زيارة الأستاذ المودودي. الخميس
الموافق 29/8/1398هـ الأربعاء 28/8/1398هـ
سمعت – وأنا طالب –عن الأستاذ
المودودي –عندما جاء إلى المدينة المنورة للاشتراك في مجلس الجامعة الإسلامية
– وأظن أنه كان في سنة 1383هـ ولم أهتم بالرجل ، لأني لم أكن ملما في تلك
الأيام بما يغريني بلقائه .
ولكني بعد ذلك قرأت للرجل كثيرا من كتبه التي ترجمت إلى اللغة العربية ،
فأعجبت به وندمت على عدم لقائي به .
وجاءت الفرصة التي لم أكن أتوقعها أو أفكر فيها ، ولكن الله هيأها ،
فانتدبتني الجامعة الإسلامية لحضور " مؤتمر علماء الاجتماع المسلمين " في
مدينة " إنديانا بولس " في الولايات المتحدة الأمريكية في العام المذكور
أعلاه ، وطلبت من الجامعة أن يكون خط السير هكذا : المدينة –جدة –لندن –
نيويورك – إنديانا- ديترويت- شيكاغو-
لوس أنجلوس – طوكيو-هونغ كونغ –كراتشي-لاهور-
كراتشي – جدة -
المدينة – رغبة مني في التعرف على أحوال المسلمين في تلك البلدان .
وقد دونت ما كتبته عن هذه الرحلة في أول مجلد من " سلسلة في المشارق
والمغارب" وأعتبر هذه الرحلة ورحلتين بعدها مقدمات لما كتبته بعد ذلك من
الرحلات التي شملت أكثر من خمسين بلدا ، لأني اكتسبت خبرة استفدت منها في
الرحلات الأخرى .
ونزلت في مدينة المنصورة " مقر الجماعة الإسلامية في لاهور " بإلحاح من الشيخ
طفيل محمد أمير الجماعة .
وكان من ضمن البرامج التي أعدتها لي الجماعة زيارة الأستاذ المودودي الذي
كنت في غاية الشوق للقائه .
وبعد أن صلينا الظهر وتناولنا طعام الغداء، وكان معنا الأستاذ خليل
الحامدي، نمنا إلى أن إذن لصلاة العصر، صلينا العصر في مسجد الجماعة، ثم
ذهبنا لزيارة الأستاذ المودودي في داخل المدينة، وكان وصولنا إلى
منزله في تمام الساعة السادسة مساء، وكان عنده بعض الزوار، ولم ننتظر في غرفة
الانتظار إلا دقيقتين تقريبا، فخرج الذين كانوا عنده، ودخلنا نحن إلى الغرفة
الصغيرة التي انطلقت منها صيحات إنذار الأستاذ المودودي منذ أكثر من ثلاثين
سنة، وفيها ربى رجاله الذي رأى فيهم ثمار تربيته في حياته، لم أكن قد رأيت
الأستاذ المودودي شخصيا على رغم أنه زار الحجاز وزار المدينة المنورة وأنا
موجود فيها، عندما كنت طالبا بالجامعة الإسلامية في كلية الشريعة بها التي هي
أول كلية أنشئت بالجامعة الإسلامية، لأني في تلك الفترة لم أكن قد قرأت كتب
المودودي بإمعان، وإن كنت مررت مرورا سريعا ببعضها، ولكني بعد ذلك قرأت غالب
كتبه فرأيت فيها عمق التفكير وتشريح الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية،
وبيان الجذور التي أثمرت هذا الواقع داخلية كانت أم خارجية، ثم الدعوة إلى
تغيير هذا الواقع الأليم، بأسلوب الإسلام في الدعوة والتربية والتكوين وإقامة
راية الإسلام، بإقامة نظامه الذي طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
ومن سار بعدهم على هديهم.
كما سمعت عن المودودي أنه يطبق ما يدعو إليه فعلا، فتعرض للمخاطر والمضايقات
والسجون والمعتقلات، وهو واقف كالجبل الأشم الذي لا تحركه عواصف الامتحان
والابتلاء، من قبل قوم أذاقوا المسلمين وبالا وشعوبهم فناء، كل ذلك جعلني
أشتاق للقاء عملاق الفكر الإسلامي الذي أنجب أمة عاهدته على السير في طريقه
الذي هو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، ألا وهو الدعوة إلى الله على بصيرة
مع الصبر على الأذى مهما كان ذلك الأذى.
دخلنا غرفة الأستاذ المودودي، وهو يقعد على كرسي عادي، بجانبه بعض الكراسي
المشابهة للزوار، فسلمنا عليه ورحب بنا، وجعلت أحييه وأنا أنظر إلى هذه
الغرفة التي ملئت بالمصادر الإسلامية باللغة العربية والإنجليزية والأردية،
وعن يساره من الجهة الشمالية الشرقية من الغرفة يوجد الباب الذي يدخل منه
ويخرج إلى غرفة نومه ومنها إلى هذه الغرفة، وعندما سألناه عن حاله أجاب
بقوله: الحمد لله، اشتدت عليّ الآلام من مدة سبعة شهور حيث أشعر بأني مشلول
النصف الأسفل.
وعمر الرجل خمس وسبعون سنة، كان أغلبها في جهاد وكفاح مريرين، ولا زال الرجل
يجاهد ويكافح، إذ يقضي ثماني عشرة ساعة يوميا في العمل كما أفادنا الأستاذ
خليل الحامدي.
وكانت عندي بعض الأسئلة تتعلق بنقد بعض العلماء في الباكستان للمودودي كنت
أود أن أساله عنها، ولكنه في تلك الحال لا يتحمل كثرة النقاش وإطالة الكلام،
وكان يتكلم معنا باللغة العربية وإن كان فيها ثقل فهي مفهومة، وسئل الأستاذ
المودودي أن يقدم نصيحة لنا وللمسلمين فلم يزد على وصية الله للأولين
والآخرين، وهي تقوى الله وخشيته في السر والعلانية.
وتخفيفا عن الرجل استأذنا لندعه يستريح فإذن لنا ودعا لنا بخير، وبعد أن
خرجنا وأردنا أن نركب السيارة جاءنا مدير مكتبه الخاص الذي لم يكن موجودا من
قبل، يطلب منا الرجوع إلى غرفة الاستقبال لنتناول الشاي أو البارد، وكان ذلك
بطلب من الأستاذ المودودي، الذي قال لمدير مكتبه اعتذر لي منهم لخروجهم من
عندي قبل أن يتناولوا شيئا، ولا بد أن يُقدم لهم شيء، فحققنا رغبة الأستاذ ثم
خرجنا.
وسألت الأستاذ خليل الحامدي عن الدار التي يسكن فيها الأستاذ المودودي بأسرته
أهي ملك له أم مستأجرة؟ فأجاب عندما انفصلت باكستان عن الهند أقام أعضاء
الجماعة الإسلامية المخيمات في مدينة لاهور، ثم استأجرت الجماعة هذه الدار
منذ ثلاثين سنة، وأخذ الأستاذ المودودي شقة منها لأسرته وكان يعطي الجماعة
أجرتها سنويا، وعندما ارتفعت الأسعار كان هو يزيد باستمرار، ويقول: كما يزيد
الناس في الأجرة فأنا يجب أن أزيد.
وفي عام 1973م اشترى المودودي المنزل فأصبح ملكا له، بعد أن اشترى للجماعة
الأرض التي أقيمت عليها مدينة المنصورة حاليا.
وقد تنازل الأستاذ المودودي عن إمارة الجماعة بصفة رسمية، ولكن الجماعة لا
زالت تتجمع حوله كما يتجمع خلايا النحل على اليعسوب يستشيرونه في أمورهم
المهمة، وهو ينصح ويشير .
ولقد نقل إلينا نبأ وفاة مجدد القرن الرابع عشر الهجري عملاق الفكر الإسلامي
المجاهد في سبيل الله العلامة الشيخ أبي الأعلى المودودي رحمه الله في يوم 22
سبتمبر 1979م. حيث وافته المنية في أحد مستشفيات نيويورك، وقد نقل جثمانه بعد
ذلك بثلاثة أيام حيث صلى عليه في كراتشي وإسلام أباد ما يقارب مليونا من
المسلمين.
وقد هز نبأ وفاته العالم الإسلامي كله، وقد وجهت خطاب تعزية لأمير الجماعة
الإسلامية الأستاذ طفيل محمد، بعد سماع نبأ وفاته كما أنشأت قصيدة في رثائه
رحمه الله بعنوان: (غوثاه) وسيأتي نصها في حلقة قادمة.
وكانت وفاته في وقت إعدادي هذه المذكرات للطبع، رحمه الله رحمة واسعة.
الخميس الموافق 29/8/1398هـ
بعد أن تناولنا طعام الإفطار تم
اللقاء مرة أخرى بالأستاذ خليل الحامدي الذي زودنا ببعض مؤلفات الأستاذ
المودودي.
نبذة موجزة عن حياة المودودي
1_ ولادته:
ولد بمدينة أورنك أباد في ولاية حيدر أباد في أسرة هندية فاضلة اشتهرت بالدين
والفضل والعلم.
2_ تعليمه:
التحق بمدرسة دينية في سن الحادية عشرة، وقد كان والده على ثقافة عالية، رفض
هذا الوالد أن يرسل أولاده إلى المدارس الإنجليزية ومنهم المودودي، ولم يتمكن
المودودي من إكمال تعليمه وحصل على الشهادة الثانوية فقط، لتدهور صحة والده
بسبب إصابته بالشلل فانصرف إلى خدمة والده وتعلم منه في المنزل اللغات
الأردية والعربية والفارسية والإنجليزية، ولم تطل حياة هذا الأب الفاضل ففقده
المودودي في يفاعته وهو في السادسة عشرة من عمره.
3_ أهم أعماله:
تولى منصب رياسة التحرير في كبريات صحف الهند مثل (تاج) و(مسلم) وصحيفة
الجمعية في دلهي، ثم أصدر مجلته الشهيرة بترجمان القرآن عام 1923م وقدم على
صفحاتها تصورا واضحا للإسلام، ولكنه خطا خطوات أعظم آثارا في ميدان العمل
الإسلامي، بإيجاد تجمع حركي يتمثل هذا التصور الواضح للإسلام في حياته
الواقعية، وأول خطوة خطاها في هذا السبيل إنشاؤه (دار السلام) عام 1938م بدأت
هذه الدار بأربعة رجال شاركوه في تبني الفكرة، وأخذ العدد يتزايد يوما بعد
يوم، مما شكل خطرا على المودودي نفسه، وبدأت حملات مكثفة للنيل منه شأن كل
داعية يكون له أثر في دنيا الناس، كما أرجف به المرجفون وجسموا له المخاطر
التي ستحيق به إن هو واصل السير في هذا الميدان الإسلامي، فقال قولته الشهيرة
الفياضة بروح اليقين والثقة بالله، قال:
وهل خفي عني كل ذلك عندما أقدمت، لقد أعددت
للشدة يقينا وللمعوقات دينا، وللظلم صبرا، وللسجون قرآنا وذكرا، وللمشانق:
{وعجلت إليك ربي لترضى...} هذا اليقين
والإيمان هو الذي يقف في وجه الطغيان المائج الهائج، ولا يقدر على ذلك من لا
يملك هذه الروح وهذا الإيمان والتجارب أمامنا أكبر برهان.
تعرض المودودي للسجون واعتبرته السلطات الحاكمة خطرا عليها، فشددت الرقابة
عليه وزجوا به في السجن في أكتوبر عام 1948م وأطلق سراحه في 28من مايو سنة
1950م ثم قبض عليه في 28من شهر مارس عام 1953م عندما كتب كتابه (المسألة
القاديانية) ثم أطلق سراحه في 7من مايو في نفس ألسنة، ثم اعتقل مرة أخرى في
العام نفسه وقدم إلى محكمة عسكرية حكمت عليه بالإعدام شنقا، وحين سمع
المودودي الحكم وقف في ملابس الإعدام وخاطب ابنه قائلا
(لا تضطرب يا بني.. لو ناداني ربي إلى جواره
وحانت لحظات اللقاء فعلى الإنسان أن يذهب للقاء ربه مسرورا، وإذا لم يصدر
حكمه عز وجل في هذا الأمر، فلن يشنقوا لي إصبعا واحدا رغم كل من شنقوهم من
قبل). واهتز العالم الإسلامي لنبأ هذا
الحكم وانهالت برقيات الاحتجاج وتدخلت حكومة المملكة العربية السعودية في ذلك
الوقت، فخفف الحكم إلى السجن المؤبد وحين طلب منه أن يلتمس العفو رفض في عزة
المؤمن بالله قائلا: (إن تعليقي على
حبل المشنقة أهون عليّ من أن أطلب العفو من أناس يعرفون جيدا ما هي التهمة
الموجهة ضدي)
وفي هذا السجن أكمل تفسيره الشهير (بتفهيم القرآن) في سبعة مجلدات.
وفي سنة 1955م صدر حكم بالإفراج عنه وعن زملائه، ثم في عام 1967م اعتقل مرة
أخرى لمدة شهرين ثم أطلق سراحه، هكذا كانت حياة المودودي سلسلة متصلة الحلقات
من الكفاح الطويل والنضال المرير.
وألف مجموعة من الكتب الفكرية هدف منها إلى تنقيح الأفكار وغربلة الدعوات
ومعالجة المشكلات، في الاقتصاد والاجتماع والتربية والسياسة، كما هدف إلى
إفراغ التعاليم الإسلامية في قالب عصري يلائم مدارك أهل العصر وأذواقهم مع
الاحتفاظ بالأصالة الإسلامية التي لا تميع فيها ولا جمود، وقد كشف النقاب عن
عورات زنادقة هذا العصر والمنحرفين والقاديانيين وفند مزاعم منكري حجية ألسنة
وانتقد جمود بعض علماء المسلمين وزيف أباطيل المتصوفة المنحرفين عن منهج
الكتاب وألسنة، ومعظم تراث هذا الداعية باللغة الأردية لم يترجم منه إلى
العربية إلا النذر اليسير.
عاش المودودي حياته كلها وهو يسعى لتحقيق قيام الإسلام ليحكم حياة الناس
واتخذ لذلك أساليب شتى جديرة بالدراسة الجادة للاستفادة منها، فأفكار هؤلاء
المفكرين ليست هي النهاية في التصور الإسلامي الواعي، ولكنها منافذ معرفة
وفكر يدخل منها الجيل الإسلامي المنشود ليشيد البناء وليتمم العمل وليكمل
النقص، أما الوقوف عند هذه الأفكار واعتبارها النهاية القصوى في المعرفة
والفكر، فذلك لا يعدو أن يكون تقليدا أعمى على غرار التقليد المذهبي المتعصب
الجامد الذي أمات روح الابتكار ووقف بالمد الإسلامي عند اجترار أفكار من سبق،
فكانت كارثة عظيمة لا تخفى نتائجها في كل الظواهر، فعسى أن لا تكرر المأساة
مع العاملين في الحقل الإسلامي، وأن يأخذوا العبرة ويطوروا من أساليب العمل
للإسلام.
نال المودودي الرضا في جميع الأوساط الإسلامية، ونهل الشباب والعلماء من بحر
أفكاره ولا تزال كتبه ورسائله ومحاضراته معينا فكريا غزيرا، وقد توجته
المملكة العربية السعودية بجائزة الملك فيصل العالمية، تكريما منها له على
جهوده العظيمة في مجال الجهاد والفكر والعمل الإسلامي في شتى المجالات، وفي
يوم السبت الأول من ذي القعدة ،الثاني والعشرين من سبتمبر عام 1979م توفي
المودودي بعد أن خلف تركة ضخمة في خدمة ميراث النبوة، جزاه الله عن كل ما قدم
خير ما يجزي عباده الصادقين، ورزق الله المسلمين خير خلف لخير سلف وإنا لله
وإنا إليه راجعون.
(غوثاه)
غَوْثَاهُ يَا رَبِّ لِلإِسْلاَمِ غَوْثَاهُ
،،،،،،،،،،،، فَكَمْ مِنَ الْكَيْدِ يَا
الله يَلْقَاهُ
وَمَا أَقَلَّ الأُولىَ يَحْمونَ حَوْزَتَهُ
،،،،،،،،،،، مِنَ الْعَدُوِّ الَّذِي مَا كَلَّ
مَسْعَاهُ
هَذِي يَهُودُ طَغَتْ فِي الأَرْضِ عَاتِيَةً
،،،،،،،،،،،،،،،،، وَهُمْ أَذَلُّ عِبَادٍ
أَوْجَدَ اللَّهُ
عَاثُوا فَسَاداً بِأَرْضِ الرُّسْلِ بَلْ فَسَقُوا
،،،،،،،،،، فِي قِبْلَةِ الْمُصْطَفَى
الأُولىَ وَمَسْرَاهُ
وَلِلنَّصَارَى عَلَى الإِسْلاَمِ غَارَتُهُمْ
،،،،،،،،،،،،،،، وَكُلُّهُمْ بَالِغٌ فِي
الْكَيْدِ أَقْصَاهُ
وَالْمُلْحِدُونَ وَأَهْلُ الزَّيْغِ مَا فَتِئُوا
،،،،،،،،،،،،،،، يُهَاجِمُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ
أَعْلاَهُ
قَدْ أَغْرَقُوا الْجِيلَ فِي طُوفَانِ بَاطِلِهِمْ
،،،،،،،،،،،،،،،، فَصَارَ مَعْبُودُهُ مَا
كَانَ يَهْوَاهُ
وَغَايَةُ الْخَلْقِ أَضْحَتْ عِنْدَهُ عَبَثاً
،،،،،،،،،،،،،، رِضَا الإِلَهِ الَّذِي مَا كَانَ
أَغْلاَهُ
هَانَتْ عَلَيْهِ عُلاَ أَجْدَادِهِ فَهَوَى
،،،،،،،،،،،،،،،،،، إِلىَ رَذَائِلِ مَنْ
بِالْفِسْقِ وَلاَهُ
وَبَعْضُ مَنْ نُسِبُوا لِلْعِلْمِ قَدْ خَضَعُوا،،،،،،،،،،،،
يَحْدُوهُمُ الْخَوْفُ ثُمَّ الْمَالُ وَالْجَاهُ
لَكِنَّ أُسْدًا لِهَذَا الدِّينِ قَدْ وَقَفَتْ
،،،،،،،،،،،،، تُهْدِي الْحِمِامَ لِمَنْ يَطْغَى
وتَهْوَاهُ
وَلِلْفَقِيدِ أَبِي الأَعْلَى الإِمَامِ هُنَا
،،،،،،،،،،،،،،، مِضْمَارُ سَبْقٍ عَلَى
الأَقْرَانِ وَافَاهُ
رَأَى الْمَصَائِبَ بِالإِسْلاَمِ نَازِلَةً
،،،،،،،،،،،، مِنْ كُلِّ صَوْبٍ وَخَلْقُ اللهِ
قَدْ تَاهُوا
فَشَامَ سَيْفَ الْهُدَى فِي وَجْهِ مُغْتَصِبٍ
،،،،،،،،،،،،،، عَاتٍ وَمُسْتَعْبَدٍ فِي
الشَّعْبِ وَالاَهُ
وَقَامَ يَدْعُو إِلَى الإِسْلاَمِ مُصْطَبر ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عَلَى أَذَى الْقَوْمِ مُعْتَزًّا بِتَقْوَاهُ
كَانَ انْطِلاَقُ الْفَتىَ فِي الْفِكْرِ مُسْتَنِداً
،،،،،،،،،،،،،،،،، إِلَى الْعَقِيدَةِ (
رُكْنِ الْحَقِّ) مَبْدَاهُ
وَلَيْسَ يَعْدِلُ بِالْوَحْيَيْنِ غَيْرَهمُاَ
،،،،،،،،،،،،،،،، مَا دَامَ يُوجَدُ فِي
الْوَحْيَيْنِ مَرْمَاهُ
يَرَى الأْئِمَّةَ أَعْلاَماً وَرَمْزَ هُدًى
،،،،،،،،،،،،،،،،، يُفِيدُ مِنْهُمْ إِذَا أَفْتىَ
فَتَاوَاهُ
لَكِنَّهُ يَكْرَهُ التَّقْلِيدَ مُلْتَزِما
،،،،،،،،،،،،،،،،،،، هُدَى الإِلَهِ الَّذِي
التَّقْلِيدُ نَاوَاهُ
وَكَانَ فِي فَهْمِهِ عُمْقٌ يَفُوقُ بِه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، مُعَاصِرِيهِ الأُولَى
تَاقُوا لِعَلْيَاهُ
غَاصَتْ مَدَارِكُهُ فِي كُلِّ مُعْتَركٍ
،،،،،،،،،،،،،،،،،،، مِنَ الْحَيَاةِ، فَأَنَّى
سِرْتَ تَلْقَاهُ
وَلَمْ يَكُنْ فِي سَبِيلِ اللهِ تَأْخُذُهُ
،،،،،،،،،،،،،،،،،، مَلاَمَةُ النَّاسِ
وَالرَّحْمَنُ مَوْلاَهُ
كَمْ حَاوَلُوا صَدَّهُ عَنْ نَشْرِ دَعْوَتِه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،، فَمَا انْثَنىَ، بَلْ
تَوَلَّى أَمْرَهُ اللَّهُ
قَالُوا: اسْجُنُوهُ فَزَادَ السِّجْنُ قُوَّتَه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،، قَالُوا: اقْتُلُوهُ فَقَالَ
اللَّهُ أَلْقَاهُ
رَبَّى رِجَالاً عَلَى الإِسْلاَمِ َتْرْبِيَةً
،،،،،،،،،،،،،،،،، فِيهَا الدَّلِيلُ عَلَى مَا
اللَّهُ أَوْلاَهُ
بِهِ أَحَاطُوا عَلَى حُبٍّ وَتَضْحِيَةٍ
،،،،،،،،،،،،،، كَمَا أَحَاطَتْ بِيَعْسُوبٍ
خَلاَيَاهُ
كُلُّ الْفِئَاتِ انْضَوَتْ فِي ظِلِّ دَعْوَتِهِ
،،،،،،،،،،،، عَلَى الإِخَاءِ الَّذِي الرَّحْمَنُ
يَرْضَاهُ
هَذَا طَبِيبٌ، وَذَا قَاضٍ، وَغَيْرُهُمُ
،،،،،،،،،،،،،،،، مِنْ عَامِلِين وَمَنْ
أَغْنَاهُمُ اللَّهُ
وَأَلْهَبَ الرُّوحَ فِي الأَتْبَاعِ فَانْطَلَقُوا
،،،،،،،،،،،،،، مَا فِي الصَّوَارِيخِ
لِلأَتْبَاعِ أَشْبَاهُ
رَاحُوا يَرُومُونَ تَغْيِيراً لِوَاقِعِنَا
،،،،،،،،،،،،،،،، مِنَ الْخُمُولِ وَمِنْ ذُلٍّ
أَلِفْنَاهُ
إِلَى النُّهُوضِ بِهَذَا الْجِيلِ حَيْثُ غَدَا
،،،،،،،،،،،،،،، هَمَّ الْفَقِيدِ إِلَى أَنْ
زَارَ مَثْوَاهُ
وَكَانَ يُعْلِنُ أَنَّ الدِّينَ لَيْسَ كَمَا
،،،،،،،،،،،،،،، يَرَاهُ شَيْخُ الزَّوَايَا فِي
زَوَايَاهُ
بَلْ مَنْهَجٌ لِحَياةِ النَّاسِ أَجْمَعِهِمْ
،،،،،،،،، لاَ يَسْعَدُونَ إِذَا هُمْ عَنْهُ قَدْ
تَاهُوا
وَسُنَّةُ اللَّهِ أَنْ تُعْطَى خَزَائِنُهُ
،،،،،،،،،،، مَنْ جَدَّ فِيهَا، وَلِلْكَسْلاَنِ
أَوَّاهُ
وَغَايَةُ السَّعْيِ فِي الدُّنْيَا إِقَامَتُهُ
،،،،،،،،،،، نِظَامَ حُكْمٍ عَلَى الإِسْلاَمِ
مَبْنَاهُ
وَغَسْلُ أَفْكَارِ هَذَا الْجِيلِ مِنْ دَرَنٍ
،،،،،،،،،،، إِحْدَى وَسَائِلِهِ، وَالْغَرْسُ
عُقْبَاهُ
ثُمَّ اصْطِفَاءٌ لأَفْرَادٍ وَتَرْبِيَةٍ
،،،،،،،،،، فَسَلْكهُمْ فِي نِظَامٍ طَابَ
مَغْزَاهُ
يَلِيهِ سَعْيٌ إِلَى إِصْلاَحِ مُجْتَمَعٍ
،،،،،،،،،، يَرْضَى الشَّرِيعَةَ لاَ قَمْعٌ
وَإِكْرَاهُ
وَالْحُكْمُ إِنْ فَاتَهُ الإِصْلاَحُ كَانَ لَهُ
،،،،،،،،،،، مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي الطغْيَانُ
يَهْوَاهُ
وَالْجَاهِلِيَّةُ عَرَّاهَا بِوَاقعِهَا
،،،،،،،،،،،،،، فَبَانَ مِنْ قُبْحِهَا مَا كَانَ
عَرَّاهُ
وَصَاحِبُ الْحِقْدِ مَدْعُوٌّ لِتَوْبَتِهِ
،،،،،،،،،،، وَلِلرُّجُوعِ لإِرْثٍ قَدْ
وَرِثْنَاهُ (1)
هَذِي مَآثِرُهُ تَحْكِي مَحَامِدَهُ
،،،،،،،،،،،،، جِيلٌ قَوِيٌّ بِوَحْيِ اللَّهِ
زَكَّاهُ
وَكُتْبُهُ قد غدت نُورا يُضِئُ لَنَا ،،،،،،،،،،
دَرْبَ الْجِهَادِ الَّذِي جُيْناً أَضَعْنَاهُ
وَقَدْ أَبَانَتْ لِبَاكِسْتَانَ دَعْوَتُهُ
،،،،،،،،،،،،،، أَنَّ السَّعَادَةَ فِيمَا
اخْتَارَهُ اللَّهُ
وَقَد رَأَيْنَا ضِيَاءَ الْحَقِّ مُتَّجِهاً
،،،،،،،، لِلْحُكْمِ بِالشَّرْعِ أَزْكَى اللَّهُ
مَسْعَاهُ
لَهْفِي عَلَيْكَ أَبَا الأَعْلَى وَقَدْ فَقَدَتْ
،،،،،،،،، بِفَقْدِكَ الأَرْضُ مِصْبَاحاً
خَسِرْنَاهُ
لَوْلاَ التَّأَسِّي وَأْمْرُ الصَّبْرِ مَا جَمَدَتْ
،،،،،،،،،، لِلْمُسْلِمِ الْحَقِّ طُولَ
الدَّهْرِ عَيْنَاهُ
وَاللَّهَ نَسْأَلُ أَنْ تَغْشَاهُ رَحْمَتُهُ
،،،،،،،،،،،،، وَأَنْ يَكُونَ بِدَارِ الْخُلْدِ
مَثْوَاهُ
وَأَنْ يُوَاصِلَ جُنْدُ الْحَقِّ رِحْلَتَهُ
،،،،،،،،،،،،، حَتىَّ يُحَقِّقَ لِلإِسْلاَمِ
مَرْمَاهُ
تَابِعْ طُفَيْلُ خُطَا الْعِمْلاَقِ مُرْتَقِياً(2)
،،،،،،،،،، بِالصَّحْبِ فَوْقَ ذُرَا
نَصْرٍ تَمَنَّاهُ
وَقُلْ لَهُمْ عَهْدُنَا مَا زَالَ مُنْعَقِداً
،،،،،،،،،،،،، فَتَابِعُونِي عَلَى عَهْدٍ
عَقَدْنَاهُ
وَفِي مَمَاتِ رَسُولِ اللَّهِ مُعْتَبَرٌ
،،،،،،،،،، لِمَنْ تَأَسَّى كَمَا الصِّدِّيقُ
أَبْدَاهُ
غَوْثَاهُ يَا رَبِّ لِلإِسْلاَمِ غَوْثَاهُ ،،،،،،،،،،،،
بِرَكْبِ أَمْثَالِ شَيْخٍ قَدْ فَقَدْنَاهُ
===================
(1)
لقد نال الأستاذ المودودي ما نال غيره من الأذى من في سبيل الله ، وهذا أمر
معروف مألوف في حياة الأنبياء والدعاة إلى الله من أتباعهم.
ومن الغرائب أن يجتمع على عداوته ، اليهود والنصارى والوثنيون ، وغلاة
المتصوفة ، ومتعصبو المذاهب الفقهية ، والعلمانيون ، و " بعض الناس " الذين
بلغ بهم الأمر إلى درجة التكفير في أمور اجتهادية ، يصيب فيها العالم ويخطئ ،
هذا الأذى الصادر من المنتسبين إلى الإسلام أمر غير طبيعي ، وهو يخدم أعداء
هذا الدين ويهدم جسور الدعوة والدعاة . وقد ذكرت نبذة أوسع لحياة المودودي في
كتابي " الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته " في مبحث " نماذج يقتدي بها
السائرون " فليعد إليه من شاء من إخوتي القراء .
( 2 )
كان طفيل هو أمير الجماعة في ذلك الوقت .
وقد خلفه قاضي حسين الذي كان حينئذ رئيس مجلس شورى الجماعة .