اطبع هذه الصفحة


جوامع الكَلِم ونفائس الحِكَم من كتاب "المجالسة وجواهر العلم" (9)

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وأسبع علينا وافر النِّعم، علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبي الأكرم، وعلى آله وصحبه وسلم، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
كم نحن بحاجة لتزكية النفوس وتهذيبها، وتطهيرها من الأدران والرذائل، وتنقيتها من الأخلاق الدنيئة والشوائب، قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )، قد أفلح من كبرها وأعلاها بطاعة الله، وأظهرها، وقد خاب وخسر من أخفاها، وحقرها وصغرها بمعصية الله.
وتزداد حاجة المسلم لمراجعة سلوكه وتصرفاته، والوقوف عند أفعاله وتعاملاته، ومدى صلته بربه؛ مع كثرة الابتلاءات والفتن.. التقلبات والمحن، من خلال التأمل والنظر، في سير من غبر، من الصالحين والعلماء العاملين، واقتفاء أثرهم وسلوك طريقتهم.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم * إن التشبه بالكرام فلاح
كثيرة هي كتب السلف، التي تُحيي تراثهم، وتؤصل لحياتهم، وتتحرى سيرهم، وتقتفي آثارهم، منها الكتاب الذي بين أيدينا، إذ جمع فيه مصنفه رحمه الله جواهر ثمينة، ودرر مكنونة، ومواقف فريدة، ومواعظ جليلة، وحِكم رائعة، وأشعار نفيسة، ومعاني رفيعة.
يقول ابن حبان: قوت الأجساد المطاعم، وقوت العقل الحِكم، فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب، وكذلك العقول إذا فقدت قوتها من الحكمة ماتت.
وأنا أتنقل في هذا البستان المثمر، متأملا ما فيه من العبر، وكثرة الفوائد والفِكَر، بدأت أجمع كل ما فيه ثمرة عملية، وأثر تربوي وسلوك رصين، في حياتنا اليومية، لتصبح نبراسا يضيء، ومؤنسا في الوحدة، ودليلا للسالكين، وهذا والله من أنفس العلوم، لما يترتب عليه من قوة الإيمان، والازدياد من طاعة الرحمن.
قال أبو هلال: فَإِذا كَانَ الْعلم مؤنسا فِي الْوحدَة، ووطنا فِي الغربة، وشرفا للوضيع، وَقُوَّة للضعيف، ويسارا للمقتر، ونباهة للمغمور حَتَّى يلْحقهُ بالمشهور الْمَذْكُور، كَانَ من حَقه أَن يُؤثر على أنفس الأعلاق، وَيقدم على أكْرم العقد، وَمن حق من يعرفهُ حق مَعْرفَته أَن يجْتَهد فِي التماسه ليفوز بفضيلته.
هذه أقوال مختارة وحِكَم منتخبة، ونفائس منتقاة وفوائد مستقاة، من كتاب" المجالسة وجواهر العلم" للعلامة الفقيه المحدث أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي ( ت: 333هـ )، إذ اعتمدت طبعة دار ابن حزم، التي قامت بنشرها جمعية التربية الإسلامية، بتحقيق الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان ( 10 مجلدات )، واستبعدت من الأقوال ما حكم عليه المحقق بالضعف، واخترت الصحيح منها أو ما سكت عنه، مع ذكر رقم المجلد والصفحة لكل مقولة.
ومن باب الاختصار والتسهيل، قمت بحذف السند والاكتفاء بنسبة القول لقائله، وتجميع الأقوال وتقسيمها إلى ثلاث مجاميع على النحو التالي:
1- جوامع الكلم ونفائس الحِكَم.
2- ما قلَّ ودلَّ من جوامع الكلم.
3- جوامع الكلم شعرا.

جوامع الكلم ونفائس الحِكَم


يقول سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ: أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْعِلْمِ فِي كِفَايَةٍ؛ لأَنَّ الآفَاتِ إِلَيْهِمْ سَرِيعَةٌ، وَأَلْسِنَةَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ أَسْرَعُ، وَإِذَا احْتَاجَ؛ ذَلَّ، وَلَوْلا هَذِهِ الْبُضَيْعَةُ الَّتِي مَعِي لَتَمَنْدَلَ الْمُلُوكُ بِي، وَإِذَا رَأَيْتَ الْقَارِئَ يَلْزَمُ بَابَ الْمُلُوكِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لِصٌّ.
(6/99).

يقول الشَّعْبِيَّ: أَحِبَّ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكَ وَلا تَكُنْ رَافِضِيًّا، وَاعْمَلْ بِالْقُرْآنِ وَلا تَكُنْ حَرُورِيًّا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سِيَّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، وَلا تَكُنْ قَدَرِيًّا، وَأَطِعِ الإِمَامَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا.
(6/100).

عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ؛ قَالَ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: عَجَبًا لِمَنْ قِيلَ فِيهِ الْخَيْرُ وَلَيْسَ فِيهِ خَيْرٌ؛ كَيْفَ يَفْرَحُ! وَعَجَبًا لِمَنْ قِيلَ فِيهِ الشَّرُّ وَهُوَ فِيهِ؛ كَيْفَ يَغْضَبُ! وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ نَفْسَهُ عَلَى الْيَقِينِ وَأَبْغَضَ النَّاسَ عَلَى الظُّنُونِ. وَكَانَ يقال: لا يَغْلِبَنَّ جَهْلَ غَيْرِكَ عِلْمُكَ بِنَفْسِكَ.
(6/109).

عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ؛ قَالَ: قَرَأْتُ فِي سِيَرِ الْعَجَمِ أَنَّ أَرْبَعَةً مِنَ الْمُلُوكِ اجْتَمَعُوا، فَقَالُوا كُلُّهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً كَأَنَّهَا رَمْيَةٌ بِسَهْمٍ، قَالَ: مَلِكُ فَارِسٍ وَمَلِكُ الْهِنْدِ وَمَلِكُ الصِّينِ وَمَلِكُ الرُّومِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: إِذَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ تَمْلِكُنِي ولا أملكها. قال الآخَرُ: قَدْ نَدِمْتُ عَلَى مَا قُلْتُ وَلَمْ أَنْدَمْ عَلَى مَا لَمْ أَقُلْ. وَقَالَ الآخَرُ: أَنَا عَلَى رَدِّ مَا لَمْ أَقُلْ أَقْدَرُ مِنِّي عَلَى رَدِّ مَا قُلْتُ. وَقَالَ الآخَرُ: مَا حَاجَتِي أَنْ أَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ إِنْ وَقَعَتْ عَلَيَّ ضَرَّتْنِي وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَلَيَّ لَمْ تَنْفَعْنِي.
(6/114).

كَتَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَمِيرٍ: مَنْ أَخْطَأَ فِي ظَاهِرِ دُنْيَاهُ وَفِيمَا يُؤْخَذُ بِالْعَيْنِ كَانَ حَرِيًّا أَنْ يُخْطِئَ فِي بَاطِنِ دِينِهِ وَفِيمَا يُؤْخَذُ بِالْعَقْلِ.
(6/133).

قِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: عَجِلَ عَلَيْكَ الشَّيْبُ. قَالَ: وَكَيْفَ لا يَعْجَلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَعْرِضُ عَقْلِي عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ جُمْعَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ؟!
(6/135).

قِيلَ لِمِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ: أَتُحِبُّ أَنْ تُخْبَرَ بِعِيُوبِكَ؟ قَالَ: أَمَّا مِنْ صَدِيقٍ؛ فَلا أَكْرَهُ، وَأَمَّا مِنْ عَدُوٍّ؛ فَأَكْرَهُهُ.
(6/150).

قَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ! لا تَعُدَّ الْمَلِكَ الْكَذُوبَ مَلِكًا، وَلا النَّاسِكَ الْمُخَادِعَ نَاسِكًا، وَلا الأَخَ الْخَاذِلَ أَخًا، وَلا مُصْطَنِعَ الْكَفُورِ مُنَعَمًّا، وَلَيْسَ لِلْمَلِكِ أَنْ يَكْذِبَ؛ لأَنَّهُ لا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِكْرَاهِهِ عَلَى غَيْرِ مَا يُرِيدُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْضَبَ؛ لأَنَّ الْقُدْرَةَ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْخَلَ؛ لأَنَّهُ أَقَلُّ النَّاسِ عُذْرًا فِي تَخَوُّفِ الْفَقْرِ.
(6/150).

قِيلَ لابْنِ الْمُبَارَكِ: لِمَ تَغْزُو الرُّومَ وَلا تَغْزُو التُّرْكَ؟ قَالَ: الرُّومُ يُحَارَبُونَ عَلَى الدِّينِ، وَالتُّرْكُ يُحَارَبُونَ عَلَى الْمَالِ.
(6/153).

قِيلَ لأَعْرَابِيٍّ: مَا أَحْسَنُ الثَّنَاءِ عَلَيْكَ؟ قَالَ: بَلاءُ اللهِ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنْ وَصْفِ الْمَادِحِينَ وَإِنْ أَحْسَنُوا، وَذُنُوبِي إِلَى اللهِ أَكْثَرُ مِنْ عَيْبِ الذَّامِّينَ وَإِنْ أَكْثَرُوا؛ فَيَا أَسَفَى عَلَى مَا فرطت! ويا سوءتى مِمَّا قَدَّمْتُ!
(6/170).

قال الْحَسَنِ: يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا وَلا يَكُونُ عَابِدًا، وَيَكُونُ عَابِدًا وَلا يَكُونُ عَاقِلا، وَكَانَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ عَابِدًا عَالِمًا عَاقِلا.
(6/184).

قَالَ أنو شروان لِبَزْرِجَمْهَرَ لَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ: إِنِّي قَاتِلُكَ؛ فَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ تُذْكَرُ بِهِ. قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ! إِنَّ الدُّنْيَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَبِيحٌ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ حَدِيثًا حَسَنًا فَكُنْهُ.
(6/190).

عن سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ:قُلْتُ لِمِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ: أَتُحِبُّ أَنْ تُخْبَرَ بِعُيُوبِكَ؟ فَقَالَ: أَمَّا مِنْ نَاصِحٍ؛ فَنَعَمْ.
(6/200).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَحْسَبُ الْجَاهِلُ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ لا شَيْءٌ شَيْئًا، وَالشَّيْءَ الَّذِي هو شيء لا شيء، وَمَنْ لا يَتْرُكُ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ لا شَيْءٌ لا يَنَالُ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ شَيْءٌ، وَمَنْ لا يَعْرِفُ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ الشَّيْءُ لا يَتْرُكَ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ لا شَيْءٌ - يُرِيدُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ -.
(6/203).

سُئِلَ بَزَرْجَمْهَرُ الْحَكِيمُ: مَنْ أَوْلَى النَّاسِ بِالسَّعَادَةِ؟ فَقَالَ: مَنْ سَلِمَ مِنَ الذُّنُوبِ. فَقِيلَ لَهُ: مَنْ أَفْضَلُ النَّاسِ عَيْشًا؟ قَالَ: الْمُجْتَهِدُ الْمُوَفَّقُ. قِيلَ لَهُ: فَمَا أَفْضَلُ الْبِرِّ؟ قَالَ: الْوَرَعُ.
(6/282).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: ارْغَبْ إِلَى مَنْ شِئْتَ؛ فَإِنَّكَ أَسِيرُهُ، وَاسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ؛ فَإِنَّكَ نَظِيرُهُ، وَأَعِزَّ مَنْ شِئْتَ؛ فَإِنَّكَ أَمِيرُهُ.
(6/283).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِذَا غَرَسْتَ مِنَ الْمَعْرُوفِ غَرْسًا، فَأَحْسِنْ تَرْبِيَةَ غَرْسِكَ؛ فَإِنَّ حَصَادَ مَنْ يَزْرَعُ الْمَعْرُوفَ اغْتِبَاطٌ وَثَوَابٌ فِي الْمَعَادِ.
(6/284).

سُئِلَ شَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ: مَا عَلامَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: إِدْمَانُ الْبُكَاءِ عَلَى مَا سَلَفَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْخَوْفُ الْمُقْلِقُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا، وَهِجْرَانُ أَخْدَانِ السُّوءِ، وَمُلازَمَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ.
(6/284).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَقِيقَةٍ نَسِيَ فِي جَنْبِهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَمَنْ نَسِيَ فِي جَنْبِ اللهِ كُلَّ شَيْءٍ، حَفِظَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَإِذَا حَفِظَ اللهُ عَلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ؛ كان له عِوَضًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
(6/296).

قال مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: الْقَلْبُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُزْنٌ خَرِبَ، كَمَا أَنَّ الْبَيْتَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْ يَسْكُنُهُ خَرِبَ.
(6/297).

قَالَ حَكِيمٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ: اعْلَمُوا أَنَّ الْعَاقِلَ يَعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، وَيَخْشَى ذَنْبَ غَيْرِهِ، وَيَجُودُ بِمَا لَدَيْهِ، وَيَزْهَدُ فِيمَا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَالْكَرِيمُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ؛ فَكَيْفَ يَبْخَلُ بَعْدَ السُّؤَالِ، وَيَعْذِرُ قَبْلَ الاعْتِذَارِ؛ فَكَيْفَ يَحْقِدُ بَعْدَ الاعْتِذَارِ.
(6/299).

قَالَ رَجُلٌ لِحَكِيمٍ مِنَ الْحُكَمَاءِ: عِظْنِي. فَقَالَ لَهُ: اعْلَمْ أَنَّ أُجُورَ الْعَامِلِينَ عَلَى مَنْ عَمِلُوا لَهُ؛ فَاعْمَلْ لِمَنْ شِئْتَ. فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي. فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ؛ فَإِنَّهُ يَرَاكَ إِنْ لَمْ تَرَهُ.
(6/304).

عَنِ الْحَسَنِ؛ قَالَ: إِنَّ الْحُكَمَاءَ ضَرَبُوا التَّفَكُّرَ بِالتَّذَكُّرِ، وَالتَّذَكُّرَ بِالتَّفَكُّرِ؛ حَتَّى نَطَقُوا بِالْعَزَائِمِ وَرَأَوُا الْعَجَائِبَ.
(6/305).

قَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: الرِّفْقُ وَالأَنَاةُ مَحْمُودٌ؛ إِلا فِي ثَلاثٍ. قَالُوا: مَا هُنَّ يَا أَبَا بَحْرٍ؟ قَالَ: تُبَادِرُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَتُعَجِّلُ إِخْرَاجَ مَيِّتِكَ، وَتُنْكِحُ الْكُفْءَ أَيِّمَكَ.
(6/307).

قَالَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْعَرَبِ: إِنَّ مِمَّا تُعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ وَلا تُؤَخَّرُ: الأَمَانَةُ تُخَانُ، وَالإِحْسَانُ يُكْفَرُ، وَالرَّحِمُ تُقْطَعُ، وَالْبَغْيُ عَلَى النَّاسِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدَّى أَمَانَتَهُ طَيِّبًا بِهَا نَفْسُهُ؛ فَهُوَ أَحَدُ الصِّدِّيقِينَ، وَمِنَ الأَمَانَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ ائْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا.
(6/308).

قال عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: الْخَيْرُ الَّذِي لا شَرَّ فِيهِ: الشُّكْرُ مَعَ الْعَافِيَةِ، وَالصَّبْرُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ؛ فَكَمْ مِنْ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ غَيْرِ شَاكِرٍ، وَمُبْتَلًى غَيْرِ صَابِرٍ؟!
(6/313).

قَالَ صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ: مَا أَدْرِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَفْضَلُ: نِعْمَةُ اللهِ عَلَيَّ فِيمَا بَسَطَ عَلَيَّ، أَمْ نِعْمَتُهُ فِيمَا زَوَى عَنِّي.
(6/314).

قال الْحَسَنِ: مَنْ تَعَزَّزَ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْرَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الذِّلَّةَ، وَلا يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَهُ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِهِ.
(6/316).

قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: لَوْ زِدْتَنَا مِنْ فَضْلِ لِسَانِكَ لَعَلَّنَا نَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَكَ. قَالَ: إِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلِي أَكْثَرَ مِنْ فِعْلِي.
(6/328).

قَالَ مُطَرِّفٌ أَبُو سَعِيدٍ الْمَازِنِيُّ: مَا تَلَذَّذْتُ لَذَاذَةً قَطُّ وَلا تَنَعَّمْتُ نَعِيمًا قَطُّ أَكْثَرَ عِنْدِي مِنْ بُكَاءِ حُرْقَةٍ.
(6/342).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِطُولِ الْبَقَاءِ؛ فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَمَعَ الْغَفْلَةِ اسْتِلابُ النِّعَمِ، وَمَا أَصْغَرُ الْمُصِيبَةِ الْيَوْمَ مَعَ عِظَمِ الْفِتْنَةِ غَدًا!
(6/347).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِصْلاحُ الْمَعِيشَةِ الاجْتِهَادُ، وَأَعْوَنُهَا عَلَى الأَمْرِ تَرْكُ الذُّنُوبِ، وَأَحْسَنُ النَّاسِ عَيْشًا الْمُجْتَهِدُ الْمُوَفَّقُ.
(6/348).

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْبَخِيلُ خَازِنُ أَعْدَائِهِ، وَالْحَلِيمُ مَرْغُوبٌ فِي إِخَائِهِ، وَالسَّفِيهُ يُزْهَدُ فِي لِقَائِهِ، وَلا دَوَاءَ لِمَنْ كَانَ سَبَبًا لِدَائِهِ.
(6/349).

سَأَلَ زِيَادٌ رَجُلا مَنْ حُكَمَاءِ الْفُرْسِ: مَا الْمُرُوءَةُ فِيكُمْ؟ قَالَ: أَرْبَعُ خِصَالٍ: يَعْتَزِلُ الْمَرْءُ الرِّيبَةَ كُلَّهَا؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مُرِيبًا كَانَ ذَلِيلا، وَأَنْ يُصْلِحَ مَالَهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَفْسَدَ مَالَهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ مُرُوءَةٌ، وَأَنْ يَقُومَ لأَهْلِهِ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَسْتَغْنُوا بِهِ عَنْ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ احْتَاجَ أَهْلُهُ إِلَى النَّاسِ ذَهَبَ جَاهُهُ، وَأَنْ يَنْظُرَ مَا يَوَافِقُهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَيَلْزَمْهُ.
(6/355).

ما قل ودل من جوامع الكلم


قال أَعْرَابِيّ مِنْ حُكَمَاءِ الْعَرَبِ: كَفَى جَهْلا أَنْ يَمْدَحَ الْمَادِحُ بِخِلافِ مَا يَعْرِفُ الْمَمْدُوحُ مِنْ نَفْسِهِ.
(6/109).
قال ابْنَ الْمُبَارَكِ: عِزُّ الشَّرِيفِ أَدَبُهُ.
(6/110).
قِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ: تَمَنَّ. قَالَ: الْكِفَايَةَ، وَالانْتِقَالَ مِنْ ظِلٍّ إِلَى ظِلٍّ، وَمُحَادَثَةَ الإِخْوَانِ.
(6/110).
قَالَ رَاهِبٌ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يَا سَعِيدُ! عِنْدَ الْفِتْنَةِ تَعْلَمُ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ مِمَّنْ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ.
(6/112).
قَالَ بُزْرُجَمْهَرُ الْحَكِيمُ: ثَمَرُ الْقَنَاعَةِ الرَّاحَةُ، وَثَمَرُ التَّوَاضُعِ الْمَحَبَّةُ.
(6/113).
تقول أُمَّ الْبَنِينَ: أُفٍّ لِلْبُخْلِ! لَوْ كَانَ ثَوْبًا مَا لَبِسْتُهُ، وَلَوْ كَانَ طَرِيقًا مَا سَلَكْتُهَا.
(6/132).
كَانَ يُقَالُ: مَنْ أَخْطَأَ وَجْهُ الطَّلَبَ خَذَلَتْهُ الْحِيَلُ.
(6/139).
قال الْحَسَنِ: مَا مِنْ صَاحِبِ كَبِيرَةٍ لا يَكُونُ وَجِلَ الْقَلْبِ؛ إِلا كَانَ مَيِّتَ الْقَلْبِ.
(6/146).
قَالَ زَيْدُ بْنُ جَبَلَةَ: لا فَقِيرَ أَفْقَرُ مِنْ غني أمن الفقر.
(6/170).
قال الْحَسَنِ: مَا أَطَالَ عَبْدٌ الأَمَلَ إِلا أَسَاءَ الْعَمَلَ.
(6/196).
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ كَانَ الشُّكْرُ وَالصَّبْرُ بَعِيرَيْنِ مَا بَالَيْتُ أَيَّهُمَا أَرْكَبُ.
(6/198).
سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَنْ أَحْسَنُ النَّاسِ حَالا؟ قَالَ: مَنِ انْقَطَعَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(6/204).
قَالَ الْمُهَلَّبُ: مَا السَّيْفُ الصَّارِمُ فِي كَفِّ الرَّجُلِ الشُّجَاعِ بِأَعَزَّ لَهُ مِنَ الصِّدْقِ.
(6/242).
قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي كَذَبْتُ كَذْبَةً وَأَنَّ لِي الدُّنْيَا كُلَّهَا.
(6/280).
لَقِيَ حَكِيمٌ حَكِيمًا؛ فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَدَّبَكَ؟ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى جَهْلِ الْجَاهِلِ؛ فَاجْتَنَبْتُهُ.
(6/283).
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: أَبْيَنُ النَّاسِ فَضْلا مَنْ سَبَقَكَ إِلَى حَاجَتِكَ قَبْلَ السُّؤَالِ.
(6/284).
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: السُّؤْدُدُ التَّبَرُّعُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالإِعْطَاءُ قَبْلَ السُّؤَالِ.
(6/284).
قَالَ زُهَيْرُ الْبَابِيُّ: عَلِمَ الْقَوْمُ بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَرَاهُمْ على كل حال؛ فاجتزؤوا بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ.
(6/298).
كَانَ يُقَالُ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ الْعَبْدُ فِي الدُّنْيَا الْحِكْمَةَ، وَفِي الآخِرَةِ الرَّحْمَةَ.
(6/304).
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَخْطَأَتْهُ سِهَامُ الْمَنَايَا، قَيَّدَتْهُ اللَّيَالِي وَالسُّنُونَ.
(6/305).
أَوْصَى مَالِكُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكٍ بَنِيهِ؛ فَقَالَ: يَا بَنِيَّ! الْزَمُوا الأَنَاةَ واغتنموا الفرصة تظفروا.
(6/306).
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَسْتَقْبِلُونَ الْمَصَائِبَ بِالْبِشْرِ؛ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَفَتْ مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبُهُمْ.
(6/309).
قال سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ: إِذَا لَقِيتَ صَاحِبَ هَوًى فِي طَرِيقٍ؛ فَخُذْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ.
(6/331).
قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ: دَعْوَةُ سِرٍّ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ دَعْوَةَ عَلانِيَّةٍ.
(6/342).
قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ يُقَالُ: إِذَا قَرَحَ الْقَلْبُ نَدِيَتِ الْعَيْنَانِ.
(6/343).
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنِ اسْتَطَالَ عَلَيْكَ بِمَسْأَلَتِهِ، وَبَخِلَ عَلَيْكَ بِمَالِهِ؛ فَمَا أَكْثَرَ فِي التَّصَاوِيرِ مِثْلَهُ.
(6/349).

جوامع الكلم شعرا


أَنْشَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمُوسَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُقَنَّعِ الأَنْصَارِيِّ:

ثَلاثُ خِلالٍ كُلُّهَا غَيْرُ طَائِلٍ * يَطُفْنَ بِقَلْبِ الْمَرْءِ دُونَ غِشَائِهِ
هَوَى النَّفْسِ مَا لا خَيْرَ فِيهِ وَشُحُّهَا * وَإِعْجِابُ ذِي الرَّأْيِ السَّفِيهِ بِرَأْيهِ
وَقَدْ جَعَلَتْ نَفْسِي تَتُوقُ وَتَشْتَهِي * لِقَاءَ الَّذِي لا بُدَّ لِي مِنْ لِقَائِهِ
وَأَذْكُرُ مِنْهُ عَفْوَهُ وَعِقَابَهُ * فَيَخْلِطُ قَلْبِي خَوْفَهُ بِرَجَائِهِ
وَصِحَّةُ جِسْمِ الْمَرْءِ سُقْمٌ لِقَلْبِهِ * وَصِحَّةُ قَلْبِ الْمَرْءِ حِينَ اشْتِكَائِهِ

(6/112).

أَنْشَدَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدٍ:

قَدْ يَخْزُنُ الْوَرِعُ التَّقِيُّ لِسَانَهُ * حَذَرَ الْكَلامِ وَإِنَّهُ لَمُفَوَّهُ
وَلَرُبَّمَا سُتِرَ الْفَتَى فَتَنَافَسَتْ * فِيهِ الْعُيُونُ وَإِنَّهُ لَمُمَوَّهُ
وَلَرُبَّمَا ابْتَسَمَ الْوَقُورُ مِنَ الأَذَى * وَضَمِيرُهُ مِنْ حَرِّهِ يَتَأَوَّهُ

وَأَنْشَدَ:

مَنْ تَحَلَّى بِغَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ * فَضَحَتْهُ شَوَاهِدُ الامْتِحَانِ
وَالَّذِي يَدَّعِي الْبَلاغَ إِذَا * كَانَ أَصِيلا أَبَانَهُ بِاللِّسَانِ

(6/115).

أَنْشَدَ لِبَعْضِهِمْ:

أَيَضْمَنُ لِي فَتًى تَرْكُ الْمَعَاصِي * وَأَرْهِنُهُ الْكَفَالَةَ بِالْخَلاصِ
أَطَاعَ اللهَ قَوْمٌ فَاسْتَرَاحُوا * وَلَمْ يَتَجَرَّعُوا غُصَصَ الْمَعَاصِي

(6/116).

أَنْشَدَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا لِبَعْضِهِمْ:

وَلَسْتُ بِنَظَّارٍ إِلَى جَانِبِ الْغِنَى * إِذَا كَانَتِ الْعَلْيَاءُ فِي جَانِبِ الْفَقْرِ
وَإِنِّي لَصَبَّارٌ عَلَى مَا يَنُوبُنِي * لأَنِّي رَأَيْتُ اللهَ أَثْنَى عَلَى الصَّبْرِ

(6/170).

أنشد الصَّلْتَ بْنَ مَسْعُودٍ هَذَا الْبَيْتَ:

الْعِلْمُ يَنْهَضُ بِالْخَسِيسِ إِلَى الْعُلا * وَالْجَهْلُ يُزْرِي بِالْفَتَى الْمَنْسُوبِ

(6/208).

أَنْشَدَ عِيسَى بْنُ سُلَيْمَانَ:

قَدْ يُدْرِكُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ * وقد يكون من الْمُستَعْجِلِ الزَّلَلُ

(6/306).

16- محرم- 1435هـ
20-11-2013م
 

أيمن الشعبان