بعثتني الجامعة الإسلامية في مهمة رسمية في بداية الثمانينات الميلادية –
يغلب على ظني أنها سنة 1981م - إلى مدينة ميونخ الألمانية، لزيارة المركز
الإسلامي فيها، إذ كان الدكتور على جريشة المصري الأستاذ في الجامعة
الإسلامية، معارا للعمل في المركز المذكور، وكان رئسا له، وبعد صلاة الظهر في
جامع المركز، اصطحبني الدكتور جريشة إلى منزله، لتناول طعام الغداء، وهناك
رأيت رجلا ملتحيا نحيف الجسم، متوسط طول القامة، قابلني بابتسامة، وصافحني
بحرارة، وطلب مني أن أقعد في المقعد الذي كان يجلس عليه.
وقع في نفسي أن هذا الرجل لا بد أن يكون قد عرفني من قبل، وأني قد نسيت
اجتماعي به، فسألت الدكتور علي بن محمد جريشة: من هذا الشيخ يا دكتور؟
قال: هذا الأستاذ مصطفى مشهور، من كبار الإخوان المسلمين، وهو عضو في مكتب
الإرشاد، ودم اجتماعي بالرجل ما يقارب ساعتين، تخللها تناول الغداء...
تبين لي من الرجل شدة تواضعه غير المتكلف، وعلو حسن خلقه، وشدة غيرته على دين
الله، والاهتمام البالغ بالدعوة إلى الله، وهداية البشر، وللشباب المسلم عنده
الأولوية في ذلك كله.
وعندما علم أنني من أساتذة الجامعة الإسلامية في مدينة المصطفى صلى الله عليه
وسلم، قال: إن مهمتكم ثقيلة، ومسؤوليتكم عظيمة، لأنكم تستقبلون أبناء
المسلمين، من كل حدب وصوب، وأنتم في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، مدينة
المهاجرين والأنصار... وهذا العصر يحتاج إلى مناهج تناسبه، وعلماء على مستوى
تحدياته، ودعاة يفقهون واقعه، ومربين تتمثل فيه القدوة الحسنة لمن يربونهم،
فيجمعون في علمهم ودعوتهم وتربيتهم، بين تجارب الماضي، ومتطلبات الحاضر...
وكنت أظن أن الرجل من علماء الأزهر، لكثرة استدلاله بآيات القرآن الكريم، و
الحديث الشريف، ولكن الدكتور علي جريشة، قال لي: إنه تخرج في كلية العلوم،،،
وفي هذا الوقت القصير بان لي اهتمام هذا الرجل بحقائق الإيمان ووجوب غرسه في
نفوس الناس، وبالتزكية الربانية للشباب، وتفقيههم في دين الله.
وذكر لي الدكتور علي جريشة، أن الأستاذ مصطفى مشهور، اضطر إلى البقاء في
ألمانيا، بسبب هجمة الرئيس السادات الشرسة على الدعاة والمرشدين،،، في تلك
الفترة، وبخاصة زعماء الإخوان...
لقاء آخر في القاهرة
ثم مضى الوقت، وبدأت أفكر في تأليف كتاب
بعنوان: يتعلق بالدعوة إلى الله، ووضعت في خطته، الاجتماع بعدد كبير من علماء
الإسلام ودعاته ومفكريه، في البلدان الإسلامية وخارجها، لأحاورهم في بعض
المسائل التي رأيت أنها في حاجة إلى فقه جماعي من العلماء والدعاة.
وقد التقيت بحمد الله بكثير من العلماء والدعاة الذين سجلتهم في قائمة البحث،
في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، من البلدان الإسلامية وغيرها...
تمكنت من حوار بعضهم، وتلقيت اعتذارا من آخرين.
ومن ضمن البلدان التي سافرت ليها مصر، فالتقيت في القاهرة، بالشيخ محمد
الغزالي، والشيخ محمد الشعراوي، رحمهما الله، و الشيخ محمد الجيوشي، عميد
كلية الدعوة وأصول الدين آنذاك...وحاولت الاجتماع بفضيلة شيخ الأزهر ولكن
مدير مكتبه اعتذر عنه، لكثرة ارتباطاته.
وطلبت من بعض الأساتذة الأزهريين، الاتصال بالأستاذ مصطفى مشهور، لتحديد موعد
معه، ليجيب عن الأسئلة المتعلقة بالبحث، فأظهر لي أن الاتصال به فيه صعوبة،
لأن مقر الإخوان مراقب، فقلت له: ليس عندي ما أخشاه من مراقبتهم، لأن اللقاء
علمي بحت، وتيسر لي اللقاء به وكان هو المرشد العام للإخوان، بعد وفاة المرشد
السابق: "حامد أبي النصر" فاستقبلني كعادته، ببشاشة ورحب بي.
ولكنه اعتذر عن الإجابة عن الأسئلة، وأحالني إلى الشيخ محمد الخطيب الذي يبدو
لي انه كان مدير مكتبه، وهو من خريجي جامعة الأزهر، فعرضت عليه الأسئلة،
واعتذر عن الرد المباشر، ووعدني بالرد عليها، وقد وفى بوعده، وأرسل لي
إجاباته مع بعض الحجاج...
كانت تلك معرفتي بالأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله،،، وقد قرأت بعض كتبه التي
تتضمن اهتماماته التي أشرت إليها من قبل... كما قرأت له كثيرا من الموضوعات
التي كانت مجلة المجتمع تنشرها... وأصبحت كتبا مطبوعة فيما بعد.
وقد أمد الله تعالى في عمره، الذي نشأ فيه داعية إلى الله، وتوفي وهو كذلك
داعية إلى الله، ونرجو الله تعالى أن يكون الأستاذ مصطفى مشهور، ممن طالت
أعمارهم وحسنت أعمالهم، وأن يكون ممن شملهم الحديث الشريف في جزئه الأول،
الذي رواه أبو بكرة رضي الله عنه، أن رجلا قال: يا رسول الله أي الناس خير؟
قال: (من طال عمره، وحسن عمله. قال فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره، وساء
عمله). رواه الترمذي برقم "2330" وقال: "قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح" و
الدارمي برقم " 2742" وذكره في مجمع الزوائد (10/203) وقال: "رواه الطبراني
في الصغير والأوسط وإسناده جيد"
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه، ويجعله في زمرة عباده
الصالحين.
ونقدم عزاءنا لأسرته وندعو الله أن يلهمهم الصبر ليكونوا ممن قال تعالى فيهم:
(( وبشر الصابرين))
كما نقدم عزاءنا لجماعة الإخوان المسلمين، الذين نرجو الله تعالى، أن يجمع
كلمتهم على الحق الذي لا وجود له إلا في كتاب الله وسنة رسوله وسيرته
المطهرة، وسيرة السلف الصالح الذين اعتصموا بحبل الله، وأن ينجيهم من التنازع
المؤدي إلى الفشل، الذي أصاب كثيرا من الجماعات الإسلامية فقلت ثمار عملها،
وأن يتعاون أهل الخبرة من الشيوخ، وذوو النشاط من الشباب على مواصلة الدعوة
والعمل، وأن يحفظهم من عدوان المعتدين.
والله حسبنا ونعم الوكيل.
12 رمضان 1423هـ 17/11/2002م