اطبع هذه الصفحة


قصّتي مع (أحمد)

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


دوماً .. كنت حين أركب سيارة صاحبي (أحمد) لقضاء بعض المشاوير.. أجد جهاز التسجيل مغلقاً وليس فيه أي أشرطة.. فقد كان (أحمد) لكمال مروءته ونبله يخفي أشرطة الغناء مراعاة وتقديراً لصاحبه وهو من اللطافة واللباقة التي يشكر عليها، وحين ينسى شيئاً من ذلك كان يبادر بالاعتذار وطلب الدعاء له بالتوبة والهداية.
غير أن هذا لم يكن سبب كتابتي إليكم عن (قصّتي مع أحمد).
بل ما حدث مساء ذات يوم.
إذ وجدت صوت الموسيقى تصدح في سيارة (أحمد )على غير المعتاد، وحين طلبت منه بلطف أن يغلق المسجّل وكنت أنتظر منه ما تعوّدته منه ومن مثله من الشباب الذين حين تطلب منهم مثل هذا الطلب تجد المبادرة اللطيفة والقبول السريع وإظهار الاستغفار إلا أني صدمت من أحمد حين جهر في وجهي قائلاًَ:
( المسألة خلافية يا صديقي، ويوجد من العلماء من لا يرى بأساً بسماع هذا الغناء، ودين الله بسعة فلا حاجة للتضييق على الناس برأي فلان أو فلان من الناس!)
لا أدري كيف كان الوضع بعد ذلك، لكنّي أعترف أن هذا الجواب كان مفاجئاً لي وصاعقاً لدرجة أن انعقد لساني عن جواب حاضر، وغابت عن بديهتي جملة مفيدة يمكن أن أتخلّص بها من هذا الوجوم الذي علاني.
عدتُ للبيت، وهواجس التفكير تعبث بخيالي، وكلام أحمد يضرب في رأسي أخماساً في أعشار، وخطوط التشويش قد تلاعبت بخلايا تفكيري..
كيف تحوّل ذاك الشاب اللطيف عن حاله الأولى من قبولٍ للنصح ومبادرة للتنفيذ وإظهار للتندّم والاستغفار إلى الاستنكاف والاستكبار والمجادلة ، وهو يعلم جيداً أنه كان يسمع الغناء من قبل أن يدري بأن ثمة خلافاً في المسألة بسنين عدداً، وأجزم أنه لا يعلم شيئاً عن أدلة القائلين بالجواز ولا عن أشخاصهم ولم يصل إليه إلا أن ثمة من يقول بالإباحة، ولو عرضت عليه مسألة يحتاج لفتيا فيها وجواب عنها لكانت تلك الأسماء هي آخر من يفكّر بسؤالها أو يثق فيها.
فأي شيء هذا الذي حلّ بأحمد حتى يصاب بمثل هذا الزلزال؟
إنّها ليس قصّة أحمد فقط.. بل قصّة آخرين من مثله.
وليس (الغناء) إلا أنموذجاً .. وقل مثل هذا في (حلق اللحية) و (الإسبال) و (الاختلاط) و(كشف وجه المرأة) وغيرها من المسائل.
ما زلت أفكّر وأقلّب النظر في الأمر مواصلاً مقاومة ضربات النعاس المتواصلة على عيني والملحّة عليّ لإيقاف دوّامة التفكير التي لن تقف، فأظهرت الاستسلام ولم أسلم عيني للرقاد إلا بعد أن بعثت لصديقي هذه الرسالة البريدية:
( أحمد:
إن كنتُ رأيتك على خطأ، فإني أعترف أنّ ما تعلمه عنّي من أخطاء أضعاف ما أعلمه عنك، وما أخفي أكثر.
غير أنّي يا صاحبي ما زلت صادقاً مع نفسي، اعترف بالخطأ، وأسعى للتوبة منه، وإن لم أفعل فإني أرجو رحمة الله، وأسعى –ما استطعت- أن آتي من الحسنات ما تمحى به تلك السيئات.
إنك تعامل (الله) بما تقول، وهو أعلم بخفايا قلبك، وسكنات نفسك، فاستشعر عظمة من تخادع.
إنه دين يا صديقي، فلأن تلقى الله وأنت على معصية مقرّ بها، خير لك من أن تلقاه وقد أنكرت حكماً شرعياً واستنكفت عن قبول نصّ نبوي، وكذّبت بدليل بلا شيء سوى أنه لم يوافق هواك ولم يستقم مع مزاجك.
إننا قد وقعنا في أخطائنا شهوة وهوى، فلا ينبغي أن يكون أي عارض -مهما كان- سبباً لأن نحيل الشهوة إلى شبهة وندير الخطأ إلى صواب ونردّ الأحكام الشرعيّة بمحض الهوى والشهوة، فذاك ليس شأن العصاة من مثلي ومثلك، وإنما شأن المتعالين على حكم الله من المنحرفين الذين يشمئزّون إذا ذكر الله، ولستَ بحاجة لأن أسمّيهم لك ومثلك يتعوّذ بالله من حالهم.
وإليك سلام الله).
وإليكم.

صحيفة سبق
22/5/1430هـ

 

د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية