اطبع هذه الصفحة


سعودي في تل أبيب ..!

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


(صواريخ حماس هي السبب الذي ورّط غزّة في الحرب الإسرائيلية التي دخلتها إسرائيل دفاعاً عن نفسها بعد فشل الجهود الدبلوماسيّة الداعية إلى الهدنة التي نقضتها حماس..)

استوعب بشكلٍ جيّد أن يصدر هذا (التحليل) من شخص يعيش في بعض العواصم الغربيّة، لأنه يتحدّث بحسب المعلومات المتاحة لديه، وبالقدر الذي يدركه من القضية الفلسطينية، فهو (أسير) أسطولٍ إعلاميّ يمطِرِهُ من الحقائق في القضية ما ينبت الشوك الملائم للمشروع الصهيوني، وقد دلّت بعض (الاستطلاعات ) أن أغلبيّة الشعب الأمريكي لم تكن تعلم أصلاً عن وجود (شيء) اسمه فلسطين قبل أحداث سبتمبر .. إلى الإرث الثقافي والحضاري المشترك الذي يجعله يميل شعوريّاً إلى التعاطف مع إسرائيل .. وإدراك مثل هذا الواقع يهوّن عند العاقل روح الانفعال من مواقف الساسة والمثقفين والإعلاميين الغربيين من القضيّة، وتضحيتهم بمبادئ الحقوق الدولية انتصاراً للعدوان لدرجة أن يكون وقف إسرائيل لبعض عدوانها على غزّة علامة على تجاوبها لمطالب المجتمع الدولي، الذي يشعر بارتياح لأخلاقية إسرائيل في تراجعها عن القتال من طرف واحد..ويجتمع قادته بعد كلّ هذا العدوان الإسرائيلي ليؤكدوا حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فموقفهم دوماً مبنيّ على ثقافة ورؤية مختلف عمّا هي لدى العرب والمسلمين.
الذي لا أفهمه، ويعسر استيعابه.. أن تدور مثل هذه الكلمات، وتشتغل مثل هذه الإسطوانات في صحفنا وعلى أيدي أقلام من وطننا وبني جلدتنا، فتتعامل مع قضية الاعتداء على الكيفية التالية: ( جماعة غير مرغوب فيها تطلق الصواريخ على دولة شرعية لا يمكن أن تسكت عن هذا التصرّف، فكانت تلك الجماعة سبباً للورطة التي وقعت فيها غزّة بعد أن نقضت الهدنة التي وقعتها مع إسرائيل).

عجباً .. كيف انقطعت تلك الأقلام عن تاريخها وإرثها الثقافي والحضاري، وانطفأت عنها أي (موصلات) تمدّها بأمتها وهويّتها، حتى محيت من عقولهم بدهيات هذه المعركة، وأصول هذا العدوان، الذي اعتذر للقراء بأنّي أجدني مضطرّاَ لتذكير تلك الفئة بما يعرفه أطفال المدارس في بلاد المسلمين:
1- وجود إسرائيل في المقام الأول وجودٌ غير شرعي ولا قانوني، وهم حثالة تجمعت من آفاق الدنيا فتكدّسوا في فلسطين، وليس من منطقٍ يدعم وجودهم إلا منطق القوّة، وإذا كنّا عاجزين عن دفعهم أو الوقوف في حربهم فلسنا مضطرين إلى الاعتراف بشرعيتهم.
2- ولو سلمنا بوجودهم، فلا زالت غزّة في منأى عن سيطرتهم واحتلالهم، وما زال اليهود يمارسون كلّ أشكال العدوان على غزّة من حصارٍ واغتيالٍ وقتلٍ واعتقالٍ وتجسّسٍ، وحقّ الدفاع عن نفسها مقرّر في كلّ الشرائع.
3-والعدوان الإسرائيلي ليس حديث الساعة، بل شأن العدوان والإبادة والإحراق ملازمٌ لهم من قبل قيام دولتهم، وهم سائرون عليه من ستين سنة لم يتوانوا عنه أبداً، بل وممتدّ إلى تاريخهم السحيق حيث قتلوا الأنبياء والصالحين،وهو ليس مجرّد موت، بل قتل خاصّ بلمسة يهود المميّزة في القتل.
4- وما عرفت الدنيا قوماً في نقض العهود وتمزيق المواثيق مثل اليهود، وقد انتهكت في عدوانها كلّ القوانين والأعراف الدوليّة ولم تلتزم منها بشيء إلا بمشروعية دفاعها عن نفسها، وهي توقّع في العهود بيد، واليد الأخرى تنكث ما تبرمه الأولى، وما زال أدعياء السلام يصيحون في وجه الأمم المتحدة بانتهاكات إسرائيل المستمرة لمفاوضات السلام.
5-وكلّ القيم الدينية والوطنيّة والأخلاقيّة والفطرية تدفعنا ضرورة إلى المؤازرة التامّة للمنكوبين والمقاومين في غزّة.
فهذه حقائق لا يحتاجها القارئ العربي والمسلم لأنها من المسلّمات البدهية المترسّخة في العقل العربي والإسلامي، فكيف غابت عن تلك الأقلام والأفواه ..؟
إنّ الموقف السلبي والتعاطي البارد من تلك الفئة الصحفية مع أحداث غزّة لم يكن نابعاً من حبّ اليهود أو الاطمئنان إليهم، فبغض اليهود والصورة النمطية البشعة لهم راسخة في الضمير العربي والإسلامي لا يكاد ينفكّ منها أحد، وإنما بلاؤهم من انقطاع صلتهم بالهويّة الإسلامية الناصعة، واشمئزازهم من أي صوت يدعوهم إلى الإسلام ويذّكرهم بأحكامه، فهم يبغضون المشروع الإسلامي أكثر من حبّهم لأي مشروع يقابله، ومتهيئون شعوريّاً للوقوف ضدّ أي مشروع إسلاميّ من قبل فهم التفاصيل، والمواقف الكاشفة لهذا الأمر متوالية، غير أن مثال غزّة أجلاها وأفضحها، وستبقى وصمة عار تاريخية لكلّ كاتب أو صحيفة أو قناة وقفت على الحياد بين الصهيوني المحتل المعتدي والمسلم المظلوم المقاوم.

صحيفة سبق
1/2/1430هـ

 

د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية