الوسيلة الثامنة: الإعلام.
والإعلام يشمل كل ما يصل إلى
الناس من رسائل، سماعا أو قراءة أو مشاهدة، أو كل ذلك مجموعا.
وهذه الوسيلة هي أعظم الوسائل سرعة، حيث يصل بعض أنواعها إلى الناس لحظة
إرسالها، كما هو الحال في رسائل المذياع، والتلفاز، والهاتف، والفاكس، والبرق
من كل أنحاء الأرض، وإلى كل بلدان العالم، كما يصل بعض أنواعها الأخرى خلال
ساعات من كل أنحاء الأرض إلى كل البلدان، إذا قصد المرسل ذلك وتوافرت عنده
الإمكانات كأشرطة الكاسيت والفيديو والصحف، من جرائد ومجلات ومنشورات، ويصل
بعض أنواعها بعد إعداده خلال أيام، ومن ذلك المنشورات والكتيبات الصغيرة، بل
الكتب التي جعلتها المطابع شبيهة بالجرائد في سرعة وصولها إلى القراء.
وقد حدثت اليوم وسيلة أخرى أسرع من جميع الوسائل، وهي: وسيلة "الإنترنت" التي
يستطيع المرء عن طريقها أن يتجول في كل أنحاء العالم في لحظات، مستقبلا أو
مرسلا، في كل ما يخطر بباله أو لا يخطر، ويستطيع الحصول على ما يريد، أو
إيصال ما عنده إلى من يريد، بالصوت والصورة والكتابة، ويستطيع أن يحتفظ بما
يريد من معلومات... كل ذلك مع قلة التكاليف التي تجعل كثيرا من الناس يتمكنون
من الإفادة أو الاستفادة من هذه الوسيلة، بدون مشقة...
وقد أصبحت القنوات الفضائية الآن تغطي غالب أجزاء المعمور.
وهناك محاولات لاستحداث وسائل أسرع
كما أن هذه الوسيلة-وسيلة الإعلام-أكثر الوسائل انتشارا وأشمل تلقيا، حيث تصل
إلى كل الناس: القارئ والعامي، المبصر والكفيف، الحاضر والبادي، كل منهم
يستطيع أن يتلقى ما يناسبه قراءة أو سماعا أو مشاهدة.
وهي كذلك أيسر من كثير من الوسائل الأخرى-كالتعليم-فإن المتعلم مثلا يحتاج
إلى ملازمة المدرسة في أوقات معينة، ويحتاج إلى كتب معينة وأساتذة معينين.
أما وسيلة الإعلام فإنها تصل إلى المتلقي وهو في منزله مشاهدة وسماعا وقراءة،
فما أيسر أن يقتني المستمع مذياعا صغير الحجم يحمله معه أينما ارتحل فيسمع
منه كل ما يريد سماعه، وكذلك يسهل عليه الحصول على شرائط كاسيت ومسجل صغير،
وحمل ذلك معه وتكرار سماعه...
وهكذا بقية أنواع الإعلام، كالصحف والمجلات اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية.
واستغلال هذه الوسيلة للوصول إلى عقول الناس، عظيم الأثر في العالم، ومن كان
أقدر على استغلالها، كان أسبق من غيره إلى إيصال أفكاره ومبادئه إلى عقول
الناس.
ولما كان طغاة الباطل في الشعوب الإسلامية هم المسيطرين على مرافقها، فقد
احتكروا هذه الوسيلة احتكارا يكاد يكون مقصورا على نشر مبادئهم وأفكارهم
لتحقيق أهدافهم ومصالحهم، ولما كان غالب حكام الشعوب الإسلامية علمانيين-كما
يصرحون هم أنفسهم بذلك-فإن وسيلة الإعلام في بلدانهم قد أعدت لنشر كثير من
الباطل وبثه وإذاعته، ومحاصرة الحق وأهله، والحجر على عقول الناس من أن يصل
إليها ذلك الحق، وإذا أذن لشيء من الحق أن يصل إلى عقول الناس، فإن الحق الذي
يؤذن له بذلك إنما هو جزء يسير لا يؤثر على مسيرة الباطل الذي هو الغالب.
وذلك الجزء اليسير من الحق يشبه قطرة طيب من العطر تلقى في بحر من القاذورات،
لا تشم لها رائحة مع روائح الباطل المز كم للأنوف. لذلك تجد أهل الباطل أسرع
سبقا، وأشمل تلقيا، وأوسع زمانا، في وصول باطلهم إلى عقول الناس، من أهل الحق
الذين لا يملكون من الإمكانات ما يملكه أهل الباطل.
مظاهر التمكين للباطل، ومحاصرة الحق في وسائل الإعلام.
ويمكننا تَبَيُّنُ مظاهر نشر
الباطل وبثه والتمكين له في وسائل الإعلام، ومظاهر محاصرة الحق وأهله والحجر
على عقول الناس من أن يصل إليها الحق عن طريق تلك الوسائل، يمكننا تبيين ذلك
من واقع وسائل الإعلام في كل البلدان التي يحارب حكامها الحق وينصرون الباطل.
المظهر الأول: إسناد الوظائف العليا إلى من يسند الباطل.
الوظائف العليا هي مراكز التوجيه
والتخطيط والمتابعة، وهي لا تسند إلا إلى من عُرِفُوا بحب الباطل ومناصرته
ومن أُشْرِبتْ نفوسهم حب الفساد ونشره في الأرض وإشاعة الفواحش ووسائلها، كما
عرفوا ببيع نفوسهم بثمن بخس لمن يمنحونهم مناصب هذه الوسيلة، واستعدادهم
الكامل ليكونوا أبواقا لهم يتلمسون-ولو من بعد-ما يرضي قادتهم، فيسخرون وسائل
الإعلام كلها لتحقيق ذلك الهدف، مبالغين في قلب الحقائق وتضليل الناس، ليصبح
الحق عندهم باطلا والباطل حقا، ويترتب على اختيار هؤلاء الموظفين الكبار
الذين هذه بعض صفاتهم، أن يجمعوا حولهم موظفين من جنسهم وعلى شاكلتهم،
يبالغون في إرضائهم كمبالغتهم في إرضاء القادة الذين اختاروهم، وبذلك تصبح
وسائل الإعلام-في الغالب-مصادر تضليل وكذب وقلب حقائق، تطرق عقول
الناس-باستمرار-بالباطل وتحول بين تلك العقول وبين وصول الحق إليها، إلا ما
ندر مما فيه مصلحة تعينهم على تثبيت الباطل، وإزالة الحق ومطاردته.
المظهر الثاني: فتح أبواب هذه الوسائل لذوي الأفكار الفاسدة.
من أبرز هذه المظاهر: فتح أبواب
هذه الوسائل كلها لذوي الأفكار الفاسدة والعقائد الكافرة والأخلاق المنحطة،
لنشر أفكارهم وعقائدهم وأخلاقهم بين الناس، وإبراز أصحاب هذه الأفكار
والعقائد والأخلاق، وإطراؤهم إطراء يجعلهم أمام عامة الناس قادة يُتَّبَعون
وزعماء يُقتَدَى بهم، ويثنى على أفكارهم وعقائدهم وأخلاقهم، مع تكرار أفكارهم
واختيار الأوقات المناسبة لنشرها، بحيث يعرض على أكبر قدر من المتلقين وهم
مستعدون لاستقبال النشر.
وبنظرة عجلى إلى شاشات التلفاز في العالم-ومنه العالم الإسلامي-وبإصغاء قليل
إلى جهاز المذياع، وبتصفح يسير في الصحف والمجلات، سترى وجوها، وتسمع أصواتا،
وتقرأ صفحات، لأمثال أولئك المفسدين الذين أفسدوا عقول الناس بأفكارهم
وعقائدهم، وجعلوهم يَسْبَحون في بحار منتنة من السلوكيات التي زينوها لهم
وساقوهم إليها سوقا عن طريق وسائل الإعلام.
إن المفكرين الذين يسيطرون على وسائل الإعلام بأفكارهم، هم العلمانيون
الذين-لا أقول: إنهم يفصلون الدين الإسلامي عن الدولة، ولكن أقول:
إنهم-يحاربون الإسلام والداعين إليه، وإن المتفلسفين الذين يلبسون ثياب
الفلسفة، ومن يسمون بالأدباء والشعراء والمثقفين الذين يشككون في الوحي
والرسالة واليوم الآخر، ويسخرون من أحكام الإسلام، وإن الإباحيين الذين يسمون
بالفنانين، من الذين ينشرون الفاحشة، ويدعون إلى الأخلاق الفاسدة والوقوع في
حمأتها، من ممثلين ومسرحيين ومغنين وراقصين وبهلوانيين وغيرهم، هؤلاء كلهم هم
الذين تفتح لهم وسائل الإعلام أبوابها، وتصفهم بالنجوم والرواد والأدباء
والكتاب، وهم الذين ضلت بهم الشعوب الإسلامية وتحطمت معنوياتها وانحطت
أهدافها حتى أصبحت فيما أصبحت فيه من الذلة والهوان والتبعية.
المظهر الثالث: نشر وسائل الفواحش وإشاعة والمنكرات.
وهذا المظهر في غاية الوضوح في وسائل الإعلام، فإن كثيرا مما تنشره تلك
الوسائل هو من المنكرات والفواحش التي تغضب الله ورسوله والمؤمنين، ولا ترضي
إلا من يحارب الله ورسوله والإسلام.
شواهد لنشر وسائل الفواحش وإشاعة المنكرات.
ومن الشواهد على نشر وسائل
الفواحش، وإشاعة المنكرات ما يأتي:
الشاهد الأول: الإكثار من الأغنيات
الماجنة
وهي الأغنيات التي تزين الفاحشة
صراحة أو ضمنا، بأصوات نساء فقدن الحياء واستمرأن السقوط في مستنقع الرذيلة،
فَيَفْتِنَّ بأغنياتهن المتضمنة للدعوة إلى المنكر، وبأصواتهن الخاضعة بقول
المنكر شبابَ الأمة وشاباتها الذين يجهلون دينهم، ولم يتربوا عليه التربية
التي تقيهم الفسق والعصيان.
وكذلك يفتنَّهم بتكسرهن وتمايلهن وبعريهن الفاضح المعد للفتنة، يشاهد ذلك
الناس في المسارح والمراقص مباشرة، أو في شاشات التلفاز في البيوت، وقل مثل
ذلك في المغنين من الرجال.
الشاهد الثاني:شغل أوقات الناس بأنواع الرقص.
والرقص يعد إعدادا يجذب إليه كل
فئاتهم: الصغار "الأطفال" والمراهقين والشباب، الرجال والنساء، الحضريين
والأعراب.
إن الذي يتتبع وسائل الإعلام التي يسيطر عليها أعداء الحق في الشعوب
الإسلامية، ليهوله ما يشاهده من كثرة الرقص والراقصين وشغل الناس بذلك
وإلهائهم به، هذا مع ما يصاحبه من عري فاضح، وبخاصة في الفتيات المراهقات،
ومن اختلاط الشبان والشابات، واحتضان بعضهم لبعض أمام الجماهير المشاهدة في
المسارح مباشرة أو على شاشات التلفاز.
الشاهد الثالث: الإشادة بأعمال مفسدي الأجيال المسلمة.
وهم الذين يسمونهم بالفنانين
والأدباء والمفكرين(وكثير منهم إباحيون) تخصص وسائل الإعلام أوقات طويلة
لإجراء مقابلات معهم، لإبراز تاريخهم المليء بالفساد الخلقي والإفساد
الاجتماعي والقدوة السيئة، وللإشادة بأعمالهم الفنية العفنة وتزيينها ودعوة
الناس إلى متابعتها والاقتداء بأساطينها العظام، الذين ينتقدون الدعوة إلى
العفة والطهر وحجاب المرأة، والبعد عن اختلاط الرجال والنساء غير المشروع،
والنهي عن خلوة الرجل بالمرأة، ويدعون إلى تعاطي كل ما يسهل فعل المنكرات
والفواحش باسم حرية المرأة، وعملها، والثقة فيها، وباسم التنمية واستغلال
الطاقات، وباسم إحياء التراث الشعبي، والبعد عن التزمت والجمود، وغير ذلك مما
يزينون به المنكر ويظهرونه في صورة المعروف، ويشوهون به المعروف ويظهرونه في
صورة المنكر، وبذلك يقلبون الحق باطلا والباطل حقا، ويضللون عقول الجهال-وما
أكثرهم-بدعاياتهم.
الشاهد الرابع:نشر حوادث المنكرات والفواحش، وقصص الغرام.
والعلاقات المحرمة-أي يشيعون
الفاحشة بين الناس-للإغراء بها والتحريض عليها، مع الصور التلفازية أو
الفوتوغرافية.
الشاهد الخامس:الأفلام المعدة لنشر وسائل الفاحشة.
وقد تكون تلك الأفلام المعدة
مكشوفة في نقل صورة الفواحش مباشرة، فلا يؤذن بنشرها في أجهزة الإعلام
الرسمية، ولكن يعطى أهلها الذين أعدوها الضوء الأخضر لنشرها وتداولها بين
الأسر وفي ملتقيات خاصة من أجل هدم الأخلاق وإشاعة قلة الحياء، وقد تكون
متضمنة للدعوة إلى الفاحشة بنشر وسائلها، كأفلام الغرام والحب التي تحرض على
الخلوة بالمرأة المتزينة المتبرجة، وتعرض ما يحصل بين المرأة والرجل من عناق
وقبلات ونظرات وتبادل كلمات غرامية ساقطة، وهذه الأفلام إما أن تنشر كما هي
في البلدان التي وصل حكامها إلى درجة من الوقاحة وقلة الحياء في محاربة
الفضائل ونشر الرذائل، وإما أن تحذف منها بعض اللقطات المثيرة خشية من انتقاد
بعض الغيورين من أبناء البلدان التي لا زال يوجد فيها من يقول كلمة
الحق-وبخاصة إذا طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، واللقطات التي تحذف في هذه
الأفلام يستطيع من يريد مشاهدتها شراء الأفلام نفسها من محلات متخصصة في
بيعها…
قد يقال: ما صلة هذه الأمور بالسباق إلى العقول؟
والجواب أن المقصود بالسباق إلى
العقول عند أهل الباطل، هو شغلها بالباطل الذي يصدها عن الحق، وهذه الأمور
كلها تؤدي إلى هذا الهدف.
فإذا راقبت كثيرا من الناس وجدت هذه الأمور قد استولت عليهم وشغلتهم وألهتهم
فلا يفكرون في الخير والفضيلة-إلا من هداه الله وتفقه في الدين واتجه إلى
الله-لأن هذه الأمور قد وضعت حواجز بينهم وبين الخير والفضيلة والتفكير فيهما
المظهر الرابع: المبالغة في شغل
عقول الناس بالرياضة.
المحلية منها-في المحافظات
والقرى-والقطرية-على المستوى القطري-والإقليمية-على مستوى مجموعة الدول
الإقليمية-والعالمية، وإبراز ذلك في جميع وسائل الإعلام: المقروءة والمسموعة
والمشاهدة.
أساليب المبالغة في شغل عقول الناس
بالرياضة.
ويتخذ هذا المظهر أساليب متعددة:
الأسلوب الأول: الإشادة بالرياضة.
وبخاصة كرة القدم-إشادة تجعلها
أعلى وأسمى-عند الناس وبخاصة الناشئة-من الجهاد في سبيل الله
[1] ، ومن ارتياد المساجد والتفقه في الدين وحفظ كتاب الله، وإذا أردت أن
تعرف مدى تأثير هذه الإشادة، فتجول في أحياء كثير من مدن المسلمين وشوارعها،
وانظر يمنة ويسرة لترى فرق الشباب والأطفال الصغار الذين يتبارون في كرة
القدم، وانظر إلى ملابسهم والشارات التي تزينها وتدل على تشجيع وتأييد
النوادي التي استولت على عقولهم، فلا تجدهم يفكرون إلا في شراء ملابس
الرياضة، واقتناء عدد من الكرات وإصلاح ملاعب في تلك الأحياء والمباراة فيها،
للوصول إلى أعلى ما يمكن من التدرب والمران، لا يملون من تضييع أوقات طويلة
في هذا العمل الذي أشربته قلوبهم، ثم فتش عن نشاطهم المدرسي ومذاكرة دروسهم
وإتقانها، فستجد كثيرا منهم أصفارا إلى اليسار، حتى يضطر المسؤولون في
المدارس إلى نقلهم من صف إلى آخر وهم لا يستحقون ذلك، فيتخرج جيل ممسوخ هو
المسؤول عن تنمية بلدان المسلمين!
وقبل ذلك تجد كثيرا من هؤلاء لا تتجه أبصارهم إلى المساجد وقد لا يصلون حتى
في منازلهم، وكل ما يتمناه أن يصبح يوما من الأيام من نجوم الرياضة التي تشيد
بها وسائل الإعلام تلك الإشادة.
ومن الإشادة بالرياضة وأهلها وجعل الناس يفتنون بها، ما تلقاه من الدعم
المالي والإنفاق السخي على النشاط الرياضي في وسائل الإعلام، حيث تأخذ فيها
حيزا واسعا وأوقاتا طويلة قبل المباراة وأثناءها وبعدها، من مقابلات مع
المسؤولين عن الأندية الرياضية والمدربين الرياضيين واللاعبين، وفي كل تلك
الأوقات الطويلة تظهر الرياضة في مظهر الأهداف العليا التي تستحق الاهتمام
والدعم من كل فئات المجتمع، وتنفق الأموال الكثيرة على وسائل الإعلام التي
تنقل ذلك للناس وبخاصة عن طريق التلفاز وبثه المباشر عن طريق الأقمار
الصناعية من أقصى نقطة في العالم أو إليها.
