اطبع هذه الصفحة


العلم في القرآن الكريم دراسة موضوعية

أحمد بن مانع بن حماد الجهني
@abo_abdalmlk

 
بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } { يا أيها الذين آمنوا اتقو الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما }.
فإن أولى ما صرفت فيه نفائس الأوقات، الاشتغال بعلوم الشريعة المتلقاة عن خير البرية، ولا شك أن مدارها على الكتاب والسنة بفهم سلف هذه الأمة. وخير هذه العلوم هو القرآن الكريم وهو خير الكلام لأنه كلام الله تعالى، فإن شرف العلم متعلق بشرف المعلوم.
فمن توفيق الله لي وفضله علي، أن أعانني على إعداد هذا البحث الذي سميته (العلم في القرآن الكريم) دراسة موضوعية. فجمعت الآيات الواردة في هذا الموضوع مستعيناً بكتاب "تصنيف آيات القرآن الكريم" لمحمد إسماعيل، ثم قمت بدراستها، واستخراج ما فيها من فوائد وحكم.

وقد رتبت هذا البحث إلى مقدمة، وثمانية مباحث:

المقدمة. المبحث الأول: العلم في اللغة، المبحث الثاني: الحث على العلم. المبحث الثالث: الحث على التفقه الموصل إلى العلم. المبحث الرابع: النهي عن الجهل. المبحث الخامس: النهي عن إتباع ما ليس لك به علم. المبحث السادس: من صفات العلماء الراسخون في العلم. المبحث السابع: القراءة والتعليم. المبحث الثامن: القلم والكتابة.
والله أسأل أن ينفع بهذا البحث الكاتب والقارئ.

المبحث الأول: العلم في اللغة:
علم : عَلِمَ يَعْلَمُ عِلْماً ، نقيض جَهِلَ. ورجل علاّمة، وعلاّم، وعليم، فإِن أنكروا العليم فإِنّ الله يحكي عن يوسف {إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] ، وأدخلت الهاء في علاّمة للتوكيد.
وما عَلِمْتُ بخبرك، أي: ما شعرت به. وأعلمته بكذا، أي: أَشْعَرْتَهُ وعلّمته تعليماً .
والله العالِمُ العَليمُ العلاّمُ . (1)
وعَلِم الشيء بالكسر يعلمه عِلْماً عرفه ورجل عَلاَّمةٌ أي عالِمٌ جدا والهاء للمُبالغة و اسْتَعْلَمهُ الخبر فأعْلَمَه إياه و عَلَّمَهُ الشيء تَعْلِيما فتَعَلَّم وليس التشديد هنا للتكثير بل للتعددية. (2)

المبحث الثاني : الحث على العلم:
1- قوله تعالى:{فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَتِلْكَ حُدودُ الله يُبَـيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَـمُونَ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَتِلْكَ حُدُودُ الله هذه الأمور التـي بـينها لعبـاده فـي الطلاق والرجعة والفدية والعدة والإيلاء وغير ذلك مـما يبـينه لهم فـي هذه الآيات، ويعرفهم أحكامها لقوم يعلـمونها إذا بـينها الله لهم، دون الذين قد طبع الله علـى قلوبهم، وقضى علـيهم أنهم لا يؤمنون بها، ولا يصدّقون بأنها من عند الله، ولذلك خص القوم الذي يعلـمون بـالبـيان دون الذين يجهلون. (3)
2- قال تعالـى: {أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُوا۴ خَيْرٌ لَّكُمْۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
قوله: إنْ كُنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ فإنه يعنـي: إن كنتـم تعلـمون خير الأمرين لكم أيها الذين آمنوا من الإفطار والفدية أو الصوم علـى ما أمركم الله به. (4)
(1) كتاب العين
(2) مختار الصحاح
(3) تفسير الطبري
(4) التحرير والتنوير
 



3- قوله تعالى: {فَإِن تَابُوا۴ وَأَقَامُوا۴ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۴ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلايَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
يقول جلّ ثناؤه: فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم أيها المؤمنون بقتلهم عن كفرهم وشركهم بالله إلى الإيمان به وبرسوله وأنابوا إلى طاعته وأقاموا الصلاة المكتوبة فأدّوها بحدودها وآتوا الزكاة المفروضة أهلها فإخْوَانُكُمْ في الدّينِ يقول: فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله به، وهو الإسلام. وَنْفَصّلُ الآياتِ يقول: ونبين حجج الله وأدلته على خلقه، لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ما بين لهم فنشرحها لهم مفصلة دون الجهال الذين لا يعقلون عن الله بيانه ومحكم آياته. (1)
خصّهم (اي الذين يعلمون ) لأنهم هم المنتفعون بها. والله أعلم. (2)

4- قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا۴ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ إِلا بِٱلْحَقِّۚ يُفَصِّلُ ٱلايَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
يُفَصّلُ الآياتِ: أي: يبين الحجج والأدلة لِقَوْم يَعْلَمُونَ إذا تدبروها، حقيقة وحدانية الله، وصحة ما يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلّم من خلع الأنداد والبراءة من الأوثان. (3)
{يُفَصِّلُ ٱلايَـٰتِ} المعنى: نبينها. {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يستدلون بالأمارات على قدرته. (4) لمن كان له عقل وذهن وتمييز .(5)
5- قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالً نُّوحِىۤ إِلَيْهِمْۖ فَسْـَٔلُوۤا۴ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}
تقدير الكلام: إن كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا أهل الذكر. قال ابن زيد: أراد بالذكر القرآن أراد: فسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن {إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} .
(1) تفسير الطبري
(2) تفسير القرطبي
(3) تفسير الطبري
(4) زاد المسير
(5) تفسير السمرقندي
(6) فتح القدير
 



6- قوله تعالى: { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلارْضِ وَٱخْتِلَـٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَٰنِكُمْۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لأيَـٰتٍ لِّلْعَـٰلِمِينَ}
{وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱڊرْضِ} فإن من خلق هذه الأجرام العظيمة التي هي أجرام السماوات، والأرض، وجعلها باقية ما دامت هذه الدار، وخلق فيها من عجائب الصنع، وغرائب التكوين ما هو عبرة للمعتبرين قادر على أن يخلقكم بعد موتكم، وينشركم من قبوركم {وَٱخْتِلَـٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ} أي: لغاتكم من عرب، وعجم، وترك، وروم، وغير ذلك , وفي هذا من بديع القدرة ما لا يعقله إلاّ العالمون، ولا يفهمه إلاّ المتفكرون . (1)
{إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لأيَـٰتٍ} يعني: لعلامات في خلق السموات والأرض، واختلاف الألسن، والألوان لعلامات. {لِّلْعَـٰلِمِينَ} فيعتبرون. قرأ عاصم في روية حفص: {لِّلْعَـٰلِمِينَ} بكسر اللام. يعني: جميع العلماء، يعني: إن في ذلك علامة للعقلاء. (2)

7- قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُوا۴ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ }
{فَكُلُوا۴ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} جملة متفرعة على بيان حل صيد الجوارح المعلمة مبينة للمضاف المقدر ومشيرة إلى نتيجة التعليم وأثره، (3) قال صاحب «الكشاف» قوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ} فيه تنبيه على أن كل من يأخذ علماً ينبغي أن يأخذه ممن هو متبحر في ذلك العلم غواص في بحار لطائفه وحقائقه وإن احتاج في ذلك إلى ارتكاب سفر بعيد .

8- قوله تعالى : {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}
قولـه: وَلَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ للذِّكْرِ يقول تعالى ذكره: ولقد سهَّلنا القرآن، بيَّناه وفصَّلناه للذكر، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ، وهوّناه.(4)
في قول الله عز وجل : « {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } قال: هل من طالب علم فيعان عليه قال أبو عمر: أما طلب الحديث على ما يطلبه كثير من أهل عصرنا اليوم دون تفقه فيه ولا تدبر لمعانيه فمكروه عند جماعة أهل العلم» . (5)
(1) فتح القدير
(2) تفسير السمرقندي
(3) تفسير الالوسي
(4) تفسير الطبري
(5) جامع بيان العلم وفضله
 



9- قال تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لا يَعْلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا۴ ٱلالْبَـٰبِ}
والاستفهام هنا مستعمل في الإِنكار. والمقصود: إثبات عدم المساواة بين الفريقين، وعدم المساواة يكنّى به عن التفضيل. والمراد: تفضيل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون. (1)
قال الزجاج: أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. وقال غيره: الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فهو بمنزلة من لم يعلم. (2)
ويقال: معناه قل هل يستوي العالم والجاهل. فكما لا يستوي العالم والجاهل، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. (3) والذين اتصفوا بصفة العلم، وليس المقصود الذين علموا شيئاً معيّناً حتى يكون من حذف المفعولين اختصاراً إذ ليس المعنى عليه، وقد دل على أن المراد الذين اتصفوا بصفة العلم قوله عقبه: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا۴ ٱلالْبَـٰبِ} أي أهل العقول، والعقل والعلم مترادفان، أي لا يستوي الذين لهم علم فهم يدركون حقائق الأشياء على ما هي عليه وتجري أعمالهم على حسب علمهم، مع الذين لا يعلمون فلا يدركون الأشياء على ما هي عليه بل تختلط عليهم الحقائق وتجري أعمالهم على غير انتظام. (4)
نعم فإن الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب لا سيما هذه الأيام التي نطق فيها الرويبضة ونعق بينها غراب الصحافة مع نفثات المرجفين, وتخذيل المتعالمين. (5)
قوله تعالى : { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۴ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا۴ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍۚ }
عن قتادة، في قوله: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْم دَرَجاتٍ إن بالعلم لأهله فضلاً، وإن له على أهله حقا، ولعمري للحقّ عليك أيها العالم فضل، والله معطى كل ذي فضل فضله.
كان مطرف بن عبد الله بن الشِّخِّير يقول: فضل العلم أحبّ إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع. (6)
10- قال: {يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۴ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا۴ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍۚ}
يقول الفخر الرازي في تفسيره : أي يرفع اللـه المؤمنين بامتثال أوامر رسولـه، والعالمين منهم خاصة درجات، ثم في المراد من هذه الرفعة قولان:
الأول: وهو القول النادر: أن المراد به الرفعة في مجلس الرسول عليه السلام.

(1) التحرير والتنوير
(2) تفسير القرطبي
(3) تفسير السمرقندي
(4) التحرير والتنوير
(5) المنهج العلمي لطالب العلم / (ذياب الغامدي)
(6) تفسير الطبري
 



والثاني: وهو القول المشهور: أن المراد منه الرفعة في درجات الثواب، ومراتب الرضوان. واعلم أنا أطنبنا في تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ ٱلاسْمَآءَ كُلَّهَا} (البقرة: 31) في فضيلة العلم ا.هـ
قال القاضي: لا شبهة أن علم العالم يقتضي لطاعته من المنزلة مالا يحصل للمؤمن، ولذلك فإنه يقتدى بالعلم في كل أفعاله، ولا يقتدى بغير العالم، لأنه يعلم من كيفية الاحتراز عن الحرام والشبهات، ومحاسبة النفس مالا يعرفه الغير، ويعلم من كيفية الخشوع والتذلل في العبادة مالا يعرفه غيره، ويعلم من كيفية التوبة وأوقاتها وصفاتها مالا يعرفه غيره، ويتحفظ فيما يلزمه من الحقوق مالا يتحفظ منه غيره، وفي الوجوه كثرة لكنه كما تعظم منزلة أفعاله من الطاعات في درجة الثواب، فكذلك يعظم عقابه فيما يأتيه من الذنوب، لمكان علمه حتى لا يمتنع في كثير من صغائر غيره أن يكون كبيراً منه.
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في المدخل عن ابن عباس في قوله: {يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۴ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا۴ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍۚ} قال: يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات. وعن ابن مسعود قال: ما خص الله العلماء في شيء من القرآن ما خصهم في هذه الآية، فضل الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم. (1) وعطف «الذين أوتوا العلم منهم» عطف الخاص على العام لأن غشيان مجلس الرسول صلى الله عليه وسلّم إنما هو لطلب العلم من مواعظه وتعليمه، أي والذين أوتوا العلم منكم أيها المؤمنون.

