غايات أهل الحق .
لأهل الحق غايات يسابقون بها أهل
الباطل، لإبلاغ تلك الغايات إلى عقول الناس لتستقر فيها وتؤمن بها، وتصبح
بذلك عقول حق.
ولأهل الباطل غايات يسابقون بها أهل الحق لإبلاغها إلى عقول الناس لتستقر
فيها وتستسلم لها، وتصبح بذلك عقول باطل.
غاية أهل الحق العليا في السباق إلى
العقول.
هنالك غاية عليا لأهل الحق تتفرع عنها
كل الغايات التي يسابقون بها أهل الباطل إلى العقول، وهذه الغاية هي: رضا
الله سبحانه وتعالى.
فهم-أي أهل الحق-يتحرون هذه الغاية العليا الشاملة لكل الغايات. أليس الله
تعالى هو الحق؟ أليسوا يسابقون بالحق ومن أجل الحق؟ فماذا يريدون غير رضا
الحق؟
فهذا نبي الله موسى عليه السلام يقول الله تعالى عنه: ((وما أعجلك عن قومك يا
موسى، قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربي لترضى)). [طه: 83-84]
وقال تعالى عن سليمان بن داود عليهما السلام: ((وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك
التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك
الصالحين..)). [النمل: 19]
وختم تعالى حواره مع عيسى عليه السلام بقوله: ((هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم
لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه
ذلك الفوز العظيم)). [المائدة: 119]
وقال تعالى: ((ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف
بالعباد)).[البقرة: 207]
وقال تعالى: ((ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من
أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل
والله بما تعملون بصير)).[البقرة: 265]
وقال تعالى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ومن
اتبعهم بإحسان: ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم
بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين
فيها أبدا، ذلك الفوز العظيم)).[التوبة: 100]
وقال تعالى عنهم: ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم
تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا)) [الفتح: 29]
وقال عن أهل بيعة الشجرة منهم: ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت
الشجرة)) [الفتح: 18]
وقال تعالى بعد أن ذكر ما زين للناس من متاع الحياة الدنيا: ((قل أؤنبئكم
بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين
فيها وأزواج مهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد)) [آل عمران: 15]
وقال تعالى: ((أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله)) [آل عمران: 162]
وقال تعالى: ((فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان
الله)) [آل عمران: 174]
وقال تعالى عن حزبه: ((رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب
الله هم المفلحون...)) [المجادلة: 22]
وقال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم
بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم، أن تؤمنوا بالله
ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي)) [الممتحنة: 1]
وقال تعالى: ((لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح
بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما)) [النساء:
114]
وقال تعالى: ((يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)) [المائدة: 16]
فأهل الحق يرجون من كل أعمالهم الصالحة رضا الله سبحانه وتعالى ويتبعون
رضوانه، ورضاه تعالى هو غاية كل غاية، وهو تعالى لا يرضى إلا عن أهل الحق.
ومن أجل أن رضا الله تعالى هو غاية أهل الحق، يأتي خطاب الله تعالى لهم-بعد
أن يسكنهم جنته ويعطيهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب
بشر-مخبرا لهم بإحلاله هذه الغاية العظيمة عليهم، كما في حديث أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقول لأهل
الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل
رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب فقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟
فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول:
أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا.) [صحيح مسلم (4/1276)]
فهذا الحديث يفسر أن رضوان الله عن عباده هو غاية الغايات، لأنه أفضل ما يعطى
أهل الجنة التي لا يدخلها إلا من رضي الله تعالى عنه.