من هم أهل الحق؟
تنبيهات ثلاثة مهمة:
الأول:
يجب أن يعلم أن مرادي بأهل الحق في هذا الكتاب أن صاحب الحق-بل هو الحق-:
الله جل جلاله، ثم أنبياؤه ورسله وكل من تبعهم واهتدى بهديهم، والمسلمون
الذين يقرون ويعترفون بأن الإسلام حق ويدخلون فيه بشهادة ألاّ إله إلا الله
محمد رسول الله، وأنه يجب العمل به وتطبيقه في الأرض، وأنه لم يبق في الأرض
بعد بعثة الرسول أي دين حق يقبله الله من أهله، ويدخل في زمرة أهل الحق من
المسلمين الذين تلك صفتهم من حصل منهم نوع تقصير من ارتكاب بعض المعاصي أو
ترك بعض الطاعات-ما عدا الشرك بالله-التي هي تحت مشيئة الله إن شاء غفرها
لهم، وإن شاء عذبهم بها، ثم أدخلهم الجنة، وقد يكون عند بعض هؤلاء شيء من
الباطل الذي يجب الرد عليه، ولكنهم لا يخرجون من صف أهل الحق-إلا عند الخوارج
ومن تبعهم في مذهبهم عالما أو جاهلا.
وأن مرادي بأهل الباطل: كل من لم يدخل في الإسلام، أو انتسب إليه ولكنه ارتد
عنه، أو زعم أنه مسلم وحارب تطبيق شريعة الله في حياة المسلمين وكلَّ من دعا
إلى ذلك التطبيق.
ولا يدخل في أهل الباطل من اجتهد من العلماء فأخطأ في نظر غيره من المجتهدين،
فإن للمجتهد أجرين إذا أصاب وأجرا إذا أخطأ، وقد يكون الخطأ عند من خطَّأه.
التنبيه الثاني:
أني لم أقصد بأهل الحق فئة معينة من المسلمين، ولا أهل بلد معين، كما لا أقصد
من أهل الباطل فئة معينة ولا أهل بلد معين، وإنما قصدت أهل الحق من حيث هم من
أي فئة كانوا، وفي أي أرض من أرض الله حلوا، وقصدت أهل الباطل من حيث هم من
أي فئة كانوا، وفي أي أرض حلوا.
التنبيه الثالث:
أن قصدي بالحق هو الحق الرباني الذي كلف الله عباده التسليم له به، والهدى
الإلهي الذي أنزل به وحيه وبعث به رسله ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور،
والذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، وهو الإسلام.
وليس مرادي ما وصلت إليه الأمم من التجارب القانونية والإدارية والكونية التي
قد يوجد فيها الحق والباطل، وهي أمور تشترك فيها كل الأمم في كل الأزمان،
فلست أنفي وجود حقٍّ مَّا عن أهل الباطل، وإنما أنفي عنهم الحق الإلهي الذي
جحدوه وكفروا به وحاربوه.
وبناء على هذا فصاحب الحق الأول هو الحق جل جلاله، فمن أسمائه الحق، كما سبق
وخلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق وأنزل كتبه ووحيه بالحق، وبعث رسله
بالحق، وكلماته كلها حق و أفعاله كلها حق.
ثم أنبياء الله ورسله الذين كلفهم تبليغ رسالاته إلى الناس، ومن استجاب لهم
من أقوامهم فآمن بما جاءوا به وعمل به ودعا إليه، وبخاصة من ناصرهم وصار
حواريا لهم، يظهر ذلك من قصص الأنبياء والرسل مع أقوامهم، وقد أمر الله تعالى
نبيه ورسوله الخاتم أن يقتدي بمن سبقه من الرسل-بعد أن ذكر طائفة منهم
بأسمائهم-فقال: ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده..)) [الأنعام: 90]
وهم أهل طاعته الذين أنعم عليهم، ذلك الموكب العظيم الذي قال الله تعالى
فيهم: ((ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..)) [النساء: 69]
وخير أمم الحق أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي شهد الله لها بالخيرية التي
نالتها بما منحها الله تعالى من المؤهلات ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون
بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)).[آل عمران: 110]
وهم حزب الله وأولياؤه الذين يجاهدون في سبيله ويحبهم ويحبونه، ولا يخافون
لومة لائم ويتولونه ويتولون أولياءه، كما قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا
من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين
أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء والله واسع عليم، إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين أمنوا
فإن حزب الله هم الغالبون..)).[المائدة: 54-56] ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم..)).[التوبة: 71]
((أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون..)).[المجادلة: 22] هؤلاء هم
أهل الحق.
فمن هم أهل الباطل؟
وأهل الباطل-على عكس أهل الحق-فقائد
هم وقدوتهم في الباطل هو إبليس، أول من عصى الله واستكبر عن طاعته وكفر به،
وأغوى من أطاع ربه، وحسده وكان سببا في إخراجه من الجنة، وأقسم على الاستمرار
في إضلال ذريته إلى يوم البعث، وهكذا اتباعه الذين يتبعون خطواته ويسيرون في
شعاب كفره لا ينفعهم إنذار، ولا تفيدهم الآيات يأمرون بالمنكر وينهون عن
المعروف.
قال تعالى: ((وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر
وكان من الكافرين..)).[البقرة: 34]
وقال تعالى: ((ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من
الساجدين، قال ما منعك ألاَّ تسجد قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من
طين)).[العراف: 11-12]
وقال تعالى: ((تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم
فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم)).[النحل: 63]
وقال تعالى: ((والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا)).[النساء: 38]
وقال تعالى: ((الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء)).[البقرة: 268]
وقال تعالى: ((يا أيها الذين أمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات
الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر)).[النور: 21]
وقال الله تعالى عن إبليس نفسه: ((قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك
المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا
تجد أكثرهم شاكرين)).[الأعراف: 16-17]
وقال تعالى عن اتباع إبليس: ((إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم
تنذرهم لا يؤمنون)).[البقرة: 6]
وقال تعالى: ((وما تأتيهم من أية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين، فقد
كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون)).[الأنعام:
4-5]
وقال تعالى: ((استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا
إن حزب الشيطان هم الخاسرون)).[المجادلة: 19]