اطبع هذه الصفحة


وذكر "1" {وذكِّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين}

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

  

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فهذه مقتطفات وعظية، وتذكرة إيمانية، وإشارات تربوية؛ لإيقاظ القلوب، وتحريك النفوس، والانتباه من الغفلة، في زمن طغت عليه الماديات، وانغمس الناس في الشهوات، واستمرأوا الملذات، واعتادوا الذنوب والآثام والمحرمات، وربنا سبحانه وتعالى يقرع قلوبنا بقوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:55].

الوقفة الأولى مع هذه الآية الكريمة العظيمة المهمة، والتي يحتاج لها المؤمن في كل وقت وحين، والمقصر الغافل اللاهي، بأمس الحاجة لها، علّه يرجع ويتوب ويؤوب إلى علام الغيوب.

يقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:55].

تشير الآية إلى أن الوظيفة الأساسية التي من أجلها بعث الله الرسل وأنزل الكتب؛ هي التذكير، فينبغي لكل مسلم أن يُذكر دون تراجع أو تقهقر عن المسؤولية الملقاة على عاتقك، بأن تذكر بأن أعظمَ أصل هو التوحيد، وأن تذكر بالفرائض، وأن تذكر بتطبيق شرع الله وأحكامه، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأن تذكر بامتثال طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وتطبيق السنن.

كما تحث الآية الكريمة إلى ضرورة تذكير الناس بما أوجب الله عليهم من حقوق بينهم وبين الله وحقوقهم على أنفسهم وحقوقهم مع الآخرين، وأن تذكرهم بالأخلاق الفاضلة.

ففي الآية قال الله سبحانه لنبيه {فذكر} لعل من هؤلاء الكفار من يرجى صلاحه ويرجى إيمانه فينتفع بهذه التذكرة، فتخولهم بالموعظة والتذكرة {فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.

وقوله تعالى {فإن الذكرى تنفع المؤمنين} فيها قيد مهم، فإن من استمع إلى الموعظة ومن استمع إلى التذكرة ومن استمع إلى الدرس والخطبة ومن مرت عليه المعلومة وعرف معنى الآية أو الحديث، فليراجع قلبه هل انتفع من هذه التذكرة أم لم ينتفع؟! فإذا انتفع فهو على خير وصلاح، وإن لم ينتفع فليحاسب نفسه، لماذا لم ينتفع؟! لأن الله سبحانه وتعالى هنا قال: {وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}، قيدها بانتفاع أهل الإيمان، فكل من انتفع من التذكرة، فقد ازداد إيمانه.

كذلك قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11)}[الأعلى:9-11}، بذلك فإن عدم الانتفاع من التذكرة من علامات الشقاء، وهذا أمر خطير وليس بالسهل، لأن كثيراً من الناس يعرضون عن التذكرة، وقد ذمهم الله سبحانه وتعالى بقوله: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}[المدثر:49]، وهذه من علامات أهل الكفر والفسوق والنفاق!

فالعاقل الفطن الكيس الذكي، يحرصُ على مجالس التذكير، حتى لو علمت بقرارة نفسك أنها معلومات مكررة وسبق لك معرفتها، فإنه من مقتضيات التذكرة هي التي تقال شيئاً فشيئاً، وليست تلك التي يكتفى بذكرها مرةً واحدة!

فالتذكرة المثلى والنصيحة الصادقة، هي بتكرار الإمام والواعظ والداعية والخطيب، للموعظة والمعلومة بين الحين والآخر، لأن الإنسان يغلب عليه الغفلة والنسيان.

فإن كانت معلومة التذكرة يعرفها السامع فإنها ترسخ وهذا خير، وإن لم يكن قد سمعها فإنه يتعلم معلومةً جديدة، تعينه وتأخذ بيده وتنتشله من الغفلة ومن النسيان.

يقول العلماء: إذا عُلِّقَ الحكمُ بوصفٍ، فإنه يزداد كلما ازداد هذا الوصف، فكلما انتفع العبد من التذكرة كلما زاد إيمانه، وبخلافه ينقص الإيمان، نعوذ بالله من الخذلان.

 

12-رجب-1444هـ

3-2-2023م


 

أيمن الشعبان