اطبع هذه الصفحة


مشكلة الهيئة!

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


من يتابع وسائل الإعلام المحلّية والخارجيّة لا بدّ وأن يشعر بأن ثمّة مشكلة حقيقة مع (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
طبعاً .. لا يمكن أن تكون (الأخطاء) و(التجاوزات) وحاجة الجهاز (للتطوير) و (تأهيل) العاملين فيه هي السبب الحقيقي لهذه المشكلة، فكلّ أجهزة الدنيا تعاني من الخطأ والخلل والتجاوز، وجميعها بحاجة إلى التطوير والمراجعة والتأهيل، ولم تصل ممارسات أجهزتنا الحكومية إلى الكمال بحيث تكون الهيئة هي الطير المغرّد خارج السرب.
وما زالت الهيئة تمارس تألقاً مبهراً في كبس مجرمي المخدرات، وكشف شبكات الدعارة، والتضييق على مريدي الشهوة والسكر، ولهم في ضمير المجتمع الدعم والتقدير العميق، وهي مع ذلك مؤسسة رسميّة حكوميّة تمارس عملها وأنظمتها منذ اللحظات الأول لنشأة هذه الدولة.
فأين هي إذن المشكلة؟
في الواقع .. أن مشكلة الهيئة الحقيقية .. أنه ليس ثمّ مشكلة.
وأنّ المشكلة الحقيقيّة .. هو في تداعي وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها على حشر كلّ ما يتعلّق بهذا الجهاز وإشاعته وتضخيمه وملاحقته بالتحقيق والتعليق والمتابعة، وإبرازها لكلّ من في بطنه شيء على هذا الجهاز ليبثّ تجاربه وهمومه الخاصّة .. ولا أرى أن من تابع مثل هذه الحملة بحاجة لأن يُكتب له عن مستواها الأخلاقي المنخفض وطريقتها الاستعدائية السافلة، وتقوّيها بالخارج وبخصوم السنّة وبأعداء الإسلام.

وحين تعلم أن جهاز الهيئة قائم على أسس دينية ومعايير شرعيّة تفهم حقيقة المشكلة، إذ جميع الناس يتقبّلون تدخّل الأمن في خصوصيّات حياتهم لأنهم يدركون حاجة دنياهم إلى ذلك، وأما جهاز الهيئة فإنه حين يقوم على محاربة السحرة وملاحقة مجرمي المخدّرات فإنك لا تكاد تجد لأحد اعتراض على شيء من هذا، ولا تجد في مثل هذه الموضوعات أخطاء أو تجاوزات من الهيئة، وأما حين يكون المجال في أمر شرعي محضّ لا يمسّ دنيا الناس كأمور الخلوة والاختلاط والتبرّج والخمور فإن الحملات الإعلامية تتدافع متلاحقة في بيان الأخطاء والعويل على الحريات والمطالبة بالتطوير والإصلاح .. فتلك مشكلة المشكلة!

1- فالمشكلة مع (الحريّات) لا تذكر إلا مع جهاز الهيئة، فهو حين يسعى للرقابة على القيم الشرعيّة التي رضيتها الناس ودعمتها الدولة فإنهم لا يتمالكون إلا بأن ينفجروا صياحاً لحرية فلان من الناس الذي منعته الهيئة في ساعة من السنة عن فعل أمر مخصوص في مكان محدّد نظراً لاعتبارات شرعيّة فيرونها (مصادرة للحريات) وحرباً( لحقوق الإنسان) ونهاية لتاريخ الحقوق والحريات والحضارة ، بينما لا يجدون أي حرج أو تبرّم من تحّكم جهاز المرور مثلاً بحرياتهم وتقييدها على مدار الحياة لأقل مصلحة تذكر، ويقدّرونها ولو لم يدركوا وجه المصلحة لأنها في أمر دنيوي وأما حرياتهم الأولى فهي في أمر دنيوي.. فهل وعيت المشكلة؟

2-
مشكلة الهيئة أنها تسعى لتحقيق شيء من أصل حفظ الدين الذي هو أعظم ما يميز النظام السياسي في الإسلام، وقد أوكّلت الدولة إلى هذا الجهاز تحقيق بعض هذه المقاصد، وهذا الأمر غير معتبر ولا مفهوم في الأنظمة السياسية المعاصرة، لأنها تقوم على فلسفة دنيوية محضّة تحيّد الدين من أن يكون حاكماً أو معياراً معتبراً في سياسة الدنيا أو تقييد حريات النّاس، وحينها أصبح وضع الهيئة غريباً في أنظمة لا تراعي ولا تفهم عمل هذا الجهاز .. فحصلت المشكلة؟

3-
وحين تقوم الهيئة على أسس دينية فإنها ستواجه مشكلة مع ممارساتها اليوميّة، إذ إن هؤلاء القوم لا يفهمون معنى وجود الهيئة وبالتالي فحين يقع في ممارساتها أي خطأ أو تجاوز فإنهم يشعرون بأنه لا حاجة للدولة بأن تتمسّك بجهاز يقع في مثل هذه الأخطاء وأن السلامة هي في إراحة الناس من هذا الجهاز لتتوقف هذه الأخطاء، وهو أمر لا يمكن أن يقال في أجهزة الحكومة الأخرى كالمرور والدفاع المدني والبلدية ولا أظنّكم سمعتم أحداً يطالب بحلّ أو تقليص ودمج مثل هذه الأجهزة .. فهذه هي المشكلة؟
هبوا .. أنه لا وجود في بلادنا لشيء اسمه (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

وأن مهمة الرقابة على (الاختلاط) و(الخلوة) المحرّمة، ومنع الخمور ، والأمر بإقامة الصلاة .. قد أسندت إلى جهاز المرور أو لأي جهاز آخر ..

هل سترون حملاتهم ستخفّ أو تقف!
..
فهل من معتبر؟

صحيفة سبق
19/3/1430هـ

 

د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية