اطبع هذه الصفحة


وذكر "3" عِظم التدبر

أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فهذه مقتطفات وعظية، وتذكرة إيمانية، وإشارات تربوية؛ لإيقاظ القلوب، وتحريك النفوس، والانتباه من الغفلة، في زمن طغت عليه الماديات، وانغمس الناس في الشهوات، واستمرأوا الملذات، واعتادوا الذنوب والآثام والمحرمات، وربنا سبحانه وتعالى يقرع قلوبنا بقوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:55].

من أعظم حكم إنزال القرآن التدبر، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29].

إن تدبر القرآن هو مفتاح لكل خير ومغلاق لكل شر، لأن في تدبر القرآن ينال المسلم خيري الدنيا والآخرة، فما من فضيلة وما من خير وما من نفع وما من ثمرة في الدنيا والآخرة، إلا أصلها وأساسها تدبر القرآن.

ففي قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ}، والإنسان يحرص على نيل البركة، التي هي الخير الكثير وثبوته ودوامه واستمراره، بسبب بركة القرآن، قال {مبارك ليدبروا آياته}، فالبركة في العمر والبركة في العلم والبركة في العمل والبركة في القرآن والبركة في الطاعة والعبادة، بل البركة في كل شيء أحد أهم ركائزها هو تدبر القرآن.

يقول ابن القيم في مدارج السالكين (1/450) كلمة ينبغي لكل حافظ لكتاب الله أن يحفظها وأن يستحضرها دائما، فهي كلمة نفيسة تكتب بماء العين وماء الذهب، يقول رحمه الله: فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ.

خلاصة قول ابن القيم؛ أن أنفع شيء للإنسان في الدنيا هو تدبر القرآن، لأن العبد إذا كان يملك كنزاً فإنه يحرص على حفظه، ويكون عنده مفتاح لدوام حفظه، ومفتاح حفظ الكنز الثمين الذي هو القرآن، هو التدبر.

وحتى يحقق العبد أن صاحب للقرآن ومن أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، فلابد أن يحقق حلقة مهمة جدا بالإضافة إلى دائرة الحفظ ودائرة التلاوة ودائرة المعاهدة ودائرة المراجعة؛
 هي دائرة التدبر، وهي أعظم وأهم دائرة ضمن حلقات ودوائر صاحب القرآن.

المسلم بحاجة لأن يتأمل ويقف ويتمعن ويتدبر كتاب الله عز وجل، لأن الإنسان إذا لم يعرف معاني الآيات ولم يتأمل ما فيها ولم يتفكر ويتدبر مراد الله منها، ويستنبط المعاني العظيمة ويستخرج كنوزها وأسرارها، كيف يسجد وكيف يخضع وكيف يخشع وكيف يبكي؟!

صور مشرقة من تدبر القرآن:

كان بعض السلف إذا قرأوا الآيات التي فيها سجود، سجدوا مع العتاب لأنفسهم، قالوا: هذا السجود، فأين البكاء؟!

وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قام ليلة كاملة بآية، وكذلك تميم الداري قام ليلة كاملة بآية، ويقول أبو سليمان الداراني: إني لأقوم أربع أو خمس ليالي بآية!

وبعض السلف يقول: ستة أشهر وما انتهيت من سورة هود.

ويقول بعضهم: لي في الجمعة ختمة ولي في الشهر ختمة، ولي في السنة ختمة، ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما انتهيت منها!

فمع فضل تلاوة القرآن والأجر العظيم المترتب عليه، فلم تتوقف الكنوز والفضائل على مجرد التلاوة، مع أهمية التلاوة وفضلها وأجرها، والحرف بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، ولكن عندما يضعف في نفس المسلم العمل والتدبر والتأمل يحدث الخلل.

قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24].

يقول ابن كثير في تفسيره: يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بِتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ، وَنَاهِيًا عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ، فَقَالَ: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} أَيْ: بَلْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا، فَهِيَ مُطْبَقَة لَا يَخْلُصُ إِلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ مَعَانِيهِ.

 

12-رجب-1444هـ

3-2-2023م


 

أيمن الشعبان