اطبع هذه الصفحة


الصحافة السعودية .. والترصّد للهيئة .. إلى متى؟؟

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


( نحن نتعامل مع أخطاء الهيئة كما نتعامل مع خطأ أي جهاز حكومي آخر، وهو منسجمٌ مع دور الصحافة في الرقابة والإصلاح).
هذا هو الجواب (الثابت) الذي يدور على ألسنة رؤساء التحرير وأقلام الصحافة عن (السؤال) الذي يلاحقهم دوماً:
[ لماذا هذا التحامل الإعلامي والصحفي على جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]؟
ومن ليس لديه أي خلفية معرفية عن (الحكاية) فإنه سيشعر بعقلانيّة هذا الجواب، فهو مجرّد (نقد) لجهاز حكومي للتقويم والتصحيح كشأن أي جهاز حكومي آ خر، وبالتالي فلا معنى للحساسية المفرطة من النقد العلني الموجّه ضدّ الهيئة.
وأما من يعرف القضيّة فإن يدرك أن هذا الجواب معدّ للاستهلاك الإعلامي لا غير، وإلا فكل متابع لحملة الصحافة على جهاز الهيئة يدرك أن جهاز الهيئة هو الجهاز الحكومي الوحيد الذي يمارس معه هذه الطريقة المريعة في التشويه والإسقاط وتأليب الرأي العام، ويريدوننا أن نفهم الإساءة والتربّص والتشويه المتعمّد بأنه نقد موضوعي نزيه لمجرّد أن الصحافة هكذا تسمّيه:

أولاً:

هل تعلم ما هي الوظيفة الوحيدة التي تذكر في التحقيقات الصحفية للخصومات الجنائية والمدنية التي تقع عادة بين الناس؟
فأخبار الصحافة تعجّ بالمتخاصمين في المدارس والمحاكم والبيوت والأندية، ونتابع فيها السلوكيّات الخاطئة لكثير من الناس، أما الوظيفة لمن تقوم عليه تلك الأخبار فشأن خاص لا علاقة له بالموضوع، فقد يكون (معلّماً) أو (مهندساً) أو (موظّفاً) في الاتصالات أو البلدية أو (طبيباً) أو أي شيء كان، المهمّ أن العمل الذي يشغله صاحب القضيّة لا أهميّة له ولا معنى لذكره، إلا إن كان الخصم من الهيئة فإن نزاهة الصحافة السعودية تأبى إلا أن تذكر أن عضو هيئة تخاصم مع قريبه أو دخل في مشروع تجاري فاشل ، بل وقبل أيام كان الحديث عن رجل كان يشغل رئيس هيئة سابق، وكأن أعضاء الهيئة من دون سائر خلق الله لا تكون خلافاتهم مع الناس إلا بصفتهم الرسميّة، فهل هذا مجرّد نقد نزيه!

ثانياً:

آلاف القضايا تدخل المحاكم وتخرج منها، تتعلّق بكافة الأجهزة الحكومية، تبدأ القضية وأختها وتنتهي وما علم بها أحد، فإن كان ثمّ قضية ستدخل المحكمة ظهر اليوم ضدّ الهيئة فإن صحفنا مستعدّة للحديث عنها قبل أن يعلم بها القاضي، ومن نزاهة الصحافة: أنّها تفرد التحقيقات والمتابعات المتلاحقة عن هذه القضية قبل بدء المحاكمة وتفرض الاحتمالات وتبدي التخوّفات من عدم التزام القاضي بالحكم الذي يريدون ، وتأتي بالمدّعي ليطعن ويتهم ويشتم، فإذا انتهت القضية جاءت بالمحامي ليبرز لائحة الاعتراض فنصبح ونمسي على أخبار هذه القضية، فهل كلّ هذا حميّة للعدالة والحقوق!
الذي أعرفه أن نظام البلد يمنع الصحافة من نشر القضايا المنظورة في المحاكم حتى يتم البتّ فيها صيانة للقضاء وحماية للعدالة، لكنّي إلى اليوم لست أفهم سرّ هذا الخرق الثابت لهذا القرار من قبل الصحافة، بحيث تمارس الضغط الإعلامي العنيف على القضاء قبل أن ينظر في القضية بطريقة ممجوجة لا تليق بمن ينشد العدالة، فأي فائدة من إنصاف القضاء للمتهم حين يبرئه من قضية لم يعلم ببراءته فيها إلا عُشر من قرأ عن دخوله في الجريمة عن طريق الصحافة النزيهة!

ثالثاً:

وحين تحدث ملاحظة أو خطأ أو أي شيء ضدّ الهيئة فإن الصحافة السعودية لا يسكن خاطرها ولا يبرد فؤادها إلا بعد أن تفرد العناوين العريضة والتحقيقات الواسعة ليكون هذا الخبر هو سيد أخبار اليوم، بنزاهة ومهنية محايدة جدّاً.
وهو ما يذّكر القارئ بما فعلته إحدى الصحف السعودية حين نشرت عناوين بالبنط العريض وبتحقيق صحفي في أول الصفحة الأولى عن قضية شخصيّة أسريّة خاصّة ببيت الشيخ سلمان العودة بطريقة لا تقلّ عن اجتياح الجيش الإسرائيلي لغزّة!

رابعاً:

ولا تكتفي الصحيفة بكلّ هذه التغطية والمتابعة والملاحقة بل تجنّد أقلامها ومثقفيها للكتابة المتلاحقة المكثّفة حول ذات الموضوع حتى تسجّل عشرات المقالات حول قضية جزئية من قضايا عمل جهاز حكومي واحد، وقلّ أن تجد كاتباً صحفيا إلا وله مشاركة في هذه الحملة الصحفية .. العقلانية!

خامساً:
والهيئة هي الجهاز الوحيد الذي يتعامل مع أخطائه بمثل هذه المقترحات الرائجة في عالم الصحافة ( إلغاء-دمج-مراقبة-تضييق-سحب صلاحيات ..) فالقضية ليست محاسبة حماية للحقوق ومرافعة عن أصحابها ودفاع عنها، بل هو موقف مسبق من ذات الجهاز فتكون هذه الأخطاء سبباً لتمرير مثل هذه المطالب المتهوّرة.

سادساً:

وارتفاع مستوى النزاهة لدى الصحافة وحرارة الحسّ الوطني والقيمي لديها يجعلها تبادر بنشر أي خبر عن الهيئة ولو قبل اكتمال مادّة الموضوع، فأخبار الهيئة لا تحتمل التأجيل ولو أدّى ذلك إلى التسرّع أو الاكتفاء بشهادة المدّعي الخصم أو كان القصّة مكذوبة من الأساس، والحوادث في ذلك أكبر من أن تحصر ولو تطوّع لها بعض المتابعين لاحتاج إلى ميزانية كافية لموقع ذي طاقة استيعابية يستطيع أن يجمع مثل هذه الوقائع!

إنها حملة غير نزيهة، تستغلّ أمانة النشر ومسؤولية الكلمة لتشويه جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولبثّ صورة نمطية بشعة عن هذا الجهاز والعاملين فيه، بطريقة لا تنمّ عن مروءة وشرف، ولا تليق بمريدِ إصلاح أو مدّعٍ لوطنيّة، قد شرقت بالأثر الإصلاحي البيّن لهذا الجهاز في الوقوف في وجه كثير من المنكرات الشرعية التي لا تقرّها الذائقة العصرية التي لم تتروّى من معين الشريعة .. وليست المدركات العقلية والفكرية للمجتمع في حالة موات خالية من أي فكر أو عقل أو إدراك حتى تنطلي عليها خديعة ( نحن نمارس الدور الصحفي النزيه في نقد التجاوزات مع الهيئة كأي جهاز حكومي آخر).
إن دور الصحافة في الرقابة دور أساسي ومحوري، فالنقد العلني الإعلامي حارس أمين يحول دون أي تجاوزات أو انحرافات، وهو أداة فاعلة لمراقبة كلّ الأجهزة والقطاعات والأنظمة الحكومية، ذلك حين تكون بأيدٍ أمينة وطنيّة، يحدوها حبّ الوطن وإرادة الخير،لا أن تكون أداة لإشعال الحرائق وإرهاب المخالفين والتربّص بالغيورين الساهرين على أمن المجتمع وحرماته.

صحيفة سبق
20/2/1430هـ

 

د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية