*قال ابن تيمية فى ج27 ص 433
الوسيلة التى امر الله أن تبتغى اليه
فقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة" قال عامة
المفسرين كابن عباس ومجاهد وعطاء والفراءالوسيلة القربة قال قتادة تقربوا إلى
الله بما يرضيه قال أبو عبيدة توسلت إليه أى تقربت وقال عبد الرحمن بن زيد
تحببوا الى الله والتحبب والتقرب اليه انما هو بطاعة رسوله فالايمان بالرسول
وطاعته هو وسيلة الخلق الى الله ليس لهم وسيلة يتوسلون بها البتة الا الايمان
برسوله وطاعته وليس لاحد من الخلق وسيلة الى الله تبارك وتعالى الا بوسيلة
الايمان بهذا الرسول الكريم وطاعته,
*وقال فى*ج1 ص274
والوسيلة التى أمرنا الله أن نبتغيها اليه هى التقرب الى الله بطاعته وهذا
يدخل فيه كل ما أمرنا الله به ورسوله وهذه الوسيلةلا طريق لنا اليها الا
باتباع النبى صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وطاعته وهذا التوسل به فرض على
كل أحد
**وتحقيق الوسيلة فى الشرع:ـ
*قال ابن تيمية فى ج1 ص 308وما
بعدها:ـ
وإذا تكلمنا فيما يستحقه الله تبارك وتعالى من التوحيد بينا أن الأنبياء
وغيرهم من المخلوقين لا يستحقون ما يستحقه الله تبارك وتعالى من خصائص فلا
يشرك بهم ولا يتوكل عليهم ولا يستغاث بهم كما يستغاث بالله ولا يقسم على الله
بهم ولا يتوسل بذواتهم وإنما يتوسل بالإيمان بهم وبمحبتهم وطاعتهم وموالاتهم
وتعزيرهم وتوقيرهم ومعاداة من عاداهم وطاعتهم فيما أمروا وتصديقهم فيما
أخبروا وتحليل ما حللوه وتحريم ما حرموه
والتوسل بذلك على وجهين :
أحدهما :أن يتوسل بذلك الى إجابة
الدعاء واعطاء السؤال كحديث الثلاثة الذين أووا الى الغار فإنهم توسلوا
بأعمالهم الصالحة ليجيب دعاءهم ويفرج كربتهم وقد تقدم بيان ذلك
والثانى:التوسل بذلك الى حصول ثواب الله وجنته ورضوانه فإن الأعمال الصالحة
التى أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم هى الوسيلة التامة الى سعادة الدنيا
والآخرة ومثل هذا كقول المؤمنين ربنا اننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن
آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار
فإنهم قدموا ذكر الإيمان قبل الدعاء ومثل ذلك ما حكاه الله سبحانه عن
المؤمنين فى قوله تعالى انه كان فريق من عبادى يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا
وارحمنا وأنت خير الراحمين وأمثال ذلك كثير,,
*وكذلك التوسل بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم وشفاعته: فإنه يكون على وجهين
أحدهما: أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيدعو ويشفع كما كان يطلب منه فى حياته
وكما يطلب منه يوم القيامة حين يأتون آدم ونوحا ثم الخليل ثم موسى الكليم ثم
عيسى ثم يأتون محمدا صلوات الله وسلامه عليه وعليهم فيطلبون منه الشفاعة
والوجه الثانى :أن يكون التوسل مع ذلك بأن يسأل الله تعالى بشفاعته ودعائه
كما فى حديث الأعمى (وسيأتى بيانه) فإنه طلب منه الدعاء والشفاعة فدعا له
الرسول وشفع فيه وأمره أن يدعو الله فيقول اللهم انى أسألك وأتوجه اليك به
اللهم فشفعه فى فأمره أن يسأل الله تعالى قبول شفاعته بخلاف من يتوسل بدعاء
الرسول وشفاعة الرسول والرسول لــــم يدع لـه ولم يشفع فيه فهذا توسل بما لم
يوجد وإنما يتوسل بدعائه وشفاعته من دعا له وشفع فيه,
ومن هذا الباب قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقت الإستسقاء كما تقدم فإن
عمر والمسلمين توسلوا بدعاء العباس وسألوا الله تعالى مع دعاء العباس فإنهم
استشفعوا جميعا ولم يكن العباس وحده هو الذى دعا لهم فصار التوسل بطاعته
والتوسل بشفاعته كل منهما يكون مع دعاء المتوسل وسؤاله ولا يكون بدون ذلك
فهذه أربعة أنواع كلها مشروعة لا ينازع فى واحد منها أحد من أهل العلم
والإيمان,
**لفظ الوسيلة له عدة معان فى القرآن
والسنة وفى كلام السلف وغيرهم:ـ
*قال ابن تيمية فى ج1 ص199وما بعدها:
إذا عرف هذا فقد تبين أن لفظ الوسيلة والتوسل فيه اجمال واشتباه يجب أن تعرف
معانيه ويعطى كل ذى حق حقه:
فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه
وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك
ويعرف ما احدثه المحدثون فى هذا اللفظ ومعناه
فإن كثيرا من اضطراب الناس فى هذا الباب هو بسبب ما وقع من الاجمال والاشتراك
فى الالفاظ ومعانيها حتى تجد أكثرهم لا يعرف فى هذا الباب فصل الخطاب,
فلفظ الوسيلة: مذكور فى القرآن فى قوله تعالى "يا ايها الذين آمنوا اتقوا
الله وابتغوا اليه الوسيلة" وفى قوله تعالى" قل ادعوا الذين زعمتم من دونه
فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا , اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم
الوسيلة أيهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محذورا"
فالوسيلة التى امر الله ان تبتغى اليه واخبر عن ملائكته وانبيائه انهم
يبتغونها اليه هى ما يتقرب اليه من الواجبات والمستحبات فهذه الوسيلة التى
امر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب وما ليس بواجب ولا مستحب
لا يدخل فى ذلك سواء كان محرما أو مكروها او مباحا فالواجب والمستحب هو ما
شرعه الرسول فأمر به امر ايجاب او استحباب وأصل ذلك الايمان بما جاء به
الرسول فجماع الوسيلة التى أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل اليه باتباع
ما جاء به الرسول لا وسيلة لأحد الى الله الا ذلك
*وقال فى ج1 ص142
فالحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه
الله ورسوله وقد أرسله الله الى الثقلين الجن والإنس فعلى كل أحد أن يؤمن به
وبما جاء به ويتبعه فى باطنه وظاهرة والإيمان به ومتابعته هو سبيل الله وهو
دين الله وهو عبادة الله وهو طاعة الله وهو طريق أولياء الله وهو الوسيلة
التى أمر الله بها عباده فى قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله
وابتغوا اليه الوسيلة" فإبتغاء الوسيلة الى الله انما يكون لمن توسل الى الله
بالإيمان بمحمد وأتباعه
وهذا التوسل بالإيمان به وطاعته فرض على كل أحد باطنا وظاهرا فى حياة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته فى مشهده ومغيبه لا يسقط التوسل بالإيمان
به وبطاعته عن أحد من الخلق فى حال من الأحوال بعد قيام الحجة عليه ولا بعذر
من الأعذار ولا طريق الى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه الا
التوسل بالإيمان به وبطاعته
وهو صلى الله عليه وسم شفيع الخلائق صاحب المقام المحمود الذى يغبطه به
الأولون والآخرون فهو أعظم الشفعاء قدرا وأعلاهم جاها عند الله وقد قال تعالى
عن موسى "وكان عند الله وجيها" وقال عن المسيح "وجيها فى الدنيا والآخرة"
ومحمد صلى الله عليه وسلم أعظم جاها من جميع الأنبياء والمرسلين لكن شفاعته
ودعاؤه إنما ينتفع به من شفع له الرسول ودعا له فمن دعى له الرسول وشفع له
توسل الى الله بشفاعته ودعائه كما كان أصحابه يتوسلون الى الله بدعائه
وشفاعته وكما يتوسل الناس يوم القيامة الى الله تبارك وتعالى بدعائه وشفاعته
صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما
ولفظ التوسل: فى عرف الصحابة كانوا يستعملونه فى هذا المعنى والتوسل بدعائه
وشفاعته ينفع مع الإيمان به وأما بدون الإيمان به فالكفار والمنافقون لا تغنى
عنهم شفاعة الشافعين فى الآخرة ولهذا نهى عن الإستغفار لعمه وأبيه وغيرهما من
الكفار ونهى عن الإستغفار للمنافقين وقيل له "سواء عليهم استغفرت لهم أم لم
تستغفر لهم لن يغفر الله لهم"
**والثانى لفظ الوسيلة: فى الاحاديث الصحيحة: كقوله صلى الله عليه وسلم "سلوا
الله لى الوسيلة فإنها درجة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله وأرجو
أن أكون أنا ذلك العبد فمن سأل الله لى الوسيلة حلت عليه شفاعتى يوم القيامة"
وقوله "من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة
آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته" حلت له الشفاعة
فهذه الوسيلة للنبى صلى الله عليه وسلم خاصة وقد امرنا ان نسأل الله له هذه
الوسيلة وأخبر انها لا تكون الا لعبد من عباد الله وهو يرجو ان يكون ذلك
العبد وهذه الوسيلة امرنا ان نسألها للرسول وأخبر أن من سأل له هذه الوسيلة
فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة لأن الجزاء من جنس العمل فلما دعوا للنبى
صلى الله عليه وسلم استحقوا ان يدعو هو لهم فان الشفاعة نوع من الدعاء كما
قال انه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا وأما التوسل بالنبى صلى الله
عليه وسلم والتوجه به فى كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته,
**ما هى حقيقة التوسل بالنبى :؟؟
*قال ابن تيمية فى نفس الموضع:
فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين ويراد به معنى ثالث لم
ترد به سنة فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء
فأحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته
والثانى: دعاؤه وشفاعته كما تقدم
فهذان جائزان بإجماع المسلمين ومن هذا قول عمر بن الخطاب اللهم إنا كنا إذا
أجدبنا توسلنا اليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل اليك بعم نبينا فاسقنا أى
بدعائه وشفاعته وقوله تعالى وابتغوا اليه الوسيلة أى القربة اليه بطاعته
وطاعة رسوله طاعته قال تعالى "من يطع الرسول فقد أطاع الله "
فهذا التوسل الأول هو أصل الدين وهذا لا ينكره أحد من المسلمين
وأما التوسل بدعائه وشفاعته كما قال عمر فإنه توسل بدعائه لا بذاته ولهذا
عدلوا عن التوسل به الى التوسل بعمه العباس ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا
أولى من التوسل بالعباس فلما عدلوا عن التوسل به الى التوسل بالعباس علم أن
ما يفعل فى حياته قد تعذر بموته بخلاف التوسل الذى هو الإيمان به والطاعة له
فانه مشروع دائما
فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان:
احدها :التوسل بطاعته فهذا فرض لا يتم
الإيمان إلا به
والثانى: التوسل بدعائه وشفاعته وهذا كان فى حياته ويكون يوم القيامة يتوسلون
بشفاعته
والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته فهذا هو الذى
لم تكن الصحابة يفعلونه فى الإستسقاء ونحوه ولا فى حياته ولا بعد مماته ولا
عند قبره ولا يعرف هذا فى شىء من الأدعية المشهورة بينهم وإنما ينقل شىء من
ذلك فى أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عن من ليس قوله حجة كما سنذكر ذلك إن
شاء الله تعالى,
*وقال فى ج1 ص27
وأما التوسل بدعائه وشفاعته كما يسأله
الناس يوم القيامة أن يشفع لهم وكما كان الصحابة يتوسلون بشفاعته فى
الاستسقاء وغيره مثل توسل الأعمى بدعائه حتى رد الله عليه بصره بدعائه
وشفاعته فهذا نوع ثالث هو من باب قبول الله دعاءه وشفاعته لكرامته عليه فمن
شفع له الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا له فهو بخلاف من لم يدع له ولم يشفع
له, ولكن بعض الناس ظن أن توسل الصحابة به كان بمعنى أنهم يقسمون به ويسألون
به فظن هذا مشروعا مطلقا لكل أحد فى حياته ومماته وظنوا أن هذا مشروع فى حق
الأنبياء والملائكة بل وفى الصالحين وفيمن يظن فيهم الصلاح وإن لم يكن صالحا
فى نفس الأمر,
وليس فى الأحاديث المرفوعة فى ذلك حديث فى شىء من دواوين المسلمين التى يعتمد
عليها فى الأحاديث لا فى الصحيحين ولا كتب السنن ولا المسانيد المعتمدة كمسند
الإمام أحمد وغيره وإنما يوجد فى الكتب التى عرف أن فيها كثيرا من الأحاديث
الموضوعة المكذوبة التى يختلقها الكذابون بخلاف من قد يغلط فى الحديث ولا
يتعمد الكذب فإن هؤلاء توجد الرواية عنهم فى السنن ومسند الإمام أحمد ونحوه
بخلاف من يتعمد الكذب فان أحمد لم يرو فى مسنده عن أحد من هؤلاء, أما الصحابة
فلم يعرف فيهم ولله الحمد من تعمد الكذب على النبى صلى الله عليه وسلم كما لم
يعرف فيهم من كان من أهل البدع المعروفة كبدع الخوارج والرافضة والقدرية
والمرجئة فلم يعرف فيهم أحد من هؤلاء الفرق, ولا كان فيهم من قال إنه أتاه
الخضر فإن خضر موسى مات كما بين هذا فى غير هذا الموضع والخضر الذى يأتى
كثيرا من الناس إنما هو جنى تصور بصورة إنسى أو إنسى كذاب ولا يجوز أن يكون
ملكا مع قوله أنا الخضر فإن الملك لا يكذب وإنما يكذب الجنى والإنسى وأنا
أعرف ممن أتاه الخضر وكان جنيا مما يطول ذكره فى هذا الموضع وكان الصحابة
أعلم من أن يروج عليهم هذا التلبيس,
وكذلك لم يكن فيهم من حملته الجن الى مكة وذهبت به الى عرفات ليقف بها كما
فعلت ذلك بكثير من الجهال والعباد وغيرهم ولا كان فيهم من تسرق الجن أموال
الناس وطعامهم وتأتيه به فيظن أن هذا من باب الكرامات كما قد بسط الكلام على
ذلك فى مواضع,
وأما التابعون فلم يعرف تعمد الكذب فى التابعين من أهل مكة والمدينة والشام
والبصرة بخلاف الشيعة فإن الكذب معروف فيهم وقد عرف الكذب بعد هؤلاء فى
طوائف, والمقصود أن هذه الأحاديث التى تروى فى ذلك من جنس أمثالها من
الأحاديث الغريبة المنكرة بل الموضوعة
*وقال فى ج1 ص 285
وأما القسم الثالث مما يسمى توسلا فلا
يقدرأحد أن ينقل فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم شيئا يحتج به أهل العلم كما
تقدم بسط الكلام على ذلك وهو الإقسام على الله عز وجل بالأنبياء والصالحين أو
السؤال بأنفسهم فإنه لا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبى صلى الله عليه وسلم
شيئا ثابتا لا فى الإقسام أو السؤال به ولا فى الإقسام أو السؤال بغيره من
المخلوقين,
وإن كان فى العلماء من سوغه فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه
فتكون مسألة نزاع كما تقدم بيانه فيرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله ويبدى
كل واحد حجته كما فى سائر مسائل النزاع
*وقال فى ج1 ص 287
فمن إعتقد ذلك فى هذا أو فى هذا فهو
ضال وكانت بدعته من البدع السيئة وقد تبين بالأحاديث الصحيحة وما إستقرىء من
أحوال النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن هذا لم يكن مشروعا
عندهم,.. فكما أنه لا يسوغ لأحد أن يحلف بمخلوق فلا يحلف على الله بمخلوق ولا
يسأله بنفس مخلوق وإنما يسأل بالأسباب التى تناسب إجابة الدعاء, لكن قد روى
فى جواز ذلك آثار وأقوال عن بعض أهل العلم ولكن ليس فى المنقول عن النبى صلى
الله عليه وسلم شىء ثابت بل كلها موضوعة,