اطبع هذه الصفحة


رمضان واحة الإيمان " شهر الاستقامة" (8-14 )

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله الذي خصنا بشهر الطاعات، وأجزل لنا فيه المثوبة ورفع الدرجات، وَعَدَ من صامه إيمانا واحتسابا بتكفير الذنوب والسيئات، وشرّف أوقاته على سائر الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البريات، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد، وبعد:
لهذا الشهر العظيم ثمار عديدة ومزايا فريدة؛ من ذلك أنه يعينك على دوام الطاعة والإيمان والاستقامة، فأن تستمر ثلاثين يوما على عبادات وأعمال صالحة متنوعة، يوطن نفسك ويثبت قلبك ويسدد جوارجك، لأن تكون هذه صفات راسخة وملكة دائمة بعد رمضان.
شهر رمضان شهر استقامة وإيمان وثبات على دين الله، قال تعالى( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )، ففيه هداية وتسديد وإذعان، فيزيد الإيمان وتتنوع عبادات القلب والأركان، من التقوى والصبر والذكر والدعاء والصدقة وتلاوة القرآن، فهنا هداية مضاعفة؛ هداية القرآن وهداية شهر رمضان فتأمل.
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قال: قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ.[1]
وفي رواية: قُلْ آمنتُ باللهِ ثُمَّ استقِمْ.[2]
ماذا نريد من هذا الشهر الكريم؟ أن تُعتق رقابنا من النار، ولله في كل يوم وليلة عتقاء، وأن تكفر عنا السيئات، فمن دخل عليه هذا الشهر ثم مات ولم يغفر له أبعده الله! ودخول الجنان، فللصائم باب الريان في الجنة.
من ثمار شهر رمضان تكفير السيئات ودخول الجنان، وهذا لا يتحقق إلا بالاستقامة على أوامر العزيز الرحمن، كما قال سبحانه( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ )[3].
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية على المنبر { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } [فصلت: 30]، فقال: لم يروغوا روغان الثعلب.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {ثم استقاموا} [فصلت: 30] قال: استقاموا على أداء فرائضه.
وعن أبي العالية، قال: ثم أخلصوا له الدين والعمل.
وعن قتادة قال: استقاموا على طاعة الله، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.[4]
ولما كان طريق الاستقامة فيه صعوبات وعقبات، وفتور وغفلة أحيانا، لابد من الاستغفار لجبر الخلل وتكميله.
وقال عز وجل: { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه }.[5]
والاستقامة كما يعرفها ابن حجر: الاستقامة كناية عن التّمسّك بأمر اللّه تعالى فعلا وتركا.
والاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك، فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها.[6]
يقول شيخ الإسلام: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة.
وقال عليه الصلاة والسلام( اسْتقيموا، ونِعِمَّا إن استقمتم، و خيرُ أعمالِكم الصلاةُ، ولن يحافظَ على الوضوءِ إلا مؤمنٌ ).[7]
وحقيقة الاستقامة السداد والهداية والتوفيق لما فيه مرضاة الله، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد، وقال عليه الصلاة والسلام (سددوا وقاربوا ).
وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه[8]، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الحسن( لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه، ولا يدخلُ رجلٌ الجنةَ لا يأمَنُ جارُه بوائقَه )[9].
ويقول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الحسن من حديث أبي سعيد الخدري( إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ الِّلسانَ فتقول: اتَّقِ اللهَ فينا، فإنما نحن بك، فإن استقَمتَ استقَمْنا، وإن اعوَجَجْتَ اعْوجَجْنا ).[10]
من أخطر الأمراض المعاصرة؛ إقناع النفس بكمال زائف واستقامة شكلية وإيمان ضعيف هش!!
وقد ذَكَر الإمامُ مالك رحمه الله أنّه بَلَغَه عن القاسمِ بنِ محمد رحمه الله قال: أدرَكتُ الناسَ وما يُعجِبهم القول، إنما يُعجِبهم العمَل.
وتتجلى الاستقامة في هذا من خلال قوله عليه الصلاة والسلام( مَنْ صامَ رَمَضَانَ، و أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ من شَوَّالٍ فَكأنَّما صامَ الدَّهْرَ )[11]، ما يشير إلى ديمومة العمل والاستمرار في الطاعة لما بعد رمضان.
فالاستقامة المطلوبة هي ثبات الإيمان وزيادته ودوام الطاعات والصالحات، والإيمان قول وعمل واعتقاد، وشهر رمضان فيه من تنوع العبادات وتباعد الملهيات والمغريات والصوارف ما يهيئ للصادق تجديد إيمانه وتقويته واستقامة العبد على ذلك.
 
18- رمضان- 1435هـ

-------------------------
[1]صحيح مسلم.
[2]صحيح الجامع برقم 4395.
[3]( فصلت:30-32).
[4]جامع العلوم والحكم.
[5]( فصلت:6).
[6]جامع العلوم والحكم.
[7]صحيح الجامع برقم 953.
[8]جامع العلوم والحكم.
[9]السلسلة الصحيحة برقم 2841.
[10]صحيح الجامع برقم 351.
[11] صحيح الترغيب.
 

أيمن الشعبان