فإذا ما فاز فريق من فرق البلدان الإسلامية في أي مباراة، سمعت وقرأت وشاهدت
من وسائل الإعلام، من الإطراء والمبالغة في الثناء وإظهار الفرح والسرور
بذلك، ما يربو على الاحتفاء بالنصر في المجالات العليا: السياسة،
والاقتصادية، والجهادية، بل تشعر أنهم قد حققوا فَتْحا من الفتوحات الإسلامية
التي كان يحققها سلفنا الصالح، عندما كان في قمة العزة والمجد.
وترى على إثر ذلك الفوز المسيرات المزعجة في الشوارع والساحات، مع رفع
البيارق والرايات والأعلام، ومع التصفيق والرقص والتزمير بأبواق السيارات إلى
درجة إقلاق الناس ومضايقتهم في منازلهم، وطرقهم ومحلاتهم التجارية.
وبذلك ينقدح في أذهان الناس وعقولهم، أن هذا هو النصر المؤزر الذي يجب أن
يحققه شبابهم لبلدانهم التي يحتل الأجنبي اليهودي قلبها-فلسطين-دون أن تنوه
وسائل الإعلام بما يجب أن يعده له المسلمون من الجهاد في سبيل الله الذي حجبت
هذه الإشادة بالرياضة عقول الشباب من التفكير فيه.
الأسلوب الثاني: الاهتمام المبالغ
فيه بالرياضة والرياضيين.
ويتبين ذلك في الإنفاق السخي على
مرافقها، وبحضور مناسباتها افتتاحا واختتاما، واستقبال اللاعبين بالحفاوة
والتكريم وبالجوائز والهدايا التي يغدقونها عليهم، وبنقلهم في طائرات خاصة
إلى أي مكان في العالم، وإنزالهم في أفخم فنادق الدرجة الأولى-ذات النجوم
الخمسة!-ومستلزمات ذلك كله.
وهذا الاهتمام وهذا التقدير لا ينالهما كثير من المؤتمرات والندوات
والمناسبات الإسلامية في وسائل الإعلام، فيرى الأطفال والمراهقون والشباب
والآباء والأمهات ما يحظى به الرياضيون من الاهتمام والتكريم، ويرون الإهمال
أو شبهه لمن عداهم ممن هم عدة مستقبل بلدانهم، فيتمنى الصغار والمراهقون
وكثير من الشباب وأقاربهم تلك الحظوة التي تنقلها لهم وسائل الإعلام بالصوت
والصورة والسطور، وبذلك تحتل الرياضة العقول بدلا من أن تحتلها الأهداف
العليا التي تحتاج الأمة الإسلامية إلى تحقيقها لإخراجها مما هي فيه من الذل
والهوان.
ومن ذلك ملايين الدولارات لاستئجار لاعبين مشهورين بالنجاح المنشود، لينضموا
إلى فريق أو ناد لترتفع بهم سمعة الفريق أو النادي، أو مدربين أجانب من
اليهود أو النصارى ليرتقي بتدريبهم اللاعبون.
وترى في مقابل ذلك رجال الطب، والمهندسين، وأساتذة الجامعات والمتخصصين في
العلوم النادرة، كعلوم الذرة وغيرها تصرف لهم مرتبات قد لا تفي بحاجاتهم،
وترى وسائل الإعلام تبرز اللاعبين والمدربين إبرازا مستمرا مبالغا فيه، وترى
رجال العلم مغمورين لا يدري عنهم إلا الفئة الجادة القليلة التي عرفت قدرهم
وأخذت تتلقى على أيديهم علومهم، أما عامة الناس فلا يعرفون عنهم شيئا، وبذلك
يزهد الناس في هؤلاء العلماء وعلومهم، ويتجهون للاعبين والمدربين، لأن اكتساب
الشهرة باتباع طريقهم والقرب منهم سهل ميسور، فلا يتعبون أنفسهم ويكدون
عقولهم في تلك العلوم الصعبة التي لا ينالون منها الشهرة ولا المال الذين
ينالهما اللاعبون ومدربوهم؟
وبهذا تحتل الرياضة وأهلها العقول بدلا من أن تحتلها العلوم النافعة
وأربابها.!
اهتمام الكاتب بالرياضة.
هذا وليعلم أن الكاتب ليس من
المستهينين بالرياضة من حيث هي، ولا بأهلها، كيف وهو أول من جد واجتهد في
تكوين فرق رياضية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وطالب وألح على
المسؤولين فيها، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز،
باستقدام مدربين رياضيين لطلاب الجامعة ونجح في ذلك فعلا، في وقت كان بعض
العلماء يصرحون بتحريم كرة القدم لما يحيط بها من منكرات، ومن أهمها اللعب في
أوقات الصلوات وعدم أداء الصلاة حتى يخرج الوقت، ومنها كشف العورات بلبس
السراويل القصيرة وغير ذلك وسعى الكاتب-وكان مسؤولا عن شؤون الطلاب في
الجامعة إلى اشتراك فرق طلاب الجامعة في المباريات مع طلاب الجامعات الأخرى
في المملكة العربية السعودية، وحاول-ونجح-في إقامة الصلوات في داخل الملاعب
الرياضية وإدخال نشاطات أخرى مع الرياضة، منها مسابقات القرآن الكريم والسنة
النبوية والسيرة المطهرة، والنشاط الكشفي ومسابقة الشعر وغيرها، وكان لذلك
أثره في الأوساط الرياضية لا زال بعضه موجودا إلى الآن.
ولعل في ملفات شئون الطلاب القديمة في الجامعة من الوثائق ما يثبت اجتهاد
الكاتب في إدخال الرياضة في الجامعة.
أقول: إن الكاتب ليس من المستهينين بالرياضة ولا بأهلها، بل إنه يمارسها هو
بنفسه إلى وقته هذا الذي يكتب فيه هذه السطور، ويعلم ما فيها من فائدة لتقوية
الأجسام وتخفيف الوزن من السمنة المتعبة، ولكنه ضد المبالغات في الرياضة إلى
درجة إشغال الشعوب الإسلامية بها وتبديد أموالها فيها، وتكريم اللاعبين
والمدربين أكثر من تكريم علماء الإسلام والمتخصصين في العلوم النافعة لبلدان
المسلمين، بل وأكثر من الجيوش التي تحرس هذه البلدان وتدافع عنها، والإشادة
بالرياضة والرياضيين والغض من شأن الجهاد والمجاهدين، مع حاجة الأمة
الإسلامية إلى رفع راية الجهاد للدفاع عن أرضها ومقدساتها وأعراضها التي تنقل
وسائل الإعلام صورا محزنة منها، ويناشد بعضُ المسلمين أعداءَ المسلمين من
اليهود والنصارى والوثنيين-الذين هم وراء كل تلك المآسي والكوارث-أن ينصروا
المسلمين ويرفعوا عنهم ذلك الاعتداء! ويوجهون شباب المسلمين إلى الملاعب
الرياضية بدلا من توجيههم إلى إعداد أنفسهم إعدادا جهاديا يتدربون على السلاح
وصنعه مع نية التقرب إلى الله، ليدفعوا عن أعراضهم وأراضيهم.
الكاتب هو ضد هذه الحالة المزرية التي لو تنبه لها شباب المسلمين الذين
ألهتهم الرياضة وتسليط وسائل الإعلام الأضواء عليهم، لَخَجِلوا مما هم فيه
ونأوا بأنفسهم عن هذا الإلهاء والتحقوا بالمجاهدين في سبيل الله، للدفاع عن
الأعراض المنتهكة والأراضي المحتلة والمقدسات المهدمة، فهل يعي المسؤولون عن
الأمة الإسلامية، وهل يعي شبابها وشعوبها هذا الخطر المحدق الذي صرف عقولهم
عن معالي الأمور وعن العزة إلى سفاسف الأمور وأسباب الذلة ؟!
المظهر الخامس: عدم ثبات الولاء والبراء.
إن الأصل في المسلم أن يكون ثابت
الولاء للحق-لله ولرسوله وللمؤمنين-ثابت البراء من الباطل-من الشيطان
وأوليائه الكافرين-ملتزما بالإيمان الصادق والعلم النافع والعمل الصالح،
مناصرا للحق واقفا ضد الباطل في كل الأحوال، ولكن غالب وسائل الإعلام لا
عقيدة لها ثابتة، ولا ولاء لها دائم، ولا تلتزم الصدق في كثير من الأمور.
فالعدو الذي تصب عليه جام غضبها فترة طويلة من الزمن، لكفره-في نظرها-أو
عدوانه، أو فساد مبدئه أو فسقه أو سوء سياسته وقبح تصرفه، يصبح صديقا حميما
بين عشية وضحاها، وهو لا يزال على ما هو عليه من المبدأ والفسق وسوء السياسة
وقبح التصرف.
والصديق المؤمن-في نظرها-المنصف ذو السياسة الحسنة والتصرف الحميد الذي ظلت
تلك الوسائل تثني عليه وتمدحه وتبالغ في الثناء عليه ومدحه، يصبح بين عشية
وضحاها عدوا لدودا، وهو لا يزال على إيمانه وإنصافه وسياسته الحسنة وجميل
تصرفه، والعداء للأول ينقلب ولاء، والولاء للثاني ينقلب عداء، جريا وراء
إرضاء أهواء أعداء الحق المتقلبة-حسب المصالح التي يظنون أنهم يحققونها من
تلك التقلبات التي قد تكون في حقيقة الأمر إرضاء لأعداء الإسلام من اليهود
والنصارى في الدول الغربية.
وهذه التصرفات الإعلامية المتقلبة تؤثر على عقول عامة الناس، بل إنها تبلبل
عقول بعض من يظنون أنفسهم مثقفين، وتجعلها تضطرب وتوالي من والته أجهزة
الإعلام، وتعادي من عادته بشعور وبغير شعور، والذي يتابع الأحداث في تلك
الوسائل لا يخفى عليه هذا الأمر.
ولعل مثالا واحدا نذكره باختصار يكفي لإيضاح هذا المظهر، فالحكومات في الشعوب
الإسلامية ظل إعلامها-غالبا، ولو في الظاهر-يذكر دولة اليهود بالعدو المحتل،
أو العدو الإسرائيلي وينقل-هذا الإعلام-القرارات المتكررة بمقاطعة جميع
الشركات اليهودية أو المتعاملة مع اليهود-وإن كانت بعض الدول المتسلطة على
الشعوب الإسلامية تتعامل في واقع الأمر مع الدولة اليهودية مباشرة أو بوساطة
شركات-وكان-هذا الإعلام-يصرح بأنه لا مكان للعدو اليهودي في قلب العالم
الإسلامي أو العربي.
ثم جاءت فترة تراجع فيها هذا الإعلام، فأخذ يصرح بأنه لا اعتراف بالدولة
اليهودية ولا سلام إلا بانسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967م وحصول
الفلسطينيين على تقرير مصيرهم بإقامة دولتهم في أرضهم: الضفة الغربية وقطاع
غزة، على غرار ما حصل للمسلمين في الهند: باكستان الشرقية وباكستان الغربية
اللتين تفصل بينهما الهند بمسافات شاسعة كانت نتيجتها انفصال الدولتين بترتيب
هندي....
ثم انتقل الإعلام الحكومي في كثير من الدول الحاكمة للشعوب الإسلامية للرضا
بمدينة (أريحا أولا!) وبعض الأميال من غزة، مع ما زرع فيهما من مستوطنات
يهودية مسلحة، ومع إحاطة الجيش اليهودي بهما، ومع السيادة اليهودية الكاملة
عليها، وبعد الاتفاق السري بين ما سمي بمنظمة التحرير واليهود سكت الإعلام
الحكومي عن ذكر اليهود بالعدو، فلا يصف دولة اليهود إلا بما سمت به نفسها:
"إسرائيل" وأخذت وسائل الإعلام تمهد لإعلان إلغاء مقاطعة الشركات اليهودية
رسميا، أما في الواقع فقد باشرت بعض الدول هذا الإلغاء وتم لقاء مسئوليها مع
اليهود سرا أو جهرا [2].
وكان إعلام حكومات الشعوب الإسلامية يكرر كلمة: العدو الصهيوني ويتحاشى بعضه
ذكر العدو اليهودي، بل يصرح بأنا لا نعادى اليهود لأنهم أبناء عمنا، ولكنا
نعادي الصهيونية، إلا أن هذا الإعلام تخلى فجأة عن ذكر العدو الصهيوني أيضا،
إرضاء لدول الغرب التي أصدرت عن طريق الأمم المتحدة-وهي واجهة الغرب
وبوقه-قرارا باعتبار أن الصهيونية ليست عنصرية!.
وهكذا مدينة القدس كان الإعلام في الدول الحاكمة للشعوب الإسلامية يصرح بأنها
عاصمة فلسطين، وأن بيت المقدس لا بد أن يكون بأيدي المسلمين، ولكن هذا
الإعلام بدأ يفتر الآن عن تصريحاته وإن كان بعضه لا زال بين حين وآخر يذكر
القدس على استحياء.
ومما يدل دلالة واضحة أن الإعلام في الدول المسيطرة على العالم الإسلامي،
الذي لا يوجد له ولاء ثابت يرضاه الله ورسوله والمؤمنون، يصف المجاهدين في
فلسطين بالمتطرفين ويقف ضدهم في صف دول الغرب، والدول العلمانية والأحزاب
العلمانية في الشعوب الإسلامية ومنها فلسطين.
ومما يدل على ذلك أن وسائل الإعلام المذكورة لا تكاد تذكر مجاهدي الفلبين
المتمسكين بالإسلام، وهم الذين تضمهم جبهة تحرير مورو الإسلامية التي تدعو
إلى تحرير جنوب الفلبين وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيه، ويرأسها الشيخ
سلامت هاشم الأزهري، ولكن تلك الأجهزة تهتم بجبهة تحرير مورو الوطنية التي
يرأسها نور مسواري (ياسر جنوب الفلبين!)، وهو يتقرب إلى الحكومة النصرانية في
الفلبين ويريد أن يعقد صلحا معها [3] على أساس علماني
وعلى حساب الجبهة المجاهدة، ولا تجد هذا الإعلام دائما-إلا في حالات
استثنائية مؤقتة لغرض خاص-في صف الإسلام ودعاته، وإنما يكون ضد الإسلام وضد
دعاته في صف عدوه من اليهود والنصارى والوثنيين والأمثلة على ذلك لا تحصى
كثرة، وما على من يريد التأكد من ذلك إلا أن يشاهد ويسمع ويقرأ ما تيسر له من
وسائل الإعلام.
المظهر السادس: تقليد أجهزة الإعلام الأجنبية، في المصطلحات.
ومن تلك المظاهر تقليد أجهزة
الإعلام التابعة للدول الحاكمة للشعوب الإسلامية لأجهزة الإعلام النصرانية
واليهودية والشيوعية، والوثنية في الغرب أو الشرق، في إدخال المصطلحات التي
ترددها هذه الأجهزة الكافرة ضد الإسلام والمسلمين في قاموس تلك الأجهزة
الإعلامية المقلِّدة.
مصطلح الأصولية.
ومن ذلك مصطلح: (الأصولية [4] ) التي تطلق في الغرب على
فئة معينة من النصارى البروتستانت، الذين يتمسكون بظواهر نصوص محرفة تمسكا
جامدا، ويحكمون على كل من يخالف ظواهر نصوصهم تلك من النصوص المحرفة أيضا عند
الفئات النصرانية الأخرى بأنهم على باطل، وأن الحق هو ظواهر نصوصهم المحرفة
فقط، ويقفون موقفا متشددا ضد كل من يخالفهم، ويتسم تشددهم بالعنف.
هذا المعنى المولود في الغرب أطلقه أعداء الإسلام من اليهود والنصارى على كل
من تمسك بالإسلام تمسكا صحيحا ودعا إليه، وهو-بهذا المعنى-إطلاق ظالم جائر،
لا أصل له في القاموس الإسلامي، بل إن كلمة (أصول) في الشريعة الإسلامية تطلق
على علم يروض العقل على البحث والاستنباط، انطلاقا من قواعد يندر وجود مثلها
في أي دين أو أي علم عند غير المسلمين، إنه علم أصول الفقه الذي هو ميزان
دقيق يضبط منهج الفقيه في استنباط الأحكام، ويعصمه من الزلل في اجتهاده، يعلم
ذلك كله من له إلمام بهذا العلم العظيم من المسلمين وغيرهم، ولذلك تطلق كلمة:
"أصولي" على المتخصص في هذا العلم، وجمعه: "أصوليون" والذي يتقن هذا العلم
يصول ويجول في ميدان الفقه المستنبط من القرآن والسنة وهو متحرر العقل من
التقليد الأعمى، عارف أين يضع قدمه آمن من المزا لق التي يقع فيها من يجهل
هذا العلم، مقدر للمصالح الراجحة والمفاسد حق قدرها، ويكفي من أراد الوقوف
على حقيقة ذلك قراءة جزء من المقاصد من كتاب "الموافقات" للإمام الشاطبي رحمه
الله، هذا هو الأصولي عند المسلمين.
وقد يطلق على العالم المتضلع في العقيدة (الإيمان) وقد يسمى فيلسوفا-والأصل
أن يسمى حكيما-ومع ذلك أطلق أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم كلمة
أصولي أو أصوليين، على علماء الإسلام وأتباعهم من المتمسكين بالدين الداعين
إليه بالموعظة والحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، كما أطلقوا على الدعوة إلى
الإسلام وتطبيقه في العالم الإسلامي كلمة "أصولية" التي يعلمون أنها مصطلح
غربي ينفر من يسمعه من أهل الغرب، والهدف من ذلك تلبيس الإسلام والمسلمين
بثوب لم يفصل عليهما، وإنما فُصِّل على مبدأ يجافي الإسلام ويضاده وعلى فئة
بعيدة كل البعد عن الجماعات الإسلامية، وذلك للتنفير من الإسلام والمسلمين
والتخويف منهما والتحريش عليهما لمحاربتهما.
وقد راق هذا المصطلح لأجهزة الإعلام العلمانية في البلدان الإسلامية، فأخذوا
يرددونه في وسائل إعلامهم كلها في كل مناسبة وأخذوا يطلقون هذا المصطلح ظلما
وعدوانا على علماء أجلاء يستحقون أن يوصفوا بالأصوليين حسب المصطلح الإسلامي
السابق الذكر، لا بحسب هذا المصطلح الغربي الظالم، كما أطلقوه على جماعات
أبعد ما تكون عن هذا المعنى.
وعلى سبيل المثال نذكر حزب الرفاه الذي يرأسه المهندس " نجم الدين أربكان"
والذي له فترة طويلة يزاول السياسة ويدخل في الانتخابات ويفوز بأصوات تمكنه
من المشاركة في الحكم، وقد يفوز بأصوات ولا يتمكن بها من المشاركة في الحكم
وهو الغالب، ولم يصدر منه شئ من الاعتداء على أحد، بل يُعتدى عليه في وسائل
الإعلام ويحارَب حربا شعواء لا يحاربها حزب آخر من الأحزاب التركية المعترف
بها، ومع ذلك إذا فاز ببعض البلديات المهمة ارتفعت الأصوات المعادية للإسلام
واصفة له بالأصولي المتطرف، مع أن هذا الحزب لشدة اعتداله واعترافه بالقومية
التركية وعزمه على نقل النافع من الحضارة المادية الغربية إلى بلاده، أخذ بعض
الكتاب الذي يعترفون بوجود أصوليين في الجماعات الإسلامية بالمفهوم الغربي
السابق-أخذوا يدافعون عن حزب الرفاه ويبرؤ ونه من الأصولية المذكورة
[5].
ومن ذلك كلمة "التطرف" التي تطلق على الفرد المسلم الملتزم بدينه والآمر به
الناهي عما نهى عنه، بل إن كلمة التطرف يطلقونها على الجماعات التي هي أشد
بعدا عن الدخول في المسائل الخلافية بين المسلمين، مثل جماعة الدعوة والتبليغ
التي نشأت في الهند، وعليها بعض المآخذ، ولكنها تحاول أن لا تتدخل في السياسة
الشرعية الإسلامية، ولا في الخلافات المذهبية الفقهية أو غيرها، حرصا منها
على أن تهدي الناس-بحسب ما تفهمه من الإسلام-إلى التمسك بالشعائر العبادية
والأخلاقية والزهد في الدنيا، ومع ذلك يعتقل أفرادها في بعض البلدان
الإسلامية، وهم كعادتهم يتعبدون في المساجد لا يؤذون أحدا، ويوصفون بأنهم
متطرفون والعالم كله يعلم أن هذه الجماعة لا توجد جماعة مثلها يمكن أن توصف
بالهدوء و البعد عن كل ما يثير الناس حتى إنها كانت-ولا زالت-تذهب إلى
البلدان الغربية والشيوعية وتقيم فيها المؤتمرات الحاشدة، ولكنها في كثير من
البلدان الإسلامية التي تحكمها الدول العلمانية جماعة متطرفة!
[6] .
ونحن لا ننكر أنه يوجد غلاة من بعض الأفراد أو بعض الجماعات التي وجدت في
العالم الإسلامي، لظروف معروفة من أهم أسبابها الغلو العلماني من طغاة الحكم،
ولكننا نأبى إقرار أمرين:
الأمر الأول:
إطلاق كلمة أصولي-بالمفهوم الغربي-على
أي فرد مسلم أو جماعة إسلامية مهما بلغ تطرفها ومهما وقفنا ضد تطرفها، لأن
هذا المصطلح أجنبي وعندنا مصطلحات إسلامية تغني عنه مثل: الغلاة وذوو العنف
أو الخوارج، إذا وجدت الصفات والشروط التي لا يصح الإطلاق بدون وجودها.
الأمر الثاني:
إطلاق لفظ التطرف على كل ملتزم بدينه داع إليه على الوجه المشروع في الكتاب
والسنة، سواء أكان الملتزم الداعي فردا أو جماعة، وعلى مسؤولي وسائل الإعلام
في البلدان الإسلامية أن يقلعوا عن هذا الجناح العظيم، وإلا فليعلموا أنهم-إن
لم يقلعوا عن ذلك-قد أصبحوا في صف أعداء الله ورسوله الذين يشاقون الله
ورسوله ويوالون أعداء الله ورسوله، ويتبعون غير سبيل المؤمنين: {ومن يشاقق
الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله
جهنم وساءت مصيرا} [7] .
مصطلح الإرهاب والإرهابي.
ومن ذلك: إطلاق لفظ: "إرهابي"-نسبة
إلى "إرهاب"-على كل من تمسك بالإسلام ودعا إلى العمل به والحكم بشريعته، وإلى
إعداد المسلمين العدة لإقامة هذا الدين وإعلاء كلمة الله في الأرض، وحذر من
تآمر أعدائه عليه وعلى أهله.
وقد انتشر هذا المصطلح-أصلا-من أجهزة الإعلام الغريبة، وبخاصة بعد تفكك الدول
الشيوعية-الاتحاد السوفييتي-والهدف من ذلك توجيه قادة الغرب الحرب الشاملة
على الإسلام والتنفير منه، والتخويف منه بعد أن رأوه ينتشر بسرعة في معاقل
العلمانية الغربية، ورأوا بيوت الله تنافس كنائس النصرانية في ديارها، كما
رأوا كثيرا من شباب المسلمين المؤهلين في جميع التخصصات، وفي أنحاء الأرض
كلها، يعودون إلى التمسك بدينهم بقوة، ورأوا الشعوب الإسلامية تتطلع إلى
تطبيق شرع الله، بدلا من قوانين الغرب التي فرضت عليهم بالقوة.
ويعلم قادة الغرب من الباحثين والسياسيين والعسكريين وغيرهم، أن مبادئ الأرض
كلها، لا قدرة لها على مواجهة هذا الدين، ما بقي سليما صافيا من التحريف
والتبديل، وما بقي له رجال يحملونه، إيمانا وعلما وعملا ودعوة وإعدادا وعدة
للدفاع عنه وتبليغه إلى الناس كافة.
وقد حاول أعداء هذا الدين تحريف نصوصه وتشويه معانيه قديما وحديثا، فلم
يفلحوا في ذلك، لأن الله تعالى قد تولى حفظه بنفسه، وهيأ له من يحميه من
علماء الأمة جيلا بعد جيل.
ولهذا ترى قادة الباطل يبتكرون في كل عصر ما يحاربون به دين الله، من الوسائل
المعنوية والمادية، وحربهم له بالوسائل المعنوية أشد على المسلمين من الوسائل
المادية.
ذلك أن الوسائل المعنوية تشكك جهلة المسلمين في دينهم، وتؤثر في عقول بعض
الغافلين من المنتسبين إلى العلم، ممن لا يتنبهون لكيدهم، كما أن تلك الوسائل
تنفر غير المسلمين من الإقبال إلى الإسلام والتعرف على ما فيه من المحاسن،
لينقذوا أنفسهم من ظلمات الكفر والفسوق والعصيان.
ومن أهم وسائلهم المعنوية التي اجتهدوا في تضليل المسلمين واستغفالهم بها،
وفي تنفير غير المسلمين عن التعرف على الإسلام والدخول فيه، مصطلحا: "إرهاب
وإرهابي" اللذين تلقاهما منهم كثير من المسلمين من الكتاب والإعلاميين
والسياسيين، وغيرهم وأخذوا يطلقونهما على كل فرد أو جماعة أو دولة تدعو إلى
تطبيق الإسلام في حياة المسلمين، وتنادي بإعداد العدة لجهاد المعتدين، على
ضرورات حياة الأمة الإسلامية من اليهود والنصارى والوثنيين. وأصبح الآمرون
بالمعروف والنا هون عن المنكر من علماء الأمة الإسلامية ودعاتها-الذين يحثون
المسلمين على إعداد العدة لإرهاب أعدائهم، والدفاع عن أعراضهم وأوطانهم
وأموالهم، في فلسطين، وفي كشمير، وفي إريتريا، وفي الصومال، وفي الفلبين، وفي
البوسنة والهرسك، وفي الشيشان... ومن يمد لهم يد العون بالمال-إرهابيين تجب
محاربتهم والتضييق عليهم، والوقوف ضدهم في صف أهل الباطل المعتدين على كل حق
من حقوق المسلمين.
وغفلوا أو تغافلوا عن نصوص القرآن والسنة، ومقاصد الشريعة الإسلامية الرامية
إلى تحقيق العزة لهذه الأمة، العزة التي تقيها من أن يجعل الله للكافرين
عليها سبيلا، وأن العزة لا تتحقق لهم إلا بإعداد العدة المستطاعة التي ترهب
أولئك الأعداء، وتحول بينهم وبين العدوان على مقدسا تهم وحرما تهم.
وحققوا بذلك ما تمناه أهل الباطل من تفوقهم على المسلمين في مجال العلم
والاقتصاد والسياسة والإعلام والسلاح وغيرها، و من ضعف المسلمين وذلتهم،
ليكونوا أتباعا لهم يصرفون شؤونهم كما يريدون، لأنهم قد سلبوا هذه الأمة سلاح
إرهابها عدوها بإعداد العدة، وأحرزوه لأنفسهم، فاختلت الموازين، وأصبح
المسلمون الذين شرع الله لهم إرهاب عدوهم أذلة، وأصبح أعداؤهم من أهل الباطل
أعزة عليهم مستقلين بإعداد العدة التي ترهب المسلمين، بدلا من الأصل الذي
أراده الله، وهو: إرهاب أعدائه الكافرين، وفي ذلك إبطال لأمر الله الشرعي،
الذي سجله تعالى في كتابه الكريم: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ
قُوَّ ةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ترهبون بِهِ عَدوَّ اللهِ وَعَدُوَّكمْ
وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِم لاَ تَعْلَمُونَهُم اللهُ يَعْلَمُهُم وما تنفقوا
مِنْ شيء فيِ سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}.
وطمس لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [ونصرت بالرعب.]
ومعلوم بداهة أن الذي يملك القوة التي يرهب بها عدوه تكون له القيادة في
الأرض، وأن الذي لا يملك تلك القوة المرهبة يكون مستضعفا ذليلا، والأصل أن
تكون العزة لصاحب الحق، والذلة لصاحب الباطل!.
فهل يليق بالمنتسبين إلى الأمة الإسلامية "أمة الحق" وبخاصة من يعد من
المثقفين، أن يستخفهم أهل الباطل ويجندوهم لتحقيق مآربهم، فيستعملوا مرافق
المسلمين من وسائل الإعلام وتأليف الكتب، لإعانة أعدائهم عليهم، وتضليل
المسلمين والعبث بعقول جهالهم، بتشويه المصطلحات الشرعية الواردة في القرآن
والسنة، وجعل الحق منها باطلا؟!
وليت الذين خدموا أعداء الحق وأنصار الباطل بنشر مصطلحاتهم المشوهة للإسلام
والمنفرة منه-كالإرهاب والإرهابي-اطلعوا على شكوى بعض الغربيين الذين دخلوا
في دين الإسلام من هجوم قومهم عليهم بتلك المصطلحات الظالمة، ليخجلوا من
مسارعتهم-متعمدين أو مستغفلين-إلى الوقوف في صف أهل الباطل باستعمال
مصطلحاتهم ونشرها وإطلاقها على غير أهلها.
شكوى بعض المسلمين في الغرب من تلك المصطلحات الظالمة.
ولنذكر-على سبيل المثال-شكوى المسلم الألماني الدكتور "مراد هو فمان"
[8] من إطلاق أعداء الإسلام مصطلح "إرهابي" على المسلم
الذي يشتبه في صدور عنف منه، دون غيره من أهل الديانات والمبادئ الأخرى.
قال: (فالإعلام الغربي يقف على خلفية صلبة من العداء للإسلام، ولديه قرون
استشعار انتقائية لكل همسة تنسب للإسلام، ولديه مصطلحات خاصة جدا، لا
يستخدمها إلا للإسلام والمسلمين. فمثلا لم نقرأ في صحيفة أوربية-أيا
كانت-مصطلح "إرهابي" أطلقته على شخص يهودي أو مسيحي... ولكن نقرأ "إرهابي
مسلم" وهذا المصطلح ملأ صفحات الجرائد الأوربية والأمريكية خلال تغطيتها
لحادث تفجير المركز التجاري العالمي بنيويورك في مطلع عام 1993م.
وإذا حدث وهاجم إرهابي خارج العالم الإسلامي هدفا ما، جاءت التقارير الصحفية
بمصطلح "مقاتل، محارب، فدائي" ولن نقرأ أبدا مصطلح "إرهابي كاثوليكي" أو
"متعصب مسيحي" أو "إرهابي هندوسي" حتى الهجوم بالغاز في مترو طوكيو في مارس
1995م نسب إلى راديكاليين!!) [9].
العلوم النظرية.
ومن ذلك: إطلاق لفظ (العلوم
النظرية) على كافة العلوم الإسلامية، حيث يقال عند المقارنة بين العلوم
الإسلامية، وغيرها من العلوم المادية-التي هي من فروض الكفاية في الإسلام-:
العلوم النظرية والعلوم التطبيقية، مع أن الدين الإسلامي كله تطبيق وعمل في
حقيقة الأمر، وقد تظافرت نصوص الكتاب والسنة على أن الإيمان الشرعي يشمل
الاعتقاد والقول والعمل، وعلى ذلك جماهير علماء الإسلام (10).
وإذا تأمل الباحث أبواب الإسلام-أصوله وفروعه-وجد غالبها عملية، فالطهارة
عمل، والصلاة عمل، والزكاة عمل، والحج عمل، والصيام عمل، والجهاد-إعدادا
وتنفيذا-عمل، والبيع والشراء المشروعان، والشركات بأنواعها عمل، والقضاء
والحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل، والتعاون على البر والتقوى
عمل، وهكذا ما قد يظن الجهال أنه ليس من الإسلام كالصناعة والزراعة والتطبيب
وغيرهما، وكل باب من أبواب الاقتصاد عمل، والتعليم والإعلام والسياسة
الشرعية، كل ذلك عمل.
ويجب أن يعلم أن كل أعمال المسلم-سواء منها ما كان من العبادات أو من
المعاملات هي من الإسلام، يثاب على فعلها أو تركها إذا قصد العبد بفعلها
التقرب بها إلى الله، والأدلة متظافرة على ذلك، وقد بسط العلماء القول فيها.
ويكفي أن تعلم أن أعمال العبد كلها لا تخرج عن الأحكام التكليفية الخمسة،
وهي: الواجب والمندوب والمباح والمحرم والمكروه، وهي الأحكام الشرعية التي
بينها علماء أصول الفقه في كتبهم، فمن فعل الواجب أو المندوب أو المباح قاصدا
بذلك التقرب إلى الله أثابه الله على ذلك، ومن ترك المحرم والمكروه قاصدا به
وجه الله أثابه الله على ذلك، ومن فعل المحرم عاقبه الله على فعله، ومن ترك
الواجب عاقبه الله على تركه. وهذا يدل على أن ذلك كله عبادة، وهو عمل
وتطبيق... وتقسيم العلماء أبواب الشريعة إلى عقائد وعبادات ومعاملات، إنما
فصدوا به تقريب أبواب هذه الشريعة لطلاب العلم، وإلا فكلها دين وكلها إسلام،
وإن اعتبر بعضها أصولا وبعضها فروعا....
فكيف
يقال بعد هذا كله: إن العلوم الإسلامية نظرية غير تطبيقية؟!
وإن الذين يطلقون هذا المصطلح على
علوم الإسلام لا يخلون من إحدى طوائف ثلاث:
طائفة ماكرة من أهل الباطل الذين يتعمدون هذا الإطلاق، للتهوين من شأن
الإسلام، وأنه من الأمور النظرية التي لا تتوقف حياة المسلمين وتقدمهم على
تطبيقها، وهذا هو منهج من يسمون بالعلمانيين، بدليل أنهم يحاربون تطبيق
الشريعة الإسلامية والدعاة إلى ذلك التطبيق. وإنما تعمدوا هذا الإطلاق
ليغرسوا هذا المعنى-وهو تهوين شأن الإسلام-في عقول أبناء المسلمين...
وطائفة جاهلة تلقفت هذا المصطلح من الطائفة السابقة، وأطلقته دون وعي لمقاصد
أهل الباطل في هذا الإطلاق.
وطائفة غافلة، أي إنها أطلقت هذا المصطلح عن غفلة-بسبب التضليل الإعلامي-وليس
عن جهل، فإذا نبهت على خطر هذا الإطلاق نبذته وحذرت منه.
ما
رتبه أهل الباطل على هذا الإطلاق:
وقد رتب أهل الباطل على هذا الإطلاق
نتيجتين خطيرتين:
النتيجة الأولى: تهوين شأن الإسلام كما مضى.
والنتيجة الثانية:أن تقدم الأمة إنما يتوقف على العناية بالعلوم العملية
التطبيقية.
وهي التي تمس حياة الناس ويتوقف على إحرازها تقدم الشعوب، بخلاف العلوم
النظرية، وعلى رأسها العلوم الإسلامية وما يخدمها.
ويكفي أن يذكر المسلم الحرب الشعواء على مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ومعاهد
الأئمة والخطباء والقضاة في بعض البلدان الإسلامية-ومنها تركيا-
أليس المسلمون في حاجة إلى مفتين وقضاة شرعيين وأئمة وخطباء وأساتذة لتعليم
أبنائهم العلوم الإسلامية وما يخدمها كاللغة العربية بفروعها، والحضارة
الإسلامية عبر التاريخ.... كحاجتهم-بل أشد-إلى أطباء ومهندسين وصناع...؟!
وقل من تنبه لخطر هذا الإطلاق في وسائل الإعلام المضللة وحذر منه، بل أصبح
كثير من الكتاب والأدباء والمؤلفين والإعلاميين يستعملونه، وصار عند عامة
المسلمين من المسلمات التي لا تناقش. ولا شك أن هذا من تخطيط أهل الباطل في
سباقهم بباطلهم إلى عقول أبناء المسلمين.
عبدة الشيطان!
ومن ذلك: مصطلح: (عبدة الشيطان)
الذي اهتمت به وسائل الإعلام في هذه الحقبة من الزمن، حيث أطلق على من سموا
أنفسهم بذلك، ممن ظهروا في بعض البلدان الإسلامية والغربية. ويوهمون كثيرا من
الناس-ومنهم بعض المسلمين-أنه لا يطلق هذا اللفظ إلا على أمثال هؤلاء ممن
يصرحون بأنهم يعبدون الشيطان، مع أن هذا اللفظ يطلق في القرآن وفي السنة على
من اتبع سبل الشيطان مخالفا أمر الله وصراطه المستقيم شاملا لعدد كبير ممن
ينتسبون إلى الإسلام بأسمائهم ويحاربونه بسلوكهم.
والذي يتتبع بعض الآيات القرآنية يتبين له أن كثيرا من المنتسبين إلى الإسلام
الذين لا يصرحون بأنهم من عبدة الشيطان، بل قد يستعيذون منه ويلعنونه، هم أشد
عبادة للشيطان ممن يصرحون بأنهم يعبدونه، وبخاصة أولئك الطغاة الذين حرموا
الشعوب الإسلامية من التمتع بحكم الله الذي أنزله في كتابه وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، وأحلوا محله الحكم بالطاغوت. بل إن هؤلاء هم السبب الرئيس
لظهور من يصرحون بعبادة الشيطان، لأنهم لو حكموا كتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم في حياة الناس لأوجدوا المناخ الإسلامي الذي يقي
المسلمين-وغيرهم-من اتباع خطوات الشيطان، وقضوا بذلك على الوسائل الداعية إلى
عبادة الشيطان... ولكنهم-مع تمجيد وسائل الإعلام لهم-لم يدَعوا خطوة من خطوات
الشيطان خطوها، ولا سبيلا من سبله إلا سلكوها.
والله تعالى يقول: {يا أيها النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا
طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ } البقرة
ويقول: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا
تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }البقرة
.
ويقول: {وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ
اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ }الأنعام.
ويقول: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا
مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } النور.
ومن أعظم خطوات الشيطان التحاكم إلى الطاغوت الذي فرضه الطغاة على الناس فرضا
في كل شأن من شؤون حياتهم، والقرآن الكريم يدل على تكذيب من يدعي الإيمان وهو
يتحاكم إلى الطاغوت، ويدل على أن من أطاع غير الله في تحليل ما حرم أو تحريم
ما أحل قد عبد غيره تعالى. فكيف بمن شرع للناس تحليل ما حرم الله أو تحريم ما
أحل الله وفرض ذلك فرضا على الناس، وفرض عليهم التحاكم إلى الطاغوت بسطوته
وسلطانه.؟!
قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ ورهبا نهم أَرْبَابًا مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
التوبة.
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا
بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ
يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ
وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)} النساء .
المظهر السابع: محاصرة كل وسيلة إعلامية تحمل الحق.
وكما تفتح أجهزة الإعلام الأبواب
لأفكار أهل الباطل الفاسدة، لتصل إلى عقول الناس، فإنها تحاصر أفكار أهل الحق
من أن تصل إلى تلك العقول. وذلك باتباع الأسلوبين الآتيين:
الأسلوب الأول: عدم الإذن بالمطبوعات التي تتضمن بيان الحق وفضح الباطل.
سواء كانت تلك المطبوعات كتبا أو جرائد ومجلات،أو منشورات، تمنع طبعا وبيعا
وتوزيعا في داخل الشعوب الإسلامية التي يحارب حكامها الحق.
الأسلوب الثاني: استنفار جيش الجمارك لمنع وسائل الحق.
نعم يستنفر قادة الباطل جيشا كبيرا من الموظفين في إدارات البريد والجمارك
الجوية والبرية والبحرية، لرصد المطبوعات وشرائط الكاسيت والفيديو التي ترد
إلى الشعوب الإسلامية-ولو كانت من بلد إسلامي-وهي تحمل الحق، فتصادر وتمنع من
الوصول إلى عقول الناس في داخل تلك الشعوب، مع تيسير دخول الوسائل المماثلة
التي تحمل الباطل، بحيث تغرق بها المكتبات التجارية وتكون في متناول الأفراد
والأسر، وكذلك تسهل سبل نشر الكتب والجرائد والمجلات وأشرطة الكاسيت والفيديو
التي تنشر الباطل سواء أكان عقديا أو فكريا أو أخلاقيا، يؤذن بطبعها وبيعها
وتوزيعها، وقد تتولى إدارات الإعلام في تلك الشعوب الإسلامية توزيع تلك
الوسائل مجانا إمعانا في نشر الباطل ومحاصرة الحق.
وتَدعمُ محاصرةَ الحق والحجر على العقول منه، بمنع كل وسيلة إعلامية تحمله،
ونشر الباطل وتسهيل كل وسيلة تحمله إلى عقول الناس، أنظمةٌ إعلامية وأجهزة
إدارية تنفيذية ظاهرة وخفية تسهر على تنفيذ المخطط الآثم الذي قصد به الحجر
على العقول من أن يصل إليها الحق، وفتح الأبواب للباطل ليستقل بتلك العقول.
بل إن بعض محاربي الحق الداعمين للباطل في بعض البلدان الإسلامية، يحاربون من
أعلن توبته إلى الله من الأعمال التي تصرف عقول الناس عن الحق إلى الباطل،
ويمنعون كتبهم ومذكراتهم بسبب توبتهم، خشية من أن يكثر التائبون إلى الله
ويقل رواد الفتنة وناشرو الفواحش والداعون إلى المنكرات، كما قال تعالى:
{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)}
(11).
وهؤلاء الذين يحجرون على العقول من أن يصل إليها الحق في وسائل الإعلام، أو
ييسرون السبل لوصول الباطل إلى تلك العقول عن طريق تلك الوسائل، هم في
الحقيقة أشد خطرا على الإسلام والمسلمين من قطاع الطرق الذين يخيفون السبل
ويسلبون الأموال ويزهقون الأرواح. ذلك أن قطاع الطرق يشعر الناس كلهم بخطرهم
والضرر الذي ينزلونه بالناس، فيتداعى لدرء خطرهم الخاصة والعامة ويتعاون على
حربهم الحكام والمحكومون، فلا يدوم خطرهم بل يزول في وقت قصير-نسبيا-أما
أعداء الإسلام الذين يدأبون بالسباق إلى العقول بإبلاغ الباطل إليها وقطع
الطريق على الحق من أن يصل إلى تلك العقول، فإن خطرهم لا يظهر-في أول
وهلة-إلا لفئة قليلة من الناس، وهم المفكرون الإسلاميون من ذوي العلم
والبصيرة، والحرص على مصالح الأمة، وهؤلاء يقف لهم أعداء الإسلام بالمرصاد
مكممين أفواههم من أن تصدع بالحق وتنبه على الخطر، مكسرين أقلامهم من أن تخط
كلمة تحذر الناس من شرهم وفسادهم، بل إنهم يُضَايَقُونهم في رزقهم ووظائفهم
وتنقلاتهم، وقد يزج بهم في السجون والمعتقلات، وينزل بهم من التعذيب والعقاب
ما لا يطاق، وقد يقتلون في سجونهم غيلة أو يحكم عليهم بالقتل ظلما وعدوانا،
ويعلن للناس أنهم مجرمون، والناس لا يعلمون حقيقة الأمر، لأن عقولهم قد
ضللتها أجهزة الإعلام التي هيئ لها أن تصل إلى تلك العقول.
ولا يعلم غالب الناس بخطر هؤلاء المفسدين للعقول، إلا بعد فوات الأوان، بفساد
العقول وما يترتب عليه من آثار مدمرة لحياة الأمة، وهنا يكمن الخطر العظيم،
كما هو واقع الأمة الإسلامية اليوم.
المظهر الثامن: قلب الحقائق التي
تضلل بها الشعوب.
إن تلك الأجهزة تتعمد تضليل
الشعوب الإسلامية بقلب الحقائق في كل مناهج حياتهم ومرافقها، في الشؤون
السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، والعلاقات الدولية، بحيث تظهر
وسائل الإعلام لتلك الشعوب صواب تدبير قادة الباطل من الطغاة المحاربين
للإسلام والحق والمؤيدين للباطل، في كل تلك المناهج والمرافق، وأن الغاية من
تدبيرهم وتصرفاتهم إنما هي مصلحة تلك الشعوب وعزها وسؤددها.
مع أن الواقع بخلاف ذلك-في الأغلب الأعم-إذ تكون سياستهم لشعوبهم سياسة غش
وخداع، يتوسلون بها إلى ما يحقق مصالحهم الذاتية، ولو حطموا بذلك مصالح تلك
الشعوب وجلبوا لها المفاسد المدمرة، من ظلم وغصب ونهب ونشر فساد وإذلال، كما
يحطمون اقتصاد تلك الشعوب باستنزاف خيراتها وإنفاق أموالها فيما لا يعود
عليها بفائدة، بل يعود عليها بالضرر، ويعود على أعداء الأمة الإسلامية
بالفائدة، ويحملون تلك الشعوب بالديون الربوية التي تتضاعف عليها وترهقها
وتجعلها خاضعة لأعدائها من اليهود والنصارى الذين يغرقونها بتلك الديون،
وغالب تلك الأموال والديون يستأثر بها قادة الباطل الذين يضللون الناس
بالدعايات الكاذبة التي تقلب الحقائق وتفسد العقول.
وهكذا يضللون عقول الشعوب الإسلامية بالثقافات الأجنبية التي تحارب الإسلام
وتشوهه، كأفكار كثير من المستشرقين والمنصرين والملحدين، ومن يسمون بالأدباء،
وكثير منهم منحلون، والعلمانيين والحداثيين والماسونيين وغيرهم من دعاة
الفساد الذين تؤثرهم-غالبا-أجهزة الإعلام على من سواهم من دعاة الحق، حتى لا
يسابقوهم بهذا الحق إلى عقول الناس، مع المدح المبالغ فيه لأولئك وغمز وذم
هؤلاء.
أما التضليل الإعلامي للشعوب في الشؤون العسكرية فحدث عنه ولا حرج.
إن الشعوب الإسلامية عندما تسمع وترى وتقرأ الضجيج الإعلامي الذي يطري القوى
العسكرية، سواء ما تعلق منها بالجنود أو المعدات، وما صرف في ذلك من أموال
هائلة، ينقدح في عقولهم أن لديهم قوة عسكرية قادرة على دفع عدوان أي عدو
عليها، بل ربما ظنت أكثر من ذلك أن تلك القوة قادرة على إخافة العدو وإرهابه
وهو في عقر داره، تحقيقا لأمر الله تعالى بإعداد العدة التي ترهب العدو، ولكن
إذا جد الجد وحان وقت العدوان على تلك الشعوب تبين لأهلها مدى تضليل عقولها
من أجهزة إعلامها التي خدعتها بقلب الحقائق وكثرة الأكاذيب، وظهر لها أن
الأموال الهائلة التي قيل: إنها أنفقت لتقوية جيوشها، قد ذهبت إلى خزائن أخرى
لا صلة لها بتلك القوة الوهمية التي ظنوها ملجأ لهم-بعد الله-من أي عدوان
خارجي، وقد لا يرون لتلك القوة من أثر إلا عندما تنزل شوارع مدنهم لضرب
المعارضين من أبناء الشعوب الذين ينادون بإصلاح الأمور وتقويم السياسة
المعوجة، فيذكرون عندئذٍ قول الشاعر:
أسد عليّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر
والخلاصة أن وسائل الإعلام تضلل العقول، وتقلب الحقائق، وتصور الحق في صورة
الباطل، وتصور الباطل في صورة الحق، وتوهم الناس بأن الكذب صدق، وأن الصدق
كذب، وأن الشجاعة جبن وأن الجبن شجاعة، وأن الظلم عدل، وأن العدل ظلم، وأن
المصلحين مفسدون، وأن المفسدين مصلحون: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض
قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} البقرة: 11،12.
هكذا استغل أعداء الحق من حكام الشعوب الإسلامية المحاربين للإسلام وسيلة
الإعلام، لتثبيت الباطل ونشره، ومطاردة الحق ومحاصرته وتشويهه.
---------------------------
[1]-ومما يدل على استيلاء الرياضة على عقول الشباب، سجود
أفراد بعض الفرق الرياضية شكرا في وسط الملاعب الرياضية، لتحقيقهم فوزا
رياضيا، وجماهير المسلمين تشاهد ذلك على القنوات الرياضية في الوقت الذي
يسيطر اليهود على أرض المسلمين وينتهكون أعراضهم، ويهدمون بيوتهم، ويدنسون
مقدساتهم، ويقتلون شبابهم، ويعتقلون نساءهم، ويهينون علماءهم...!
[2]-وقد ارتقت بعض الحكومات في الشعوب الإسلامية اليوم إلى
إقامة علاقات دبلوماسية مع اليهود، بعضها باسم سفارات، وبعضها باسم مكاتب، مع
المواقف المتشدد المبنية على التدين اليهودي الذي اتبعته حكومة الليكود
بزعامة نيتان ياهو!
[3]-وقد تم هذا العقد في هذه الأيام في أوائل شهر ربيع
الأول 1417ه-.
[4]-وتطلق كلمة أصولي في اللغة الإنجليزية (Jurist) على
الضليع في القانون، والمحامي، والقاضي، وفيها نوع شبه بكلمة أصولي في الإسلام
كما سيأتي، أما الأصولية بالمعنى الظالم الذي يطلق على الجماعات الإسلامية
فهو: "ESSENTIALISM".
[5]-راجع على سبيل المثال عدد 5599، الخميس 16شوال، ص9،
وعدد 5601 الأربعاء 18شوال، ص7، وعدد 5602، 19شوال ص6، وعدد 5604 السبت
21شوال ص7، وعدد 5606، 23شوال ص8، وعدد 5607، 24شوال ص8، كلها في عام
1414ه-من جريدة الشرق الأوسط (وقد كون أربكان حكومة مع حزب الطريق القويم
بزعامة.. الخ...).
[6]-راجع الشرق الأوسط عدد:5609، الخميس 26شوال 1414ه-ص4،
وهذه الجريدة من أشد الجرائد حرصا على إيراد هذه المصطلحات وعلى نشر مقالات
الكتاب الذين يستعملونها للتنفير من الإسلام ودعاته.
مع أنها تنشر بعض المقالات-أحيانا-تبين الحقيقة في هذا الشأن راجع عدد:5611
السبت 28شوال 1414ه-ص15.
[7]-النساء: 115.
هذا، ومع أن رجال الإعلام المنتسبين إلى الإسلام لا يخجلون من ظلمهم في
استعمال هذه المصطلحات في غير محلها فقد انتقد بعض الكتاب الأجانب ذلك في
كتاب ألف بعنوان: " انتقام الله" THE REVENGE OF GOD ويسمى المؤلف: جيل كيبل
ووضح أن كلمتي التطرف والأصولية مصطلحات دخيلان على الحركة الإسلامية، وأنهما
مستمدان من الديانة المسيحية كما ذكرت ذلك من قبل. راجع جريدة الشرق
الأوسط-التي تبتهج بهذه المصطلحات الظالمة في كل أعدادها تقريبا-عدد5626
الأحد 13/11/1414ه-الموافق: 24/4/1994م.
[8]-ولد في عام: 1931م. دكتوراه في القانون، عمل في وزارة
الخارجية الألمانية من سنة 1961م وتولى مناصب في بعثاتها في عدة بلدان. دخل
في الإسلام سنة 1980م في مدينة بون، ألف عددا من الكتب، منها:(نهج فلسفي
لتناول الإسلام) و (دور الفلسفة الإسلامية) و (يوميات ألماني مسلم) و
(الإسلام كبديل) وقد شنت أجهزة الإعلام الألمانية عليه حملة عنيفة بسبب
تأليفه هذا الكتاب الذي يرى فيه أن الإسلام هو المؤهل لإنقاذ الأمم مما هي
فيه من شقاء وضنك. و (الإسلام عام 2000) و (رحلتي إلى مكة).
[9]-جريدة (أخبار العالم الإسلامي) التي تصدرها رابطة
العالم الإسلامي في مكة المكرمة. عدد: (1625) صفحة (9) بتاريخ: 19-25 جمادى
الأولى سنة 1418 ه--20-26 أكتوبر سنة 1997م.
[10]- وهذا المعنى مبسوط في كتب العقيدة وكتب التفسير
وشروح الحديث. راجع تعريف الإيمان في كتاب: (الإيمان هو الأساس) للمؤلف.
[11]-راجع جريدة: الاقتصادية السعودية. عدد: 1615
الثلاثاء: 6/10/1418ه--3/2/1998م.
صفحة: 14 بعنوان: (منع مذكرات الفنانات التائبات.