اطبع هذه الصفحة


راعوا ظروفهم وأحوالهم

علي بن صالح الجبر البطيّح

 
يلتقي الناس في مناسبات جميلة , الأقارب والجيران والأصدقاء , وهذا شئ جميل والتواصل مطلب شرعي ولاشك , لكنّ الأغنياء منهم قد يغفلون عن جلسائهم من الفقراء والمحتاجين فيتكلّفون في مناسباتهم الخاصة , ويظهرون بأحسن وأبهى وأجمل صورة في المأكل والمشرب والملبس , لأنّ الله تعالى قد أنعم ووسّع عليهم , أمّا أصحاب الحاجة من جلسائهم فلا يدركون ذلك , وقد يضطرون إلى الاستدانة لمواكبة مجالسيهم من الموسرين , ويحدث هذا مراراً وتكراراً وخصوصاً بين الأقارب , فالفقير إذا جاء دوره , واقتربت مناسبته ووليمته علاه الهمّ والغمّ , كيف سيظهر أمام ضيوفه وخصوصاً الأغنياء منهم بالمظهر اللائق ؟ فضلاً عمّا يدور في عالم النساء من حيث الملبس ونحوه مما يثقل كاهل الضعيف فتنقلب المناسبة السعيدة إلى حزن وكآبة , فالأب يقول : ماذا يسعني فعله ؟ والأمّ تقول : البنيّات لهنّ مطالب وحاجات حتى يظهرن أمام مثيلاتهنّ بما يناسب فتضعف أمام إلحاحهنّ , وتلبّي اضطراراً , أمّا الضيوف فقد قطفوا ثمرة هذه الترتيبات , وآخر عهدهم بالمناسبة قولهم ( أطعم الله من أطعمنا ..إلخ ) دون أن يشعروا بالمعاناة , وهنا كلمة لابد منها للأغنياء : راعوا ظروفهم وأحوالهم , ولاتتكلفوا في كل شئ فيتكلفون مثلكم , أنتم تستطيعون , وهم لا يستطيعون , أنتم لاتتأثرون مالياً , وهم قد تأثروا وغصّوا ...ما المانع , -حتى وإن كنتم موسرين – أن تتواضعوا في كل شئ حتى لاترهقوهم , بل حتى تشجعوهم على عدم التكلّف فإذا رأوا منكم تواضعاً في المأكل والمشرب والملبس في المناسبات , فإنّ ذلك يحفّزهم ويشجعهم على استمرارية التواصل والألفة والمحبة , وكم من غني تواضع لأقربائه وجيرانه وأصحابه ذوي الحاجة فاقتربوا منه وأحبّوه وأنسوا برؤيته , وبالمقابل كم من غني غفل عن هذه الفئة فظهر أمامهم بأغلى وأحسن وأبهى وأجمل صورة , فعجز ذوو الحاجة عن مجاراته ومحاكاته ومسايرته فاعتذروا عنه وتركوه , وخافوا على نسائهم من الاختلاط بنسائه حتى لايتأثرن فيمارسن الضغط عليهم وظروفهم لاتسمح , وخافوا على أولادهم من الاختلاط بنظرائهم فآثروا القطيعة , والمشكلة تزداد إذا كان بين الأقارب جدّاً كالإخوة والأخوات , ولذا سمعت عن أم فقيرة , ولها أولاد في سنّ المراهقة لم تصل أختها الغنية – وهي ذات أولاد أيضاً - منذ زمن , والسبب : هو التفاوت بينهما في هذا الجانب , تقول الفقيرة : ماذنب أولادي إذا رأوا أبناء خالتهم عليهم أثر النعمة والغنى ؟ ينظرون إليهم يريدون مثلهم وأنا لا أستطيع توفير ما يريدون , وأختى – هداها الله - ترى فقرنا وحاجتنا ولم تحرّك ساكناً سوى فرحتها بمجيئنا وإكرامنا بما جرت العادة أن يكرم به كل ضيف , لم تقل يوماً : هذا لابنك , وهذه لابنتك , هذه هدية لأولادك بمناسبة كذا وكذا , أنا لاأتسوّل لكن يجدر بكل أخت غنية أن تصل أختها المحتاجة بما يرسم البسمة على محياها خصوصاً إذا كانت ذات أولاد , ومتطلبات الحياة كثيرة , ذات يوم دعوتها لوليمة عشاء , فآثرت عدم التكلّف فرفض أولادي إلا التكلّف بما يليق بخالتهم وأولادها , وقالوا : ستخجليننا إن لم تتكلّفى , لابد أن نظهر بالصورة المشرفة حتى لايظنّوا أننا ...!!!! فوافقت الأم على مضض وتكلّفت كثيراً , ولم تنته من تسديد تكاليف العشاء إلا بعد ثلاثة أشهر , والله المستعان , إذاً راعوا ظروفهم وأحوالهم


محبك / علي بن صالح الجبر البطيّح
Asb1388@gawab.com
القصيم – البدائع ص . ب ( 988)
جوال / 0504286623
 

علي البطيّح
  • مقالات دعوية
  • قف وتأمل
  • استشارات
  • الصفحة الرئيسية