اطبع هذه الصفحة


يا معرض الكتاب

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


في كلّ عام ..
ومع بداية معرض الرياض الدولي للكتاب ..
وبطريقةٍ اعتياديّة مألوفة ..
تتحرّك الأقلام التي تسعى لتبرير موقف [الجهة المشرفة] على المعرض، والتي تجيز الدور والكتب التي تعرض من الدراسات والكتب ما فيه تعدٍ وطعن في الإسلام وقيمه وأصوله مما لا يحتمل خلافاً أو اجتهاداً أو وجهة نظر، ومع توالي الشكاوى والنصائح وتوارد الناصحين والمحتسبين ما زالت تلك الجهة متمسّكة بهذا الموقف المريب، ولم تزل تلك الأقلام تسعى لاختلاق الأسباب والقناعات التي تبرّر مثل هذا الموقف، وغاية ما يذكرونه هنا ينحصر في الأمور التالية:
1-استحالة الرقابة على جميع الكتب نظراً للأعداد الغفيرة من الكتب في كافة المجالات.
2-الانفتاح الإعلامي الذي يجعل الوصول إلى المادة الإعلامية أمراً ميسوراً مما يزيل أهمية الرقابة ويجعل المسؤولية كاملة على التربية والتنشئة.
3-أنّ الناس عندهم من الوعي والإدراك ما يجعلهم في غنى عن ممارسة الحصانة عليهم.
4-أن نشر مثل هذه الكتب لا يعني القبول أو الرضا بما فيها بل هو لمجرّد الإطلاع والمعرفة.

هذا خلاصة ما في لائحة المحامين عن اللجنة المشرفة، وليس فوق ذلك إلا اختلاف الأساليب والتفنن في الصياغة بما لا يكاد يخرج عمّا سبق إلا في تخدير الرأي العام وإطفاء الحسّ الشرعي لدى الناس بأن الوزارة تتقبّل الشكاوى وتدعو الناصحين للوقوف معها بإبلاغها عن أي مخالفة من خلال تعبئة الاستمارة لتفريغ شحناتهم وتسكين ثائرتهم وأما الأمور فهي باقية على ما هي عليه.
طبعاً .. هذا إنما يكون في الكتب التي تمسّ الدين وقيمه وأصوله، وتطعن في الشريعة.

غير أن ثمّة نوعين من الكتب هما خارج عن كلّ ذلك:

النوع الأول: الكتب المحظورة سياسيّاً إذ لا تكاد تجد لها ذكراً، وكلّ المبررات السابقة تتبخّر مع هذا النوع من الكتب، واللجنة المؤمنة بعصر الانفتاح الذي يعجز عن الرقابة تنقلب خلقاً آخر حين تتعامل مع أمثال هذه الكتب.
النوع الثاني: الكتب التي تغذّي جانب التكفير والتفجير عسكريّاً أو شرعيّاً، فالحديث عن عصر الانفتاح والثورة المعلوماتيّة وأن الشعوب لديها الوعي والتمييز وأن انتشار الأفكار ليس فيه ضرراً ولا يلزم منه تقبّل الفكرة أو الدعوة إليها .. كلّ هذه الدعاوى تذوب أمام هذه النوعية من الكتب ويمسخ ذلك الخطاب ويأتيك الخطاب الراديكالي الذي يطالب بمنع وملاحقة كل الكتب التي يمكن أن تكون مؤدّية إلى ما قد يكون سبباً إلى أمر قد يغذّي جانباً قد يؤدّي إلى الغلو!
إنّي لا أرى في صنيع الوزارة في منعها هذين النوعين من الكتب والدور أي عيب، بل هو الصواب وعين الحكمة، لكنّي أطالبهم بأن يعاملوا الكتب التي تمسّ دين الناس بما يعاملوا الكتب التي تمسّ دنياهم، وأن يدركوا أنه إن كان نشر الكتب المضرّة سياسياً وأمنيّاً لا يخدم مصلحة الوطن، فالكتب التي تضّرّ دين الناس لا تخدم مصلحة الوطن أيضاً!
فليس ثمّة عذراً لدى الوزارة في تهاونها مع هذه الكتب، وكلّ ما تذكره الوزارة ويذكره المدافعون عنها من مبرّرات تأتي عليهم في الكتب المضرّة سياسيّاً وأمنيّاً، فإن كانت تلك المبررات مقبولة فيلزمهم أن يقبلوا جميع الكتب بلا استثناء أو يمنعوا الكتب المفسدة دينياً كما يمنعوا أخواتها من الكتب المضرّة سياسيّا وأمنيّاً.
ربّما يعترض بعضهم فيقول: إن كتب التفجير والتكفير تؤدّي إلى القتل والضرر والتعدي على الآخرين بخلاف غيرها مما لا يضرّ الناس ولا يعتدي على حقوقهم.
فعجباً .. كيف يستروح مسلم لمثل هذا الكلام، فلا يرى الضرر إلا ما كان في دنياه ومعيشته، وأما الضرر في دينه وهويّته وما يفسد آخرته فليس بذي بال!
ومن المقبول جدّاً أن يندّ هذا القول من ثقافة دنيويّة محضّة كالثقافة الغربية، لأنه يكون مطّرداً مع الثقافة التي لا تؤمن بالدين كأصل يحتكم إليه ويضيّق بسببه على حريّات الآخرين، فهذا القول منسجم مع هذه الثقافة ومتناغم معها .. وأما أن يجرجر مثل هذه المقالة من يؤمن بالإسلام فشيء عجيب!
ولئن كان في حبّ الناس لدنياهم ما يحول دون السماح لكثير من الكتب من أن تأخذ حريّتها في العرض والطلب فإنّي على يقين من أن في نفوس القائمين على هذه المعارض من أهل هذه البلاد من تعظيم الشريعة والغيرة على حرماتها ما يحدوهم إلى منع ما يتعرّض لهذه الأصول بسوء، وأن يكون حالهم مع الناصحين حال من يستمع القول فيتبع أحسنه لا من تأخذه العزّة بالإثم.


صحيفة سبق
13/3/1430هـ
 

 

د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية