدم الحضاري المادي الحالي، وهو قياس فاسد، يشبه من احترق منزله فهام
على وجهه في الأرض رافضا بناء منزل آخر خشية احتراقه، وكان يمكنهم أن يحققوا
سعادتهم في الدارين بالدخول في هذا الدين، ولكنهم يكرهونه أشد من كراهيتهم
بقية الأديان، ولعل في النقاط الآتية ما يوضح السبب.
النقطة الثانية:
الجو المادي الذي يسيطر على عقول الأوربيين واهتمامهم بملإذ الجسد ومتع
الحياة الدنيا، والهرب من الإيمان وما يتعلق به، فرارا من التقيد بحلال أو
حرام، برغم إحساسهم بالخواء الروحي المقلق لحياتهم.
النقطة الثالثة:
الحملات الشديدة المتواصلة لتشويه الإسلام والتنفير منه من الجهات الآتية:
الجهة الأولى:
المستشرقون في القديم والحديث، وأساليبهم في تشويه الإسلام معروفة، وإن كان
بعض المستشرقين في الوقت الحاضر أكثر إنصافا من المستشرقين السابقين الذين
كانوا يخدمون الاستعمار والتنصير…
فهم يحرفون معانيه، ويشككون فيه ويتصيدون بعض المعلومات الدخيلة، في كتب
التاريخ أو كتب التفسير المليئة بالإسرائيليات، ليلصقوها بالإسلام، ويتبعون
المتشابه ويتركون المحكم، ليلبسوا الحق بالباطل، ويفسرون الإسلام بتصرفات بعض
المسلمين المخالفة له، ولو كان أهل هذه التصرفات أعداء للإسلام محاربين له.
وقد التقيت عددا من المستشرقين في البلدان الأوربية التي زرتها وحاورتهم في
بعض هذه الأمور، ووجدت الكثير منهم سائرين في خط أساتذتهم السابقين.
ومن عجائب الأمور أنهم يقولون للناس: إن تصرفات حكام المسلمين، مهما اختلفت
وجهات نظرهم، هي اجتهادات في إطارا لإسلام.
وعندما سألتهم عن تصرفات حكام الشعوب الإسلامية الذين يحاربون الإسلام،
كالشيوعيين وغيرهم من العلمانيين وأمثالهم، هل تعدون تصرفاتهم من الإسلام
الذي يحاربونه؟ قالوا: نعم!، وبعضهم أظهر الاقتناع بأن تصرفات المسلمين التي
تخالف الإسلام ليست منه، بعد نقاش طويل.
ويشوه المستشرقون الإسلام في ساحات واسعة من أوروبا وفي قطاعات كبيرة أكثر من
غيرهم، ومن وسائلهم في ذلك الإذاعة، والتلفاز، والجريدة والمجلة والكتاب،
والمحاضرات، ومراكز البحث، والندوات والمؤتمرات...
الجهة الثانية:
المنصرون من القسس وغيرهم، ولهم كذلك وسائلهم المتنوعة التي يشوهون عن طريقا
الإسلام في كل مكان.
الجهة الثالثة:
دور التعليم من المدارس الابتدائية إلى المعاهد العليا والجامعات، عن طريق
المناهج والمواد المقررة والكتب والمدرسين.. وقد حاول بعض المسلمين مع بعض
المسؤولين في بعض الدول الأوربية، تصحيح ما في الكتب المدرسية من أكاذيب على
الإسلام وتشويه له، وأظهروا احتجاجهم على ذلك، وكتبوا كل الأخطاء التي ظهرت
لهم وسلموها لأولئك المسؤولين ووعدوهم بإعادة النظر فيها.
الجهة الرابعة:
التشويه المستمر الماكر المتعمد، من أجهزة الإعلام الغربية كلها يوميا، وهي
لا تفتأ تقول للناس: إن كل المشكلات التي تنزل بالمسلمين، من خلافات وحروب
وفقر وتأخر، إنما سببها الإسلام، يفعلون ذلك بأساليب خبيثة، فقد يتحدثون عن
بعض موضوعات الإسلام، كالصلاة أو غيرها، ثم يعرضون صورة من صور المعارك بين
إيران والعراق، ليثبتوا في إذهان الناس أن هذا هو الإسلام وهؤلاء هم المصلون،
وقد يجدون بعض الفسقة أو الملحدين أو العلمانيين من المنتسبين إلى الإسلام،
فيعدون لهم برامج إعلامية يفسرون بها الإسلام بحسب أهوائهم، للقدح في هذا
الدين، ونفي ما فيه من محاسن، وكثيرا ما يكون ذلك عن طريق الحوار الذي يجذب
السامع ويجعله يخرج بنتيجة سيئة عن الإسلام والمسلمين، وبخاصة إذا كان الحوار
عن طريق التلفاز، ولليهود دور كبير في تشويه صورة الإسلام عن طريق وسائل
الإعلام.
وليس للمسلمين في مقابل ذلك أي وسيلة توصل حقائق الإسلام إلى الناس أو تدفع
عنه تلك الأكاذيب!
وجدت في الآونة الأخيرة بعض القنوات الفضائية تعد برامج خاصة بنشر حقائق
الإسلام والرد على الشبهات، نرجو أن توفق في الجد في ذلك، وفي القدرة على
أداء وظيفتها وعلى الاستمرار في ذلك، وأن لا تنحرف عن الطريق الصحيح في
القيام بالبلاغ المبين.
الجهة الخامسة:
الدول الأوربية التي تدعم المستشرقين والمنصرين وكل الجهات السابقة وغيرها،
بكل إمكاناتها لتشويه الإسلام والمسلمين والتنفير منه.