اطبع هذه الصفحة


بين الأسباب الحسّية، والحكم الربّانية

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


أظنّ أن ثمّة خلطاً في الحديث عن الكوارث بين الأسباب الحسيّة والحكم الربّانية.
فما حدث في جدّة .. سببه الحسّي معروف، حيث نتج عن مطرٍ معتاد لم يكن ثمّ تصريف معتاد له فجرّ كلّ هذا البلاء.
هذا سبب حسّي معروف، ومتفق عليه بين الجميع، ولا أظنّ أن أحداً ينازع فيه، فتكثيف الحديث حوله لا معنى له.
فما حصل هو حسّاً منسوب إلى المطر وتصريف السيول.
لكن .. ما حدث من غرق وبلاء وشرّ كبير .. قد يكون عقوبة أو ابتلاء أو رفعة للدرجات أو تخويفاً من الله لعباده.
فالسبب الحسّي يختلف تماماً عن حكمة الله تعالى منه.
تماماً .. مثل لو أن حرباً وقعت على بلد ما، فحصل القتل والدمار والفساد، فإن هذا الفساد راجع إلى الجيش المعتدي، وعدم وجود قوّة تردعه، هذا هو السبب الحسّي، لكن هذا لا ينافي أن يكون ذلك عقوبة من الله لهذا البلد، أو ابتلاء لهم .. أو غير ذلك من الحكم.
وفي غزوة أحد علّل الله تعالى سبب الهزيمة بقوله ( قل هو من عند أنفسكم).
مع أن السبب الحسي كان هو التفات لواء خالد بن الوليد على مؤخّرة المسلمين واعتلائه لجبل الرماة ، فهذا هو السبب الحسّي لكنه إنما حدث وتمّ لهذا السبب.

وبالتالي .. فالأسباب الحسّية معروفة، والواجب شرعاً ان يعرفها المسلم ويسعى لتحقيق المصالح ودرء المفاسد ما استطاع .. وحين يقع شيء من ذلك فله حكم وعلل قد بيّن الله أسبابها، ومن أجلاها الذنوب والمعاصي، وإذا كانت الأسباب معروفة فإن الله تعالى ليس بعاجز أن يجري الأسباب ويدفع بالسنن ليوقع العقاب والهلاك بمن يريد، فالقتل والموت والمرض والألم و الصراعات كلّها لها أسبابها المعروفة، والله تعالى قادر على سوق هذه الأسباب لمن يشاء، وقد بيّن لنا أن الذنوب سبب مؤثّر لحدوثها فليبتعد عنها المؤمن حتى لا تأتيه الأسباب الحسّية المهلكة.
وحين نقول: إن الذنب سبب للفساد ، فليس معناه أنّ كلّ من وقع في الذنب سيحصل له الهلاك فيأتيك الحديث حينها عن الدول الكافرة المنعّمة، بل هو سبب، وليس من لازم السبب أن يقع دائماً، وهذا يعرفه الناس من معيشتهم ، فشرب الدخان مثلاً من أسباب الإصابة بمرض السرطان كما تقرّره البحوث والدراسات العلميّة، مع أننا نرى أن كثيراً من المدخّنين –بل أكثرهم- يدخّن ولا يصاب بشيء، وهذا لا ينفي أثر هذا السمّ على ذلك المرض .. وكلّ مثل هذا في بقية الأسباب.
وأيضاً: فليس من لازم اتصاف الشخص بالطاعة وبعده عن المعصية أن لا تقع عليه كارثة إطلاقاً، لأن المعصية من أسباب الكوارث، وليست هي السبب الوحيد، فقد تقع على المتقي كارثة للابتلاء أو رفعة الدرجات أو لحكم أخرى.

المختصر المفيد
.. أنّ الله تعالى قد قطع بأثر المعاصي على المصائب، فإنكار هذا الأمر مصادمة لقطعي من قطعيات الدين، وأربأ بأهل الإسلام أن يستهينوا بمثل هذه المخالفة بدعاوى صحيحة في واقع الأمر لكنّها لا تعارض هذا الأصل، فنسبة الحوادث إلى أسبابها لا ينفي أثر الذنوب عليها.
 

د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية