اطبع هذه الصفحة


قصّة المعركة
عدد محرّم 1431هـ

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


حين تقرأ كتاباً أو تقلِّب صحيفة أو تحرِّك موقعاً إلكترونياً فتجد المقولات التي تُصادِم النص الشرعي صراحة، وتدعو لرؤية مغايرة بالكلية ومصادمة تماماً للأحكام الشرعية؛ فإن من المفارقات أن تجد أن كل هذا – بحسـب كاتبــه - لا يعارض النــص ولا يناقض أحكامه، وإنما يخالف تفسيراً فقهياً معيَّناً لا يقرُّه النص ولا يتوافق مع أصول الشريعة.

هذا خيط موحَّد يجمع كلَّ الأفكار والرؤى المعاصرة التي تُصادِم النص وتناقض الإجماع؛ بحيث لا تكاد تجد أحداً يبدي صراحته في عدم اعتبــاره لقيمـــة النـص الشرعي، بل كل تلك المخلَّفات الفكرية والمخالفات الشرعية تُقدَّم في قالب التفسير الفقهي للنص، والسَّير على خط الاعتدال والوسطية التي دافعها الغيرة على النص من اختطاف الرؤى التفسيرية المتطرفة.

لقد أدرك خصوم النص أن المعركة ضد النص محسومة النتائج، وكل خطوة للأمام انكشاف تام ودخول لخط النار، وفي الضمير الحي للشعوب المسلمة من معاني الحب والتعظيم والفداء للدين وقِيَمه ما يجعله يمشئز من مرأى هذا المحارِب، فضلاً عن قبول رأيه أو تفهُّم دواعيه.

عَلِم خصوم النص أن قواهم الفكرية والإعلامية عاجزة عن تمزيق سياج النص للنفوذ إلى قلب الشعوب المسلمة، فكان أن لا بد من حيلة تكون موصلة إلى هذه الغاية من غير الاصطدام بهذا السياج الـمُحكَم، فتحركت بوصلة المعركة من مواجهة مع النص إلى تخطٍّ للنص عن طريق مسايرة النص الشرعي بجعل كلِّ الرؤى والمفاهيم المنحرفة داخلة في مفهوم النص، ويقبَلها الفَهْم والتفسير الفقهي بطريقة شَرَحَ مفاصل إستراتيجتها أحدهم بقوله: (طريق لا عقلاني للعقلانية).

لم يتغير شيء من تلك المفاهيم؛ فمفاهيم المعركة الأولى هي ذاتها مفاهيم المعركة الثانية، لكنها بدلاً من أن تكون ضد النص الشرعي أصبحت مسايِرة له ومتوافِقة معه، وأصبحت مفاهيمهم المأخوذة من القيم الوافدة (بقدرة قادر) مفاهيماً شرعية تضافرت النصوص على تقريرها.

هذا التغيُّر الإستراتيجي قد يراه بعض الناس إيجابياً وتصحيحاً لدى خصوم النص، لكن الواقع أن هذا التغيير خطير جداً على المفاهيم والأحكام الشرعية؛ لأن عامة الناس ليس لديهم قدرة تفصيلية على معرفة الحق والباطل، وإنما المعيار المعتمَد لديهم هو في موافقة النص أو مخالفته، وحين تُقدَّم الانحرافات الفكرية في قوالب شرعية، فمن السهل وقوع التلبيس على كثيرٍ من الناس لظنهم أنها موافقة للدين ولما يريده الله ورسوله.

إن تعظيم الشعوب المسلمة للنصوص الشرعية هو مِن أقوى وسائل الحفاظ على هوية وثقافة هذه المجتمعات، وحين تتمكن اللصوصية الثقافية من كسر هذا السياج والدخول بعدها في عمق النص لممارسة العبث والتأويل للأحكام والمفاهيم الشرعية؛ فإن هذا مؤشِّرُ خَطَرٍ وبلاء سيحل بمفاهيم الناس وقيمهم من حيث لا يشعرون.

لا حلَّ أمام هذه اللصوصية الثقافية إلا بتكاتف العلماء والمثقفين والمفكرين الغيورين على كشف هذه الممارسات العبثية وإزالة الأقنعة التي تُخفي عوارها، وإعلان المفاصلة التامة مع أفكار التأويل والتحريف للنصوص الشرعية؛ بحيث يكون حالها كحال المعطَّل والمنكَر، بل أشد من ذلك، وأن يكون واضحاً لدى الوعي المسلم أن الاستدلال بالنص الشرعي ليس دائماً علامة اتباع واستهداء، بل كثيراً ما يكون توظيفاً يراد به تحويل النص من كونه حلاً لمشكلات الثقافة العصرية إلى جعله مشكلة يُخْلَص منها إلى الدخول إلى ثقافة العصر.

وسنتناول في هذه الزواية - بإذن الله - جوانب مختلفة من هذه المعركة الثقافية المتخطية للنص الشرعي.

 

د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية