اطبع هذه الصفحة


نِعمَ المُصَلَّى " 12 " مهبط الوحي ومُتعبد الأنبياء

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة " المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.
الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر. 
 
س12/ ما معنى مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء؟

 
من خصائص ومزايا وتكريم وتشريف الأرض المقدسة، أنها مهبط الوحي إذ تليت فيها الكتب المنزلة الأربعة القرآن والزبور والتوراة والإنجيل، بالإضافة إلى الصحف التي نزلت على العديد من الأنبياء، من أبرزها صحف إبراهيم وموسى.
الإيمان بالكتب المنزلة على أنبياء الله هو من أركان الإيمان الستة، فنؤمن بما سمى الله تفصيلا كالتوراة والإنجيل والصحف والزبور، وما لم يسم إجمالا.
خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام الذي هاجر إلى فلسطين وأسس مجتمعا موحدا؛ أُنزل عليه الوحي الذي فيه جملة من المواعظ والأحكام، وهي من الكتب السماوية التي يجب الإيمان بها، وتسمى "صحف إبراهيم".
جاء ذكر تلك الصحف في القرآن مقرونة مع صحف موسى عليه السلام[1] في موضعين:
الأول: قوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى )[2].
الثاني: ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى . وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى . أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى )[3].
وَأَمَّا صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فَكَانَ الْمَأْثُورُ مِنْهَا أَشْيَاءَ قَلِيلَةً. وَقُدِّرَتْ بِعَشْرِ صُحُفٍ، أَيْ مِقْدَارُ عَشْرِ وَرَقَاتٍ بِالْخَطِّ الْقَدِيمِ، تَسَعُ الْوَرَقَةُ قُرَابَةَ أَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ بِحَيْثُ يكون مَجْمُوع ما في صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ آيَةً.[4]
وقال سبحانه عن داود في موضعين بعد أن عدد الأنبياء وما نزل عليهم من الوحي (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا )[5]، وَالزَّبُورُ: اسْمُ الْكِتَابِ الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ[6]، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ مَوَاعِظُ وَأَمْثَالُ، كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَتَرَنَّمُونَ بِفُصُولِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالزَّبُورِ.[7]
صحف إبراهيم كانت حِكَما كلها، وفيها عناية بالتوحيد وأصول الملة، وصحف موسى أو التوراة ركزت على جانب الأحكام أكثر من غيره، والزبور تناول الجانب الإيماني والتعبدي وركز على الدعوات والأذكار والثناء على الله سبحانه وتعالى، والإنجيل اعتنى بالأخلاق، والقرآن الذي هو خاتم الكتب هيمن عليها جميعا واستوعب جميع ما سبق.
والتوراة كتاب الله المنزل على موسى عليه السلام الذي كان يحكم به بني إسرائيل، وكتبه الله بيده وهذا فيه تكريم وتشريف، وورد ذكره في القرآن ثماني عشرة مرة، وكان إنزال التوراة على موسى بعد إهلاك فرعون وجنده ونجاة بني إسرائيل، في رحلتهم إلى الأرض المقدسة.
الإنجيل كتاب عظيم متمم للتوراة، أنزله الله على عيسى عليه السلام فيه هدى ونور، ورد ذكره في القرآن اثنا عشر مرة.
أما عبودية الأنبياء في تلك الأرض المباركة، فهي مُتعبدهم ومعتكفهم ومنارة الدعوة إلى الله، فداود عليه السلام النبي الملك، الذي أقام مملكة التوحيد في بيت المقدس، كان أعبد الناس كما قال عليه الصلاة والسلام، فقد جاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( فصُمْ صوم داود؛ فإنه كان أعبَدَ الناسِ ).
وقال عليه الصلاة والسلام:( أَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ عليهِ السلامُ، وأَحَبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داودَ، وكان ينامُ نصفَ الليلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، وينامُ سُدُسَهُ، ويصومُ يومًا ويُفْطِرُ يومًا ).[8]
داود عليه السلام كان قدوة في العبادة وكثرة التقرب إلى الله، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلا ونهارا، كما قال تعالى ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )[9].
وكان داود عليه السلام قد قسم أيامه إلى ثلاثة: يوم يقضي فيه بين الناس، ويوم يعبد ربه تعالى، ويوم يُسيّر أمور الرعية، وقد قص الله عنه قصته مع الخصمين اللذين تسورا المحراب في يوم تعبده، والأصل أن لا يدخل عليه أحد ففزع منهما.
سليمان عليه السلام الذي أسس أعظم مملكة عبر التاريخ في بيت المقدس، النبي الملك وصفه الله عز وجل بالعبودية والتوبة والإنابة وهذه أعظم تزكية وفخر، قال سبحانه عنه ( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )[10]، أي: رجَّاع إلى الله في جميع أحواله، بالتأله والإنابة، والمحبة والذكر والدعاء والتضرع، والاجتهاد في مرضاة الله، وتقديمها على كل شيء.[11]
يحيى عليه السلام السيد الحصور العفيف الزكي النقي التقي الصالح، المتعبد لله المعصوم عن الخطأ والذنوب، كما قال عليه الصلاة والسلام :( ما من أحدٍ من ولدِ آدمَ إلا قد أخطأَ، أو همَّ بخطيئةٍ؛ ليس يحيي بنَ زكريا ).[12]
قال سبحانه عن يحيى عليه السلام ( يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا . وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا . وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ).[13]
 
12/3/2017م
 

----------------------------------------
[1] التي قيل أنها التوراة وقيل غير ذلك.
[2] (الأعلى:14-19).
[3] (النجم:36-41).
[4] التحرير والتنوير (27/130).
[5] (النساء:163)، ( الإسراء:55).
[6] تفسير ابن كثير (2/469).
[7] تفسير ابن عاشور (6/34).
[8] متفق عليه، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
[9] (سبأ:13).
[10] (ص:30).
[11] تفسير السعدي ص712.
[12] السلسلة الصحيحة برقم 2984.
[13] (مريم:12-15).


 

أيمن الشعبان