اطبع هذه الصفحة


القواعد المجموعة لدراسة علم الحديث

أحمد بن مانع بن حماد الجهني
@abo_abdalmlk

 
بسم الله الرحمن الرحيم


ذكر الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تحقيقه لكتاب الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة قواعد لدراسة علم الحديث , ذكر شيء منها تصريحا في مقدمة تحقيقه وذكر باقي القواعد في أثناء تعليقه, قال رحمه الله ( هذا وسترى أثناء التعليقات التنبيه على قواعد أخرى) .
إليك أخي القارئ هذه القواعد التي أسأل الله إن ينفع بتا الكاتب والقارئ انه قريب مجيب .

قال رحمه الله وهذه قواعد يحسن تقديمها :
1- إذا قام عند الناقد من الأدلة ما غلب على ظنه معه بطلان نسبة الخبر إلى النبي فقد يقول " باطل" أو " موضوع " . وكلا اللفظين يقتضي إن الخبر مكذوب عمدا أو خطأ إلا إن المتبادر من الثاني الكذب عمدا غير إن هذا المتبادر لم يلتفت إليه جامعوا كتب الموضوعات بل يوردون فيها ما يرون قيام الدليل على بطلانه وان كان الظاهر عدم التعمد .
2- قد تتوفر الأدلة على البطلان مع إن الراوي الذي يصرح الناقد بإعلال الخبر به لم يتهم بتعمد الكذب بل قد يكون صدوقا فاضلا ولكن يرى الناقد انه غلط أو ادخل عليه الحديث .
3- كثيرا ما يذكر ابن الجوزي الخبر ويتكلم في راو من رجال سنده فيتعقبه بعض من بعده بأن ذاك الراوي لم يتهم بتعمد الكذب ويعلم حال هذا التعقب من القاعدتين السابقتين .
نعم : قد يكون الدليل الآخر غير كاف للحكم بالبطلان ما لم ينضم إليه وجود راو في السند معروف بتعمد الكذب ففي هذه الحال يتجه ذاك التعقب .
4- إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقا حيث وقعت , أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقا ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر , فمن ذلك : إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع هذا مع إن الراوي غير مدلس , اعل البخاري بذلك خبرا رواه عمر بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة , تراه في ترجمة عمرو من التهذيب . ونحو ذلك : كلامه في حديث عمرو بن دينار : في القضاء بالشاهد واليمين . ونحوه أيضا : كلام شيخه على ابن المديني في حديث " خلق الله التربة يوم السبت .. الخ "
كما تراه في الأسماء والصفات للبيهقي وكذلك اعل أبو حاتم خبرا رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري كما تراه في علل ابن أبي حاتم .
ومن ذلك : إشارة البخاري إلى إعلال حديث الجمع بين الصلاتين : بأن قتيبة لما كتبه عن الليث كان معه خالد المدائني وكان خالد يدخل على الشيوخ .
ومن ذلك : الإعلال بالحمل على الخطأ وان لم يتبين وجهه , كإعلالهم لحديث عبد الملك بن أبي سليمان في الشفعة .
ومن ذلك : إعلالهم بظن إن الحديث ادخل على الشيخ كما ترى في لسان الميزان في ترجمة الفضل بن الحباب وغيرها .
وحجتهم في هذا : إن عدم القدح بتلك العلة مطلقا إنما بنى على دخول الخلل من جهتها نادر فإذا اتفق إن يكون المتن منكرا يغلب على ظن الناقد بطلانه ,
فقد يحقق وجود الخلل , وإذ لم يوجد سبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنها هي السبب وان هذا من ذاك النادر الذي يجئ الخلل فيه من جهتها .
وبهذا يتبين : إن ما يقع ممن دونهم من التعقيب بأن تلك العلة غير قادحة وإنهم قد صححوا مالا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق , اللهم إلا إن يثبت المتعقب إن الخبر غير منكر .
5- القواعد المقررة في مصطلح الحديث : منها ما يذكر فيه خلاف ولا يحقق الحق فيه تحقيقا واضحا , وكثيرا ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيرا , وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل
مع حسن الفهم وصلاح النية .
6- صيغ الجرح والتعديل كثيرا ما تطلق على معان مغايرة لمعانيها المقررة في كتب المصطلح معرفة ومعرفة ذلك : تتوقف على طول الممارسة واستقصاء النظر .
7- ما اشتهر إن فلانا من الأئمة متساهل , وفلانا مشدد , ليس على إطلاقه فإن منهم من يسهل تارة ويشدد أخرى , بحسب أحوال مختلفة ومعرفة هذا وغيره من صفات الأئمة لها اثر في إحكامهم لا تحصل إلا باستقراء بالغ لأحكامهم مع التدبر التام .
(انتهى من ذكر القواعد التي ذكرها في المقدمة )
8- ولم يوثقه إلا العجلي وابن حبان , وقاعدة ابن حبان معروفة ( انه متساهل ) وقد استقرأت كثيرا من توثيق العجلي , فبان لي انه نحو من ابن حبان .
9- وعادة ابن معين في الرواة الذين أدركهم انه إذا أعجبته هيئة الشيخ يسمع منه جملة من أحاديثه فإذا رأى أحاديث مستقيمة ظن إن ذلك شأنه فوثقه وقد كانوا يتقونه ويخافونه . فقد يكون احدهم ممن يخلط عمدا ولكنه استقبل ابن معين بأحاديث مستقيمة ولما بعد عنه خلط , فإذا وجدنا ممن أدركه استقبل ابن معين من الرواة من وثقة ابن معين وكذبه الأكثرون أو طعنوا فيه طعنا شديدا . فالظاهر انه من هذا الضرب فإنما يزيده توثيق ابن معين وهنا , لدلالته على انه كان يتعمد .
10- هذه الكلمة ( أرجو انه لا بأس به ) رأيت ابن عدي يطلقها في مواضع تقتضي إن يكون مقصوده " أرجو انه لا يتعمد الكذب " .
11- رزين معروف وكتابه مشهور ولم أقف على طريقته وشرطه فيه غير انه سماه فيما ذكر صاحب كشف الظنون : تجريد الصحاح الستة ( هي : الموطأ والصحيحان , وسنن أبي داوود , والنسائي , والترمذي ) .
ويظهر من خطبة جامع الأصول لابن الأثير : إن رزينا لم يلتزم نسبة الأحاديث إلى تلك الكتب بل يسوق الحديث الذي هو فيها كلها , والحديث الذي في واحد منها كجامع الترمذي مغفلا النسبة في كل منها , فعلى هذا : لا يستفاد من كتابه في الحديث , إلا انه في تلك الكتب أو بعضها , ومع ذلك : زاد أحاديث ليست فيها ولا في واحد منها فإذا كان الواقع هكذا ومع ذلك لم ينبه في خطبة كتابه أو خاتمته على هذه الزيادات فقد أساء ومع ذلك فالخطب سهل , فإن أحاديث غير الصحيحين من تلك الكتب ليست كلها صحاحا , فصنيع رزين - وان أوهم في تلك الزيادات أنها في بعض تلك الكتب فلم يوهم انه صحيح أو حسن . واحسب الأحاديث التي زادها كانت وقعت له بأسانيده , فإنها أحاديث معروفة بالجملة .

12- توثيق العجلي والحاكم , فإن كلمة " ثقة " عندهما لا تفيد أكثر مما تفيده كلمة " صدوق " عند غيرهما بل دون ذلك .

13- محمد بن ذكوان , وهو الازدي الطاحي منكر الحديث , قاله البخاري وأبو حاتم , وقال النسائي : " ليس بثقة ولا يكتب حديثه وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة :حدثني محمد بن ذكوان وكان كخير الرجال . ثم قال أبو داود : ولم يرو شعبة عن محمد بن ذكوان إلا هذا الحديث " وقد روى شعبة عن آخر يقاله له : محمد بن ذكوان , فإن كان اراد صاحبنا فقول شعبة " كخير الرجال " ليس بتوثيق , وقد يكون الرجل صالحا في نفسه وليس بشئ في الرواية, واقتصار شعبة على حديث واحد يشعر بما ذكرت , وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين " محمد بن ذكوان الذي روى عنه شعبة ثقة " فإن كان أراد هذا فكأنه لم يخبره . بل بنى على الغالب إن شعبة لا يروى إلا عن ثقة وقوى عنده ذلك بقول شعبة " كان كخير الرجال " .
14- عائذ بن نسير هذا هو الصواب . قال يحيى ابن معين مرة " ضعيف " ومرة " ليس به بأس ولكنه روى أحاديث مناكير " وهذا يحتمل وجهين , الأول انه كان صالحا في نفسه ولكنه مغفل يقع منه الكذب بدون تعمد , الثاني انه كان يدلس ما سمعه من الهلكى .
15- زهير بن محمد إذا روى عنه أهل الشام جاءوا بالأباطيل , لأنه لم يكن يحفظ وحدثهم عن حفظه , (قال في موضع آخر ) أحاديث أهل الشام عن زهير منكره .
16- إخراج البخاري (لخبر ما ) في التاريخ لا يفيد الخبر شيئا , بل يضره . فإن من شأن البخاري إن لا يخرج الخبر في التاريخ إلا ليدل على و هن راويه .
17- إن صيغة " أنبأنا " يستعملها المتأخرون في الإجازة . ( للتوضيح انظر الأصل 185)
18- قال البخاري " سكتوا عنه " وهذه من اشد صيغ الجرح عند البخاري .
19- (قال رحمه الله ) : إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو هالك ,قال احمد والنسائي وابن جنيد "متروك الحديث " وقال ابن معين " ليس بثقة وليس بشيء " وقال أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني " منكر الحديث " (ثم قال رحمه الله ) أهمل السيوطي هذا كله وقال " اخرج له الترمذي وابن ماجه وقال ابن عدي يكتب حديثه " وهو يعلم إن فيمن يخرج له الترمذي وابن ماجه ممن اجمع الناس على تكذيبه كالكلبي , وابن عدي إنما قال " هو في عداد من يكتب حديثه " .
20- ( ذكر رحمه الله رواية عن الحكيم الترمذي ثم قال ) وإنما ذكرت هذا ليعرف إن غالب ما ينفرد به الحكيم الترمذي هو من هذه الاكاذيب .
21- ( قول المعلمي رحمه الله في بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة ) والصناعة فيها ظاهرة , ( وفي موضع آخر ) والصناعة فيها واضحة .
22- ( قول البخاري ) " منكر الحديث " وهي من اشد الصيغ عنده .
23- إذا قام البرهان على بطلان المتن , لم يتوقف الحكم ببطلانه على وجود متهم بالوضع في سنده .

24- قاعدة ابن حبان إن يذكر في ثقاته المجهول إذا لم يعلم في روايته ما يستنكره وهذا معروف مشهور , فذكر الرجل في ثقاته لا يمنع كونه مجهولا .

25- المجهول إذا روى خبرين لم يتابع عليهما , فهو تالف .

26- المتروك إن لم يكذب عمدا فهو مظنة أن يقع له الكذب وهما , فإذا قامت الحجة على بطلان المتن , لم يمتنع الحكم بوضعه , ولا سيما مع التفرد المريب .
27- البخاري لا يمتنع في غير الصحيح عن الرواية عن الضعفاء .

28- ولا اعتداد بتوثيق ابن سعد إذا خالف ، فإن مادته من الواقدي كما قاله ابن حجر في تراجم عبد الرحمن بن شريح ومحارب بن دثار ونافع بن عمر الجمحي من مقدمة الفتح ، والواقدي لا يعتد به .
(وفي موضع آخر قال ): ولا يلتفت إلى ابن سعد إذا خالف الأئمة فإن مادته من الواقدي كما ذكره ابن حجر في مواضع من مقدمة الفتح .