المبحث الثالث : الحث على التفقه الموصل إلى العلم:
11- قوله تعالى:{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَۘۘ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم: لا يكبرنّ عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربهم والإقرار بنبوّتك، فإنه لا يستجيب لدعائك إلى ما تدعوه إليه من ذلك إلا الذين فتح الله أسماعهم للإصغاء إلى الحقّ وسهَّل لهم اتباع الرشد، دون من ختم الله على سمعه فلا يفقه من دعائك إياه إلى الله وإلى اتباع الحقّ إلا ما تفقه الأنعام من أصوات رعاتها، فهم كما وصفهم به الله تعالى: صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ. (2)
ذكر الإمام القرطبي في تفسيره : أي سماع إصغاء وتفهُّم وإرادة الحق، وهم المؤمنون الذين يقبلون ما يسمعون فينتفعون به ويعملون؛ قال معناه الحسن ومجاهد، وتمّ الكلام.انتهى

(1) الدر المنثور
(2) تفسير الطبري
 



12- قوله تعالى : {قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰۤ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍۗ ٱنظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلايَـٰتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}
قوله {ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱډيَـٰتِ} نبين لـهم الحجج والدلالات من وجوه مختلفة (1) ونبيّن الآيات من البلاء والعذاب في القرآن {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} الحقيقة فيعودون إلى الحق الذي بيناه لـهم بيانات متنوّعة ويعقلون ما هم عليه. (2)

13- قوله تعالى: {فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤا۴ أَن يُجَـٰهِدُوا۴ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُوا۴ ڈ تَنفِرُوا۴ فِى ٱلْحَرِّۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّاۚ لَّوْ كَانُوا۴ يَفْقَهُونَ}
{قل} ردا عليهم وتجهيلا {نار جهنم اشد حرا} من هذا الحر وقد آثرتمونا بهذه المخالفة فما لكم لا تحذرونها {لو كانوا يفقهون} اى يعلمون انها كذلك لما خالفوا .
وفى الخبر لما اهبط آدم عليه السلام مضى جبرائيل الى مالك واخذ منه جمرة لآدم فلما تناولها أحرقت كفة فقال ما هذه يا جبرائيل قال جمرة من جهنم غسلتها سبعين مرة ثم آتيتها اليك فالق عليها الحطب واخبز وكل ثم بكى آدم وقال كيف «تقوى أولادي على حرها فقال له جبرائيل ليس لها على أولادك المطيعين من سبيل كما ورد في الحديث تقول جهنم للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى»

14- قوله تعالى: {وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا۴ كَآفَّةًۚ فَلَوْڈ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا۴ فِى ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُوا۴ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤا۴ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
روى الإمام ابن جرير الطبري من رواية مجاهد: وَما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائفَةٌ قال: ناس مِن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفا ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال الناس لهم: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجا، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبيّ صلى الله عليه وسلّم، فقال الله: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ يبتغون الخير، لِيَتَفَقَّهُوا وليسمعوا ما في الناس، وما أنزل الله بعدهم، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ الناس كلهم، إذا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ. انتهى

(1) فتح القدير
(2) تفسير السمرقندي
 



وروى الإمام ابن عبد البر في جامعه من رواية ابن عيينة : « طلب العلم والجهاد فريضة على جماعتهم ويجزئ فيه بعضهم عن بعض وقرأ هذه الآية {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم}»
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن أنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ببغداد ثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي قال: سمعت علي بن الحسن بن شقيق قال: قلت لابن المبارك : « ما الذي لا يسع المؤمن من تعليم العلم إلا أن يطلبه؟ وما الذي يجب عليه أن يتعلمه قال: لا يسعه أن يقدم على شيء إلا بعلم ولا يسعه حتى يسأل قال أبو عمر: قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصة نفسه ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه عن أهل ذلك الموضع واختلفوا في تلخيص ذلك والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه نحو الشهادة باللسان والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له ولا شبه له ولا مثل له {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} خالق كل شيء وإليه يرجع كل شيء، المحيي المميت الحي الذي لا يموت عالم الغيب والشهادة هما عنده سواء لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء هو الأول والآخر والظاهر والباطن، والذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة أنه لم يزل بصفاته وأسمائه ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء، هو على العرش استوى، والشهادة بأن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه حق وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال، والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة، ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق وأن القرآن كلام الله وما فيه حق من عند الله يلزم الإيمان بجميعه، واستعمال محكمه وأن الصلوات الخمس فريضة ويلزمه من علمها علم ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها وأن صوم رمضان فرض، ويلزمه علم ما يفسد صومه، وما لا يتم إلا به، وإن كان ذا مال، وقدرة على الحج لزمه فرضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة ومتى تجب وفي كم تجب ولزمه أن يعلم بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع السبيل إليه إلى أشياء يلزمه معرفة جملها ولا يعذر بجهلها نحو تحريم الزنا وتحريم الخمر وأكل الخنزير وأكل الميتة، والأنجاس كلها والسرقة والربا والغصب والرشوة في الحكم، والشهادة بالزور، وأكل أموال الناس بالباطل وبغير طيب من أنفسهم إلا إذا كان شيئا لا يتشاح فيه ولا يرغب في مثله، وتحريم الظلم كله وهو كل ما منع الله عز وجل منه ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحريم نكاح الأمهات والبنات والأخوات ومن ذكر معهن، وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق، وما كان مثل هذا كله مما قد نطق به الكتاب وأجمعت الأمة عليه، ثم سائر العلم، وطلبه والتفقه فيه وتعليم الناس إياه وفتواهم به في مصالح دينهم ودنياهم والحكم به بينهم فرض على الكفاية يلزم الجميع فرضه فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين بموضعه لا خلاف بين العلماء في ذلك وحجتهم فيه قول الله عز وجل {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} فألزم النفير في ذلك البعض دون الكل، ثم ينصرفون فيعلمون غيرهم والطائفة في لسان العرب الواحد فما فوقه . انتهى
ذكر الخطيب البغدادي قال أبو بكر: والطلب المفروض على كل مسلم إنما هو طلب العلم الذي لا يسع جهله فتجوز الرحلة بغير إذن الأبوين إذا لم يكن ببلد الطالب من يعرفه واجبات الأحكام وشرائع الإسلام فأما إذا كان قد عرف علم المفترض عليه فتكره له الرحلة إلا بإذن أبويه» .

المبحث الرابع: النهي عن الجهل:
15- قوله تعالى : {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقًا فِى ٱڊرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِى ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُم بِـَٔايَةٍۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰۚ فَڈ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ}
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: كقوله تعالى: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ ڐمَنَ مَن فِى ٱڊرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا۴ مُؤْمِنِينَ} الآية، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰۚ} قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس، ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، وقوله تعالى {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَۘۘ} أي إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه .انتهى
قال الماوردي في قوله {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ} يعني تجزع في مواطن الصبر, فتصير بالأسف والتحسر مقارباً لأحوال الجاهلين. ا.هـ وتكون من الذين يجهلون ذلك ويرومون ما هو خلافه (1)

المبحث الخامس : النهي عن إتباع ما ليس لك به علم:
16- قوله تعالى : {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُو۵لَـٰۤﯩـِٕكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔوڕ}
تأويل هذه الآية :القول بـما لا يعلـمه القائل يدخـل فـيه شهادة الزور، ورمى الناس بـالبـاطل، وادّعاء سماع ما لـم يسمعه، ورؤية ما لـم يره. (2) ولا تكن أيها الإنسان في اتباع ما لا علم لك به من قول أو فعل كمن يتبع مسلكاً لا يدري أنه يوصله إلى مقصده. (3)
ويقول الأمام السمرقندي : لا تقل ما لم تعلم، فتقول: علمت ولم تعلم، ورأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع. ا.هـ
وقد اجمع العلماء على إن ما لم يتبين ولم يستيقن فليس بعلم وإنما هو ظن والظن لا يغني من الحق شيئا.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : (إياكم والظن فإن الظن اكذب الحديث ) متفق عليه من حديث أبي هريرة .(4)

(1) تفسير الكشاف
(2) تفسير الطبري
(3) تفسير مراح لبيد
(4) جامع بيان العلم وفضله
 



المبحث السادس: من صفات العلماء الراسخون في العلم:
17- قال تعالى : {هُوَ ٱلَّذِىۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ ءَايَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِۦۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُۥۤ إِڑ ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِڋ أُوْلُوا۴ ٱڊلْبَـٰبِ}
يقول الإمام الطبري في تأويل هذه الآية : وأما الراسخون فـي العلـم، فـيقولون: آمنا به كل من عند ربنا، لا يعلـمون ذلك، ولكن فضل علـمهم فـي ذلك علـى غيرهم العلـم بأن الله هو العالـم بذلك دون من سواه من خـلقه.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، وهل الراسخون معطوف علـى اسم الله، بـمعنى إيجاب العلـم لهم بتأويـل الـمتشابه، أو هم مستأنف ذكرهم بـمعنى الـخبر عنهم أنهم يقولون آمنا بـالـمتشابه، وصدّقنا أن علـم ذلك لا يعلـمه إلا الله؟ فقال بعضهم: معنى ذلك: وما يعلـم تأويـل ذلك إلا الله وحده منفردا بعلـمه. وأما الراسخون فـي العلـم فإنهم ابتدىء الـخبر عنهم بأنهم يقولون: آمنا بـالـمتشابه والـمـحكم، وأن جميع ذلك من عند الله. فمن قال فـي ذلك: إن الراسخين لا يعلـمون تأويـل ذلك، وإنـما أخبر الله عنهم بإيـمانهم وتصديقهم بأنه من عند الله، فإنه يرفع «الراسخين فـي العلـم» بـالابتداء فـي قول البصريـين، ويجعل خبره «يقولون آمنا به». وأما فـي قول بعض الكوفـيـين فبـالعائد من ذكرهم فـي «يقولون»، وفـي قول بعضهم بجملة الـخبر عنهم، وهي «يقولون». ومن قال : وزعم أن الراسخين يعلـمون تأويـله عطف بـالراسخين علـى اسم الله فرفعهم بـالعطف علـيه.
والصواب عندنا فـي ذلك، أنهم مرفوعون بجملة خبرهم بعدهم وهو «يقولون»، لـما قد بـينا قبل من أنهم لا يعلـمون تأويـل الـمتشابه الذي ذكره الله عز وجل فـي هذه الآية، وهو فـيـما بلغنـي مع ذلك فـي قراءة أبـيّ: «ويقول الرَّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ» كما ذكرناه عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤه؛ وفـي قراءة عبد الله: «إن تأويـله إلا عند الله والراسخون فـي العلـم يقولون» ا.هـ
ذكر السمرقندي رحمه الله في تفسيره عن عامر الشعبي انه قال : لو كان ابن عباس بين أظهرنا ما سألته عن آية من التفسير، لأني أحلُّ حلاله، وأحرّم حرامه، وأومن بمتشابهه، وأكل ما لم أعلم منه إلى عالمه.
سئل مالك بن أنس رضي الله عنه عن الراسخين في العلم قال العالم العامل بما علم المتبع له وقيل: الراسخ في العلم من وجد في علمه أربعة أشياء: التقوى بينه وبين الله والتواضع بينه وبين الخلق والزهد بينه وبين الدنيا والمجاهدة بينه وبين نفسه. (1) وروي عن ابن عباس أنه قال تفسير القرآن على أربعة أوجه فمنه تفسير لا يسع أحداً جهله, وتفسير تعرفه العرب بألسنتها, وتفسير تعلمه العلماء, وتفسير لا يعلمه إلاّ الله. (2)

(1) تفسير البغوي
(2) لباب التأويل
 



روى الإمام ابن عبد البر في جامعه من كلام محمد بن كعب القرظي قال: سأل رجل عليا رضي الله عنه عن مسألة ، فقال فيها , فقال الرجل : ليس كذلك يا أمير المؤمنين ولكن كذا وكذا فقال علي رضي الله عنه: أصبت وأخطأت (وفوق كل ذي علم عليم) . قال عبد الله بن مسعود: إنى لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها, وأن العالم من يخشى الله ثم تلا {إنما يخشى الله من عباده العلماء} . وذكر رحمه الله من كلام ابن جريج ، عن عطاء في قوله « {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال: من خشي الله فهو عالم وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ إنما يخشى الله من عباده العلماء به وكذلك في مصحفه . وقال مجاهد ( الفقيه من خاف الله عز وجل ) ا.هـ

المبحث السابع: القراءة والتعليم:
18- قال تعالى : {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ}
{اقرأ}: أي أوجد القراءة وهي جمع الكلمات ذات الحروف باللسان. (1)
يقول صاحب الكشاف أي: اقرأ مفتتحاً باسم ربك، قل: بسم الله، ثم اقرأ. فعلى هذا يكون في الآية دليل على استحباب البداءة بالتسمية في أول القراءة. (2)

المبحث الثامن: القلم والكتابة:
19- قوله تعلى : {ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ}
أي: علم الإنسان الخط بالقلم، فكان بواسطة ذلك يقدر على أن يعلم كل مكتوب. قال الزجاج: علم الإنسان الكتابة بالقلم. قال قتادة: القلم نعمة من اللـه عزّ وجلّ عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش، فدلّ على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا، ونقلـهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلاّ هو، وما دوّنت العلوم، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأوّلين ومقالاتهم، ولا كتب اللـه المنزلة إلاّ بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين، ولا أمور الدنيا.(3)
(1) أيسر التفاسير
(2) لباب التأويل
(3) فتح القدير
 



يقول الماوردي : وفيمن علمه بالقلم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه أراد آدم عليه السلام, لأنه أول من كتب , قالـه كعب الأحبار.
الثاني: إدريس وهو أول من كتب, قالـه الضحاك.
الثالث: أنه أراد كل من كتب بالقلم لأنه ما علم إلا بتعليم اللـه لـه , وجمع بذلك بين نعمته تعالى عليه في خلقه وبين نعمته تعالى عليه في تعليمه استكمالاً للنعمة عليه.
2- قوله تعالى : { وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}
قولـه: {وَٱلْقَلَمِ} واو القسم، أقسم اللـه بالقلم لما فيه من البيان، وهو واقع على كل قلم يكتب به , (1) يقول الزمخشري: قوله {وَمَا يَسْطُرُونَ} وما يكتب من كتب وقيل ما يستره الحفظة وما موصولة أو مصدرية ويجوز أن يراد بالقلم أصحابه فيكون الضمير في {يَسْطُرُونَ} لـهم كأنه قيل: وأصحاب القلم ومسطوراتهم. أو سطورهم، ويراد بهم كل ما يسطر . انتهى
ذكر الخطيب البغدادي : عن ابن عباس في قوله تعالى : ( أو أثارة من علم ) قال : جودة الخط . انتهى. أخرجه احمد .
واخرج الطبراني : عن ابن عباس : (أو أثارة من علم ) خط يخطه العرب في الأرض .
قال الأزهري عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الخط الحسن يزيد الحق وضوحا ) .(2) أخرجه الديلمي وقال الذهبي " هذا خبر منكر " .

(1) فتح القدير
(2) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع


 

أحمد مانع الجهني
  • بحوث علمية
  • مقالات
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية