اطبع هذه الصفحة


وقفات تدبرية في سورة السجدة ( 4-5 )

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
يقول سبحانه ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ).
بعد أن أثبت سبحانه صحة الرسالة، بيّن ما يجب على الرسول من الدعوة إلى توحيد الله، وإقامة الأدلة على ذلك.
لذلك ينبغي أول وأهم ما يبدأ به الداعية ويركز عليه ويستحضره دائما، الدعوة إلى توحيد الله وتحقيق العبودية في المجتمعات.
ذكرت السورة أعظم ما يجب على المسلم أن يوقن به وهو توحيد الله وعظمته، من خلال ذكر أعظم المخلوقات وتكرر هذا في سبع سور منها السجدة، هكذا تبعث اليقين لعظمة الله في قلب المسلم.
الله سبحانه خلق مليارات من الكواكب والنجوم والشموس والأقمار، ولكن ذكرت الأرض لأن الإنسان يعيش عليها، فيرى آيات الله عز وجل فيها، من جماد ونبات وحيوان وإنسان وطير.
الله عز وجل قادر أن يخلق العوالم جميعا بلحظة، ولكن أراد أن يرينا حكمته وصبره وحلمه، كما أنه خلق آدم بمراحل ليرينا مقتضى أسماءه الحسنى وأنه الحليم الحكيم العليم الصبور سبحانه.
قال القرطبي: ولو أراد خلقها في لحظة لفعل؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور، ولتظهر قدرته للملائكة شيئا بعد شيء.
( ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ) الله الذي خلق هذا كله يرينا كمال قدرته وعظيم قوته القوي العزيز، فكيف تلجأ إلى غيره وتطلب النصر من غيره، فلا يملك لكم أحد من دونه شيئا.
لم يقل ( تذكرون ) قال ( تتذكرون ) توكيدا لترسيخ اليقين في القلوب!
من تيقن بعظمة الله وعرف الله بأسماءه وصفاته أقبل على عبادته وذكره.
قال تعالى( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ).
لو أرسل لك صديق رسالة من مكان بعيد، لاشك يكون لها وقع وشأن وعظمة في قلبك، كيف إذا استشعرت أن هذه الأوامر من السماء إلى الأرض! هذا مما يبعث اليقين والتعظيم لأمر الله، وإذا تفكرت بمخلوقات الله وأوامره تزداد يقينا بعظمته جل وعلا وأسماءه وصفاته.
( من السماء ) أي جهة العلو، والله مستو على عرشه ومن علياءه يدبر الأمر.
الله سبحانه عليم حكيم خبير، يدبر شؤون الخلق بعلم وحكمة وقدرة واسعة، مع أنه الغني عن إرسال الملائكة بالأمر ثم العروج بأثر تلك الأوامر.
نستفيد من ذلك أن رئيس الدولة والخليفة والوزير والمسؤول والمدير، وكل من له منصب وتحته رعية، ينبغي أن يدير ويدبر أمور الناس بعلم ودراية، من خلال خلطتهم ومعرفة ما يصلحهم عن قرب.
كان عليه الصلاة والسلام يتفقد أحوال المسلمين ويخالطهم، ويتحمل معهم هم الحياة والأعباء، كما قال تعالى ( عزيز عليه ما عنتم بالمؤمنين رؤوف رحيم )، فكان يؤمهم بالصلاة، ويدخل بيوتهم ويأكل معهم، وينصحهم بما يحتاج إلى تعديل وتغيير.
عمر رضي الله عنه: لَوْ أَنَّ سَخْلَةً بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ أَخَذَهَا الذِّئْبُ لَيُسْأَلُ عَنْهَا عُمَرُ.
أن التدبير الحكيم الناجح لشؤون الرعية، الذي يكون عن علم وخبرة ودراية بأحوالهم، وهذا لا يحصل إلا بالخلطة والقرب منهم ومعرفة أمورهم.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

16/9/2014

 

أيمن الشعبان