29- قال الإمام الشوكاني رحمه الله (قلت : ما ذكره (ابن حجر) من قوله : ولا ينبغي الإقدام على الحكم بالوضع إلا عند عدم إمكان الجمع : كلام غير صحيح ، فإنه إذا تعذر الجمع لا يحل لأحد إن يحكم بوضع الموضوع . بل غاية ما يلزم تقديم الراجح عليه . وذلك لا يستلزم كونه موضوعا بلا خلاف ) .
قال العلامة المعلمي تعقيبا على كلام الشوكاني ( بل إذا تحقق النتاقض ولزم من صحة احدهما بطلان الآخر لزم الوضع ، والحكم بالوضع يكفي فيه غلبة الظن كما لا يخفى ) .

30- ذكر الشوكاني في كتابه (باب فيما) "ذكر" (عن) "معاوية", وسرد أحاديث كثيره في هذا الباب , ثم ذكر المعلمي في الحاشية ما نصه ( مراسيل الشاميين في هذا الباب ساقطة البتة ).

31- قال الشوكاني رحمه الله ( ذكره ابن الجوزي في موضوعاته ، وقال : لا يصح يزيد بن أبي زياد كان يتلقن .
قال في اللآلئ : هذا لا يقتضي الوضع ).
حقق المعلمي المسألة فقال ( لكنه مظنة رواية الموضوع ، فإن معنى قبول التلقين انه قد يقال له : أحدثك فلان عن فلان بكيت وكيت ؟ فيقول : نعم حدثني فلان ابن فلان بكيت وكيت . ومع انه ليس لذلك أصل , وإنما تلقنه , وتوهم انه من حديثه . وبهذا يتمكن الوضاعون إن يضعوا ما شاءوا ويأتوا إلى هذا المسكين فيلقنونه فيتلقن ويروي ما وضعوه ).
32- قال الشوكاني : خالد بن محمد بن خالد بن الزبير قال أبو حاتم : مجهول وقال في اللسان ذكره ابن حبان في الثقات .
قال المعلمي : من قاعدة ابن حبان : إن يذكر المجهولين في ثقاته بشرط قرره , ومع ذلك لايفي به , فإن من شرطه إن لا يروى الرجل منكرا . وهذا قد روى هذا المنكر . بل قال البخاري " منكر الحديث"

33- قال ابن الجوزي : درُست بن زياد , ليس بشيء .
قال الدارقطني : ضعيف , ووثقه ابن عدي فقال ارجوا انه لا بأس به .
قال المعلمي :ليس هذا بتوثيق , وابن عدي يذكر منكرات الراوي ثم يقول "ارجوا انه لا بأس به " يعني بالبأس تعمد الكذب . ودرُست واهٍ جدا .

34- قاعدة في توثيق دحيم :
توثيق دحيم لا يعارض توهين غيره من ائمة النقد فإن دحيما ينظر إلى سيرة الرجل ولا يمعن في حديثه .

35- موسى بن جبير هذا : ذكره ابن حجر في التقريب وقال"مستور" وذكره ابن حبان في ثقاته لكنه قال " يخطىء ويخالف" وذكر ابن حبان للرجل في ثقاته وإخراجه له في صحيحة لا يخرجه عن جهالة الحال فأما إذا زاد ابن حبان فغمزه بنحو قوله " يخطى ويخالف " فقد خرج عن إن يكون مجهول الحال إلى دائرة الضعف .

وبهذا انتهيت من إخراج هذه القواعد التي احسب أنها مهمة جدا لكل طالب لعلم الجرح والتعديل .

اسأل الله إن ينفع بتا الكاتب والقارئ .

والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , والحمد لله رب العالمين .

 

أحمد مانع الجهني
  • بحوث علمية
  • مقالات
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية