الوسيلة التاسعة: إقامة محاكم
ظالمة لحماية الباطل وأهله.
مقومات هذه الوسيلة:
ولهذه الوسيلة مقومات:
المقوم الأول: وضع قوانين ونظم تمكنها
من نصر الباطل.
يصدر تلك القوانين طواغيت الظلم
والاستبداد وأرباب المعاصي والشهوات، وذوي العقائد الفاسدة والأفكار الهدامة،
ليكون ما يأتونه من الباطل وما يتركونه من الحق مشروعا، ليس لأحد الاعتراض
عليه.
كما يصدرون قوانين أخرى تحظر الحق وتعاقب أهل الحق والدعاة إليه، وتعتبرهم
شذاذا خارجين عن القانون الذي أوهموا الشعوب أنه إنما وضع لمصلحتها ولتثبيت
الحق والعدل، وهو في حقيقة الأمر إنما وضع لمصلحة قادة الباطل ومحاربة الحق
وأهله.
المقوم الثاني: محاربة الحكم بشرع الله.
ويحاربون الحكم بشرع الله الذي أنزله
في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بحجة أنه غير صالح للتطبيق في
هذا العصر، واعتبار الدعاة إليه مجرمين مرتكبين للخيانة. ولذلك يتعرضون
للمحاكمة الظالمة التي قد يصل الحكم فيها إلى القتل، بعد أن ينال الداعية إلى
حكم الله من الأذى في نفسه وأهله وكل من يمت إليه بصلة، ما يصعب تحمله والصبر
عليه إلا من أولي العزم من المؤمنين.
المقوم الثالث: تنصيب قضاة يعادون الإسلام والدعاة إليه.
ومعاداتهم للإسلام قد يكون بسبب جهلهم
بالحق الذي جاء به هذا الدين مبينا في الكتاب والسنة، وقد يكون بسبب بغضهم
لذلك الحق الذي يخالف أهواءهم وشهواتهم ومعتقداتهم-مع علمهم بما فيه-وينبني
على هذا العداء إصدار الأحكام الظالمة على دعاة الحق، مناصرة لأهل الباطل
ودعاته.
المقوم الرابع: حرمان الظلمة أهل الحق من المحاماة العادلة.
وذلك بمنعهم من يتصدى للمحاماة عن أهل
الحق المظلومين، إذا علم منهم الصدق والوقوف مع أهل الحق ضد الباطل، وتعيين
أهل الباطل محامين موالين لهم ولباطلهم، معادين للحق وأهله، ويترتب على ذلك
أن يكون المدعي والمحامي والشاهد والقاضي كلهم من المحاربين للحق المؤيدين
للباطل، وبذلك لا يتوقع أن تصدر من هؤلاء القضاة أحكام عادلة، بل ظالمة آثمة
(1).
وقد تستيقظ ضمائر بعض القضاة عند المحاكمة وسماع حجج أهل الحق فيحاولون تخفيف
الظلم عنهم، وعندئذٍ يلجأ الحكام المحاربون للإسلام-وهو الحق-إلى تكوين محاكم
خاصة عسكرية تصدر أحكاما متفقا عليها قبل إجراء المحاكمة، لا تستغرق إلا وقتا
قصيرا ينفذ الحكم بعدها مباشرة.
المقوم الخامس: تضليل الرأي العام في الشعوب الإسلامية.
وتتولى هذا التضليل-كما هي
العادة-وسائل الإعلام التي تدين أهل الحق قبل المحاكمة وفي أثنائها وبعدها،
حيث تلفق تهما كاذبة على أهل الحق وتعلنها وتكررها حتى تصبح كأنها حقيقة
واقعة، وأهل الحق لا يسمع لهم صوت، حتى عندما يحاكمون لا تنقل وسائل الإعلام
ما دار في وقت المحاكمة، ولو نقل للناس ما دار في المحاكم الظالمة، لعلموا
حجج وبراهين أهل الحق، وكذب وتزوير أهل الباطل، وتبين لهم ظلم قادة الباطل
الذين صدرت منهم الأحكام الآثمة على أهل الحق.
الوسيلة العاشرة: جعل وسائل الحق منطلقات للباطل.
الاستيلاء على المساجد وجعلها
منطلقا للباطل.
ومن أهم الوسائل التي ينطلق منها الحق المساجد التي شرع الله عمارتها لذكره
الشامل للعبادة، ونشر العلم النافع في الدنيا والآخرة، وتربية الأجيال على
دين الله وتقوية أواصر الإخاء والمحبة والإيثار بينهم، وغرس معاني العزة
الربانية في نفوسهم، والبعد عن أسباب الضعف والذلة لأعداء الله.
يضاف إلى ذلك أن المساجد من أهم مواضع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما
يحدث فيها من تَعَلُّم وتعليم، وتلاوة الأئمةِ آياتِ الله في الصلوات وإلقاء
المواعظ والخطب، وبخاصة خطب الجمعة التي فرض الله على المؤمنين حضورها
والإنصات لها كل يوم جمعة، وحرم عليهم فيها الكلام والتشاغل عنها، وبذلك كانت
المساجد أهم منطلقات الحق في السباق إلى العقول.
مسلكان خطيران.
ولكن أعداء الإسلام المحاربين
له-وهو الحق-استولوا على هذه المنطلقات وسلكوا بشأنها مسلكين خطيرين:
المسلك الأول: إبعاد أهل الحق عن
السبق به في المساجد.
نعم لقد أبعد أهل الباطل أهل الحق
والدعاة إليه من علماء الأمة الصادقين عن توجيه الشعوب الإسلامية من تلك
المساجد، بالتعليم والدعوة والمواعظ والخطب، والتعاون على البر والتقوى،
والتنبيه على المخاطر المحيطة بالأمة من داخل بلدانهم أو من خارجها، كل ذلك
من أجل إبقاء الباطل الذي استغلوا كل الوسائل السابقة وغيرها لإيصاله إلى
عقول الناس، والحجر على تلك العقول التي ملأها بالباطل من أن يصل إليها الحق
الذي يملكه أولئك العلماء والدعاة، الذين لا يخافون في الله لومة لائم ولا
يبيعون دينهم بدنيا غيرهم من أهل الباطل.
المسلك الثاني: اصطناع أئمة وخطباء موالين للباطل.
وهؤلاء الأئمة والخطباء قسمان:
القسم الأول: جاهل، وقد يكون حافظا للقرآن الكريم أو كثيرا منه وهو لا يفهم
منه شيئا، وقد يكون عاجزا عن تلاوة بعض آيات القرآن تلاوة صحيحة، فإذا خطب
الناس وجدته ذاعي يلوك لسانه غير قادر على نطق جملة من الخطب المنبرية التي
يقرأ منها نطقا صحيحا، وغالب تلك الخطب يكون من الكلام المسجوع الميت الذي لا
يمت إلى أوضاع الأمة الحاضرة بصلة.
القسم الثاني: عندهم علم بالقرآن والسنة-في الجملة-وعندهم مقدرة على تبصير
الناس وتعليمهم وتتبع الأحداث التي تنزل بهم وما يعانونه من مشكلات، وبيان
أسبابها وآثارها، والمخارج من مضايقها، ولكنهم-مع قدرتهم تلك-قد باعوا أنفسهم
لأعداء الحق، ونصبوا أنفسهم أبواقا لباطلهم، وكثير منهم من ذوي التقعر في
الكلام والتفيهق فيه، تسمعهم يوم الجمعة وهم يجلجلون بأصوات مرتفعة في مكبرات
الصوت على منابر جوامع كبيرة في غالب البلدان الإسلامية من شرق الدنيا إلى
غربها، تنقل خطبهم في أجهزة الإعلام-المذياع والتلفاز وتنشرها الصحف
والمجلات-الموالية لأهل الباطل، وإذا أصغى المصلون الذين ألزمهم الله حضور
تلك الخطب وسماعها، إذا أصغوا إلى تلك الخطب، وجدوا أغلبها بعيدة كل البعد عن
الموضوعات التي تهمهم في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية
والتعليمية والإعلامية وغيرها، أو أنها تؤيد الأوضاع الفاسدة في كل تلك
المجالات، وتثني على صانعي الفساد من أهل الباطل، وتحرض على أهل الحق وتصفهم
بأوصاف منفرة كاذبة جائرة، كل ذلك يقصد به تضليل عقول الناس واستغفالها وقلب
الحقائق عليها.
والجيد من أولئك الخطباء من يحاول تنزيه لسانه عن غمط الحق والتحريش على
أهله، ويخفف من الثناء على الباطل وأهله، ولكنه قد يبتعد عن الحديث عن مشكلات
الأمة النازلة بها، التي هم في أمس الحاجة إلى بيانها توجيههم لحلها والخروج
من مضايقها.
فإذا نزلت بالناس مجاعة وفقر-فعم الضرر شعوبهم ما عدا قلة قليلة من ذوي
اليسار والغنى، وبخاصة ذوي النفوذ والمناصب الذين استولوا على مرافق الأمة
وخيراتها ونهبوها بوسائل وحيل شتى في أوقات سابقة، فأصبحوا يتنعمون بها
والناس يموتون جوعا-سمعتَ خطب أولئك الأئمة تثني على الفقر والصبر عليه، ولا
تتعرض لترف المترفين وبذخ الظالمين وتحثهم على البذل والعطاء والتعاون
الإيثار.!
وإذا هجم العدو على بلاد المسلمين فاحتلها وعاث في الأرض فسادا، سمعت أولئك
الخطباء وهم يشنون الغارة في خطبهم على غير الحدث الماثل خطره، فيسهبون في ذم
بعض التصرفات السيئة التي يمكن تأجيلها-وإن كانت مهمة (2)-وتقديم
ما هو أهم منها وأخطر.
وإذا استحلت الحرمات واغتصبت المحصنات الغافلات المؤمنات في عقر دار المسلمين
ضربوا عن ذلك صفحا، وسمعتهم يتحدثون عن الحيض وأقسامه وكثير من أحكامه
المعقدة أمام حشود الرجال الذين يستحل حرما تهم أعداؤهم في عقر دارهم، وهم في
أمس الحاجة إلى سماع ما يحثهم على الجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال.
وإن أمثال هؤلاء كمثل طبيب يرى مريضين: أحدهما عنده صداع خفيف، والآخر مصاب
إصابات خطيرة برصاصات قاتلة، تدعو الضرورة إلى الإسراع بمعالجته، فيتركه
ويهتم بمعالجة صاحب الصداع !(3).
وهكذا يجد المصلون أنفسهم أمام خطباء-كأجهزة الإعلام-يصفون الظلمة بالعدل،
والجبناء بالشجاعة، والفساق بالطاعة، أو يجدون أنفسهم أمام خطباء يتحدثون عن
موضوعات بعيدة عن حياتهم، أو هي من حياتهم ولكنهم يحتاجون إلى الحديث عما هو
أهم وأولى، فلا يجدون ملجأ يلجئون إليه إلا أن يهربوا من أولئك الخطباء
وخطبهم، إلى وضع رؤوسهم على أكفهم ليخلدوا إلى النوم حتى تقام الصلاة!
وبهذا جعل أهل الباطل منطلقات الحق منطلقات لباطلهم، تلك المنطلقات التي قال
الله تعالى فيها: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، وأقام
الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين،
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد
في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين} التوبة:
18،19..
وقال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو
والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء
الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه الأبصار } النور: 36،37..
وليس المراد من ذكر الله وتسبيحه مجرد قول بدون تطبيق لشرعه والدعوة إليه
والأمر به والنهي عن الصد عنه، فقد قال تعالى-مبينا أن الجهاد في سبيل الله
هو مما يدفع الله به الاعتداء على تلك المساجد التي يذكر فيها اسمه-: {أذن
للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم
بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت
صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله
لقوي عزيز} الحج: 39،40..
وإن الذين يجعلون مساجد الله التي هي-في الأصل-منطلقات للحق، منطلقات للباطل،
لمن أحق الناس دخولا في قوله تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر
فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في
الدنيا خزي ولهم في الآخر عذاب عظيم} لبقرة: 114..
وجعل أعداء الحق وأنصار الباطل هذه المساجد-التي أعدت في الأصل لتكون منطلقات
للحق-منطلقات للباطل هو نفس السيرة التي سار عليها المنافقون في عهد الرسول
صلى الله عليه وسلم، باتخاذهم مسجد الضرار الذي اتخذوه معارضة ومضادة لمساجد
المسلمين، وفي طليعتها مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء، وهم الذين
قال الله تعالى فيهم: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين
وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى، والله
يشهد إنهم لكاذبون} التوبة: 107..
والفرق بين من نزلت فيهم الآية وبين أعداء الحق في هذا الزمان من وجهين:
الوجه الأول: أن الذين نزلت فيهم الآية لم يكونوا حكاما للمسلمين، وإنما
كانوا يتآمرون في الخفاء، لأن قيادة المسلمين كانت بيد الرسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم بإحراق ذلك المسجد وأراح المسلمين
شر أعدائهم المتآمرين.
أما في هذا الزمان فإن الذين يتخذون مساجد المسلمين ضرارا للإسلام والمسلمين،
هم حكام يحاربون الله ورسوله ويفرضون على المسلمين الحكم بغير ما أنزل الله،
وفي يدهم القوة والحكم، ولذلك تكون السيطرة على المساجد لهم، ولا يؤم الناس
فيها ويقوم بالدعوة والتعليم والخطابة فيها-غالبا-إلا من يواليهم ويضلل عقول
الناس أو يخدرها بالباطل، ولا يصدع بالحق الذي يحاربه أولئك الحكام.
الوجه الثاني: أن الذين نزلت فيهم الآية لم يستطيعوا أن يسيطروا على أكثر من
مسجد واحد-وكان ذلك بمؤامرة خفية-لم تدم لهم طويلا. أما الذين اتخذوا المساجد
منطلقات للباطل في هذا الزمان، فقد استطاعوا أن يسيطروا على غالب مساجد
المسلمين، وبخاصة المساجد الكبيرة ذات الشأن في البلدان الإسلامية، لأنهم هم
قادة المسلمين وحكامهم، وسيطرتهم عليها مبنية على حق مشروع بقوانين وأنظمة
وأجهزة صنعوها لأنفسهم، بحيث تعد تصرفاتهم في تلك المساجد مشروعة وهي الأصل،
حسب تلك القوانين والأنظمة، وتعد تصرفات غيرهم فيها-ولو كانت هي الشرعية في
الحقيقة-خارجة عن القانون والنظام، يستحق أصحابها العقاب والمساءلة. وبهذا
أصبحت مساجد المسلمين-في الغالب-ينطبق عليها قول الشاعر:
حرام على بلابله الدوح **** حلال للطير من كل جنس
(4)
اتقوا الله ما استطعتم.
ومع ذلك يجب على أهل الحق من
العلماء والمفكرين والخطباء، أن يحرصوا على العمل في المساجد، وعدم التخلي
عنها، ومحاولة القيام بما يقدرون عليه من إيصال الحق إلى عقول الناس، سواء
بقراءة القرآن في الصلوات، أو بالخطب والمواعظ، أو بالتدريس والتعليم،
والإمام الحكيم يستطيع أن يتحين الفرص ويفيد الناس في الحدود المستطاعة، ومن
يتق الله يجعل له مخرجا.
ولا ينبغي لمن عنده لقادر على إفادة المصلين-ولو قلت-التخلي عن القيام بما
يقدر عليه.
الوسيلة إلحادية عشرة: استغلال أهل الباطل اختلاف العلماء.
طرق الاستغلال.
ولهم في هذا الاستغلال طرق شتى، نذكر
منها ما يأتي:
الطريق الأولى: إعداد عملاء يلبسون
لباس التقوى والصدق.
ويظهرون الحماس للإسلام والغيرة عليه،
والانخراط في بعض الجماعات الإسلامية، والتظاهر بالإعجاب بمناهجها وأفكارها
ومظاهرها وحفظ مصطلحاتها وتكرارها، حتى تثق تلك الجماعة في أولئك العملاء من
باب حسن الظن بالمسلم، فإذا بلغوا هذا المبلغ، أخذوا يورون نار الحقد في نفوس
أعضاء من يتلون بهم من الجماعات ضد الجماعات الأخرى ومناهجها وأفكارها، وشن
الهجوم عليها وتنفير الناس منها واتهامها بالتهم الباطلة، فيكون من أثر ذلك
نفور عامة الناس من تلك الجماعات التي اتخذتها تلك الجماعة والعملاء المندسون
فيها هدفا للسب والشتم والتحذير من مناهجها ودعوتها، مع أن لدى تلك الجماعات
التي حصل التنفير منها كثيرا من الحق، وقد يكون غالب ما عندها هو الحق، وإذا
كان عندها شيء من الخطأ فقد يكون ناشئا عن اجتهاد، وقد لا يكون خطأ في حقيقة
الأمر-وإن كان خطأ عند جماعة أخرى-وبهذا يحصل حجر على عقول الناس من أن يصل
الحق الذي عند تلك الجماعات إليها، مع أن تلك الجماعة التي اندس فيها
العملاء، قد يكون ما عندها من الخطأ أو الباطل أكثر مما عند الجماعات الأخرى،
فتحاول تلك الجماعة والعملاء الذين اندسوا فيها أن يسبقوا بما عندهم من الخطأ
أو الباطل إلى عقول الناس الذين لا يفرق كثير منهم بين الخطأ والصواب ولا بين
الحق والباطل.
الطريق الثانية: استغلال الحاجة للدعم
المالي.
مع سوء تقدير بعض قادة تلك الجماعات
لعواقب ذلك الاستغلال، أو مع ضعف إيمان بعض قادة تلك الجماعات، أو جهلهم
بحقائق الشريعة الإسلامية ومقاصدها، والمصالح والمفاسد المترتبة على تصرفاتهم
المبنية على ذلك الاستغلال، فإذا ما وجد أهل الباطل أنفسهم في حاجة إلى نصر
باطلهم والسبق به إلى عقول بعض الناس أو عزوا لتلك الجماعة أو الجماعات
بتأييد ذلك الباطل ولبس الحق به والتماس أدلة تسنده، إما بتأويل فاسد،أو رأي
شاذ، أو غير ذلك، فتفعل ما طلب منها فتلبس الحق بالباطل على كثير من الناس.
الطريق الثالثة: استغلال عواطف بعض
العلماء في ا لمناسبات.
وذلك بتحريضهم للوقوف ضد خصم معين في
ظرف خاص لغرض محدد، وقد يكون ذلك الخصم من ذوي الإلحاد أو ممن يحارب حكم الله
ويعادي دعاة الإسلام ويعذب علماءه، وهذه الأمور تقتضي كفره، ولكن أهل الباطل
من أمثاله يوالونه ويتعاونون معه على الحق وعلى الباطل، فإذا ما جرى بينهم
وبينه نزاع وخصام يقتضيان حشد أهل الباطل أعوانا لهم عليه من رعايا هم أو
غيرهم للوقوف ضده في حق أو باطل، استغلوا عواطف العلماء الذين يبغضون ذلك
الخصم لجرمه وهيجوهم عليه، لإصدار الفتاوى والبيانات التي تدينه وتحكم عليه
بما هو أهل له، من فسق أو ظلم أو كفر كان متصفا بها قبل هذه الفتاوى
والبيانات، فيترتب على ذلك أثران خطيران في عقول عامة الناس:
الخطر الأول: أن يفهم كثير من الناس أن أهل الباطل الذين استغلوا العلماء ضد
ذلك الخصم هم على الحق، وخصمهم على الباطل في ذلك الظرف الخاص وفي القضية
التي كانت سببا للنزاع بينهم وبين ذلك الخصم، وقد يكون الواقع بخلاف ذلك، فقد
يكون الخصم على الحق، ومستغلي العلماء على الباطل في تلك القضية، فيكون في
فتاوى العلماء وبياناتهم في هذا الظرف تضليلا للعقول وتأييدا لظلم صاحب باطل
على مثله.
الخطر الثاني: أن أهل الباطل الذين استغلوا بعض العلماء ضد ذلك الخصم، إذا
زال سبب خلافهم مع خصمهم، عادوا إلى موالاته والتعاون معه-على الحق وعلى
الباطل-وقد ينصرونه على خصم له بالحق وبالباطل، وقد يحاولون استغلال أولئك
العلماء-أو غيرهم-للوقوف معهم في ذلك، وقد يستجيب لهم بعض العلماء لأسباب
مشابهة للأسباب السابقة التي جعلتهم يقفون ضد ذلك الخصم أولا، فيُحدِث ذلك
بلبلة في عقول الناس واضطرابا، فيقفون موقف الريبة من العلماء، وقد لا يقبلون
فتاواهم ولو كانت حقا، وفي ذلك حجر على عقول الناس من أن يصل إليها الحق،
وسبق بالباطل إليها (5) . وهذه الوسيلة من أخطر الوسائل
التي يتخذها أهل الباطل للسبق بباطلهم إلى العقول، أو الحجر عليها من أن يصل
إليها الحق. لذلك يجب أن يكون العلماء والجماعات الإسلامية على حذر شديد، من
أن يكونوا أداة لأهل الباطل الذين يجيدون المكر والحيل والاستدراج
والاستغلال.
-----------------------
[1]- ينطبق على هذه مثل
يمني يقول: المدعي من أسلم والشاهد من أسلم، والقاضي من أسلم، فكيف أسلم؟!
وأسلم: اسم قبيلة.
[2]- كالتدخين مثلا
[3]-المقصود من هذا أن بعض أولئك الخطباء، وكذلك بعض
المفتين والوعاظ، يهملون ما هو ضروري أو أولى بالاهتمام لأنه حدث الساعة،
وضرره على الأمة أشد من غيره، ويهتمون في نفس الوقت بما يمكن تأجيله أو
تناوله بما يحقق معرفته دون إهمال الضروري أو الأهم، أي إنهم يهولون ما لا
يحتاج إلى التهويل ويهملون ما هو مهول فعلا، وليس المقصود إهمال الأحكام التي
يحتاج إليها الناس في أي باب من أبواب الشريعة.
[4]-ذكرت هنا مثالا واحدا لاتخاذ أهل الباطل منطلقات الحق
منطلقات لباطلهم، وهي: المساجد، وهناك منطلقات كثيرة للحق يتخذها أهل الباطل
منطلقات لباطلهم، كالقرآن الكريم (أساس جميع منطلقات الحق) الذي يحرفه أعداء
الإسلام من المستشرقين والمنصرين، أو علماء السوء الذين اتبعوا علماء أهل
الكتاب في اشترائهم بآيات الله ثمنا قليلا.... وقد يكون تحريفه عن طريق تفسير
ألفاظه بغير معانيها المرادة، أو عن طريق ترجمته. وكذا سنة الرسول صلى الله
عليه وسلم التي يعمد أهل الباطل إلى الطعن فيما صح منها، أو تحريف معناه،
وإلى اختلاق أخبار كاذبة وإسنادها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الله
تعالى هيأ لحفظ كتابه وسنة رسوله من يذب عنهما، ويرمي بشهب الحق كل باطل حاول
أهله إيصاله إلى عقول الناس بتحريف الوحيين لفظا أو معنى...
[5]- ومما يضلل عقول الناس أن أهل الباطل لا يأذنون
للعلماء الذين استغلوهم ضد ذلك الخصم في ظرف معين أن يبينوا للناس مفاسد ذلك
الخصم وظلمه عندما ينتهي ظرف الخلاف بين أهل الباطل وخصمهم، بل قد يعاقبون من
يذكره بسوء ولو كان حقا.!.