اطبع هذه الصفحة


جوامع الكَلِم ونفائس الحِكَم من كتاب "المجالسة وجواهر العلم" (3)

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وأسبع علينا وافر النِّعم، علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبي الأكرم، وعلى آله وصحبه وسلم، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
كم نحن بحاجة لتزكية النفوس وتهذيبها، وتطهيرها من الأدران والرذائل، وتنقيتها من الأخلاق الدنيئة والشوائب، قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )، قد أفلح من كبرها وأعلاها بطاعة الله، وأظهرها، وقد خاب وخسر من أخفاها، وحقرها وصغرها بمعصية الله.
وتزداد حاجة المسلم لمراجعة سلوكه وتصرفاته، والوقوف عند أفعاله وتعاملاته، ومدى صلته بربه؛ مع كثرة الابتلاءات والفتن.. التقلبات والمحن، من خلال التأمل والنظر، في سير من غبر، من الصالحين والعلماء العاملين، واقتفاء أثرهم وسلوك طريقتهم.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم * إن التشبه بالكرام فلاح
كثيرة هي كتب السلف، التي تُحيي تراثهم، وتؤصل لحياتهم، وتتحرى سيرهم، وتقتفي آثارهم، منها الكتاب الذي بين أيدينا، إذ جمع فيه مصنفه رحمه الله جواهر ثمينة، ودرر مكنونة، ومواقف فريدة، ومواعظ جليلة، وحِكم رائعة، وأشعار نفيسة، ومعاني رفيعة.
يقول ابن حبان: قوت الأجساد المطاعم، وقوت العقل الحِكم، فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب، وكذلك العقول إذا فقدت قوتها من الحكمة ماتت.
وأنا أتنقل في هذا البستان المثمر، متأملا ما فيه من العبر، وكثرة الفوائد والفِكَر، بدأت أجمع كل ما فيه ثمرة عملية، وأثر تربوي وسلوك رصين، في حياتنا اليومية، لتصبح نبراسا يضيء، ومؤنسا في الوحدة، ودليلا للسالكين، وهذا والله من أنفس العلوم، لما يترتب عليه من قوة الإيمان، والازدياد من طاعة الرحمن.
قال أبو هلال: فَإِذا كَانَ الْعلم مؤنسا فِي الْوحدَة، ووطنا فِي الغربة، وشرفا للوضيع، وَقُوَّة للضعيف، ويسارا للمقتر، ونباهة للمغمور حَتَّى يلْحقهُ بالمشهور الْمَذْكُور، كَانَ من حَقه أَن يُؤثر على أنفس الأعلاق، وَيقدم على أكْرم العقد، وَمن حق من يعرفهُ حق مَعْرفَته أَن يجْتَهد فِي التماسه ليفوز بفضيلته.
هذه أقوال مختارة وحِكَم منتخبة، ونفائس منتقاة وفوائد مستقاة، من كتاب" المجالسة وجواهر العلم" للعلامة الفقيه المحدث أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي ( ت: 333هـ )، إذ اعتمدت طبعة دار ابن حزم، التي قامت بنشرها جمعية التربية الإسلامية، بتحقيق الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان ( 10 مجلدات )، واستبعدت من الأقوال ما حكم عليه المحقق بالضعف، واخترت الصحيح منها أو ما سكت عنه، مع ذكر رقم المجلد والصفحة لكل مقولة.
ومن باب الاختصار والتسهيل، قمت بحذف السند والاكتفاء بنسبة القول لقائله، وتجميع الأقوال وتقسيمها إلى ثلاث مجاميع على النحو التالي:
1- جوامع الكلم ونفائس الحِكَم.
2- ما قلَّ ودلَّ من جوامع الكلم.
3- جوامع الكلم شعرا.

جوامع الكلم ونفائس الحِكَم


قِيلَ لِحُبيّ الْمَدِنِيَّةِ: مَا الْجُرْحُ الَّذِي لَا يَنْدَمِلُ؟ قَالَتْ: حَاجَةُ الْكَرِيمِ إِلَى اللَّئِيمِ ثُمَّ يَرُدُّهُ. قِيلَ لَهَا: فَمَا الذُّلُّ؟ قَالَتْ: وُقُوفُ الشَّرِيفِ بِبَابِ الدَّنِيءِ لَا يُؤْذَنُ لَهُ. قِيلَ لَهَا: فَمَا الشَّرَفُ؟ قَالَتْ: اعْتِقَادُ الْمِنَنِ فِي رِقَابِ الرِّجَالِ.
(2/378).

قَالَ عُمَرُ بن الخطاب: أُعْلِمْتُمْ أَنَّ الطَّمَعَ فَقْرٌ، وَأَنَّ الْإِيَاسَ غِنًى، وَأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا يَئِسَ مِنْ شَيْءٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ؟!
(2/379).

عن سَلَمَةُ بْنُ هَزَّالٍ؛ قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ فِي جِنَازَةٍ وَفِيهَا الْفَرَزْدَقَ، فَقَالَ لِلْفَرَزْدَقِ: يَا أَبَا فِرَاسٍ! مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ؟ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُنْذُ ثَمَانِينَ سَنَةً. قَالَ: نِعِمَّا؛ فَأَبْشِرْ.
(2/386).

عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وسرورا} [الإنسان: 11]؛ قَالَ: نَضْرَةً فِي وُجُوهِهِمْ وَسُرُورًا فِي قُلُوبِهِمْ.
(2/386).

ذهب أبو فلان الْأَعْرَابِيِّ فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَدَعَتْهُ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ إِلَى نَفْسِهَا، فَلَمَّا جَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ؛ قَامَ عَنْهَا وَهُوَ يَنْتَفِضُ، فَقَالَتْ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: قُومِي يَا فَاعِلَةُ إِنَّ رَجُلًا يَبِيعُ جَنَّةً عرضها السماوات وَالْأَرْضُ بِمِقْيَاسِ فِتْرٍ مَا بَيْنَ رِجْلَيْكِ لَمَلْعُونٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
(2/389).

كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَمَّا بَعْدُ! فَإِذَا دَعَتْكَ قُدْرَتُكَ عَلَى النَّاسِ إِلَى ظُلْمِهِمْ؛ فَاذْكُرْ قُدْرَةَ اللهِ عَلَيْكَ وَنَفَادَ مَا تَأْتِي إِلَيْهِمْ وَبَقَاءَ مَا يُؤْتَى إِلَيْكَ.
(2/410).

قال ابْنُ قُتَيْبَةَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْهِنْدِ: مَنِ الْتَمَسَ مِنَ الْإِخْوَانِ الرُّخْصَةَ عِنْدَ الْمَشُورَةِ، وَمِنَ الْأَطِبَّاءِ عِنْدَ الْمَرَضِ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ؛ أَخْطَأَ الرَّأْيَ، وَازْدَادَ مَرَضًا، وَحَمَلَ الْوِزْرَ.
(2/412).

كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى الْمُهَلَّبِ يَسْتَعْجِلُهُ فِي الْأَزَارِقَةِ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ مِنَ الْبَلَاءِ أَنْ يَكُونَ الرَّأْيُ لِمَنْ يَمْلِكُهُ دُونَ مَنْ يُبْصِرُهُ.
(2/413).

قال بعض الحكماء: من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة، لم يمنع الصواب.
(2/413).

قال الأصمعي: لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها، ولا جائعا، ولا حاقنا، ولا حازقا، ولا حاقبا.
قال إبراهيم: الحازق الذي ضغطه الخف. والحاقب: الذي يجد رزءا في بطنه.
(2/414).

قال بعض الحكماء وقيل له: ما العقل؟ قال: الإصابة بالظن، ومعرفة ما كان بما لم يكن، ومعرفة ما يكون بما كان.
(2/417).

عن ابن عيينة؛ قال: نَظَرَ بَعْضُ الْمُلُوكِ إِلَى الْعُذْرِيِّ النَّاسِبِ، فِي عَبَاءَةٍ، فَازْدَرَاهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْعَبَاءَةَ لَا تُكَلِّمُكَ، وَإِنَّمَا يُكَلِّمُكَ مَنْ فِيهَا.
(2/420).

قَامَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنِّي مُكَلِّمُكَ بِكَلَامٍ؛ فَاحْتَمِلْهُ إِنْ كَرِهْتَهُ، فَإِنَّ مِنْ وَرَاءِهِ مَا تُحِبُّهُ إِنْ قَبِلْتَهُ. قَالَ: هَاتِ يَا أَعْرَابِيُّ. قَالَ: فَإِنِّي سَأُطْلِقُ لِسَانِي بِمَا خَرِسَتْ عَنْهُ الْأَلْسُنُ مِنْ عِظَتِكَ بِحَقِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحَقِّ إِمَامَتِكَ؛ إِنَّهُ قَدِ اكْتَنَفَكَ رجالٌ أساؤوا الِاخْتِيَارَ لِأَنْفُسِهِمْ؛ فَابْتَاعُوا دُنْيَاكَ بِدِينِهِمْ، وَرِضَاكَ بِسَخَطِ رَبِّهِمْ، خَافُوكَ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَخَافُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيكَ؛ فَهُمْ حَرْبُ الْآخِرَةِ، سِلْمُ الدُّنْيَا؛ فَلَا تَأْمَنْهُمْ عَلَى مَا ائْتَمَنَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عليه؛ فإنهم لم يَأْلُوا الْأَمَانَةَ إِلَّا تَضْيِيعًا، وَالْأُمَّةَ إِلَّا عَسْفًا، وَالْقُرَى إِلَّا خَسْفًا، وَأَنْتَ مَسْئُولٌ عَمَّا اجْتَرَحُوا وَلَيْسُوا مَسْئُولِينَ عَمَّا اجْتَرَحْتَ؛ فَلَا تُصْلِحْ دُنْيَاهُمْ بِفَسَادِ آخِرَتِكَ؛ فَأَعْظَمُ النَّاسِ غَبْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَمَّا أَنْتَ يَا أَعْرَابِيُّ؛ فَقَدْ نَصَحْتَ، وَأَرْجُو أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعِينُ عَلَى مَا تَقَلَّدْنَا.
(3/18).

دَخَلَ محمد بن كعب القرظي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ وَلِيَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّمَا الدُّنْيَا سُوقٌ مِنَ الْأَسْوَاقِ؛ فَمِنْهَا خَرَجَ النَّاسُ بِمَا رَبِحُوا مِنْهَا لِآخِرَتِهِمْ، وَخَرَجُوا مِنْهَا لِمَا يَضُرُّهُمْ؛ فَكَمْ مِنْ قَوْمٍ غَرَّهُمْ مِثْلُ الَّذِي أَصْبَحْنَا فِيهِ حَتَّى أَتَاهُمُ الْمَوْتُ؛ فَاسْتَوْعَبَهُمْ، وَخَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا مُرْمِلِينَ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْ [أَمْرِ] الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَاقْتَسَمَ مَالَهُمْ مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُمْ، وَصَارُوا إِلَى مَنْ لَمْ يَعْذُرْهُمْ؛ فَانْظُرِ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ إِذَا قَدِمْتَ؛ فَقَدِّمْهُ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِ، وَانْظُرِ الَّذِي تَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ إِذَا قَدِمْتَ؛ فَابْتَغِ بِهِ الْبَدَلَ حَيْثُ يَجُوزُ الْبَدَلُ، وَلَا تَذْهَبَنَّ إِلَى سِلْعَةٍ قَدْ بَارَتْ عَلَى غَيْرِكَ تَرْجُو جَوَازَهَا عَنْكَ، يَا أَمِيرَ المؤمنين! فتحِ الأَبْوَابَ، وَسَهِّلَ الْحِجَابَ، وَانْصُرِ الْمَظْلُومَ.
(3/20-21).

قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: جَنِّبُوا مَجَالِسَنَا ذِكْرَ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ؛ فَإِنِّي أُبْغِضُ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ وَصَّافًا لِفَرْجِهِ وَبَطْنِهِ، وَإِنَّ مِنَ الْمُرُوءَةِ وَالدِّيَانَةِ أَنْ يَتْرُكَ الرَّجُلُ الطَّعَامَ وَهُوَ يَشْتَهِيهِ.
(3/45).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَدَارُ صَالِحِ الْأُمُورِ فِي أَرْبَعٍ: فِي الطَّعَامِ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا عَلَى شَهْوَةٍ، وَالْمَرْأَةِ الصالحة يَعِفُّ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَالْمَلِكُ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الطَّاعَةُ، وَالرَّعِيَّةُ لَا يُصْلِحُهَا إِلَّا الْعَدْلُ.
(3/45).

قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهِ عَنْهُ: كُلُّ النَّاسِ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُرْضِيَهُ؛ إِلَّا حَاسِدَ نِعْمَةٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُرْضِيهِ إِلَّا زَوَالُهَا.
(3/50).

يقول الْأَصْمَعِيَّ: رَأَيْتُ أَعْرَابِيًّا فِي بَنِي عُذْرَةَ قَدْ أَتَتْ لَهُ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَطْوَلَ عُمُرِكَ؟ فَقَالَ: تَرَكْتُ الْحَسَدَ فَبَقِيتُ.
(3/52).

عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ؛ قَالَ: سِتَّةٌ لَا يَخْلُوَنَّ مِنَ الْكَآبَةِ: رَجُلٌ افْتَقَرَ بَعْدَ غِنًى، وَغَنِيٌّ يَخَافُ عَلَى مَالِهِ التَّوَى، وَحَقُودٌ، وَحَسُودٌ، وَطَالِبُ مَرْتَبَةٍ لَا يَبْلُغُهَا قَدْرُهُ، وَمُخَالَطَةُ الْعُلَمَاءِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
(3/53).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَابَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالَ لَهُ: قَدِ اسْتَدْلَلْتَ عَلَى كَثْرَةِ عُيُوبِكَ بِمَا تُكْثِرُ مِنْ عُيُوبِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْعُيُوبِ إِنَّمَا يَطْلُبُهَا بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْهَا.
(3/56).

قِيلَ لِبُزْرُجَمْهَرَ الْحَكِيمِ: هَلْ مِنْ أَحَدٍ لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ؟ قَالَ: لَا، إِنَّ الَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمُوتَ أَبَدًا.
(3/58).

قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَيْسَ الْعَاقِلُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَلَكِنِ الْعَاقِلُ الَّذِي يَعْرِفُ خَيْرَ الشَّرَّيْنِ.
قَالَ زِيَادٌ: لَيْسَ الْعَاقِلُ الذي يحتال للأمر إِذَا وَقَعَ فِيهِ، وَلَكِنِ الْعَاقِلُ الَّذِي يَحْتَالُ لِلْأَمْرِ أَنْ لَا يَقَعَ فِيهِ.
(3/60).

قَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيِّ: الِانْقِبَاضُ مِنَ النَّاسِ مَكْسَبَةٌ لِلْعَدَاوَةِ، وَإِفْرَاطُ الأُنْسِ بِالنَّاسِ مَكْسَبَةٌ لِقُرْنَاءِ السُّوءِ، وَاللهُ يَخْلُقُ مَا أَتْلَفَ النَّاسُ، وَالدَّهْرُ يُتْلِفُ مَا جَمَعُوا، وَكَمْ مِنْ مِيتَةٍ عِلَّتُهَا طَلَبُ الْحَيَاةِ، وَحَيَاةٌ سَبَبُهَا التَّعْرِيضُ لِلْمَوْتِ؟!
(3/61).

قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمُزَاحِمٍ مَوْلَاهُ: إِنَّ الْوُلَاةَ جَعَلُوا الْعُيُونَ عَلَى الْعَوَامِّ، وَأَنَا أَجْعَلُكَ عَيْنًا عَلَى نَفْسِي؛ فَإِنْ سَمِعْتَ مِنِّي كَلِمَةً تَرْبَأُ بِي عَنْهَا أَوْ فِعْلًا لَا تُحِبُّهُ؛ فَعِظْنِي عِنْدَهُ وَنَبِّهْنِي عَلَيْهِ.
(3/62).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: قَدْ تَقْطَعُ الشَّجَرَةَ بِالْفُؤُوسِ فَتَثْبُتُ، وَتَقْطَعُ اللَّحْمَ بِالسَّيْفِ فَيَنْدَمِلُ، وَاللِّسَانُ لَا يَنْدَمِلُ جُرْحُهُ.
(3/64).

كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى عَامِلِهِ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَأَةَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا عُدُوَةُ أَوْلِيَاءِ اللهِ وَعُدُوَةُ أَعْدَاءِ اللهِ، أَمَّا أَوْلِياءُ اللهِ؛ فَغَمَّتْهُمْ، وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللهِ؛ فَغَرَّتْهُمْ.
(3/69).

كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْعَابِدَاتِ بِالْبَصْرَةِ تُصَابُ بِالْمُصِيَبَةِ الْعَظِيمَةِ فَلَا تَجْزَعُ، فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ؛ فَقَالَتْ: مَا أُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَأَذْكُرُ مَعَهَا النَّارَ؛ إِلَّا صَارَتْ فِي عَيْنِي أَصْغَرَ مِنَ التُّرَابِ.
(3/77).

قَالَ يُونُسُ: اثْنَانِ مَا فِي الْأَرْضِ أَقَلُّ مِنْهُمَا، وَلَا يَزْدَادَا إِلَّا قِلَّةً: دِرْهَمٌ يُوضَعُ فِي حَقٍّ، وَأَخٌ تَسْكُنُ إِلَيْهِ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(3/85).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: خَمْسَةُ أَشْيَاءَ ضَائِعَةٌ: سِرَاجٌ يُوقَدُ فِي الشَّمْسِ، وَمَطَرٌ جَوْدٌ فِي سَبَخَةٍ، وَحَسْنَاءُ تُزَفٌّ إِلَى عِنِّين، وَطَعَامٌ اسْتُجِيدَ وَقُدِّمَ إِلَى سَكْرَانَ، وَمَعْرُوفٌ صُنِعَ إِلَى مَنْ لَا شُكْرَ لَهُ.
(3/89).

كَانَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ يَقُولُ: وَيْحَكَ يَا يَزِيدُ! مَنْ يَصُومُ عَنْكَ؟! مَنْ يُصَلِّي عَنْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟! وَمَنْ ذَا يَتَرَضَّى لَكَ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ؟! ثُمَّ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ النَّاسِ! أَلَا تَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بَاقِي حَيَاتِكُمْ؟! مَنِ الْمَوْتُ مَوْعِدُهُ، وَالْقَبْرُ بَيْتُهُ، وَالثَّرَى فِرَاشُهُ، وَالدُّودُ أَنِيسُهُ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَنْتَظِرُ الْفَزَعَ الْأَكْبَرَ!! ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى يَسْقُطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.
(3/107).

قال حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: لَيْسَتِ اللَّعَنةُ بِسَوَادٍ يُرَى فِي الْوَجْهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا هُوَ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا وَقَعْتَ فِي ذَنْبٍ.
(3/137).

