اطبع هذه الصفحة


هل جاء الإسلام بنظام سياسي محدد؟

د.فهد بن صالح العجلان
@alajlan_f

 
بسم الله الرحمن الرحيم


بين يديك ثلاث عبارات، ما الفرّق بينها؟
- الإسلام لم يأت بنظام سياسي محدّد، فللناس أن يختاروا النظام الذي يكون أصلح.
...-الإسلام لم يأت بنظام سياسي محدد، فللناس أن يختاروا في شؤون دنياهم بما هو أصلح.
-الإسلام جاء بنظام سياسي محدّد.
20/4/1432هـ
--
يبدو مفتاح حلّ إشكالية مثل هذا السؤال في معرفة المقصود بـ (النظام السياسي المحدد) المعروض هنا.
وهي قضية منهجية ضرورية، أن يستفصل الشخص عن المفاهيم قبل أن يعرض حكمه فيها، وكثيراً ما يكون لمثل هذه الاطلاقات والمصطلحات دور في توجيه الشخص إلى وجهة معينة من حيث لا يريد.
فالنظام السياسي .. إن أريد به آليات وأدوات وإجراءات محددة للحكم، تتعلق مثلاً في كيفية تولّي الحاكم للدولة في الإسلام، ومن الذي يختاره، وكيف يختارونه، ونحو هذه الأسئلة ، فلا شكّ أن الشريعة لم تأت بنظام سياسي محدد، لان هذه الأدوات تختلف من زمان ومكان، والأصلح والأكمل أن تترك للناس ليضعوا الآلية المناسبة لهم، فالشورى واجبة في الشريعة في اختيار الحاكم، لكن كيفية هذه الشورى؟ لم تحدد بطريقة معينة لأنه من الأمور المتغيرة، فيختار الناس ما هو أصلح، ومن ذلك أن يستفيد الناس من مثل الوسائل الحديثة التي تطبقها الأنظمة المعاصرة في تحديد السلطة كالانتخابات المعاصرة.

وإن أريد بالنظام مجموعة الأحكام والتشريعات .. فهو محدد إذن، لأنه ثم قوانين واحكام وتشريعات متعلقة بالسياسة، فالنظام السياسي في الإسلام ملتزم بعدد من الأحكام والتشريعات، سواء كانت على شكل مبادئ كالعدل والرحمة والإحسان والشورى، او على مستوى الاحكام التفصيلية كمنع المحرمات والشروط المتعلقة بالولايات وغيرها.
إذن،
فالنظام السياسي إن كان المقصود جانب الأدوات والوسائل والإجراءات فهو غير محدد في الشريعة، فالمطلوب تحريم الخمر مثلاً، لكن كيفية الإجراءات المتعلقة بمنعه، ومن المسؤول عن ذلك، وكيف يتعامل مع هذه الجريمة، كلّ هذه شؤون إجرائية تفصيلية تترك للنظام.

وأما إن كان في التشريعات والأحكام فثم جوانب وتشريعات محددة وظاهرة.

وعليه:
فالعبارة الثالثة ستكون خطأ، لانها حكمت بأن في الإسلام نظاماً سياسيا ًمحدداً، وهي عبارة مجملة فالمفترض أن تشرح المقصود بها، فكون العبارة تطلق بأن النظام السياسي محدد قد يفهم منه شخص أن في الشريعة طريقة محددة لآلية تداول السلطة وكيفية اختيار الحاكم مثلاً، وهذا غير دقيق.

اما العبارة الأولى والثانية فقد فصّلت، فتكملة العبارة يوضّح مقصود قائلها بكلمة "النظام السياسي المحدد"

فالعبارة الثانية: شرحت المقصود بمعنى أن الناس يحكمون في شؤون دنياهم بما هو أصلح.

ومعنى هذا : أن "شؤون الدنيا" راجعة لحكم الناس، فيختارون الأصلح، ولا علاقة للشرع بهذا الحقل والموضوع، وهذه هي النظرية الفكرية للعلمانية، أن لا يكون للدين دور في "الشأن العام" أو "الحقل الدنيوي" وإنما يختار الناس ما يرونه محققاً للمصلحة.
فالعبارة الثانية مارست خداع على القارئ، فقدّمت له بعبارة "النظام السياسي المحدد" التي قد يقصد بها جانب صحيح لتنطلق منه لتقرير المعنى الفاسد الذي هو أن الدنيا تحكم بالمصلحة فقط وليس ثم أحكام شرعية إسلامية فيها، وهذا باطل ولا شك، لأن الشريعة عند المسلمين ليست كالدين في نظر العلمانيين حيث يكون مقتصراً على الشأن الخاص بين العبد وربه، بل هو تشريع وقانون ونظام للحياة، فثم أحكام شرعية في الاقتصاد كحرمة الربا مثلاً، وأحكام في السياسة كحرمة تولّي الكافر لرئاسة البلاد، وأحكام في الجانب الاجتماعي كحرمة الفواحش ومقدماتها وغيرها من الأحكام التي تتعلق بجوانب من الدنيا.

إذن:
فالصحيح هي العبارة الأولى.
والتي شرحت المقصود بالنظام السياسي المحدد بأنه هو ما كان متعلقاً بأنظمة، فالناس يختارون النظام الذي يحكمهم، فهذا هو المجال الذي لم يحدد، لكنه حين يحكمهم فهو سيحكم بأحكام الشريعة، بخلاف العبارة الثانية التي ألغت أحكام الشريعة بتاتاً عن كافة الشأن الدنيوي.

طبعاً:
هذه العبارات قد يقولها الشخص ويقصد بها معنى صحيحاً ومثل هذا مما يتسامح فيه، لكن من المهم أن نستحضر أن بعض الناس يتعمّد اختيار مثل هذه العبارات، فالعبارة الثانية تجدها بكثرة في كتابات العلمانيين، فهم يقولونها بوعي وقصد ومعرفة، فربما قرأها شخص فلا يفطن للمقصود بها، فهو بدلاً من أن يقول إن الشريعة لا علاقة لها بالحكم والنظام العام، ونحو هذه العبارات التي تصادم مشاعر الناس وتنفرهم من كلامه، بدلاً من هذا يقدّم المعنى في قالب ألطف وأسهل وإن كان المعنى لم يتغيّر.

 

د.فهد العجلان
  • مقالات
  • السياسة الشرعية
  • سيادة الشريعة
  • محاضرات مفرغة
  • معركة النصّ
  • الفروق الفيسبوكية
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية