اطبع هذه الصفحة


وقفات تدبرية في سورة السجدة (29)

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى( قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ).[1]
أحال النبي عليه الصلاة والسلام الجواب بشيء مغاير ومختلف عما سأل الكفار، فهم طلبوا معرفة وقت وقوع الساعة والقيامة والعذاب والفصل بينهم، ولما كان سؤالهم سؤال استهزاء ومماطلة وتكبر، فالأحكم معهم تغيير الجواب!
ومعلوم أن الإيمان لا ينفع صاحبه إلا إذا كان لديه وقت اختياري وعنده فسحة ليعمل، أما حال الكفار يوم القيامة فقد فات وقت العمل، ففي الدنيا عمل ولا حساب ويوم القيامة حساب ولا عمل، فإيمانهم اضطراري فلن ينفعهم أبدا، وهذا مشابه لقوله سبحانه مبينا حال الصنفين من الناس ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا . وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )[2].
ففي هذا الجواب سلوك الأسلوب الحكيم من وجهين: من وجه العدول عن تعيين يوم الفتح، ومن وجه العدول بهم إلى يوم الفتح الحق، وهم إنما أرادوا بالفتح نصر المسلمين عليهم في الحياة الدنيا.[3]

من هداية الآية:
لا ينبغي الرد على أهل الباطل ومجاراتهم بكل ما يريدون، فهنا الكفار سألوا بمتى؟ فأجابهم الله بجواب بليغ حكيم، يتعلق بحقيقة ما يحصل وما فيه عظة ومنفعة لو كانوا يعقلون!
على الإنسان أن يحتاط ويقدم لنفسه من العمل الصالح في الدنيا، قبل فوات الأوان وعندها ولات حين مندم!
الدنيا دار عمل وابتلاء واختبار، أما الآخرة فهي دار حساب وثواب أو عقاب.
إذا سألك سائل على وجه العناد والاستهزاء والتكذيب، فلك أن تجيبه بجواب حكيم بعيد عن ما يريد من السؤال، ولا تجاريه لما يريد.
علم وقوع الساعة يوم القيامة مما اختصه الله عنده، فلا نبي مرسل ولا ملك مقرب يعلم وقت حدوثها، وعندما سئل عليه الصلاة والسلام عنها قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
مع ذلك لما استيقنا بأن الساعة ستقع وتأتي، وكل آت قريب، كما قال سبحانه ( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ )[4]، لابد من الاستعداد لها على أتم وجه.
سئل عليه الصلاة والسلام عن أشياء فلم يجب، ( ويسألونك عن الروح ... ).
ومن دلالة الآية أن الله سبحانه أثبت بشرية النبي عليه الصلاة والسلام، ( قل إنما أنا بشر مثلكم .. ).
وظيفة النبي عليه الصلاة والسلام التخويف والنذارة، من خلال جوابه ( قل يوم الفصل لا ينفع الذين كفروا إيمانهم )، إذ فيها معنى التخويف والتهديد والوعيد بهذا اليوم.
على المسلم أن يشغل وقته وفكره بالعلم النافع والشيء المفيد، فلا يسأل أسئلة تعنت وجدال لا تنفعه في الدنيا ولا في الآخرة.
لا ينبغي لمن لا يعلم أن يتكلم بلا علم، فأعلم الخلق نبينا عليه الصلاة والسلام، عندما سئل عن وقت وقوع الساعة، فما أجاب عليه الصلاة والسلام، لأنها ليست من تخصصه، ووصية كثير من السلف الصالح يقولون: ينبغي على العالم أن يعلم جلسائه كلمة" الله أعلم"، لذلك ثبت عن بعض الصحابة والتابعين أن كلمة" لا أدري" نصف العلم!
من المعيب جدا أن يتكلم الإنسان بلا علم خصوصا من يحسن الظن به في العبادة والزهد والورع، ويقول بذلك عمر بن عبد العزيز: العابد الجاهل ما يفسد أكثر مما يصلح.
ينبغي للعالم أو الداعية أن يصرف الناس إلى ما فيه نفعهم وخيرا لهم حتى لو سألوا عن أشياء لا فائدة منها.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
 
2/10/2015

--------------------------------------
[1] (السجدة:29).
[2]( النساء:17-18).
[3]ابن عاشور.
[4]( النحل:77).


 

أيمن الشعبان