عَنِ ابْنِ السَّمَّاكِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ، فَقَالَ لَهُ: عِظْنِي. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ مُنِعَ عَنْكَ الْمَاءُ سَاعَةً وَاحِدَةً كُنْتَ تفتيدها بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ مُنِعَ عَنْكَ الْبَوْلُ سَاعَةً وَاحِدَةً كنت تفتيدها بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَمَا تَصْنَعُ بِدُنْيَا لَا تَشْتَرِي بَوْلةً وَلَا شَرْبَةَ مَاءٍ؟!
(3/145).

ما قل ودل من جوامع الكلم


يقول سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ: أَوَّلُ مَا كُتِبَ فِي الزَّبُورِ: وَيْلٌ لِلظَّلَمَةِ.
(2/289).
يقول سفيان الثوري: إذا رأيت القارئ يلزم باب السلطان؛ فاعلم أنه لص.
(2/306).
قال ابن عباس: ثلاثة لا ينبغي أن تكون في قاض من قضاة المسلمين: الحقد، والحسد، والحدة.
(2/307).
قال سفيان الثوري: صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس: القراء، والأمراء.
(2/308).
يقول أيوب السختياني: ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله تعالى.
(2/329).
قال الحسن: المزاح يذهب بالمروءة.
(2/334).
قال الوصافي عبيد الله بن الوليد: أكرم ما يكون علي صاحبي إذا كثرت أيادي عنده.
(2/335).
يقول الحسن: أكون في زمان فأبكي فيه؛ فيأتي زمان فأبكي عليه - يعني الأول -.
(2/337).
يقول الثوري: صاحب السوء جذوة من النار.
(2/362).
يقول ابْنَ قُتَيْبَةَ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى عَلَى فَصِّ مَلِكِ الْهِنْدِ مَكْتُوبٍ: مَنْ وَدَّكَ لِأَمْرٍ؛ وَلَّى مَعَ انْقِضَائِهِ.
(2/363).
قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ: الْمُسْتَغْنِي بِالدُّنْيَا عَنِ الدُّنْيَا كَالْمُطْفِئِ النَّارَ بِالتِّبْنِ.
(2/378).
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ: يَا ابْنَ آدَمَ! تَضْحَكُ وَلَعَلَّ أَكْفَانَكَ قَدْ خَرَجَتْ مِنَ الْقَصَّارِ!
(2/391).
قَالَ بِشْرُ بْنُ السُّرِّيِّ: لَيْسَ مِنْ أَعْلَامِ الْمُحِبِّ أَنْ يُحِبَّ مَا يُبْغِضُهُ حَبِيبُهُ.
(2/391).
شكى أهل مكة إلى الفضيل بن عياض رحمه الله القحط، فقال لهم: أمُدَبِّرٌ غَيْرَ اللهِ تُرِيدُونَ؟
(2/400).
يقول الْحَسَنَ: ابْنَ آدَمَ! إنما أنت عَدَدُ أَيَّامٍ؛ إِذَا مَضَى مِنْكَ يَوْمٌ؛ مَضَى بَعْضُكَ.
(2/401).
قال المدائني: كان يقال: ظن الرجل قطعة من عقله، ويقال: الظنون مفاتيح العقول.
(2/416).
قال المدائني: كان يقال: كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب.
ويقال: من لم ينفعك ظنه لم ينفعك يقينه.
(2/416-417).
قال الْحَسَنِ: ابْنُ آدَمَ أَسِيرُ الْجُوعِ صَرِيعُ الشَّبَعِ.
(3/45).
عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا تُعُجِّبَ مِنَ الْعَجَبِ.
(3/49).
قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ: ذَنْبُكَ إِلَى الْحَاسِدِ دَوَامُ نِعَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ.
(3/49).
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَسْلَمَ مِنَ الْحَاسِدِ؛ فَعَمِّ عَلَيْهِ أُمُورَكَ.
(3/50).
قَالَ بُزْرُجَمْهَرُ: الْفَقْرُ فِي الْوَطَنِ غُرْبَةٌ، وَالْغِنَى فِي الْغُرْبَةِ وَطَنٌ، وَفَقْدُ الْأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ.
(3/59).
قَالَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ: رَدُّ الْمَعْرُوفِ أَشَدُّ مِنِ ابْتِدَائِهِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمَعْرُوفِ نَافِلَةٌ، وَرَدَّهُ فَرِيضَةٌ.
(3/70).
كَانَ يُقَالُ: الصَّاحِبُ رُقْعَةٌ فِي قَمِيصِ الرَّجُلِ؛ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْقَعُهُ.
(3/85).
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِذَا قَصُرَتْ يَدُكَ عَنِ الْمُكَافَأَةِ؛ فَلْيَطُلْ لِسَانُكَ بِالشُّكْرِ.
(3/87).
قال الْحَسَنِ: لَأَنْ أَقْضِيَ حَاجَةً لِأَخٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ سَنَةً.
(3/89).
قِيلَ لِرَاهِبٍ: مَا لَكُمْ يَا مَعْشَرَ الرُّهْبَانِ تُدْمِنُونَ إِمْسَاكَ الْعَصَا؟ فَقَالَ: نَذْكُرُ أَنَا مُسَافِرُونَ.
(3/109).
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: خِيَارُكُمُ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ مِنْ دُنْيَاهُمْ لِآخِرَتِهِمْ، وَمِنْ آخِرَتِهِمْ لِدُنْيَاهُمْ.
(3/123).
يقول بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ: مَنْ عَمِلَ بِالْمَعَاصِي؛ فَقَدِ انْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ.
(3/137).

جوامع الكلم شعرا


كان الحسن بن صالح يتمثل بهذين البيتين:

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا * ندمت على التفريط في زمن البذر
فما لك يوم الحشر شيء سوى الذي * تزودته يوم الحساب إلى الحشر

(2/314).

أنشد عدي بن زيد:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه * فإن القرين بالمقارن مقتد

(2/362).

أَنْشَدَ أَبُو نَصْرٍ لِبَعْضِ أَشْرَافِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ:

وَلَا أَقُولُ نَعَمْ يَوْمًا فَأُتْبِعُهَا بِلَا * وَلَوْ ذَهَبَتْ بِالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ
وَلَا ائتُمِنْتُ عَلَى سِرٍّ فَبُحْتُ بِهِ * وَلَا مَدَدْتُ إِلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ يَدِي

(2/364).

أَنْشَدَ صَاحِبٌ عَنْ رِوَايَةِ الْفَرَزْدَقِ لِكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ لَأَعْجَبَنِي * سَعْيُ الْفَتَى وَهُوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقَدَرُ
يَسْعَى الْفَتَى لِأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا * وَالنَّفْسُ واحدةٌ والهمُّ مُنْتَشِرُ
وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلُ * لَا تَنْتَهِي الْعَيْنُ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَثَرُ

(2/369).

أَنْشَدَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ لِلَبِيدٍ:

مَا عَاتَبَ الْمَرْءَ الْكَرِيمَ كَنَفْسِهِ * وَالْمَرْءُ يُصْلِحُهُ الْجَلِيسُ الصَّالِحُ

(2/380).

أَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ لِلَبِيدٍ:

بَلَيْنَا وَمَا تَبْلَى النُّجُومُ الطَّوَالِعُ * وَتَبْقَى الْجِبَالُ بَعْدَنَا وَالْمَصَانِعُ
وَقَدْ كُنْتُ فِي أَكْنَافِ جَارٍ مَضِنَّةٍ * فَفَارَقَنِي جَارٌ بَأَرْبَدَ نَافِعُ
فَلاَ جَزَعٌ إِنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا * وَكُلُّ فَتًى يَوْمًا بِهِ الدَّهْرُ فَاجَعُ
وَمَا الْمَرْءُ إلا كالشُّهاب وَضَوؤه * يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ
وما الْبِرُّ إلا مُضْمَراتٌ من التُّقى * وما المالُ إلا مُعْمَراتٌ وَدَائِعُ
وَمَا النَّاسُ إِلَّا عَامِلَانِ: فَعَامِلٌ * يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وَآخَرُ رَافِعُ
فَمِنْهُمْ سَعِيدٌ آخِذٌ بِنَصِيبِهِ * وَمِنْهُمْ شَقِيٌّ بِالْمَعِيشَةِ قَانِعُ
أَلَيْسَ وَرَائِي إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي * لُزُومُ الْعَصَا تُحْنَى عَلَيْهَا الْأَصَابِعُ
أُخَبِّرُ أَخْبَارَ الْقُرُونِ الَّتِي مَضَتْ * أَدِبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ
فَأَصْبَحْتُ مِثْلَ السَّيْفِ أَخْلَقَ جَفْنَهُ * تَقَادُمُ عَهْدِ الْقَيْنِ وَالنَّصْلُ قَاطِعُ
لا تَبْعَدَنْ إِنَّ الْمَنِيَّةَ مَوْعدٌ * عَلَيْنَا فَدَانٍ لِلطُّلُوعِ وَطَالِعُ
أَعَاذِلُ مَا يُدْرِيكَ إِلَّا تَظَنِّياً * إِذَا رَحَلَ السُّفَّارُ مَنْ هُوَ رَاجِعُ
أَتَجْزَعُ مِمَّا أَحْدَثَ الدَّهْرُ لِلْفَتَى * وَأَيُّ كَرِيمٍ لَمْ تُصِبْهُ الْقَوَارِعُ

(2/381-382).

أَنْشَد مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ لِنَابِغَةَ الْجَعْدِيِّ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ * مَنْ لَمْ يَقُلْهَا فَنَفْسَهُ ظَلَمَا
الْمُولِجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ وَفِي * اللَّيْلِ نَهَارًا يُفَرِّجُ الظُلَمَأ
الْخَافِضِ الرَّافِعِ السَّمَاءَ عَلَى الْأَرْضِ * وَلَمْ يَبْنِي تَحْتَهَا دِعَمَا
الْخِالِقِ الْبَارِئِ الْمُصَوِّرِ فِي * الْأَرْحَامِ مَاءً حَتَّى يَحُورَ دَمَا
ثُمَّ عِظَامًا أَقَامَهَا عَصَبًا * ثُمَّتَ لَحْمًا كَسَاهُ فَالْتَأَمَا
ثُمَّ كَسَا الرِّيشَ وَالْعَقَائِبَ * أَبْشَارًا وَجِلْدًا تَخَالُهُ أَدَما
مِنْ نُطْفَةٍ قَادِرٌ مُقَدِرُهَا * يَخْلُقُ مِنْهَا الْإِنْسَانَ وَالنَّسَمَا
وَاللَّوْنَ وَالصَّوْتَ وَالْخَلَائِقَ * وَالْأَبْصَارَ شَتَّى وَفَرَّقَ الْكَلِمَا
ثُمَّتَ لَا بُدَّ أَنْ سَيَجْمَعُكُمْ *اللهُ جَهْرًا شَهَادَةً قَسَمًا
فَائْتَمِرُوا الْحَقَّ مَا بَدَا لَكُمْ * وَاعْتَصِمُوا إِنْ وَجَدْتُمْ عَصَمَا
فِي هَذِهِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَلَا * عِصْمَةَ مِنْهُ إِلَّا لِمَنْ رَحِمَا
يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلْ تَرَوْنَ * إِلَى فَارِسَ بَادَتْ وَأَنْفُهَا رَغِمَا
أَمْسَوْا عَبِيدًا يَرْعُونَ شَاءَكُمْ * كَأَنَّمَا كَانَ مُلْكُهُمْ حُلُمَا
أَوْ سَبَأٌ الْحَاضِرُونَ مَآرِبٍ * إِذْ يَبْنُونُ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ الْعَرِمَا
فَفُرِّقُوا فِي الْبِلَادِ وَاغْتَرَفُوا * الذُّلَّ وَذَاقُوا الْبَأْسَاءَ وَالْعَدَمَا
وَبُدِّلُوا السِّدْرَ والإراك بِهِ * الْخَمْطُ وَأَضْحَى الْبُنْيَانُ مُنْهَدِمَا

(2/392-393).

قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ:

حَتَى مَتَى لَا نَرَى عَدْلًا نُسَرُّ بِهِ * وَلَا نُدَالُ عَلَى قَوْمٍ بِمَا ظَلَمُوا
شَرَوْا بِآخِرَةٍ دُنْيَا مُوَلِّيَةً * لَبِئْسَ مَا صَنَعُوا لَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا

(2/396).

قال مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ:

أَتَيْتُ الْقُبُورَ فَنَادَيْتُهَا * أَيْنَ الْمُعَظَّمُ وَالْمُحْتَقَرْ
وَأَيْنَ الْمُدِلُّ بِسُلْطَانِهِ * وَأَيْنَ المزكَّى إِذَا مَا افْتَخَرْ

قَالَ: فَنُودِيتُ مِنْ بَيْنِهَا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا:

تَفَانَوْا جَمِيعًا فَمَا مُخْبِرٌ * وَمَاتُوا جَمِيعًا وَمَاتَ الْخَبَرْ
تَرُوحُ وتغدو بناتُ الثَّرى * فَتَمْحُوا مَحَاسِنَ تِلْكَ الصُّوَرْ
فَيَا سَائِلِي عَنْ أُنَاسٍ مَضَوْا * أَمَا لَكَ فِيمَا تَرَى مُعْتَبَرْ

(2/409).

عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ؛ قَالَ: أَوَّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي ذَمِّ الدُّنْيَا قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ خَذَّاقٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ:

هَلْ لِلْفَتَى مِنْ بَنَاتِ الدَّهْرِ مِنْ رَاقٍ * أَمْ هَلْ لَهُ مِنْ حِمَامِ الْمَوْتِ مِنْ وَاقِ
قَدْ رَجَّلُونِي وَمَا بِالشَّعْرِ مِنْ شَعَثْ * وَأَلْبَسُوني ثياباً غيرَ أخْلاقِ
وطيَّبوني وقالوا أيُّما رجلٍ * وَأَدْرَجُونِي كَأَنِّي طَيُّ مِخْرَاقِ
وأرسلوا فِتيةً مِنْ خَيرهم حسباً * وأسندوا في ضَريح التُرْب أَطْبَاقِ
وَقَسَّمُوا الْمَالَ وَارْفَضَّتْ عَوَائِدُهُمْ * وَقَالَ قَائِلُهُمْ مَاتَ ابْنُ خَذَّاقِ
هَوِّنْ عَلَيْكَ وَلَا تُولَعْ بِإِشْفَاقِ * فَإِنَّمَا مَالُنَا لِلْوَارِثِ الْبَاقِي

(2/411).

أَنْشَد ابْنُ قُتَيْبَةَ لِلنَّمْرِ بْنِ تَوْلَبٍ:

وَمَتَى تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَارْجُ الْغِنَى * وَإِلَى الَّذِي يَهَبُ الرَّغَائِبَ فَارْغَبِ
لَا تَغْضَبَنَّ عَلَى امْرِئٍ فِي مَالِهِ * وَعَلَى كَرَائِمِ صُلْبِ مَالِكَ فَاغْضَبِ

(2/412).

أنشد ابن قتيبة لبعض الشعراء:

وأنفع من شاورت من كان ناصحا * شفيقا فأبصر بعدها من تشاور

(2/417).

كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ:

نُسَرُّ بِمَا يَبْلَى وَنَفْرَحُ بِالْمُنَى * كَمَا اغْتَرَّ بِاللَّذَّاتِ فِي النَّوْمِ حَالِمُ
نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ * وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لازِمُ
وَسَعْيُكَ فِيمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ * كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيشُ الْبَهَائِمُ

(2/425).

أَنْشَدَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ:

نَعَى لَكَ ظِلَّ الشَّبَابِ الْمَشِيبُ * وَنَادَتْكَ بِاسْمِ سِوَاكَ الْخُطُوبُ
فَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِدَاعِي الْمَنُونِ * فَكُلُّ الَّذِي هُوَ آتٍ قَرِيبُ
وَقَبْلَكَ دَاوَى الْمَرِيضَ الطَّبِيبُ * فَعَاشَ الْمَرِيضُ وَمَاتَ الطَّبِيبُ
يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مَنْ يَتُوبُ * فَكَيْفَ بِحَالَةِ مَنْ لَا يَتُوبُ

(3/33).

قَالَ بَعْضُ بَنِي ضَبَّةَ:

أَقُولُ وَقَدْ فَاضَتْ بِعَيْنَيَّ عَبْرَةٌ * أَرَى الْأَرْضَ تَبْقَى وَالْأَخِلَّاءُ تَذْهَبُ
أَخِلَّاي لَوْ غَيْرُ الْمَمَاتِ أَصَابَكُمْ * جَزِعْتُ وَلَكِنْ مَا عَلَى الْمَوْتِ مَعْتَبُ

(3/82).

أَنْشَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ لِبَعْضِهِمْ:

الْمَرْءُ يَطْلُبُ وَالْمَنِيَّةُ تَطْلُبُهْ * وَيَدُ الزَّمَانِ تُدِيرُهُ وَتُقَلِّبُهْ
وَتَرَى الْفَتَى سَلِسَ الْقِيَادِ بِذِكْرِهِ * وَسْطَ النَّدَيِّ كَأَنَّهُ لَا يَرْهَبُهْ

(3/111).

أَنْشَدَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَضَالَةَ النَّحْوِيُّ لِبَعْضِهِمْ:

قُلْ لِلَّذِي يَرْجُو الْبَقَاءَ وقد رأى * ترحال لهاذ الْخَلْقِ كَيْفَ يَصِيرُ
تَزَوَّدْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ ظَاعِنٌ * وَإِنَّكَ مِثْلُ الرَّكْبِ سَوْفَ تَسِيرُ

(3/112).

أَنْشَدَنَا الرِّيَاشِيُّ لِبَعْضِ بَنِي الْعَنْبَرِ:

تَهِيجُ مَنَازِلُ الاموات وَجْدًا * وَيَحْدُثُ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا اكْتِئَابُ
مَنَازِلٌ لَا تُجِيبُكَ حِينَ تَدْعُو * وَعَزَّ عَلَيْكَ أَنَّكَ لَا تُجَابُ
وَكَيْفَ يُجِيبُ مَنْ نَدْعُوهُ مَيْتًا * تَضَمَّنَهُ الْجَنَادِلُ وَالتُّرَابُ

(3/114).

عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ؛ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبِي لِغَيْرِهِ:

اصْبِرْ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ وَتَجَلَّدِ * وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرْءَ غَيْرُ مُخَلِّدِ
فَإِذَا ذَكَرْتَ مُصِيبَةً تَسْلُو بِهَا * فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ

(3/139).

أَنْشَدَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ:

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَسْلُ اصطبارا وحسبة * سلوت على الْأَيَّامِ مِثْلَ الْبَهَائِمِ

(3/140).
 

16- محرم- 1435هـ
20-11-2013م

 

أيمن الشعبان